مستشفى لندَن كلينك –( بريطانيا )
حملوني من الطائرة متوجّهين بي إلى المستشفى , ليجتمع أكثر من دكتور متخصِّص بقسم الحروق وجرَّاحين خبراء ليكتشفوا أفكاراً جديدة لإعادة ماهدمه مستشفى الخبر التعليمي والتخصّصي ..
/
ليصدر الدكتور أمراً إلى إستخدام طرق جديدة لعمليَّات التجميل .. وبعد أكثر مِن 18 ساعة أخرجوني مِن غرفة العمليَّات بحال أفضل ووضعوا شاشاً حول عيناي فقد أجروا عمليَّة إعادة بناء من جديد لتفتح عيناي بعد أسبوع لينتظروا النتيجة ..
فكانت إجابتي لوالدي وطاقم خبراء الأطباء بإبتسامتي فرحاً برؤية وجه والدي الذي لم أراه منذ بداية حادثَة الحريق ..
وفرِحَ الأطباء بإرتسامة السعادة على محياي ليكملوا مراحِل إعادة البناء وعدت أتنفَّس من فمي وأصبحت أنطق وأتكلَّم , لكن كان والدي يساعدني أن آكل طعامي لأن يداي أصبحت تحتاج إلى إعتياد إلى إستخدام وظائف جديدة لكي أستعملها..
كان المتخصّصين سعداء لسرعة تجاوبي مع محاولة أن تعود لي كل وظائف جسدي فضلاً إلى ذكائي ..
إستقرَّت صحّتي بعد مكوث أكثر مِِن 9 أشهر ليعطوا والدي مواعيداً كثيرة لمتابعة علاجي ]
( مُمارسة طفولتي تحتاج إلى حذر )
دخلت الصف الأوَّل إبتدائي متأخَِّراً بسبب علاجي وكنت أتابع دراستي في بريطانيا بعد أمر الملك فهد بن عبدالعزيز يرحمه الله بتكملة دراستي هُناك وكنت أحب الدراسة والتعلُّم كنت شمعة لاتنطفيء لشغفي للتعليم وكنت أحوز على المراكز الأولى ..
لم تمنعني دراستي أن أمارس طفولتي بالخروج مع والدي في بريطانيا لكي أذهب ألعب مع من هُم في سنِّي .. كنت أذهب إليهم وكلّي حماس بتوجيه الكرة لي ولكن تفاجأت بأني قد ملأت في ملعبهم الرعب ليهربوا تاركين الكرَة لي ..
إلتفتّ إلى والدي لا أعلم ماسر هروبهم , فلاحظت والدي يبتسِم لي ودمعته سالت من عيناه وكأنَّه يقول لي بداخله , ( لم ترى شيئاً حتى الآن ) ..!
فقال لي :- ألم تسمع والدتهم تناديهم للغداء؟ ..
سألته /- والكُرَة ؟! ..
إبتسم والدي :-/ خذها لك ..
كان أبي دائماً يبتسِم لي ويضحك وكنت أرى عكس ذلِك في داخله .. كنت أعلَم بأنه يبكي لأجلي . كنت أعلم بأنه يخبِّيء عنِّي شفرَة مستقبلي كيف سيكون غداً ..
سأكمـل لكم باقـي الأحداث - واعذرونـي على ركاكـة أسلوبي في الكتابة وافتقـاري للمعاجم اللغوية والنحويَّة ..
( أنا والطائِـرَة )
حينما أركب إلى الطائرَة تستقبلني المضيفة بحرص وإهتمام مبتسمة لي وبعدها تأتي لوالدي لتقول له :-
لقد إختاره كابتن الطائرة ليكون صديقه في مقصورة القيادة .. ليسعد والدي لتمدّ المضيفة يدها لي ذاهباً معها إلى كابتن الطَّائرَة ليمد يده مصافحاً ليسألني :- ما إسمك؟ ..
/ عبدالله ..
كابتن الطائرة :- لقد تم إختيارك أسعد طفل في طائرتنا مارأيك ؟..
فرحت بذلك وألبسني قبّعته ودردش معي ثم أخذني إلى الركَّاب مرتدياً قبّعته على رأسي وصّفقوا الجميع بهذا التكريم .. فدائماً حينما أذهب إلى أي رحلة عبر الطائِرَة
يحتفوا بي بالتكريم وبالهدايا وجميع أنواع الشيكولاته التي أحبّها ..
