New Page 1

العودة   .. :: منتدى تاروت الثقافي :: .. > منتديات العلوم الدينية > منتدى القرآن الكريم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-02-12, 08:42 AM   #1

ياوديعة علي
عضو قدير جداً

 
الصورة الرمزية ياوديعة علي  







عاشقة

تفسير (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ)







وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ ۚ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا ۚ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴿235﴾ سورة البقره


بيان
الآيات في أحكام الطلاق و العدة و إرضاع المطلقة ولدها، و في خلالها شيء من أحكام الصلاة.
قوله تعالى: و المطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء، أصل الطلاق التخلية عن وثاق و تقييد ثم استعير لتخلية المرأة عن حبالة النكاح و قيد الزوجية ثم صار حقيقة في ذلك بكثرة الاستعمال.
و التربص هو الانتظار و الحبس، و قد قيد بقوله تعالى: بأنفسهن، ليدل على معنى التمكين من الرجال فيفيد معنى العدة أعني عدة الطلاق، و هو حبس المرأة نفسها عن الإزدواج تحذرا عن اختلاط المياه، و يزيد على معنى العدة الإشارة إلى حكمة التشريع، و هو التحفظ عن اختلاط المياه و فساد الأنساب، و لا يلزم اطراد الحكمة في جميع الموارد فإن القوانين و الأحكام إنما تدور مدار المصالح و الحكم الغالبة دون العامة، فقوله تعالى يتربصن بأنفسهن بمنزله قولنا: يعتددن احترازا من اختلاط المياه و فساد النسل بتمكين الرجال من أنفسهن، و الجملة خبر أريد به الإنشاء تأكيدا.
و القروء جمع القرء، و هو لفظ يطلق على الطهر و الحيض معا، فهو على ما قيل من الأضداد، غير أن الأصل في مادة قرء هو الجمع لكن لا كل جمع بل الجمع الذي يتلوه الصرف و التحويل و نحوه، و على هذا فالأظهر أن يكون معناه الطهر لكونه حالة جمع الدم ثم استعمل في الحيض لكونه حالة قذفه بعد الجمع، و بهذه العناية أطلق على الجمع بين الحروف للدلالة على معنى القراءة، و قد صرح أهل اللغة بكون معناه هو الجمع، و يشعر بأن الأصل في مادة قرء الجمع، قوله تعالى: «لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه و قرءانه فإذا قرأناه فاتبع قرءانه»: القيامة - 18، و قوله تعالى: «و قرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث:» بني إسرائيل - 106، حيث عبر تعالى في الآيتين بالقرآن، و لم يعبر بالكتاب أو الفرقان أو ما يشبههما، و به سمي القرآن قرآنا.
قال الراغب في مفرداته: و القرء في الحقيقة اسم للدخول في الحيض عن طهر و لما كان اسما جامع للأمرين: الطهر و الحيض المتعقب له أطلق على كل واحد لأن كل اسم موضوع لمعنيين معا يطلق على كل واحد منهما إذا انفرد، كالمائدة للخوان و الطعام، ثم قد يسمى كل واحد منهما بانفراده به، و ليس القرء اسما للطهر مجردا و لا للحيض مجردا، بدليل أن الطاهر التي لم تر أثر الدم لا يقال لها: ذات قرء، و كذا الحائض التي استمر بها الدم لا يقال لها: ذلك، انتهى.
قوله تعالى: و لا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله و اليوم الآخر، المراد به تحريم كتمان المطلقة الدم أو الولد استعجالا في خروج العدة أو إضرارا بالزوج في رجوعه و نحو ذلك و في تقييده بقوله: إن كن يؤمن بالله و اليوم الآخر مع عدم اشتراط أصل الحكم بالإيمان نوع ترغيب و حث لمطاوعة الحكم و التثبت عليه لما في هذا التقييد من الإشارة إلى أن هذا الحكم من لوازم الإيمان بالله و اليوم الآخر الذي عليه بناء الشريعة الإسلامية فلا استغناء في الإسلام عن هذا الحكم، و هذا نظير قولنا: أحسن معاشرة الناس إن أردت خيرا، و قولنا للمريض: عليك بالحمية إن أردت الشفاء و البرء.
قوله تعالى: و بعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا، البعولة جمع البعل و هو الذكر من الزوجين ما داما زوجين و قد استشعر منه معنى الاستعلاء و القوة و الثبات في الشدائد لما أن الرجل كذلك بالنسبة إلى المرأة ثم جعل أصلا يشتق منه الألفاظ بهذا المعنى فقيل لراكب الدابة بعلها، و للأرض المستعلية بعل، و للصنم بعل، و للنخل إذا عظم بعل و نحو ذلك.
و الضمير في بعولتهن للمطلقات إلا أن الحكم خاص بالرجعيات دون مطلق المطلقات الأعم منها و من البائنات، و المشار إليه بذلك التربص الذي هو بمعنى العدة، و التقييد بقوله إن أرادوا إصلاحا، للدلالة على وجوب أن يكون الرجوع لغرض الإصلاح لا لغرض الإضرار المنهي عنه بعد بقوله: و لا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا، الآية.
و لفظ أحق اسم تفضيل حقه أن يتحقق معناه دائما مع مفضل عليه كأن يكون للزوج الأول حق في المطلقة و لسائر الخطاب حق، و الزوج الأول أحق بها لسبق الزوجية، غير أن الرد المذكور لا يتحقق معناه إلا مع الزوج الأول.
و من هنا يظهر: أن في الآية تقديرا لطيفا بحسب المعنى، و المعنى و بعولتهن أحق بهن من غيرهم، و يحصل ذلك بالرد و الرجوع في أيام العدة، و هذه الأحقية إنما تتحقق في الرجعيات دون البائنات التي لا رجوع فيها، و هذه هي القرينة على أن الحكم مخصوص بالرجعيات، لا أن ضمير بعولتهن راجع إلى بعض المطلقات بنحو الاستخدام أو ما أشبه ذلك، و الآية خاصة بحكم المدخول بهن من ذوات الحيض غير الحوامل، و أما غير المدخول بها و الصغيرة و اليائسة و الحامل فلحكمها آيات أخر.
قوله تعالى: و لهن مثل الذي عليهن بالمعروف و للرجال عليهن درجة، المعروف هو الذي يعرفه الناس بالذوق المكتسب من نوع الحياة الاجتماعية المتداولة بينهم، و قد كرر سبحانه المعروف في هذه الآيات فذكره في اثني عشر موضعا اهتماما بأن يجري هذا العمل أعني الطلاق و ما يلحق به على سنن الفطرة و السلامة، فالمعروف تتضمن هداية العقل، و حكم الشرع، و فضيلة الخلق الحسن و سنن الأدب.
و حيث بنى الإسلام شريعته على أساس الفطرة و الخلقة كان المعروف عنده هو الذي يعرفه الناس إذا سلكوا مسلك الفترة و لم يتعدوا طور الخلقة، و من أحكام الاجتماع المبني على أساس الفطرة أن يتساوى في الحكم أفراده و أجزاؤه فيكون ما عليهم مثل ما لهم إلا أن ذلك التساوي إنما هو مع حفظ ما لكل من الأفراد من الوزن في الاجتماع و التأثير و الكمال في شئون الحياة فيحفظ للحاكم حكومته، و للمحكوم محكوميته، و للعالم علمه، و للجاهل حاله، و للقوي من حيث العمل قوته، و للضعيف ضعفه ثم يبسط التساوي بينها بإعطاء كل ذي حق حقه، و على هذا جرى الإسلام في الأحكام المجعولة للمرأة و على المرأة فجعل لها مثل ما جعل عليها مع حفظ ما لها من الوزن في الحياة الاجتماعية في اجتماعها مع الرجل للتناكح و التناسل.
و الإسلام يرى في ذلك أن للرجال عليهن درجة، و الدرجة المنزلة.
و من هنا يظهر: أن قوله تعالى: و للرجال عليهن درجة، قيد متمم للجملة السابقة، و المراد بالجميع معنى واحد و هو: أن النساء أو المطلقات قد سوى الله بينهن و بين الرجال مع حفظ ما للرجال من الدرجة عليهن فجعل لهن مثل ما عليهن، من الحكم، و سنعود إلى هذه المسألة بزيادة توضيح في بحث علمي مخصوص بها.
قوله تعالى: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، المرة بمعنى الدفعة مأخوذة من المرور للدلالة على الواحد من الفعل كما أن الدفعة و الكرة و النزلة مثلها وزنا و معنى و اعتبارا.
و التسريح أصله الإطلاق في الرعي مأخوذ من سرحت الإبل و هو أن ترعيه السرح، و هو شجر له ثمر يرعاه الإبل، و قد استعير في الآية لإطلاق المطلقة بمعنى عدم الرجوع إليها في العدة، و التخلية عنها حتى تنقضي عدتها على ما سيجيء.
و المراد بالطلاق في قوله تعالى: الطلاق مرتان، الطلاق الذي يجوز فيه الرجعة و لذا أردفه بقوله بعد: فإمساك «إلخ»، و أما الثالث فالطلاق الذي يدل عليه قوله تعالى: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره الآية.
و المراد بتسريحها بإحسان ظاهرا التخلية بينها و بين البينونة و تركها بعد كل من التطليقتين الأوليين حتى تبين بانقضاء العدة و إن كان الأظهر أنه التطليقة الثالثة كما هو ظاهر الإطلاق في تفريع قوله: فإمساك «إلخ»، و على هذا فيكون قوله تعالى بعد: فإن طلقها «إلخ»، بيانا تفصيليا للتسريح بعد البيان الإجمالي.
