بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف الأنبياء والمرسلين ، و على آل بيته الطيبين
الطاهرين ، و على اصحابه (المنتجبين) ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
فضل محبة آل البيت :
قال تعالى : إنما يريد ليذهب عنكم الرجز أهل البيت ويطهركم تطهيرا .
و يقول صلى الله عليه و سلم : قل لا أسألكم عليه أجرا ، إلا المحبة في القربى .
و ها هو النبي الأكرم صلى الله عليه و سلم يقول : أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمة ، و أحبوني لحب الله إياي ، و أحبوا آل بيتي لحبي إياهم .
و يقول أيضا : والذي نفس محمد بيده لا يبغضنا أهل البيت رجل إلا أدخله الله النار .
و على رأس أهل البيت و كما تعلمون عندما سئل النبي الأكرم صلى الله عليه و سلم ، يا رسول الله أي آل البيت أحب إليك ، فقال : الحسن والحسين .
و عندما تأتي ذكرى هذه الجريمة الفاجعة يجب أن نستخلص منها العبر والدروس .
و من أهم هذه الدروس عظمة المصطفى عليه الصلاة والسلام ، فالرسول كشف عنه الغيب و كان يعلم تماما ماذا سيجري لآل بيته .
وهاهي المطهرة البتول التي كرمها الله و ابنة عمران بأن رفع عنهما دم الطمث . فالزهراء ولدت الحسين عند المغرب ثم قامت و توضأت و صلت العشاء . و كلنا يعلم أن أحب أولاد النبي لقلبه هي فاطمة الزهراء عليهما الصلاة والسلام .
ساداتنا الغر من أبناء فاطمة طوبى لمن كان للزهراء ينتسب
من نسل فاطمة أنعم بفاطمة من أجل فاطمة قد شرف النسب
و كان نسب النبي قد انحصر في أبناء فاطمة ، لأن جميع أولاده الذكور ماتوا رحمة الله عليهم
و كأنني أسمع ضحكات النبي صلى الله عليه و سلم وهو يلاعب الحسنين . و كان النبي عندما يصلي يصعد الحسين على ظهره و أحيانا يغفو و ينام فيطيل عليه الصلاة والسلام بالسجود حتى لا يزعج الحسين . و عند ما كان يتصارع الحسن والحسين في طفولتهما فيجلس و ينظر إليهما و يقول : هيي حسين هيي حسين ، فتقول فاطمة : يا أبتاه لم تشجع الحسين ؟ فيقول : والله لقد قالها جبريل يا فاطمة فقلتها .
تخيلوا أيها السادة أن النبي صلوا الله و سلامه عليه كان يخطب بالناس في صلاة الجمعة ، فدخل الحسين و هو غلام ، فتعثر عند مدخل المسجد فنزل المصطفى من على المنبر و أخذ بيديه الحسين و كان يحمله و يقول : هذا ولدي سيد .
و عند ما كان النبي يشاهد الحسين يلعب في الطريق مع الصبية كان يلاعبه و يلاحقه و هو يهرب من جده النبي ، فيأخذه المصطفى و يمسك به ثم يحمله و يمسك برأسه و يقبله بين عينيه و يقول : اللهم من أحب حسينا فقد أحبني ، هذا حسين مني و أنا من حسين .
هذا بعض القليل القليل مم ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم بخصوص الحسين .
الأحاديث الدالة على أن النبي كان يعلم بمقتل الحسين :
دخل النبي مرة إلى منزل أم سلمة زوج النبي و كان في يده حفنة من التراب فأعطاها للسيدة أم سلمة و قال لها ضعي هذه الحفنة من التراب و لا تحدثي أحدا بما سأقول لك فقالت : ما الأمر يا رسول الله ؟
فقال الرسول : عندما تنقلب هذه الحفنة من التراب إلى الدم فهذا يوم مقتل ولدي الحسين .
و ها هو سيدنا عبد الله بن عباس و هو حبر الإسلام أقسم يمينا بأنه شاهد المصطفى بعد وفاته في وقت الظهر أشعث أغبر بيده قارورة يلتقط دما ، فقال له ابن عباس ما هذا يا رسول الله ؟ فقال : هذا دم ولدي الحسين ما زلت ألتقطه منذ اليوم . فكان هو اليوم الذي استشهد فيه الحسين
أما زينب :
من هي زينب ؟
زينب هي بنت سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه .
