وموضوعي اليوم عسى ان تعجبكم قصة سمعتها من الخطيب البارع عبد الحميد المهاجر اطال الله في عمره الشريف بصحة وعافية
كان هناك, أخوان اثنان, وكان احديهما يبيع الخل بينما الآخر كان يبيع العسل.
ولكن مع الفارق... وهو أن الذي يبيع الخل كان الناس يزدحمون على دكانه يوماً بعد يوم, أكثر, فأكثر.
وكانت حياته حلوة جميلة تسير بنجاح في البيت كما في السوق....
في حين كانت حياة أخيه بائع العسل تسير في ركود, وألم وشقاء !
إذ لا أحد يمر عليه, لشراء العسل, وكان بيعه قليلا جداً.
وذات مرة: سألته زوجته:
لماذا حياتك, في نفق مظلم, في الوقت الذي يسير حياة أخيك في راحة وسعادة؟!
فأجابها: من المؤسف أن الموازين قد اختلت وأصبح الناس لا يدركون الحقيقة.
ولكن الجواب لم يكن كافيا, لإشباع جوع الزوجة إلى معرفة الحقيقة, وكشف السبب الواقعي, الكامن وراء تأخر زوجها وتقدم أخيه.
وقررت أن تذهب هي إلى السوق, لكشف الحقيقة... وهكذا فعلت!
دكان الزوج كان يقع على مقربة من دكان أخيه بائع الخل.
وما كادت تلقي النظرة الأولى, على وضع البيع والشراء.. حتى لاحت لها الحقيقة مشرقة في أفق الواقع.. فها هو بائع الخل, وقف غارقا في زحام الناس الذين تقاطروا عليه, من أماكن قريبة ونائية من أجل شراء الخل.. وكان يبيع الخل لهم, ويوزع ابتساماته عليهم ويطبع نظراته العميقة على وجوههم وكانت لبقاته, في الكلام تساعده على شد القلوب إليه... وكانت كلماته الحلوة العذبة, تداعب الأسماع وتنزل على القلوب, نزول الربيع على أديم الأرض! فالكل يرشهم بعطر المعاملة الطيبة وعبير الأخلاق... على أنه لم يفوته: أن يزرع بين الحين والحين ظريفة, ظريفة ترتاح لها القلوب فيضحك الناس ثم ينصرفون والخل في أيديهم والفرحة على وجوههم مشرقة.
وهنا أدركت- هذه المرأة- سر نجاح هذا الرجل في عمله ! ... إنها الأخلاق وليس غيرها !.
هي الأخلاق تنبت كالنبات **** إذا سقيت بماء المكرمات
تركت بائع الخل, وسارت في اتجاه زوجها, لتراه وقد جلس على كرسي من الخشب الرفيع, وراح ينفث دخان سيجارته في عصبية طافحة... وكان لا يستعمل عود الثقاب وإنما يشعل سيجارة من سجارة أخرى, والعبوس يلف وجهه..
بينما أمسك في يده عصى صغيره ينقر بها على قناني العسل المصفوفة أمامه, في واجهة الدكان.. كان جالساً وحده, دون أن يمر عليه أحد من الناس !!.
ظلت زوجته, واقفة في زاوية من السوق تنتظر, لعل أحداً يأتي لشراء العسل, فتكشف طريقة زوجها في المعاملة, وتعرف أخلاقه!.
وفي النهاية: جاء رجل يسعى لشراء قنينة من العسل المصفى...
وهنا فرحت المرأة, ووقفت ترقب المسرحية عن كثب:
وقف الرجل المشتري, أمام بائع العسل... مسلماً عليه-غير أنه لم يرد عليه, إلا بربع التحية, ومن وراء أنفه أيضا !
سأله الرجل: ممكن أعرف سعر هذه القنينة من العسل؟.
وبدل أن يخبره بالقيمة, رفع صوته بوجه قائلاً: اسمع يا هذا لقد أعطاني الله قوة في العقل والفراسة والبصيرة بحيث أستطيع أن اعرف الأشخاص وما يدور في خاطرهم, من النظرة الأولى! ...
ثم تابع يقول ولكن بصوت أرفع-هذه المرة-: اسمع كلامي يا غبي- موجهاً خطابه إلى الرجل المشتري- إنني أتمتع بفراسة حادة, ونظرة ثاقبة, واعرف الناس من أول نظرة... أعرفهم إذا كانوا في مستوى أكل العسل أم لا !!
ولذلك فقد عرفتك, بالنظرة الثاقبة, انك لا تصلح لأكل العسل, لان شكلك ووجهك لا يتناسب مع استعمال العسل, أضف إلى ذلك أنك قصير القامة وأنفك أغطس, أفطس, وشعرك مجعد, كأنك خارج لتو من السجن فأعرض عني, وابتعد عن وجهي, وألا هشمت أنفك وحطمت رأسك بهذه العصى.
وأخذ يلوح له: بالعصى في الهواء, ولما أحس الرجل بالخطر يهدده, ولى مدبراً, ولم يعقب!.
ورجعت الزوجة إلى الدار, لتخبر زوجها في المساء: أن السبب المباشر, وراء تأخره في الحياة وتقدم أخيه هو: أن أخاه يبيع الخل حلواً بأخلاقه وهو يبيع العسل مرأً بأخلاقه السيئة أيضا.
وهنا مكمن اللغز وسر الحياة الناجحة وسر الشقاء في كل الأحوال.
أخوتي نقلت لكم مسرحية حية من واقعنا تتكرر مراراً في معاملاتنا اليومية نجد الرجل الناجح بهذه الصفات وفي المقابل نجد الرجل الفاشل بهذه الصفات ولذا ارغب منكم أخواني الأعزاء الحوار وطرح الآراء من وحي هذه المسرحية الحية من واقعنا المعاش؟.
1- هل نحتاج فعلا إلى الأخلاق الحسنه لتيسير أمورنا ؟
2-من ضاق خلقه فقد عذب نفسه كلمة للإمام علي عليه السلام فهل هذه تنطبق على بائع الخل.
3- كيف نحول الخل عسلا في كل أمورنا الحياتية ؟
4- هل ممكن أن نقول كما يقال دائما في مجتمعنا هذا رزقي مقدر ليس له دخل بالعمل ولا بالاخلاق وهل العبارة صحيحة ( لو تجري جري الوحوش غير رزقك ما تحوش) ؟ !!!
5-أن الإنسان ليصل بأخلاقه إلى أعلى الدرجات وإن كان قليل الصلاة والصيام هل هذا صحيح ؟
6-ما هو دور الزوجة في إنعاش الحركة الاقتصادية في الأسرة ؟
والكثير من هذه العبر والدروس نقتبسها من وحي القصة.
تحيات الفجر القادم