و في تقييد الإمساك بالمعروف و التسريح بالإحسان من لطيف العناية ما لا يخفى، فإن الإمساك و الرد إلى حبالة الزوجية ربما كان للإضرار بها و هو منكر غير معروف، كمن يطلق امرأته ثم يخليها حتى تبلغ أجلها فيرجع إليها ثم يطلق ثم يرجع كذلك، يريد بذلك إيذاءها و الإضرار بها و هو إضرار منكر غير معروف في هذه الشريعة منهي عنه، بل الإمساك الذي يجوزه الشرع أن يرجع إليها بنوع من أنواع الالتيام، و يتم به الأنس و سكون النفس الذي جعله الله تعالى بين الرجل و المرأة.
و كذلك التسريح ربما كان على وجه منكر غير معروف يعمل فيه عوامل السخط و الغضب، و يتصور بصورة الانتقام، و الذي يجوزه هذه الشريعة أن يكون تسريحا بنوع يتعارفه الناس و لا ينكره الشرع، و هو التسريح بالمعروف كما قال تعالى في الآية الآتية فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف، و هذا التعبير هو الأصل في إفادة المطلوب الذي ذكرناه، و أما ما في هذه الآية أو تسريح بإحسان، حيث قيد التسريح بالإحسان و هو معنى زائد على المعروف فذلك لكون الجملة ملحوقة بما يوجب ذلك أعني قوله تعالى: و لا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا.
بيانه: أن التقييد بالمعروف و الإحسان لنفي ما يوجب فساد الحكم المشرع المقصود، و المطلوب بتقييد الإمساك بالمعروف نفي الإمساك الواقع على نحو المضارة كما قال تعالى: و لا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا، و المطلوب في مورد التسريح نفي أن يأخذ الزوج بعض ما آتاه للزوجة من المهر، و لا يكفي فيه تقييد التسريح بالمعروف كما فعل في الآية الآتية فإن مطالبة الزوج بعض ما آتاه زوجته و أخذه ربما لم ينكره التعارف الدائر بين الناس فزيد في تقييده بالإحسان في هذه الآية دون الآية الآتية ليستقيم قوله تعالى: و لا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا، و ليتدارك بذلك ما يفوت المرأة من مزية الحياة التي في الزوجية و الالتيام النكاحي، و لو قيل: أو تسريح بمعروف و لا يحل لكم «إلخ»، فاتت النكتة.
قوله تعالى: إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله، الخوف هو الغلبة على ظنهما أن لا يقيما حدود الله، و هي أوامره و نواهيه من الواجبات و المحرمات في الدين، و ذلك إنما يكون بتباعد أخلاقهما و ما يستوجبه حوائجهما و التباغض المتولد بينهما من ذلك.
قوله تعالى: فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به، العدول عن التثنية إلى الجمع في قوله: خفتم، كأنه للإشارة إلى لزوم أن يكون الخوف خوفا يعرفه العرف و العادة، لا ما ربما يحصل بالتهوس و التلهي أو بالوسوسة و نحوها، و لذلك عدل أيضا عن الإضمار فقيل ألا يقيما حدود الله، و لم يقل فإن خفتم ذلك لمكان اللبس.
و أما نفي الجناح عنهما مع أن النهي في قوله: و لا يحل لكم أن تأخذوا «إلخ»، إنما تعلق بالزوج فلأن حرمة الأخذ على الزوج توجب حرمة الإعطاء على الزوجة من باب الإعانة على الإثم و العدوان إلا في طلاق الخلع فيجوز توافقهما على الطلاق مع الفدية، فلا جناح على الزوج أن يأخذ الفدية، و لا جناح على الزوجة أن تعطي الفدية و تعين على الأخذ فلا جناح عليهما فيما افتدت به.
قوله تعالى: تلك حدود الله فلا تعتدوها و من يتعد حدود الله «إلخ»، المشار إليه هي المعارف المذكورة في الآيتين و هي أحكام فقهية مشوبة بمسائل أخلاقية، و أخرى علمية مبتنية على معارف أصلية، و الاعتداء و التعدي هو التجاوز.
و ربما استشعر من الآية عدم جواز التفرقة بين الأحكام الفقهية و الأصول الأخلاقية، و الاقتصار في العمل بمجرد الأحكام الفقهية و الجمود على الظواهر و التقشف فيها، فإن في ذلك إبطالا لمصالح التشريع و إماتة لغرض الدين و سعادة الحياة الإنسانية فإن الإسلام كما مر مرارا دين الفعل دون القول، و شريعة العمل دون الفرض، و لم يبلغ المسلمون إلى ما بلغوا من الانحطاط و السقوط إلا بالاقتصار على أجساد الأحكام و الإعراض عن روحها و باطن أمرها، و يدل على ذلك ما سيأتي من قوله تعالى: «و من يفعل ذلك فقد ظلم نفسه الآية:» البقرة - 231.
و في الآية التفات عن خطاب الجمع في قوله: و لا يحل لكم، و قوله: فإن خفتم إلى خطاب المفرد في قوله: تلك حدود الله، ثم إلى الجمع في قوله: فلا تعتدوها، ثم إلى المفرد في قوله: فأولئك هم الظالمون، فيفيد تنشيط ذهن المخاطب و تنبيهه للتيقظ و رفع الكسل في الإصغاء.
قوله تعالى: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره إلى آخر الآية، بيان لحكم التطليقة الثالثة و هو الحرمة حتى تنكح زوجا غيره، و قد نفى الحل عن نفس الزوجة مع أن المحرم إنما هو عقدها أو وطؤها ليدل به على تعلق الحرمة بهما جميعا، و ليشعر قوله تعالى: حتى تنكح زوجا غيره، على العقد و الوطء جميعا، فإن طلقها الزوج الثاني فلا جناح عليهما أي على المرأة و الزوج الأول أن يتراجعا إلى الزوجية بالعقد بالتوافق من الجانبين، و هو التراجع، و ليس بالرجوع الذي كان حقا للزوج في التطليقتين الأوليين، و ذلك إن ظنا أن يقيما حدود الله.
و وضع الظاهر موضع المضمر في قوله تعالى: و تلك حدود الله، لأن المراد بالحدود غير الحدود.
و في الآية من عجيب الإيجاز ما يبهت العقل، فإن الكلام على قصره مشتمل على أربعة عشر ضميرا مع اختلاف مراجعها و اختلاطها من غير أن يوجب تعقيدا في الكلام، و لا إغلاقا في الفهم.
و قد اشتملت هذه الآية و التي قبلها على عدد كثير من الأسماء المنكرة و الكنايات من غير رداءة في السياق كقوله تعالى: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، أربعة أسماء منكرة، و قوله تعالى: مما آتيتموهن شيئا كنى به عن المهر، و قوله تعالى: فإن خفتم، كنى به عن وجوب كون الخوف جاريا على مجرى العادة المعروفة، و قوله تعالى: فيما افتدت به، كنى به عن مال الخلع، و قوله تعالى: فإن طلقها، أريد به التطليقة الثالثة، و قوله تعالى: فلا تحل له، أريد به تحريم العقد و الوطء، و قوله تعالى: حتى تنكح زوجا غيره، أريد به العقد و الوطء معا كناية مؤدبة، و قوله تعالى: أن يتراجعا، كنى به عن العقد.
و في الآيتين حسن المقابلة بين الإمساك و التسريح، و بين قوله إن يخافا ألا يقيما حدود الله و بين قوله: إن ظنا أن يقيما حدود الله، و التفنن في التعبير في قوله: فلا تعتدوها و قوله: و من يتعد.
قوله تعالى: و إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن إلى قوله: لتعتدوا، المراد ببلوغ الأجل الإشراف على انقضاء العدة فإن البلوغ كما يستعمل في الوصول إلى الغاية كذلك يستعمل في الاقتراب منها، و الدليل على أن المراد به ذلك قوله تعالى: فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف، إذ لا معنى للإمساك و لا التسريح بعد انقضاء العدة و في قوله تعالى: و لا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا، نهى عن الرجوع بقصد المضارة كما نهى عن التسريح بالأخذ من المهر في غير الخلع.
قوله تعالى: و من يفعل ذلك فقد ظلم نفسه إلى آخر الآية إشارة إلى حكمة النهي عن الإمساك للمضارة فإن التزوج لتتميم سعادة الحياة، و لا يتم ذلك إلا بسكون كل من الزوجين إلى الآخر و إعانته في رفع حوائج الغرائز، و الإمساك خاصة رجوع إلى الاتصال و الاجتماع بعد الانفصال و الافتراق، و فيه جمع الشمل بعد شتاته، و أين ذلك من الرجوع بقصد المضارة.
فمن يفعل ذلك أي أمسك ضرارا فقد ظلم نفسه حيث حملها على الانحراف عن الطريقة التي تهدي إليها فطرته الإنسانية.
على أنه اتخذ آيات الله هزوا يستهزىء بها فإن الله سبحانه لم يشرع ما شرعه لهم من الأحكام تشريعا جامدا يقتصر فيه على أجرام الأفعال أخذا و إعطاء و إمساكا و تسريحا و غير ذلك، بل بناها على مصالح عامة يصلح بها فاسد الاجتماع، و يتم بها سعادة الحياة الإنسانية، و خلطها بأخلاق فاضلة تتربى بها النفوس، و تطهر بها الأرواح، و تصفو بها المعارف العالية: من التوحيد و الولاية و سائر الاعتقادات الزاكية، فمن اقتصر في دينه على ظواهر الأحكام و نبذ غيرها وراء ظهره فقد اتخذ آيات الله هزوا.
و المراد بالنعمة في قوله تعالى: و اذكروا نعمة الله عليكم، نعمة الدين أو حقيقة الدين و هي السعادة التي تنال بالعمل بشرائع الدين كسعادة الحياة المختصة بتألف الزوجين، فإن الله تعالى سمى السعادة الدينية نعمة كما في قوله تعالى: «و أتممت عليكم نعمتي:» المائدة - 3، و قوله تعالى: «و ليتم نعمته عليكم:» المائدة - 6، و قوله تعالى: «فأصبحتم بنعمته إخوانا:» آل عمران - 103.