من سماها زينب ؟
ولدتها فاطمة الزهراء و حملها أبوها و قيل له : سمها !
قال والله لا أسبق رسول الله في تسميتها
فلما ذهب إلى النبي و قال له : يا رسول الله لقد رزقت بأنثى فسمها !
فقال الحبيب المصطفى : ما كنت لأسبق الله في تسميتها !
و إذا بالأمين جبريل ينزل على الحبيب المصطفى ويقول له : السلام يقرئك السلام و يقول لك سمها زينب !
إذا الله هو من سماها زينب .
ماذا نستنتج من كل ذلك ؟ أن النبي كان يعلم مسبقا بما سيجري لآل بيته و لكنه كتم الأمر أولا
و كان صابرا محتسبا ثانيا .
و فاطمة الزهراء أيضا كانت تعلم ما سيجري لأولادها ، لذلك كانت حزينة باستمرار و توفيت بعد وفاة النبي بـ 40 يوم ، و بعض كتب السيرة ذكرت 6 أشهر والله أعلم .
كيف حدثت المشكلة :
الآن ماذا جرى، و ما هي الأحداث التي جرت في موقعة كربلاء ؟
إسمحو لي عندما أتكلم عن الحسين أشعر بأن جسمي تـنتابه رعدة شديدة و كأني أقف في وهجة سحيقة و أطل بناظري إلى قمة شماء تـنخلع الرقاب عند رباها عندما أنتقل إلى الحسين و عندما أذهب لكربلاء .
كربلاء : هي كرب و بلاء كما وصفها العلماء في التاريخ الإسلامي .
لماذا نصوم في كربلاء ؟ لأنه اليوم الذي نجى فيه الله موسى من فرعون .
و لكن كربلاء كانت شعلة أضاءت للناس جميعا معنى التضحية و الثبات على الحق والجهاد والوقوف في وجه أهل الباطل من قبل أهل الخير والحق .
مع أن أهل الحق أيقنوا بأن الحق لن يكون في هذه الحياة الدنيا على رأس الناس .
في السنة الستين للهجرة ، ماذا حدث في التاريخ الإسلامي ؟
في شهر رجب من العام الستين للهجرة تولى الخلافة الإسلامية يزيد بن معاوية بن أبي سفيان
و كما تعلمون أيها السادة والسيدات ، كان يزيد أحد الأشخاص الذين لا علاقة لهم بالإيمان و لا باتباع سنة سيد الأنام عليه الصلاة والسلام .
فقد كان يشرب الخمر ، ويقيم مجالس الرقص والمعازف والقينات و كان من أسوأ الناس في ذلك الزمان .
تصوروا أن خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم على رأس الخلافة و الحكم هو يزيد بن معاوية . و عند ما تولى الخلافة بعث إلى أمير المدينة المنورة و كان أميرها يسمى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان و هو إبن عمه . بعث إليه برسالة يقول فيها : أن خذ حسينا بالقوة ، و خذ منه البيعة .
و كما تعلمون أن الحسين هو ابن رسول الله الذي لا يمكن أن يبايع الباطل والزنا والخمور ، و لو كلفه ذلك ما كلفه .
فاستدعي الإمام أبو عبد الله الحسين إلى دار الإمارة في المدينة المنورة ، و كان يجلس على كرسي الإمارة الوليد بن عتبة . و أوقف الإمام الحسين و معه عبد الله بن جعفر بن أبي طالب و أولاد بني هاشم بن عبد المطلب ذرية النبي صلى الله عليه و سلم . أوقفوا على الباب فترة من الزمن ، و يا لسخرية القدر . حفيد ابن أبي سفيان و ابن هند و ابن سمية يجلسون على كراسي الإمارة و حفيد رسول الله يقف على الباب بانتظار الدخول عليهم . و أدخل الإمام الحسين و على وجهه البهاء و في عينيه أنوار النبي ، و وقف بين يدي الوليد و على يمينه و شماله كوكبة من آل بيت النبي من أبناء أخيه الحسن الذي قتل مسموما و أبناء عقيل ، و نظر إليه الوليد وارتبك من شدة هيبته و وقاره عليه السلام و قال له : بايع يا حسين و إلا قطعت رأسك بسيفي هذا .