نسيت أن أقول معلومَة بأني تعلَّمت اللغة الإنجليزيَّة بسرعة فائقة في بريطانيا وأجيد اللهجة البريطانيَّة في ذلك الوقت أحببت الطائرات وأصبحت أشتري ألعاباً كلها طائرات كنت أحلم دائماً بالتحليق ومعانقة الغيوم البيضاء ..
( الحياة إمـرأة )
برغم المسشتفيات حرمتني مِن حضن أمي وأصبحت هي أولى بإحتضاني لم أنحرِم من تعويض الحنان غير أني أشتاق إلى حضن أمي ..
فقد كانت هُناك ممرضة تدعى بـ صوفي أو صوفيا إلى حتَّى الآن أتذكَّر إسمها , كرّست وقتها وطلبت ساعات إضافيَّة برعايتها لي .. فهي تعلم بأني أعاني مِن قِلَّة النوم ولا أستطيع أن أنام إلا عبر قراءتها لي قصصاً مِن الأدب الإنجليزي والغناء معها واضعاً رأسي على حضنها إلى أن يغلبني النعاس وبعدها أنام ..
كانت تقبِّل خدِّي كل مساء .. كانت تفكِّر بسعادتي كانت تراقبني حتى وأنا نائِم .. كانت تنام بجانبي لتشعرني بالأمان ..
طلبت بعدها من مدير المستشفى بمنحها إجازة كل أسبوع يوماً خاصاً لي لتذهب بي إلى مدينة الألعاب والسينما والمطاعِم وإستأذنت مِن والدي لتتمّ الموافقة مِن مدير المستشفى وحضنتني وهي تبكي بسعادة ..
فقد كانت تساعدني بالإستحمام وتمشِّط شعري وفي إرتداء ملابسي وتحملني على ظهرها تركض بي بسعادة ونتغنَّى في الشَّارع ..
أهدتني يوماً من الأيام بقلم "أحمر" كي أرسم ..
فقالت :- هل تعرف أن ترسم ياعبدالله ؟! .. الرسم جميل أنظر إلى الألوان , أُشْعُر بِها ..
أخذت القلم حاولت أن أرسم لم أجيد لصعوبة إستخدام يدي شعرت بالألم كالعادة في يداي .. وأمسكت يدي بعدها وقبّلتها ومنعتني من المواصلة ..
حاولت بعدها تدريبي أن أستخدم يداي وطلبت منها أن أعتمد على نفسي كيف أغلق أزرَّة ملابسي وكيف أمسك الكأس لكي أشرب ..
شعرت بالسعادة بعدها بأنني إستطعت أن أعتمِد على نفسي كما كنت أتمنى ..
( صَدمَة موجِعَة ! )
أتت بي الممرضة بعد أشهر حزينة الملامح . لم أكن أعلم ماذا بها ..سألتها وكانت تبكي ولا تجيب علي ..
إمتلكني الخوف بعدها ..
سألت كل طاقم من يعمل في جناح المستشفى ولم يجيبوا علي فهم يخبئون عني سراً أحاول أن أكتشفه ..
وإذا أجدها تحمل حقيبتها !! ..
تودَّع زميلاتها وأنا وقفت لاحراك .. هذا ماكنت أخشاه !!
ثم إقتربت لي ودموعها لم تتوقَّف , بكيت وسألتها :- إلى أين ؟! .. صوفي ماذا تفعلين ؟! ..
قالت :- سأرحل , لم أكن أريد أن أقول لك ذلك ولكنني لا أستطيع أن أرحل بلا أن أقابلك , فأنا أحببتك كإبني ومن الصعب أن أذهب عنك بلا كلام . أريدك ياعبدالله قوِّي فسوف تسعدني إن رأيتك تبتسم .. واصل حياتك ياعبدالله .. فأنا سوف أذهب مع أهلي إلى وطني وإنتهت مدَّة خدمتي هُنا , ليتني لم أعرفك لا أعلم ماذا سأفعل حينما أسافر بدونك ..
إنفجرت بالبكاء واحتضنتني لتهدأتي لكنها بكت معي وبكى من كان في المستشفى من أجلنا ..
أمسكت يدها وهي تحاول أن تبتعد , أمسكتها وضغطت أكثر على معصمها قائلاً لها متوسلاً بأن لاتتركني وترحل ..
إلى درجة خدشت يدها من قوَّة الصدمة وهي لم تشعر بسبب حزنها وذهبت ..