و على هذا يكون قوله تعالى بعده: و ما أنزل عليكم من الكتاب و الحكمة يعظكم به، كالمفسر لهذه النعمة، و يكون المراد بالكتاب و الحكمة ظاهر الشريعة و باطنها أعني أحكامها و حكمها.
و يمكن أن يكون المراد بالنعمة مطلق النعم الإلهية، التكوينية و غيرها فيكون المعنى: اذكروا حقيقة معنى حياتكم و خاصة المزايا و محاسن التألف و السكونة بين الزوجين و ما بينه الله تعالى لكم بلسان الوعظ من المعارف المتعلقة بها في ظاهر الأحكام و حكمها فإنكم إن تأملتم ذلك أوشك أن تلزموا صراط السعادة، و لا تفسدوا كمال حياتكم و نعمة وجودكم، و اتقوا الله و لتتوجه نفوسكم إلى أن الله بكل شيء عليم، حتى لا يخالف ظاهركم باطنكم، و لا تجترءوا على الله بهدم باطن الدين في صورة تعمير ظاهره.
قوله تعالى: و إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف، العضل المنع، و الظاهر أن الخطاب في قوله: فلا تعضلوهن، لأوليائهن و من يجري مجراهم ممن لا يسعهن مخالفته، و المراد بأزواجهن، الأزواج قبل الطلاق، فالآية تدل على نهي الأولياء و من يجري مجراهم عن منع المرأة أن تنكح زوجها ثانيا بعد انقضاء العدة سخطا و لجاجا كما يتفق كثيرا، و لا دلالة في ذلك على أن العقد لا يصح إلا بولي.
أما أولا: فلأن قوله: فلا تعضلوهن، لو لم يدل على عدم تأثير الولاية في ذلك لم يدل على تأثيره.
و أما ثانيا: فلأن اختصاص الخطاب بالأولياء فقط لا دليل عليه بل الظاهر أنه أعم منهم، و أن النهي نهي إرشادي إلى ما يترتب على هذا الرجوع من المصالح و المنافع كما قال تعالى: ذلكم أزكى لكم و أطهر.
و ربما قيل: إن الخطاب للأزواج جريا على ما جرى به قوله: و إذا طلقتم النساء، و المعنى: و إذا طلقتم النساء يا أيها الأزواج فانقضت عدتهن فلا تمنعوهن أن ينكحن أزواجا يكونون أزواجهن، و ذلك بأن يخفى عنهن الطلاق لتضار بطول العدة و نحو ذلك.
و هذا الوجه لا يلائم قوله تعالى: أزواجهن، فإن التعبير المناسب لهذا المعنى أن يقال: أن ينكحن أو أن ينكحن أزواجا و هو ظاهر.
و المراد بقوله تعالى: فبلغن أجلهن، انقضاء العدة، فإن العدة لو لم تنقض لم يكن لأحد من الأولياء و غيرهم أن يمنع ذلك و بعولتهن أحق بردهن في ذلك.
على أن قوله تعالى: أن ينكحن، دون أن يقال: يرجعن و نحوه ينافي ذلك.
قوله تعالى: ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله و اليوم الآخر، هذا كقوله فيما مر: و لا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله و اليوم الآخر الآية، و إنما خص الموردان من بين الموارد بالتقييد بالإيمان بالله و اليوم الآخر، و هو التوحيد، لأن دين التوحيد يدعو إلى الاتحاد دون الافتراق، و يقضي بالوصل دون الفصل.
و في قوله تعالى: ذلك يوعظ به من كان منكم التفات إلى خطاب المفرد عن خطاب الجمع ثم التفات عن خطاب المفرد إلى خطاب الجمع، و الأصل في هذا الكلام خطاب المجموع أعني خطاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أمته جميعا لكن ربما التفت إلى خطاب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وحده في غير جهات الأحكام كقوله: تلك حدود الله فلا تعتدوها، و قوله فأولئك هم الظالمون، و قوله: و بعولتهن أحق بردهن في ذلك، و قوله: ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله، حفظا لقوام الخطاب، و رعاية لحال من هو ركن في هذه المخاطبة و هو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنه هو المخاطب بالكلام من غير واسطة، و غيره فمخاطب بوساطته، و أما الخطابات المشتملة على الأحكام فجميعها موجهة نحو المجموع، و يرجع حقيقة هذا النوع من الالتفات الكلامي إلى توسعة الخطاب بعد تضييقه و تضييقه بعد توسعته فليتدبر فيه.
قوله تعالى: ذلكم أزكى لكم و أطهر، الزكاة هو النمو الصالح الطيب، و قد مر الكلام في معنى الطهارة، و المشار إليه بقوله: ذلكم عدم المنع عن رجوعهن إلى أزواجهن، أو نفس رجوعهن إلى أزواجهن، و المآل واحد، و ذلك أن فيه رجوعا من الانثلام و الانفصال إلى الالتيام و الاتصال، و تقوية لغريزة التوحيد في النفوس فينمو على ذلك جميع الفضائل الدينية، و فيه تربية لملكة العفة و الحياء فيهن و هو أستر لهن و أطهر لنفوسهن، و من جهة أخرى فيه حفظ قلوبهن عن الوقوع على الأجانب إذا منعن عن نكاح أزواجهن.
و الإسلام دين الزكاة و الطهارة و العلم، قال تعالى: «و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة:» آل عمران - 164، و قال تعالى: «و لكن يريد ليطهركم:» المائدة - 7.
قوله تعالى: و الله يعلم و أنتم لا تعلمون، أي إلا ما يعلمكم كما قال تعالى.
«و يعلمهم الكتاب و الحكمة»: آل عمران - 164، و قال تعالى: «و لا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء،: البقرة - 255، فلا تنافي بين هذه الآية و بين قوله تعالى: و تلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون الآية أي يعلمون بتعليم الله.
قوله تعالى: و الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة.
الوالدات هن الأمهات، و إنما عدل عن الأمهات إلى الوالدات لأن الأم أعم من الوالدة كما أن الأب أعم من الوالد و الابن أعم من الولد، و الحكم في الآية مشروع في خصوص مورد الوالدة و الولد و المولود له، و أما تبديل الوالد بالمولود له، ففيه إشارة إلى حكمة التشريع فإن الوالد لما كان مولودا للوالد ملحقا به في معظم أحكام حياته لا في جميعها كما سيجيء بيانها في آية التحريم من سورة النساء إن شاء الله كان عليه أن يقوم بمصالح حياته و لوازم تربيته، و منها كسوة أمه التي ترضعه، و نفقتها، و كان على أمه أن لا تضار والدة لأن الولد مولود له.
و من أعجب الكلام ما ذكر بعض المفسرين: أنه إنما قيل: المولود له دون الوالد: ليعلم أن الوالدات إنما ولدن لهن لأن الأولاد للآباء و لذلك ينسبون إليهم لا إلى الأمهات، و أنشد المأمون بن الرشيد: و إنما أمهات الناس أوعية.
مستودعات و للآباء أبناء.
انتهى ملخصا، و كأنه ذهل عن صدر الآية و ذيلها حيث يقول تعالى: أولادهن و يقول: بولدها، و أما ما أنشده من شعر المأمون فهو و أمثاله أنزل قدرا من أن يتأيد بكلامه كلام الله تعالى و تقدس.
و قد اختلط على كثير من علماء الأدب أمر اللغة، و أمر التشريع، حكم الاجتماع و أمر التكوين فربما استشهدوا باللغة على حكم اجتماعي، أو حقيقة تكوينية.
و جملة الأمر في الولد أن التكوين يلحقه بالوالدين معا لاستناده في وجوده إليهما معا، و الاعتبار الاجتماعي فيه مختلف بين الأمم: فبعض الأمم يلحقه بالوالدة، و بعضهم بالوالد و الآية تقرر قول هذا البعض، و تشير إليه بقوله: المولود له كما تقدم، و الإرضاع إفعال من الرضاعة و الرضع و هو مص الثدي بشرب اللبن منه، و الحول هو السنة سميت به لأنها تحول و إنما وصف بالكمال لأن الحول و السنة لكونه ذا أجزاء كثيرة ربما يسامح فيه فيطلق على الناقص كالكامل، فكثيرا ما يقال: أقمت هناك حولا أو حولين إذا أقيم مدة تنقص منه أياما.
و في قوله تعالى: لمن أراد أن يتم الرضاعة، دلالة على أن الحضانة و الإرضاع حق للوالدة المطلقة موكول إلى اختيارها و البلوغ إلى آخر المدة أيضا من حقها فإن شاءت إرضاعه حولين كاملين فلها ذلك و إن لم تشأ التكميل فلها ذلك، و أما الزوج فليس له في ذلك حق إلا إذا وافقت عليه الزوجة بتراض منهما كما يشير إليه قوله تعالى فإن أرادا فصالا «إلخ».
قوله تعالى: و على المولود له رزقهن و كسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها، المراد بالمولود له هو الوالد كما مر، و الرزق و الكسوة هما النفقة و اللباس، و قد نزلهما الله تعالى على المعروف و هو المتعارف من حالهما، و قد علل ذلك بحكم عام آخر رافع للحرج، و هو قوله تعالى: لا تكلف نفس إلا وسعها، و قد فرع عليه حكمين آخرين، أحدهما: حق الحضانة و الإرضاع الذي للزوجة و ما أشبهه فلا يحق للزوج أن يحول بين الوالدة و ولدها بمنعها عن حضانته أو رؤيته أو ما أشبه ذلك فإن ذلك مضارة و حرج عليها، و ثانيهما: نفي مضارة الزوجة للزوج بولده بأن تمنعه عن الرؤية و نحو ذلك، و ذلك قوله تعالى: لا تضار والدة بولدها و لا مولود له بولده، و النكتة في وضع الظاهر موضع الضمير أعني في قوله.
تابع