فنظر إبن رسول الله إلى الجلوس و قال : يا وليد ليس مثلي من يبايع سرا ، فادعوني وادعو آل بيت رسول الله في النهار يوم غد مع الناس و سوف يكون لنا أمر .
فقام الوليد من شدة غيظه كي يضرب رأس الحسين ولكن الوزراء منعوه و قالوا : دعه إلى يوم الغد ، فإنه إن بايع سرا قد ينكس البيعة .
واستدار الحسين بظهر بأكمله و خرج من دار الإمارة في المدينة المنورة .
خروج الحسين من المدينة إلى مكة :
و هاهو الليل قد أرخى سدوله على المدينة المنورة ، و هاهو الحسين يقف بخشوع و إجلال أمام قبر جده المصطفى و يخرج منها و معه كل آل بيت النبي الأكرم صلى الله عليه و سلم ، كوكبة غفيرة من المطهرين الشرفاء أشرف الناس و أعظمهم .
لكنهم و أنا آسف لم يكونوا كوكبة من البشر إنما كوكبة من الملائكة ، و كأنني أرى نخيل المدينة تودع هؤلاء القوم .
سبحان من ألهم الشجر ، و كأن النخيل تعلم بعدم رجوعهم سالمين أبدا فتحني أوراقها و تخرس هوامها و حشراتها .
نعم ... خرج الحسين من المدينة إلى مكة مضطهدا مظلووما مقهورا .
و رنت في المدينة أن ابن الزهراء قد خرج تحت جنح الظلام .
فكان يقول رب نجني من القوم الظالمين و معه كل آل بيت الصادق الصدوق من لا ينطق عن الهوى .
و كانت تتقدم النساء السيدة زينب بنت الزهراء أخت الحسين و كان معه أولاد الحسن و أولاد عقيل و أولاد جعفر عمه و أولاده طبعا متجهين في ظلام الليل إلى مكة .
في مكة كان هناك عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر بن الخطاب و عبد الله بن عباس و كان جل صحابة رسول الله في انتظار الإمام الجليل .
الإمام الذي كان يدخل المسجد عند ما كان عمر بن الخطاب خليفة فيقوم عمر بن الخطاب و يقول : أهلا بأحب أهل الأرض إلى أهل السماء أهلا بسيدي الحسين .
وانظروا ماذا فعل بنو أمية به .
دخل الإمام إلى مكة و راح يستشير صحابة رسول الله وابن عمه عبد الله بن عباس الذي كان كبيرا في السن .
و بقي عندهم فترة في مكة ، فوصل الأمر إلى يزيد فأرسل إلى أمير مكة أن خذ حسينا بالقوة
و في تلك الفترة جرت بين الحسين و أهل الكوفة في العراق مراسلات ، و كان سيدنا علي بن أبي طالب قد بقي هناك فترة من الزمن و كان عنده في الكوفة الكثير من الأتباع ، فأرسلوا للإمام الحسين أنهم يبايعونه و أنهم سوف ينصرونه و سوف يفدونه بأرواحهم و أنفسهم .
خروج الإمام الحسين من مكة إلى العراق :
فخرج الحسين في تلك الأمسية الشاحبة من مكة و جبال مكة تنظر إلى زهرة بني هاشم العترة الندية من قريش تنظر الجبال إليهم في وجوم .
و قد سار ركب محمد يتقدمهم الإمام أبو عبد الله الحسين خرجوا مضهدين من بني أمية كما خرج جدهم بعد ما لاقاه من أبي سفيان والقبائل العربية .
و هاهم يتقدمون نحو العراق فيمر الركب بالفرزدق الشاعر ، فتوقف الحسين و قال له : من أين يا فرزدق ؟
فقال الفرزدق : من العراق ( يعني أنه جاء للتو من العراق ) فقال له الحسين : و كيف حال أهل العراق ؟
قال الفرزدق : يا ابن بنت رسول الله قلوب الناس معك و لكن سيوفهم عليك والقضاء ينزل من السماء و يفعل الله ما يشاء .