نعم ذهبت ..
ذهبت تلك الفتاة الحنونة التي وقفت بجانبي وساعدتني وكانت تحكي لي القصص وتحضر لي الحليب الساخن وقطع البسكويت قبل أن أنام ..
ذهبت تلك الفتاة التي تفرح في إجازتها الأسبوعية لتصطحبني معها إلى المطاعم ومدن الألعاب , التي كانت تحملني على ظهرها وتركض بي ونتغنَّى سويَّة ..
ذهبت ثم رحلت تلك الفتاة التي سخّرت حياتها وضحَّت بالكثير من أجلي ..
----
عدت سقيماً لا أتكلم .. ولا أنام , مجرد أبكي .. لم أعد أستطع أن أقفل أزرَّة ثوبي , لم أعد أشاهد الرسوم المتحرَّكة بدونها .. كل الأشياء التي كنت أقوم بها معها قد توقَّفت .. شعرت بعقارب الزمن قد توقَّفت وغطّتها أوراق الخريف .. حاول الكثير مساعدتي من المستشفى لكن دون جدوى أن أعود كما كنت في السابق ..
/
بعدها بأسبوع . لاحظت في نومي بأن هناك مايراقبني من خلف الباب .. حينما كنت أصحى في الصباح أتفاجأ بهدايا تملأ أريكتي ..
تفاجأت وفرحت توقَّعت بأنها من ( صوفي ) أخذت بالهدايا كانت هناك رسائل بها لا أعرف أن أقرأها , فلقد تعلّمت فقط التحدّث بالبريطانية ولكن لم أتعلَّم القراءة والكتابة الإنجليزيَّة ..
أخذت بالرسائل ذهبت إلى إحدى السيّدات لتقرأها , كتمت القراءة وقالت إذهب إلى غيري ليقرأها لك ..
ثم ذهبت إلى الكثير وإمتنعوا من قرائتها لي ..
احتفظت بالرسائل بجيبي ..
ومضيت أياماً أفكر عن محتوى الرسائل , سألتهم إنها من صوفيا ؟ وامتنعـوا بالجواب ..
كالعادة نمت فتحت عيناي بعدها وهربت إمرأة لم أستطع أن أراها وأفقت مرتعباً وصرخت وطلبت النجدة ..
سألت إحدى الممرضات بأن هناك إمرأة تراقبني وكانت قريبة مني ولكنني لم أستطع أن أراها لأن كانت الغرفة مظلمة ..
رأيت في وجه الممرضة بأنها تمثِّل علي , فقالت :- لم أرى أحداً ..
إبتسمت وقلت لها :- تكذبين . أنا ذكي لايمر علي هذا الشيء ببساطة ..
ولكن كانت المرأة أذكى مني .. عرفت بأني سأمثِّل بالنوم ولم تعد تأتي كل يوم ..
( موهبَـة إكتشفتها سانـدي ) ..
ذهبت إلى قاعة الألعاب الخاصة في المستشفى , جلست بعيداً عن الأطفال ..
كانت المختصَّة بالقاعة تراقبني من بعيد . حاولت الإقتراب ولكنها فضَّلت أن تراني من بعيد ..
رأتني ألعب لوحدي أخاطب نفسي كأني أخاطب طفلاً آخر يشاركني أشيائي ..
وفجأة رأيت أقلاماً ملوَّنَة بالقرب من طاولتي ..
أخذتها وبحثت عن ورقة .. وفجأة رأيت يداً خلفي مدّ لي بالورقة , إلتفت فقد كانت الإختصاصيَّة مبتسمة لي قائلة لي :- خذ ياعبدالله ..
إستغربت بأنها تعرف إسمي ..
فقالت :- أنا أعرفك منذ زمن , وأنت طفل ذكي يجب أن أكتشف عالمك قريباً ..
رأيت بأقلام الألوان وقلت لها :- أحب هذه الألوان , فقد كانت صوفيا تعطيني منها ..
أخذت الورقة ووضعتها على الطاولة , بدأت أفكر وأفكِّر ساد بي بالصمت , كنت أتمَّعن الورقة البيضاء .. فقد كانت ورقة كبيرة ..
ثم أخذت بالأقلام لأرسم أول رسمة برغم كانت يداي تؤلمني وهي ( وردة حمراء ) ..