__________________
ساخت الارض بأهلها فمتى تعود ترانا ونراك (عج)
غريب ياقلبي كيف تعيش

ياوديعة علي غير متصل  

قديم 02-02-12, 08:44 AM   #2

ياوديعة علي
عضو قدير جداً

 
الصورة الرمزية ياوديعة علي  







عاشقة

رد: تفسير (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ)








بولده دون أن يقول به رفع التناقض المتوهم، فإنه لو قيل: و لا مولود له به رجع الضمير إلى قوله ولدها و كان ظاهر المعنى: و لا مولود له بولد المرأة فأوهم التناقض لأن إسناد الولادة إلى الرجل يناقض إسنادها إلى المرأة، ففي الجملة مراعاة لحكم التشريع و التكوين معا أي أن الولد لهما معا تكوينا فهو ولده و ولدها و له فحسب تشريعا لأنه مولود له.
قوله تعالى: و على الوارث مثل ذلك، ظاهر الآية: أن الذي جعل على الوالد من الكسوة و النفقة فهو مجعول على وارثه إن مات، و قد قيل في معنى الآية أشياء أخر لا يوافق ظاهرها، و قد تركنا ذكرها لأنها بالبحث الفقهي أمس فلتطلب من هناك، و الذي ذكرناه هو الموافق لمذهب أئمة أهل البيت فيما نقل عنهم من الأخبار، و هو الموافق أيضا لظاهر الآية.
قوله تعالى: فإن أرادا فصالا عن تراض منهما و تشاور إلى آخر الآية، الفصال الفطام، و التشاور: الاجتماع على المشورة، و الكلام تفريع على الحق المجعول للزوجة و نفي الحرج عن البين، فالحضانة و الرضاع ليس واجبا عليها غير قابل التغيير، بل هو حق يمكنها أن تتركه.
فمن الجائز أن يتراضيا بالتشاور على فصال الولد من غير جناح عليهما و لا بأس، و كذا من الجائز أن يسترضع الزوج لولده من غير الزوجة الوالدة إذا ردت الولد إليه بالامتناع عن إرضاعه، أو لعلة أخرى من انقطاع لبن أو مرض و نحوه إذا سلم لها ما تستحقها تسليما بالمعروف بحيث لا يزاحم في جميع ذلك حقها، و هو قوله تعالى: و إن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف.
قوله تعالى: و اتقوا الله و اعلموا أن الله بما تعملون بصير، أمر بالتقوى و أن يكون هذا التقوى بإصلاح صورة هذه الأعمال، فإنها أمور مرتبطة بالظاهر من الصورة و لذلك قال تعالى: و اعلموا أن الله بما تعملون بصير، و هذا بخلاف ما في ذيل قوله تعالى السابق: و إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن الآية من قوله تعالى: و اتقوا الله و اعلموا أن الله بكل شيء عليم، فإن تلك الآية مشتملة على قوله تعالى: و لا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا، و المضارة ربما عادت إلى النية من غير ظهور في صورة العمل إلا بحسب الأثر بعد.
قوله تعالى: و الذين يتوفون منكم و يذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر و عشرا، التوفي هو الإماتة، يقال: توفاه الله إذا أماته فهو متوفى بصيغة اسم المفعول، و يذرون مثل يدعون بمعنى يتركون و لا ماضي لهما من مادتهما، و المراد بالعشر الأيام حذفت لدلالة الكلام عليه.
قوله تعالى: فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف المراد ببلوغ الأجل انقضاء العدة، و قوله: فلا جناح «إلخ» كناية عن إعطاء الاختيار لهن في أفعالهن فإن اخترن لأنفسهن الازدواج فلهن ذلك، و ليس لقرابة الميت منعهن عن شيء من ذلك استنادا إلى بعض العادات المبنية على الجهالة و العمى أو الشح و الحسد فإن لهن حقا في ذلك معروفا في الشرع و ليس لأحد أن ينهى عن المعروف.
و قد كانت الأمم على أهواء شتى في المتوفى عنها زوجها، بين من يحكم بإحراق الزوجة الحية مع زوجها الميت أو إلحادها و إقبارها معه، و بين من يقضي بعدم جواز ازدواجها ما بقيت بعده إلى آخر عمرها كالنصارى، و بين من يوجب اعتزالها عن الرجال إلى سنة من حين الوفاة كالعرب الجاهلي، أو ما يقرب من السنة كتسعة أشهر كما هو كذلك عند بعض الملل الراقية، و بين من يعتقد أن للزوج المتوفى حقا على الزوجة في الكف عن الازدواج حينا من غير تعيين للمدة، كل ذلك لما يجدونه من أنفسهم أن الازدواج للاشتراك في الحياة و الامتزاج فيها، و هو مبني على أساس الأنس و الألفة، و للحب حرمة يجب رعايتها، و هذا و إن كان معنى قائما بالطرفين، و مرتبطا بالزوج و الزوجة معا فكل منهما أخذته الوفاة كان على الآخر رعاية هذه الحرمة بعد صاحبه، غير أن هذه المراعاة على المرأة أوجب و ألزم، لما يجب عليها من مراعاة جانب الحياة و الاحتجاب و العفة، فلا ينبغي لها أن تبتذل فتكون كالسلعة المبتذلة الدائرة تعتورها الأيدي واحدة بعد واحدة، فهذا هو الموجب لما حكم به هذه الأقوام المختلفة في المتوفى عنها زوجها، و قد عين الإسلام هذا التربص بما يقرب من ثلث سنة، أعني أربعة أشهر و عشرا.
قوله تعالى: و الله بما تعملون خبير، لما كان الكلام مشتملا على تشريع عدة الوفاة و على تشريع حق الازدواج لهن بعدها، و كان كل ذلك تشخيصا للأعمال مستندا إلى الخبرة الإلهية كان الأنسب تعليله بأن الله خبير بالأعمال مشخص للمحظور منها عن المباح، فعليهن أن يتربصن في مورد و أن يخترن ما شئن لأنفسهن في مورد آخر، و لذا ذيل الكلام بقوله: و الله بما تعملون خبير.
قوله تعالى: لا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم التعريض هو الميل بالكلام إلى جانب ليفهم المخاطب أمرا مقصودا للمتكلم لا يريد التصريح به، من العرض بمعنى الجانب فهو خلاف التصريح.
و الفرق بين التعريض و الكناية أن للكلام الذي فيه التعريض معنى مقصودا غير ما اعترض به كقول المخاطب للمرأة: إني حسن المعاشرة و أحب النساء، أي لو تزوجت بي سعدت بطيب العيش و صرت محبوبة، بخلاف الكناية إذ لا يقصد في الكناية غير المكنى عنه كقولك: فلان كثير الرماد تريد أنه سخي.
و الخطبة بكسر الخاء من الخطب بمعنى التكلم و المراجعة في الكلام، يقال: خطب المرأة خطبة بالكسر إذا كلمها في أمر التزوج بها فهو خاطب و لا يقال: خطيب و يقال خطب القوم خطبة بضم الخاء إذا كلمهم، و خاصة في الوعظ فهو خاطب من الخطاب و خطيب من الخطباء.
و الإكنان من الكن بالفتح بمعنى الستر لكن يختص الإكنان بما يستر في النفس كما قال: أو أكننتم في أنفسكم، و الكن بما يستر بشيء من الأجسام كمحفظة أو ثوب أو بيت، قال تعالى: «كأنهن بيض مكنون:» الصافات - 49، و قال تعالى: «كأمثال اللؤلؤ المكنون:» الواقعة - 23، و المراد بالآية نفي البأس عن التعريض في الخطبة أو إخفاء أمور في القلب في أمرها.
قوله تعالى: علم الله أنكم ستذكرونهن، في مورد التعليل لنفي الجناح عن الخطبة و التعريض فيها، و المعنى: أن ذكركم إياهن أمر مطبوع في طباعكم و الله لا ينهى عن أمر تقضي به غريزتكم الفطرية و نوع خلقتكم، بل يجوزه، و هذا من الموارد الظاهرة في أن دين الإسلام مبني على أساس الفطرة.
قوله تعالى: و لا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله، العزم عقد القلب على الفعل و تثبيت الحكم بحيث لا يبقى فيه وهن في تأثيره إلا أن يبطل من رأس، و العقدة من العقد بمعنى الشد.
و في الكلام تشبيه علقة الزوجية بالعقدة التي يعقد بها أحد الخيطين بالآخر بحيث يصيران واحدا بالاتصال، كان حبالة النكاح تصير الزوجين واحدا متصلا، ثم في تعليق عقدة النكاح بالعزم الذي هو أمر قلبي إشارة إلى أن سنخ هذه العقدة و العلقة أمر قائم بالنية و الاعتقاد فإنها من الاعتبارات العقلائية التي لا موطن لها إلا ظرف الاعتقاد و الإدراك، نظير الملك و سائر الحقوق الاجتماعية العقلائية كما مر بيانه في ذيل قوله تعالى: «كان الناس أمة واحدة الآية:» البقرة - 213، ففي الآية استعارة و كناية، و المراد بالكتاب هو المكتوب أي المفروض من الحكم و هو التربص الذي فرضه الله على المعتدات.
فمعنى الآية: و لا تجروا عقد النكاح حتى تنقضي عدتهن، و هذه الآية تكشف أن الكلام فيها و في الآية السابقة عليها أعني قوله تعالى: لا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء الآية إنما هو في خطبة المعتدات و في عقدهن، و على هذا فاللام في قوله: النساء للعهد دون الجنس و غيره.
قوله تعالى: و اعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم «إلخ» إيراد ما ذكر من صفاته تعالى في الآية، أعني العلم و المغفرة و الحكم يدل على أن الأمور المذكورة في الآيتين و هي خطبة المعتدات و التعريض لهن و مواعدتهن سرا من موارد الهلكات لا يرتضيها الله سبحانه كل الارتضاء و إن كان قد أجاز ما أجازه منها.
قوله تعالى: لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة، المس كناية عن المواقعة، و المراد بفرض الفريضة تسمية المهر، و المعنى: أن عدم مس الزوجة لا يمنع عن صحة الطلاق و كذا عدم ذكر المهر.
قوله تعالى: و متعوهن على الموسع قدره و على المقتر قدره متاعا بالمعروف، التمتيع إعطاء ما يتمتع به، و المتاع و المتعة ما يتمتع به، و متاعا مفعول مطلق لقوله تعالى: و متعوهن، اعترض بينهما قوله تعالى: على الموسع قدره و على المقتر قدره، و الموسع اسم فاعل من أوسع إذا كان على سعة من المال و كأنه من الأفعال المتعدية التي كثر استعمالها مع حذف المفعول اختصارا حتى صار يفيد ثبوت أصل المعنى فصار لازما و المقتر اسم فاعل من أقتر إذا كان على ضيق من المعاش، و القدر بفتح الدال و سكونها بمعنى واحد.