آه من لكن !
لكن : حرف استدراك يفيد تعقيب الكلام بنفي ما يتوهم ثبوته أو إثبات ما يتوهم نفيه
إن اليزيد وابن زياد عامله على الكوفة اشتروا الناس بالمال ... و ليس مع الحسين مال .
آه من المال فللدنانير بريقها وللدراهم رنينها .
و إذا أصيب المسلمين بالإفلاس الفكري رزقوا الكسل و منعوا العمل .
فهز رأسه الحسين بأسى و قال للفرزدق : يفعل الله ما يشاء . و تابع المسير.
و في الطريق إلى العراق و بعد أن عبر حدودها جاء الخبر من العراق أن أهل الكوفة قد نكثوا البيعة للإمام الحسين
و أن أمير الكوفة عبيد الله بن زياد قد أخذ الناس بالقوة و قتل ما قتل و ذبح ما ذبح و منهم مسلم بن عقيل وابن هانئ أولاد عم الحسين في العراق .
فوجم الإمام الحسين عندما سمع بالنبأ و شعر بالمصير المشؤوم الذي ينتظره و نظر إلى ركبه
كان معه 70 شخص ، 32 رجل بالغ من آل بيته و صحابته و 38 بين نساء و أطفال رضع و أطفال لم يبلغوا الحلم بعد .
الوصول إلى كربلاء :
و تابع المسير باتجاه كربلاء ، و سلم الأمر لله فمن خلفه في مكة كان يزيد و أميري مكة والمدينة و في العراق إبن زياد . و وصل الإمام و ركبه إلى نهر الفرات في كربلاء و قد أعياهم التعب و أنهكهم العطش فوجدوا أربعة آلاف رمح ينتظرهم في جيش جرار .
و كان قائد الجيش يسمى عمرو بن سعد ينتظرون الإمام الحسين و أمر رجاله بمحاصرة ركب الحسين عليه الصلاة والسلام
و وضعوا الخيام و نزلوا فيها و لكن الأطفال راحوا يبكون من شدة العطش ، فخرج الرجال ليسقوا أطفال محمد فوجدوا جنود ابن سعد قد وقفوا حاجزا بين آل بيت محمد و بين نهر الفرات يمنعونهم من الشرب والسقاية .
واشتد الظمأ عليهم في يوم التاسع من محرم والإمام يصبرهم و يقول لهم : صبراً صبرا !
و دانت الشمس للمغيب و جلس الإمام الحسين و اتكأ فجاءته إغفاءة و نام قليلا ، والسيدة زينب تعتني بالأطفال والرضع داخل الخيمة . و سمعت أصوات أقدام زحف جيش ابن زياد تقترب من الخيمة فنادت أخاها أبا عبد الله الحسين و قالت : يا أبا عبد الله أما تسمع الأصوات قد اقتربت إلينا ؟ فقام الحسين و قال لها : يا زينب لقد رأيت جدك في هذه الإغفاءة .
فقالت له : و ما قال لك ؟
قال لي : يا حسين إنك ستكون عما قريب عندنا .
فأجهشت زينب بالبكاء و قالت : وا حسرتاه ويلتاه !
فقال لها : اهدأي يرحمك الله يا أختاه و أدخلها الخيمة و خرج .
خطبتي الحسين لآل بيته :
في هذه اللحظة علم الإمام بأن الأجل قد اقترب لأن جده المصطفى قد أخبره بذلك في المنام فقام و جمع آل بيته و أصحابه و وقف خطيـباً بهم .
و قال بعد أن أثنى على الله بما هو أهله و صلى على جده المصطفى :
أما بعد ، فإني والله لا أعلم أصحابا أوفى و لا أبر منكم و لا آل بيت أوصل و أرحم منكم ، جزاكم الله عني خيرا لقد أذنت لكم جميعا فأنتم في حل فارحلوا و دعوني وحيدا في الصحراء ، فوالله إن القوم يطلبون رأسي أنا فإن شغلوا بي فقد نجيتم .
ارجعوا سالمين في جنح الليل فهم لا يريدونكم و سأظل وحدي ممسكا بسيفي مادام سيفي بيدي .
و عندئذ سمع للقوم ضجيجا و عويلا و قالوا : أنتركك وحدك يا ابن بنت رسول الله !؟ و ماذا نقول نقول للرسول يوم القيامة لو تركناك وحدك !؟ معاذ الشهر الحرام أن نتركك يا أبا عبد الله
و ماذا نقول للناس إذا رجعنا !؟ تركنا سيدنا وابن سيدنا بين الرماح و مأكلة للسباع والوحوش !؟
لا والله نحيا بحياتك و نموت بموتك ، نحن معك يا حسين !
فدمعت عينا الإمام الحسين و أطبق ليل أخرس بهيم في ليلة العاشر من محرم على كربلاء .
و دخل الجميع لمضاجعهم و شبح الموت جاثم على صدور آل بيت محمد و من معهم في تلك الليلة الليلاء .
و ها هو الإمام الحسين يصلي في فسطاطه لله و يستغفرهه فإذا به يسمع صوتا يشق ظلام الليل بسكونه ، صوت زينب التي أثبتت زعامتها لبني هاشم جميعا و هي تقول : وا حسيناه وا سيداه وا حسيناه وا سيداه !
فخرج الإمام الحسين من فسطاطه و تقدم من أخته و قال لها : يا زينب يرحمك الله ، لا تدعي الشيطان يذهب بحلمك يا زينب .
لاحظوا لرباطة الجأش التي يملكها الحسين و هو يثبت أخته الكريمة فقالت : فداك نفسي يا أخي ، بأبي أنت و أمي يا أبا عبد الله فديتك بنفسي !
فقال : احضري رقية و أم كلثوم و صفية و سكينة و فاطمة و باقي بنات رسول الله .
فلما حضرن قلن : فديناك ما حاجتك ؟
قال : حاجتي أن أوصيكن إذا أنا قتلت فلا تشققن علي جيبا و لا تلطمن علي خداً و لا تخمشن علي وجها !
فقالت زينب : يا أخي هذا كلام من أيقن بالموت . فقال لها : نعم يا أختاه !
فصاحت وا ثكلاه وا محمداه وا علياه وا ضعفاه وا غربتاه !
فترقرقت أشرف العبرات من أسمى العيون و قال لها : اتقي الله يا أختاه و تعزي بعزاء الله واعلمي أن أهل الأرض يموتون ، و أن أهل السماء لا يبقون و كل شيئ هالك إلا وجه الحي القيوم . أبي خير مني و أمي خير مني و أخي الحسن خير مني و جدي لنا به أسوة حسنة خير منا جميعا ، اهدأي واسكني يرحمك الله !
و عاد الحسين لصلاته واستغفاره و لم تغمض له عين في تلك الليلة .
و تنفس صباح العاشر بن محرم سنة الحادي والستين للهجرة ، وإذا بجيش عمرو بن سعد يتقدم من أشرف الخلق بعد رسول الله .
خطبة الحسين بجيش ابن زياد :
تقدم الجيش و أصبح على بعد خطوات من الإمام الحسين و آل بيت رسول الله صلى الله عليه و سلم والسيوف الحاقدة تتلألأ على وجه الحسين .
فقام الإمام واعتلى راحلته و وقف خطيبا بالناس و قال :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على جدي رسول الله .
أيها الناس ، أمهلوني و لا تعجلوني وانسبوني تعرفوا من أنا .
فخرس القوم من هيبته و وقاره و جلاله عليه السلام ، و كان النور يشع من جبينه الطاهر ، إنها أنوار المصطفى .
قال لهم : انسبوني واعرفوا من أنا .
ألست ابن بنت نبيكم ؟
ألست ابن وصيه وابن عمه و أحب الخلق إليه ؟
أليس حمزة سيد الشهداء عم أبي ؟
أليس جعفر الطيار بجناحين أخضرين في الجنة عمي ؟
ألم يبلغكم قول نبيكم أحب الخلق إلي الحسن والحسين ؟
ألم يبلغكم قول نبيكم الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ؟
أما في ذلك حاجز يحجزكم من سفك دمي ؟
بماذا تطلبون دمي ؟
هل بقتيل قتلته منكم ؟
أم بدم لكم علي ؟
أم بمال اغتصبته منكم ؟ ارجعوا إلى أنفسكم و حاسبوها !