و معنى الآية: يجب عليكم أن تمتعوا المطلقات عن غير فرض فريضة متاعا بالمعروف و إنما يجب على الموسع قدره أي ما يناسب حاله و يتقدر به وضعه من التمتيع، و على المقتر قدره من التمتيع، و هذا يختص بالمطلقة غير المفروضة لها التي لم يسم مهرها، و الدليل على أن هذا التمتيع المذكور مختص بها و لا يعم المطلقة المفروضة لها التي لم يدخل بها ما في الآية التالية من بيان حكمها.
قوله تعالى: حقا على المحسنين، أي حق الحكم حقا على المحسنين، و ظاهر الجملة و إن كان كون الوصف أعني الإحسان دخيلا في الحكم، و حيث ليس الإحسان واجبا استلزم كون الحكم استحبابيا غير وجوبي، إلا أن النصوص من طرق أهل البيت تفسر الحكم بالوجوب، و لعل الوجه فيه ما مر من قوله تعالى: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان الآية فأوجب الإحسان على المسرحين و هم المطلقون فهم - المحسنون، و قد حق الحكم في هذه الآية على المحسنين و هم المطلقون، و الله أعلم.
قوله تعالى: و إن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن «إلخ»، أي و إن أوقعتم الطلاق قبل الدخول بهن و قد فرضتم لهن فريضة و سميتم المهر فيجب عليكم تأدية نصف ما فرضتم من المهر إلى أن يعفون هؤلاء المطلقات أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح من وليهن فيسقط النصف المذكور أيضا، أو الزوج فإن عقدة النكاح بيده أيضا، فلا يجب على الزوجة المطلقة رد نصف المهر الذي أخذت، و العفو على أي حال أقرب للتقوى لأن من أعرض عن حقه الثابت شرعا فهو عن الإعراض عما ليس له بحق من محارم الله سبحانه أقوى و أقدر.
قوله تعالى: و لا تنسوا الفضل بينكم «إلخ»، الفضل هو الزيادة كالفضول غير أن الفضل هو الزيادة في المكارم و المحامد و الفضول هو الزيادة غير المحمودة على ما قيل، و في الكلام ذكر الفضل الذي ينبغي أن يؤثره الإنسان في مجتمع الحياة فيتفاضل به البعض على بعض، و المراد به الترغيب في الإحسان و الفضل بالعفو عن الحقوق و التسهيل و التخفيف من الزوج للزوجة و بالعكس، و النكتة في قوله تعالى: إن الله بما تعملون بصير، كالنكتة فيما مر في ذيل قوله تعالى: و الوالدات يرضعن أولادهن الآية.
قوله تعالى: حافظوا على الصلوات إلى آخر الآية، حفظ الشيء ضبطه و هو في المعاني أعني حفظ النفس لما تستحضره أو تدركه من المعاني أغلب، و الوسطى مؤنث الأوسط، و الصلاة الوسطى هي الواقعة في وسطها، و لا يظهر من كلامه تعالى ما هو المراد من الصلاة الوسطى، و إنما تفسيره السنة، و سيجيء ما ورد من الروايات في تعيينه.
و اللام في قوله تعالى: قوموا لله، للغاية و القيام بأمر كناية عن تقلده و التلبس بفعله، و القنوت هو الخضوع بالطاعة، قال تعالى: «كل له قانتون:» البقرة - 116، و قال تعالى: «و من يقنت منكن لله و لرسوله:» الأحزاب - 31، فمحصل المعنى: تلبسوا بطاعة الله سبحانه بالخضوع مخلصين له و لأجله.
قوله تعالى: فإن خفتم فرجالا أو ركبانا إلى آخر الآية، عطف الشرط على الجملة السابقة يدل على تقدير شرط محذوف أي حافظوا إن لم تخافوا، و إن خفتم فقدروا المحافظة بقدر ما يمكن من الصلاة راجلين وقوفا أو مشيا أو راكبين، و الرجال جمع راجل و الركبان جمع راكب، و هذه صلاة الخوف.
و الفاء في قوله تعالى: فإذا أمنتم، للتفريع أي إن المحافظة على الصلاة أمر غير ساقط من أصله بل إن لم تخافوا شيئا و أمكنت لكم وجبت عليكم و إن تعسر عليكم فقدروها بقدر ما يمكن لكم، و إن زال عنكم الخوف بتجدد الأمن ثانيا عاد الوجوب و وجب عليكم ذكر الله سبحانه.
و الكاف في قوله تعالى: كما علمكم، للتشبيه و قوله: ما لم تكونوا تعلمون من قبيل وضع العام موضع الخاص دلالة على الامتنان بسعة النعمة و التعليم، و المعنى على هذا: فاذكروا الله ذكرا يماثل ما علمكم من الصلاة المفروضة المكتوبة في حال الأمن في ضمن ما علمكم من شرائع الدين.
قوله تعالى: و الذين يتوفون منكم و يذرون أزواجا وصية لأزواجهم.
وصية مفعول مطلق لمقدر، و التقدير ليوصوا وصية ينتفع به أزواجهم و يتمتعن متاعا إلى الحول بعد التوفي.
و تعريف الحول باللام لا يخلو عن دلالة على كون الآية نازلة قبل تشريع عدة الوفاة، أعني الأربعة أشهر و عشرة أيام فإن عرب الجاهلية كانت نساؤهم يقعدن بعد موت أزواجهن حولا كاملا، فالآية توصي بأن يوصي الأزواج لهن بمال يتمتعن به إلى تمام الحول من غير إخراجهن من بيوتهن، غير أن هذا لما كان حقا لهن و الحق يجوز تركه كان لهن أن يطالبن به، و أن يتركنه فإن خرجن فلا جناح للورثة و من يجري مجراهم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف، و هذا نظير ما أوصى الله به من حضره الموت أن يوصي للوالدين و الأقربين بالمعروف، قال تعالى: «كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين و الأقربين بالمعروف حقا على المتقين:» البقرة - 180.
و مما ذكرنا يظهر أن الآية منسوخة بآية عدة الوفاة و آية الميراث بالربع و الثمن.
قوله تعالى: و للمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين، الآية في حق مطلق المطلقات، و تعليق ثبوت الحكم بوصف التقوى مشعر بالاستحباب.
قوله تعالى: كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون، الأصل في معنى العقل العقد و الإمساك و به سمي إدراك الإنسان إدراكا يعقد عليه عقلا، و ما أدركه عقلا، و القوة التي يزعم أنها إحدى القوى التي يتصرف بها الإنسان يميز بها بين الخير و الشر و الحق و الباطل عقلا، و يقابله الجنون و السفه و الحمق و الجهل باعتبارات مختلفة.
و الألفاظ المستعملة في القرآن الكريم في أنواع الإدراك كثيرة ربما بلغت العشرين، كالظن، و الحسبان، و الشعور، و الذكر، و العرفان، و الفهم، و الفقه، و الدراية، و اليقين، و الفكر، و الرأي، و الزعم، و الحفظ، و الحكمة، و الخبرة، و الشهادة، و العقل، و يلحق بها مثل القول، و الفتوى، و البصيرة و نحو ذلك.
و الظن هو التصديق الراجح و إن لم يبلغ حد الجزم و القطع، و كذا الحسبان، غير أن الحسبان كان استعماله في الإدراك الظني استعمال استعاري، كالعد بمعنى الظن و أصله من نحو قولنا: عد زيدا من الأبطال و حسبه منهم أي ألحقه بهم في العد و الحساب.
و الشعور هو الإدراك الدقيق مأخوذ من الشعر لدقته، و يغلب استعماله في المحسوس دون المعقول، و منه إطلاق المشاعر للحواس.
و الذكر هو استحضار الصورة المخزونة في الذهن بعد غيبته عن الإدراك أو حفظه من أن يغيب عن الإدراك.
و العرفان و المعرفة تطبيق الصورة الحاصلة في المدركة على ما هو مخزون في الذهن و لذا قيل: إنه إدراك بعد علم سابق.
و الفهم: نوع انفعال للذهن عن الخارج عنه بانتقاش الصورة فيه.
و الفقه: هو التثبت في هذه الصورة المنتقشة فيه و الاستقرار في التصديق.
و الدراية: هو التوغل في ذلك التثبت و الاستقرار حتى يدرك خصوصية المعلوم و خباياه و مزاياه، و لذا يستعمل في مقام تفخيم الأمر و تعظيمه، قال تعالى: «الحاقة ما الحاقة و ما أدراك ما الحاقة:» الحاقة - 2، و قال تعالى: إنا أنزلناه في ليلة القدر، و ما أدراك ما ليلة القدر:» القدر - 2.
و اليقين: هو اشتداد الإدراك الذهني بحيث لا يقبل الزوال و الوهن.
و الفكر نحو سير و مرور على المعلومات الموجودة الحاضرة لتحصيل ما يلازمها من المجهولات.
و الرأي: هو التصديق الحاصل من الفكر و التروي، غير أنه يغلب استعماله في العلوم العملية مما ينبغي فعله و ما لا ينبغي دون العلوم النظرية الراجعة إلى الأمور التكوينية، و يقرب منه البصيرة، و الإفتاء، و القول، غير أن استعمال القول كأنه استعمال استعاري من قبيل وضع اللازم موضع الملزوم لأن القول في شيء يستلزم الاعتقاد بما يدل عليه.
و الزعم: هو التصديق من حيث إنه صورة في الذهن سواء كان تصديقا راجحا أو جازما قاطعا.
و العلم كما مر: هو الإدراك المانع من النقيض.
و - الحفظ -: ضبط الصورة المعلومة بحيث لا يتطرق إليه التغيير و الزوال.
و الحكمة: هي الصورة العلمية من حيث إحكامها و إتقانها.
و - الخبرة -: هو ظهور الصورة العلمية بحيث لا يخفى على العالم ترتب أي نتيجة على مقدماتها.
و الشهادة: هو نيل نفس الشيء و عينه إما بحس ظاهر كما في المحسوسات أو باطن كما في الوجدانيات نحو العلم و الإرادة و الحب و البغض و ما يضاهي ذلك.
و الألفاظ السابقة على ما عرفت من معانيها لا تخلو عن ملابسة المادة و الحركة و التغير، و لذلك لا تستعمل في مورده تعالى غير الخمسة الأخيرة منها أعني العلم و الحفظ و الحكمة و الخبرة و الشهادة، فلا يقال فيه تعالى: إنه يظن أو يحسب أو يزعم أو يفهم أو يفقه أو غير ذلك.
و أما الألفاظ الخمسة الأخيرة فلعدم استلزامها للنقص و الفقدان تستعمل في مورده تعالى، قال سبحانه: «و الله بكل شيء عليم:» النساء - 15، و قال تعالى: «و ربك على كل شيء حفيظ:» سبأ - 21، و قال تعالى: «و الله بما تعملون خبير»: البقرة - 234، و قال تعالى: «هو العليم الحكيم:» يوسف - 83، و قال تعالى: «إنه على كل شيء شهيد:» فصلت - 53.