فوجم الجميع و رؤوسهم بالأرض ، و قام رجل من الجيش الحاقد و صرخ بأعلى صوته : فداك نفسي يا أبا عبد الله ، فداكي نفسي يا أبا عبد الله يا بن رسول الله !
واهتز الجميع لصوت ذلك الجندي الممزوج بالنحيب ، الذي انشق عن عبيد الله بين زياد و كان اسمه زهير بن القين . و عاد زهير يقول : ماذا بكم أيها الناس ؟
والتفت إلى قائده و إلى جيشه و قال لهم : منعتم خير الناس من التجول في بلاد الله الواسعة حتى أصبح أسيرا لا يملك لنفسه دفعا ولا نفعا ولا يملك لنفسه ضرا !؟ منعتم آل بيت نبيكم من ماء الفرات ، هذا الماء الذي يشرب منه اليهودي والمجوسي وتتمرغ فيه الكلاب حتى أصبح آل محمد صرعى من العطش !؟ بئس ما خلفتم محمدا في ذريته ، لا أسقاكم الله يوم العطش الأكبر ! فداك نفسي يا أبا عبد الله !
و إذا بسهم حاقد من يد عمرو بن سعد يدخل فم زهير بن القين ، وكان الشهيد الأول في كربلاء !
بدأت المعركة :
نعم خاف ابن سعد على الجيش أن يتراجع في مواجهة الحسين ، لأنه يعلم أنهم على الباطل و بدأت السيوف باجتذاذ الأعضاء من أشرف المخلوقات على وجه الأرض ، تجمعت الـ 4000 سيف ضد الرجال فاستشهد جميع الرجال الـ32 و لم يبقى منهم أحد .
و بدأت السيوف بنهش لحوم المصطفى و نطافه على الأرض
و كان علي بن الحسين الشاب في مقتبل العمر يصول و يجول بين 4000 سيف و لكنه يعود إلى أبيه الحسين ويقول له : أبتاه العطش العطش ! فالتفت إليه الحسين و قال له : صبرا يا بني فلا تمسي حتى يسقيك جدك رسول الله ! و إذا بسهم حاقد يدخل حلقوم علي بن الحسين و ها هو يتمرغ في التراب بدمه فيتخضب وجهه و جسده و يأتي مقبلا و يضع رأسه على قدمي والده الحسين ، فأخ الحسين ولده بين يديه و نظر إلى السماء و قال : بئس ما خلفتم محمدا في أهله وانتهكتم حرمة محمد ، والتفت لإخوته الصغار و قال لهم بصوت مفجوع : خذوا أخاكم واحملوه ، فأدخلوه إلى الخيمة و صرخت زينب : يا ابن أخاه يا ابن أخاه . و كان أول الـ 38 من الغلمان .
و قتل الجيش الحاقد كل أبناء الحسين و كل أبناء عقيل و كل أبناء الحسن أبو بكر الصغير و محمد الصغير و عبدالله بن جعفر و مسلم بن عقيل . ذبحوهم و قطعوا أوصالهم ، إنها أشلاء محمد بن عبد الله على الأرض يا ناس !
و بقي هناك طفل اسمه القاسم بن الحسن و كان عمره خمس سنوات و هو على يد عمته زينب و شاهد السيوف تقترب من عمه . ففلت من يدها و تقدم من عمه و وضع يده ترسا لرقبة عمه ، و ها هو سيف حاقد يقطع يده فتعلقت يده بخيط من الجلد .و هو يصرخ و يقول : أتقتلون عمي أتقتلون عمي ، يا أماه يا أماه ! و ركضت السيدة زينب لتأخذ أشلاء هذا الولد . ها هي رؤوس و أقدام و أرجل ذرية محمد القرشي الهاشمي قد تكومت فوق بعضها البعض .
و مازال الحسين ممسكا بابنه الرضيع عبد الله الذي لم يبلغ السنة من العمر عندما اقتربت السيوف منه و هوى أحد السيوف بحقد على رأس الطفل الرضيع فانحز الرأس و فار الدم على وجه الحسين . وأخذ الإمام الحسين والدم يتقلب بين يديه و هو يرفع يديه إلى السماء و يقول : اللهم إن كنت قد حبست عنا النصر في هذا اليوم فانتقم من هؤلاء المجرمين ، اللهم أبدلني خيرا منهم !
و وضعت أشلاء الطفل في حضن السيدة زينب .
و لم يبقى من آل بيت النبي و لا طفل رضيع و لا رجل و لا غلام و لا أحد إلا الإمام الحسين و خلفه نسوته و نسوة أخيه ، أعراض بيت النبي ، و قد طعن بجسده 32 طعنة وراؤه الثكلى والحزنى اللائي يجمعن الأشلاء و يضمدن الجراح ، وحيد في ساحة المعركة التي لم يخرج لها
لقد خرج رافضا لمبايعة البغي وأهل الخمر و قد تجمع حوله 4000 سيف و لكنه كان جبارا عظيما و هذا هو الدرس . وقف رافع الرأس شامخا و لم يطأطئه أبدا و قال صامدا : والله لو أن ذرة من التراب وقفت في وجه الباطل لأزهقته .
لقد أزهقهم بتحديهم ، و أقبلت السيوف نحو رأسه فقال لهم : أتجتمعون على قتل بن بنت نبيكم ؟
لا جزاكم الله خيرا ! والذي نفس حسين بيده لم يـبغض الله أحدا أكثر مما أبغضتموه ! فقطعوا يده اليمنى التي كان يمسك بها السيف و وقعت كلها على الأرض، و هو ينظر والدموع تنسكب من عينيه إلى زينب وإلى الثكالى وإلى الأرامل و يقول : بسم الله و على ملة جدي رسول الله فقطعت يده اليسرى و ما لبث أن اقترب منه عمرو بن سعد وأخذ رأس الحسين بسيفه و حزه ، فسقط جسد الحسين مقطع الأشلاء و هوى على أرض كربلاء والدماء تتدفق من حنجرته زكية تفوح منها رائحة المسك .
انتهاء المعركة :
و هنا شحب اللون الشمس و قد آذنت بالمغيب و خرج القمر من وراء الغيوم حزينا باكيا على آل رسول الله . السماء تسمع والأرض تسمع وأهل مكة يسمعون وأهل المدينة يسمعون وأهل العراق يسمعون في تلك الليلة الشاحبة صوت بنت بنت رسول الله و هي تصرخ : وا سيداه وا حبيباه وا حسيناه ، ليت الموت أعدمني الحياه ، وا ثكلاه ، اليوم مات أبي علي وأمي فاطمة اليوم مات أخي الحسن ، اليوم مات جدي رسول الله !
وحمل الرأس الطاهر إلى معسكر الجيش ، الذين راحوا يسمرون و يسكرون و يشربون الخمور احتفالا برأس الحسين .
أما في الجانب الآخر و عند خيام آل بيت رسول الله راحت الثكلى الأيامى والأرامل يأخذن الأرجل والأيدي والرؤوس و يقبلنها في تلك الليلة . الليلة التي عوت فيها الكلاب والذئاب على أرض كربلاء ، و لكنها خجلت من أن تشم رائحة اللحم المقطع والدماء مع أنه غذاؤها .
و هذه بناتك يا رسول الله سبايا !
و هذه ذريتك يا محمد مقتلة مقطعة مفتتة !
و هذه دماؤك يا محمد قد روت أرض كربلاء !
فأخذن نساء الكوفة يصحن و يندبن وارتفع الصراخ من النوافذ ، و دوى عويل الرجال !
لابد لنا من درس و عبرة بأن الله موجود ، فالذي ينظر إلى الحياة بأنها هي النهاية إنما هي دنيا و آل بيت النبي هم مشاعل نور و ليس أمر عابر . فالله يريد أن تعلم الأجيال بأن آل المصطفى هم أكثر من قدم التضحيات في سبيل نصر الحق .
الدكتور محمد عبد الستار السيد
.
.
.
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين ,,, واللعنة الدائمة على أعداء أهل البيت الى يوم الدين.