و لنرجع إلى ما كنا فيه فنقول: لفظ العقل على ما عرفت يطلق على الإدراك من حيث إن فيه عقد القلب بالتصديق، على ما جبل الله سبحانه الإنسان عليه من إدراك الحق و الباطل في النظريات، و الخير و الشر و المنافع و المضار في العمليات حيث خلقه الله سبحانه خلقة يدرك نفسه في أول وجوده، ثم جهزه بحواس ظاهرة يدرك بها ظواهر الأشياء، و بأخرى باطنه يدرك معاني روحية بها ترتبط نفسه مع الأشياء الخارجة عنها كالإرادة، و الحب و البغض، و الرجاء، و الخوف، و نحو ذلك، ثم يتصرف فيها بالترتيب و التفصيل و التخصيص و التعميم، فيقضي فيها في النظريات و الأمور الخارجة عن مرحلة العمل قضاء نظريا، و في العمليات و الأمور المربوطة بالعمل قضاء عمليا، كل ذلك جريا على المجرى الذي تشخصه له فطرته الأصلية، و هذا هو العقل.
لكن ربما تسلط بعض القوى على الإنسان بغلبته على سائر القوى كالشهوة و الغضب فأبطل حكم الباقي أو ضعفه، فخرج الإنسان بها عن صراط الاعتدال إلى أودية الإفراط و التفريط، فلم يعمل هذا العامل العقلي فيه على سلامته، كالقاضي الذي يقضي بمدارك أو شهادات كاذبة منحرفة محرفة، فإنه يحيد في قضائه عن الحق و إن قضى غير قاصد للباطل، فهو قاض و ليس بقاض، كذلك الإنسان يقضي في مواطن المعلومات الباطلة بما يقضي، و أنه و إن سمى عمله ذلك عقلا بنحو من المسامحة، لكنه ليس بعقل حقيقة لخروج الإنسان عند ذلك عن سلامة الفطرة و سنن الصواب.
و على هذا جرى كلامه تعالى، فإنه يعرف العقل بما ينتفع به الإنسان في دينه و يركب به هداه إلى حقائق المعارف و صالح العمل، و إذا لم يجر على هذا المجرى فلا يسمى عقلا، و إن عمل في الخير و الشر الدنيوي فقط، قال تعالى «و قالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير:» الملك - 10.
و قال تعالى: «أ فلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور:» الحج - 46.
فالآيات كما ترى تستعمل العقل في العلم الذي يستقل الإنسان بالقيام عليه بنفسه، و السمع في الإدراك الذي يستعين فيه بغيره مع سلامة الفطرة في جميع ذلك، و قال تعالى: «و من يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه:» البقرة - 130، و قد مر أن الآية بمنزلة عكس النقيض لقوله (عليه السلام): العقل ما عبد به الرحمن الحديث.
فقد تبين من جميع ما ذكرنا: أن المراد بالعقل في كلامه تعالى هو الإدراك الذي يتم للإنسان مع سلامة فطرته، و به يظهر معنى قوله سبحانه: كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون، فبالبيان يتم العلم، و العلم مقدمة للعقل و وسيلة إليه كما قال تعالى: «و تلك الأمثال نضربها للناس و ما يعقلها إلا العالمون:» العنكبوت - 43.
بحث روائي
في سنن أبي داود، عن أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية، قالت: طلقت على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و لم يكن للمطلقة عدة فأنزل حين طلقت العدة للطلاق: «و المطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء» فكانت أول من أنزلت فيها العدة للطلاق.
و في تفسير العياشي،: في قوله تعالى: و المطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء،: عن زرارة، قال: سمعت ربيعة الرأي و هو يقول: إن من رأيي أن الأقراء التي سمى الله في القرآن إنما هي الطهر فيما بين الحيضتين و ليس بالحيض، قال فدخلت على أبي جعفر (عليه السلام) فحدثته بما قال ربيعة فقال: و لم يقل برأيه إنما بلغه عن علي (عليه السلام) فقلت: أصلحك الله أ كان علي (عليه السلام) يقول ذلك؟ قال: نعم، كان يقول: إنما القرء الطهر، تقرأ فيه الدم فتجمعه فإذا جاءت دفعته، قلت: أصلحك الله رجل طلق امرأته طاهرا من غير جماع بشهادة عدلين؟ قال: إذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها و حلت للأزواج، الحديث.
أقول: هذا المعنى مروي بعدة طرق عنه (عليه السلام)، و قوله: قلت: أصلحك الله أ كان علي (عليه السلام) يقول ذلك إنما استفهم ذلك بعد قوله (عليه السلام): إنما بلغه عن علي، لما اشتهر بين العامة عن علي أنه كان يقول إن القروء في الآية هي الحيض دون الأطهار كما في الدر المنثور، عن الشافعي و عبد الرزاق و عبد بن حميد و البيهقي عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: تحل لزوجها الرجعة عليها حتى تغتسل من الحيضة الثالثة و تحل للأزواج، لكن أئمة أهل البيت ينكرون ذلك و ينسبون إليه (عليه السلام): أن الأقراء الأطهار دون الحيض كما مرت في الرواية، و قد نسبوا هذا القول إلى عدة أخرى من الصحابة غيره (عليه السلام) كزيد بن ثابت و عبد الله بن عمر و عائشة و رووه عنهم.
و في المجمع، عن الصادق (عليه السلام): في قوله تعالى و لا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن الآية: الحبل و الحيض.
و في تفسير القمي،: و قد فوض الله إلى النساء ثلاثة أشياء: الطهر و الحيض و الحبل.
و في تفسير القمي، أيضا: في قوله تعالى: و للرجال عليهن درجة، قال: قال (عليه السلام) حق الرجال على النساء أفضل من حق النساء على الرجال.
أقول: و هذا لا ينافي التساوي من حيث وضع الحقوق كما مر و في تفسير العياشي،: في قوله تعالى: الطلاق مرتان - فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: إن الله يقول الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان و التسريح بالإحسان هو التطليقة الثالثة.
و في التهذيب، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: طلاق السنة يطلقها تطليقة يعني على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين ثم يدعها حتى تمضي أقراؤها فإذا مضت أقراؤها فقد بانت منه و هو خاطب من الخطاب: إن شاءت نكحته، و إن شاءت فلا، و إن أراد أن يراجعها أشهد على رجعتها قبل أن تمضي أقراؤها، فتكون عنده على التطليقة الماضية، الحديث.
و في الفقيه، عن الحسن بن فضال، قال: سألت الرضا عن العلة التي من أجلها لا تحل المطلقة لعدة لزوجها حتى تنكح زوجا غيره فقال (عليه السلام): إن الله عز و جل إنما أذن في الطلاق مرتين فقال عز و جل: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، يعني في التطليقة الثالثة، و لدخوله فيما كره الله عز و جل من الطلاق الذي حرمها عليه فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره لئلا يوقع الناس في الاستخفاف بالطلاق و لا تضار النساء، الحديث.
أقول: مذهب أئمة أهل البيت: أن الطلاق بلفظ واحد أو في مجلس واحد لا يقع إلا تطليقة واحدة، و إن قال طلقتك ثلاثا على ما روته الشيعة، و أما أهل السنة و الجماعة فرواياتهم فيه مختلفة: بعضها يدل على وقوعه طلاقا واحدا، و بعضها يدل على وقوع الثلاثة، و ربما رووا ذلك عن علي و جعفر بن محمد (عليهما السلام)، لكن يظهر من بعض رواياتهم التي رواها أرباب الصحاح كمسلم و النسائي و أبي داود و غيرهم: أن وقوع الثلاث بلفظ واحد مما أجازه عمر بعد مضي سنتين أو ثلاثة من خلافته، ففي الدر المنثور:، أخرج عبد الرزاق و مسلم و أبو داود و النسائي و الحاكم و البيهقي عن ابن عباس قال: كان الطلاق على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أبي بكر و سنتين من خلافة عمر. طلاق الثلاث واحدا فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر كان لهم فيه أناة فلو أمضينا عليهم فأمضاه عليهم.
و في سنن أبي داود، عن ابن عباس قال: طلق عبد يزيد أبو ركانة أم ركانة و نكح امرأة من مزينة فجاءت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت: ما يغني عني إلا كما تغني هذه الشعرة لشعرة أخذتها من رأسها، ففرق بيني و بينه فأخذت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حمية فدعا بركانه و إخوته ثم قال لجلسائه: أ ترون فلانا يشبه منه كذا و كذا و فلان منه كذا و كذا قالوا نعم، قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعبد يزيد: طلقها ففعل، قال: راجع امرأتك أم ركانة فقال: إني طلقتها ثلاثا يا رسول الله، قال: قد علمت أرجعها و تلا: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن.
و في الدر المنثور، عن البيهقي عن ابن عباس، قال: طلق ركانة امرأة ثلاثا في مجلس واحد فحزن عليها حزنا شديدا فسأله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كيف طلقتها؟ قال طلقتها ثلاثا في مجلس واحد، قال: نعم فإنما تلك واحدة فارجعها إن شئت فراجعها فكان ابن عباس يرى إنما الطلاق عند كل طهر فتلك السنة التي أمر الله بها: فطلقوهن لعدتهن.
أقول: و هذا المعنى مروي في روايات أخرى أيضا و الكلام على هذه الإجازة نظير الكلام المتقدم في متعة الحج.
و قد استدل على عدم وقوع الثلاث بلفظ واحد بقوله تعالى: الطلاق مرتان فإن المرتين و الثلاث لا يصدق على ما أنشىء بلفظ واحد كما في مورد اللعان بإجماع الكل، و في المجمع،: في قوله تعالى: أو تسريح بإحسان، قال: فيه قولان، أحدهما: أنه الطلقة الثالثة، و الثاني أنه يترك المعتدة حتى تبين بانقضاء العدة،: عن السدي و الضحاك، و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام).
أقول: و الأخبار كما ترى تختلف في معنى قوله: أو تسريح بإحسان.
و في تفسير القمي،: في قوله تعالى: و لا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا - إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله الآية،: عن الصادق (عليه السلام) قال: الخلع لا يكون إلا أن تقول المرأة لزوجها: لا أبر لك قسما، و لأخرجن بغير إذنك، و لأوطئن فراشك غيرك و لا أغتسل لك من جنابة، أو تقول: لا أطيع لك أمرا أو تطلقني، فإذا قالت ذلك فقد حل له أن يأخذ منها جميع ما أعطاها و كل ما قدر عليه مما تعطيه من مالها، فإذا تراضيا على ذلك طلقها على طهر بشهود فقد بانت منه بواحدة، و هو خاطب من الخطاب، فإن شاءت زوجته نفسها، و إن شاءت لم تفعل، فإن زوجها فهي عنده على اثنتين باقيتين و ينبغي له أن يشترط عليها كما اشترط صاحب المباراة فإذا ارتجعت في شيء مما أعطيتني فأنا أملك ببضعك، و قال (عليه السلام): لا خلع و لا مباراة و لا تخيير إلا على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين عدلين، و المختلعة إذا تزوجت زوجا آخر ثم طلقها يحل للأول أن يتزوج بها، و قال: لا رجعة للزوج على المختلعة و لا على المباراة إلا أن يبدو للمرأة فيرد عليها ما أخذ منها.
و في الفقيه، عن الباقر (عليه السلام) قال: إذا قالت المرأة لزوجها جملة: لا أطيع لك أمرا مفسرة أو غير مفسرة حل له أن يأخذ منها، و ليس له عليها رجعة. و في الدر المنثور،: أخرج أحمد عن سهل بن أبي حثمة، قال: كانت حبيبة ابنة سهل تحت ثابت بن قيس بن شماس فكرهته، و كان رجلا دميما فجاءت و قالت: يا رسول الله إني لا أراه، فلو لا مخافة الله لبزقت في وجهه فقال لها: أ تردين عليه حديقته التي أصدقك؟ قالت: نعم فردت عليه حديقته و فرق بينهما، فكان ذلك أول خلع كان في الإسلام.
و في تفسير العياشي، عن الباقر (عليه السلام): في قول الله تبارك و تعالى: و تلك حدود الله فلا تعتدوها الآية فقال إن الله غضب على الزاني فجعل له مائة جلدة فمن غضب عليه فزاد فأنا إلى الله منه بريء فذلك قوله تعالى: تلك حدود الله فلا تعتدوها و في الكافي، عن أبي بصير قال: المرأة التي لا تحل لزوجها حتى تنكح زوجا غيره، قال: هي التي تطلق ثم تراجع ثم تطلق الثالثة، و هي التي لا تحل لزوجها حتى تنكح زوجا غيره و يذوق عسيلتها.
أقول: العسيلة الجماع، قال في الصحاح،: و في الجماع العسيلة شبهت تلك اللذة بالعسل، و صغرت بالهاء لأن الغالب في العسل التأنيث و يقال: إنما أنث لأنه أريد به العسلة و هي القطعة منه كما يقال للقطعة من الذهب: ذهبة، انتهى.
و قوله (عليه السلام): و يذوق عسيلتها، كالاقتباس من كلمة رسول الله لا حتى تذوقي عسيلته و يذوق عسيلتك، في قصة رفاعة.
ففي الدر المنثور،: عن البزاز و الطبراني و البيهقي: أن رفاعة بن سموال طلق امرأته فأتت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت: يا رسول الله قد تزوجني عبد الرحمن و ما معه إلا مثل هذه، و أومأت إلى هدبة من ثوبها، فجعل رسول الله يعرض عن كلامها ثم قال لها: تريدين أن ترجعي إلى رفاعة: لا حتى تذوقي عسيلته و يذوق عسيلتك.
أقول: و الرواية من المشهورات، رواها جمع كثير من الرواة من أرباب الصحاح و غيرهم من طرق أهل السنة، و الجماعة و بعض الخاصة، و ألفاظ الروايات و إن كانت مختلفة لكن أكثرها تشتمل على هذه اللفظة.
و في التهذيب، عن الصادق (عليه السلام): عن تزويج المتعة أ يحلل؟ قال: لا لأن الله يقول فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره - فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا، و المتعة ليس فيه طلاق.
و فيه، أيضا عن محمد بن مضارب قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن الخصي يحلل؟ قال: لا يحلل.
و في تفسير القمي،: في قوله تعالى: و إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن إلى قوله و لا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا الآية، قال: قال (عليه السلام): إذا طلقها لم يجز له أن يراجعها إن لم يردها.
و في الفقيه، عن الصادق (عليه السلام) قال: لا ينبغي للرجل أن يطلق امرأته ثم يراجعها، و ليس له فيها حاجة ثم يطلقها، فهذا الضرار الذي نهى الله عنه، إلا أن يطلق ثم يراجع و هو ينوي الإمساك.
و في تفسير العياشي،: في قوله تعالى: و لا تتخذوا آيات الله هزوا الآية،: عن عمر بن الجميع رفعه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث، قال: و من قرأ القرآن من هذه الأمة ثم دخل النار فهو ممن كان يتخذ آيات الله هزوا، الحديث.
في صحيح البخاري،: في قوله تعالى: و إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن، الآية أن أخت معقل بن يسار طلقها زوجها فتركها حتى انقضت عدتها فخطبها فأبى معقل فنزلت: فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن.
أقول: و روي هذا المعنى في الدر المنثور، عنه و عن عدة من أرباب الصحاح كالنسائي و ابن ماجة و الترمذي و ابن داود و غيرهم.
و في الدر المنثور، أيضا عن السدي، قال: نزلت هذه الآية في جابر بن عبد الله الأنصاري كانت له ابنة عم فطلقها زوجها تطليقة و انقضت عدتها فأراد مراجعتها فأبى جابر فقال: طلقت ابنة عمنا ثم تريد أن تنكحها الثانية و كانت المرأة تريد زوجها فأنزل الله و إذا طلقتم النساء، الآية.
أقول: لا ولاية للأخ و لا لابن العم على مذهب أئمة أهل البيت فلو سلمت إحدى الروايتين كان النهي في الآية غير مسوق لتحديد ولاية، و لا لجعل حكم وضعي بل للإرشاد إلى قبح الحيلولة بين الزوجين أو لكراهة أو حرمة تكليفية متعلقة بكل من يعضلهن عن النكاح لا غير.
و في تفسير العياشي،: في قوله تعالى: و الوالدات يرضعن أولادهن، الآية: عن الصادق (عليه السلام)، قال: و الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين، قال: ما دام الولد في الرضاع فهو بين الأبوين بالسوية فإذا فطم فالوالد أحق به من العصبة و إن وجد الأب من يرضعه بأربعة دراهم، و قالت الأم: لا أرضعه إلا بخمسة دراهم فإن له أن ينزعه منها، إلا أن ذلك أجبر له و أقدم و أرفق به أن يترك مع أمه.
و فيه، أيضا عنه: في قوله تعالى: لا تضار والدة الآية، قال (عليه السلام): كانت المرأة ممن ترفع يدها إلى الرجل إذا أراد مجامعتها فتقول: لا أدعك، إني أخاف أن أحمل على ولدي، و يقول الرجل للمرأة: لا أجامعك إني أخاف أن تعلقي فأقتل ولدي، فنهى الله أن يضار الرجل المرأة و المرأة الرجل.
و فيه، أيضا عن أحدهما (عليهما السلام): في قوله تعالى: و على الوارث مثل ذلك قال: هو في النفقة: على الوارث مثل ما على الوالد.
و فيه، أيضا عن الصادق (عليه السلام): في الآية، قال لا ينبغي للوارث أيضا أن يضار المرأة فيقول: لا أدع ولدها يأتيها، و يضار ولدها إن كان لهم عنده شيء، و لا ينبغي له أن يقتر عليه.
و فيه، أيضا عن حماد عن الصادق (عليه السلام) قال: لا رضاع بعد فطام، قال: قلت له: جعلت فداك و ما الفطام؟ قال: الحولين الذي قال الله عز و جل.
أقول: قوله: الحولين، حكاية لما في لفظ الآية و لذا وصفه (عليه السلام) بقوله: الذي قال الله.
و في الدر المنثور،: أخرج عبد الرزاق في المصنف و ابن عدي عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا يتم بعد حلم، و لا رضاع بعد فصال، و لا صمت يوم إلى الليل، و لا وصال في الصيام، و لا نذر في معصية، و لا نفقة في المعصية، و لا يمين في قطيعة رحم، و لا تعرب بعد الهجرة، و لا هجرة بعد الفتح، و لا يمين لزوجة مع زوج، و لا يمين لولد مع والد، و لا يمين لمملوك مع سيده، و لا طلاق قبل نكاح، و لا عتق قبل ملك.
و في تفسير العياشي، عن أبي بكر الحضرمي عن الصادق (عليه السلام) قال: لما نزلت هذه الآية: و الذين يتوفون منكم - و يذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر و عشرا جئن النساء يخاصمن رسول الله و قلن: لا نصبر، فقال لهن رسول الله: كانت إحداكن إذا مات زوجها أخذت بعرة فألقتها خلفها في دبرها في خدرها ثم قعدت فإذا كان مثل ذلك اليوم من الحول أخذتها ففتقتها، ثم اكتحلت بها، ثم تزوجت فوضع الله عنكن ثمانية أشهر.
و في التهذيب، عن الباقر (عليه السلام): كل النكاح إذا مات الزوج فعلى المرأة حرة كانت أو أمة، و على أي وجه كان النكاح منه متعة أو تزويجا أو ملك يمين فالعدة أربعة أشهر و عشرا.
و في تفسير العياشي، عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: جعلت فداك كيف صارت عدة المطلقة ثلاث حيض أو ثلاثة أشهر و صارت عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر و عشرا؟ فقال: أما عدة المطلقة ثلاث قروء فلأجل استبراء الرحم من الولد، و أما عدة المتوفى عنها زوجها فإن الله شرط للنساء شرطا و شرط عليهن: و أما ما شرط لهن ففي الإيلاء أربعة أشهر إذ يقول: للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر، فلن يجوز لأحد أكثر من أربعة أشهر لعلمه تبارك و تعالى أنها غاية صبر المرأة من الرجل، و أما ما شرط عليهن فإنه أمرها أن تعتد إذا مات زوجها أربعة أشهر و عشرا فأخذ له منها عند موته ما أخذ لها منه في حياته.
أقول: و هذا المعنى مروي أيضا عن الرضا و الهادي (عليهما السلام) بطرق أخرى و في تفسير العياشي، عن الصادق (عليه السلام): في قوله تعالى: و لا جناح عليكم - فيما عرضتم به من خطبة النساء، الآية: المرأة في عدتها تقول لها قولا جميلا ترغبها في نفسك، و لا تقول: إني أصنع كذا أو كذا أو أصنع كذا القبيح من الأمر في البضع و كل أمر قبيح، و في رواية أخرى تقول لها و هي في عدتها: يا هذه لا أحب إلا ما أسرك و لو قد مضى عدتك لا تفوتيني إن شاء الله، و لا تستبقي بنفسك، و هذا كله من غير أن يعزموا عقدة النكاح.
أقول: و في هذا المعنى روايات أخر عنهم (عليهم السلام).

التتمه



__________________
ساخت الارض بأهلها فمتى تعود ترانا ونراك (عج)
غريب ياقلبي كيف تعيش

ياوديعة علي غير متصل  

قديم 02-02-12, 02:13 PM   #3

ام مريم
عضو متميز

 
الصورة الرمزية ام مريم  






رايق

رد: تفسير (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ)


يعطيك العافيه
في ميزان حسناتك
تسلم يمينك على روعة الطرح
تحياتي

__________________
تسلم ايدك حبيبتي الزهراء عشقي

ام مريم غير متصل  

قديم 02-02-12, 08:35 PM   #4

ياوديعة علي
عضو قدير جداً

 
الصورة الرمزية ياوديعة علي  







عاشقة

رد: تفسير (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ)


يسلمك ربي يالغاليه نورتي

__________________
ساخت الارض بأهلها فمتى تعود ترانا ونراك (عج)
غريب ياقلبي كيف تعيش

ياوديعة علي غير متصل  

قديم 03-02-12, 11:30 AM   #5

الزهراء عشقي
...(عضو شرف)...

 
الصورة الرمزية الزهراء عشقي  







فرحانة

رد: تفسير (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ)


اللهم صل على محمد وال محمد
:
بوركتِ غاليتي لهذا التفسير الرائع
احسنتِ بطرحكـِ
دمتِ برعاية الباري ~


__________________
رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي

الزهراء عشقي غير متصل  

قديم 13-02-12, 07:42 AM   #6

وقفة الم
مشرفة القرآن الكريم

 
الصورة الرمزية وقفة الم  







تعبانة

رد: تفسير (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ)


بحث شامل تستاهلي خيتي عليه احلى تقيم
مجهود رائع بحق
سلاما لقلعة عطائك الشاهقه اختى الزهراء

__________________
مددت كف الحب والولاء مبايعة للعمة السوداء أعني بذلك السيد الخمنائي

وقفة الم غير متصل  

قديم 16-02-12, 11:08 AM   #7

نورت دنيانا
مشرفة حواء

 
الصورة الرمزية نورت دنيانا  







رايقه

رد: تفسير (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ)


اللهم صلي على محمد وآل محمد

بحث رائع خيتي ياوديعة علي .. كنت أعتقد الآيه تقصد أيام

الخطوبه وليس أيام العده ..

أكملي ننتظر التتمه ...
__________________

نورت دنيانا غير متصل  

قديم 20-02-12, 09:55 AM   #8

moon light
عضو نشيط

 
الصورة الرمزية moon light  






عاشقة

رد: تفسير (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ)



يعطيك الف عافية

moon light غير متصل  

 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

قوانين وضوابط المنتدى
الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
آعمآآل شهر رجب }}~ الزهراء عشقي منتدى الثقافة الإسلامية 2 03-06-11 05:33 AM
نسألكم الدعاء في هذه الأيام المباركة الوردة البيضاء منتدى الثقافة الإسلامية 0 08-01-06 01:37 AM

توثيق المعلومة ونسبتها إلى مصدرها أمر ضروري لحفظ حقوق الآخرين
المنتدى يستخدم برنامج الفريق الأمني للحماية
مدونة نضال التقنية نسخ أحتياطي يومي للمنتدى TESTED DAILY فحص يومي ضد الإختراق المنتدى الرسمي لسيارة Cx-9
.:: جميع الحقوق محفوظة 2023 م ::.
جميع تواقيت المنتدى بتوقيت جزيرة تاروت 05:23 PM.


المواضيع المطروحة في المنتدى لا تعبر بالضرورة عن الرأي الرسمي للمنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك
 


Powered by: vBulletin Version 3.8.11
Copyright © 2013-2019 www.tarout.info
Jelsoft Enterprises Limited