إنبهرت الإختصاصيَّة ورأيت السعادة في محيّاها وأعطتني ورقة أخرى ورسمت بها لا أعلم ماذا رسمت بالورقة الثانية .. ثم أخذت تعطيني وتعطيني .. ثم سكتت ووضعت عيناها بعيناي وقالت :- هل تعرف ؟! ..
قلت :- ماذا ؟! ..
ذهبت إلى التلفاز وفتحته لي ووضعت لي شخصيَّة كرتونيّة كنت أحبها .. السيِّد " قطـار " ..
وقالت :- هل تعرف أن ترسمه؟! ..
فقلت لها :- لا ! لم أجرّب ..
فقالت :- حاوِل ..
أمسكت بالورقة ثم رسمته , وأتت إلي مسرعة وتفاجأت .. ثم ذهبت إلى مدير المستشفى لتحكيه عني ..
---
بعد أيام أتت لي بألوان جديدة وأوراق كبيرة وقالت :- سوف نعمل لك ( أول معرض في مستشفى لندن كلينك للأطفال ) ..ولكن سيشاركك الأطفال أيضاً في المعرض ..
إبتسمت وقبلت التحدِّي وبدأت أرسم في كل وقت لأملأ قاعة الألعاب بالرسومات ..
أخفت الإختصاصيَّة المفاجأة للمدير وقالت له :- لاتدخل أرجوك ممنوع الآن .. سترى موهبة عبدالله قريباً , ثم بعدها ضحك وذهب قابِلاً للقوانين ..
( ولادَة أول موهبَة من مواهبي )
أقامـت المستشفى بتعليق لوحاتي قبل دخول مدير المستشفى وكبار الشخصيَّات ومنهم
( والدي ) , ووضعوا تلك الإضاءات الجميلة وبعض التنسيقات على الحائط .. وبدأوا الناس تدخل إلى المعرض بعدما قص المدير شريط الإفتتاح ودخل ليرى إحدى لوحاتي بها إسمي كتبتها الإختصاصيَّة بالخط الإنجليزي .. إنبهر المدير وإلتفت إلى الإختصاصيَّة يسألها :- هل حقاً هذا من يد عبدالله؟!! ..
أجابت وهي تضحك :- نعم عبدالله التي رسمها . وأكثر اللوحات هنا رسمها عبدالله ..
إبتسم المدير مفتخراً بي وصافحني بحرارة وقبّلني والدي سعيداً ومسروراً من موهبتي ..
فقال لي والدي :- من أين لكَ هذا؟! ..
قلت له :- مِن " ساندي " ..
فقال :- من هي ساندي ! ..
أشرت عليها بسبّابتي وهي كانت الإختصاصية تدعى بـ " ساندي " ..
( مجتمع متحضِّـر )
بعد عودتي إلى أرض الوطن بعد سنين طويلة ..
تعبت كثيراً أصبحت غريباً في هذا المكان , لم أعتد على تفكير مجتمعي ..
الكل يراني بإستغراب ويبعد أطفاله سريعاً عني , لم أعد أستطيع أن أذهب إلى مدينة الألعاب كبريطانيا رغم بأني ألعب لوحدي . ولكن هنا حتى إن لعبت لوحدي لم يدعوني
حتى في ممارسة بسيطة من حقوق خصوصيَّاتي ..
أصبحت أذهب إلى المدرسة بمرافقة أبي وشعور الخوف يرافقني أيضاً ..
رغم ذكائي وبأني من الأوائل , لا أرفع يدي أشارك الطلاَّب كي لايلتفتوا إلي .. كنت أختار آخر الصف كي أرتاح قليلاً من فضول نظرات البشر لي ..
أتى إلينا مدرِّس الفنيَّة طالباً أن نرسم عن " حرب غزو العراق للكويت " , وسألنا أن نرسم ..
أتتني الشجاعة ووقفت وتوّجهت إليه ونظرات الطلاَّب تلاحقني مددت يدي له كنت أريد منه الطبشـورة ..
إستغرب المدرِّس وأعطاني الطبشورة بيدي , وأخذت المسَّاحة ومسحت شرحه عن رسم حرب الكويت ..
وبدت برسم لوحة كبيرة على السبُّـورة . وانبهروا وأولهم المدرس ..
فقال للطلاَّب :- صفّقوا له ..
رسمت برج التحرير وطائرات الهليكوبتر ترسل الصواريخ إليها ورجال المقاومة الكويتيَّة تردّ هجومهم ..
فقال لي :- أنت ترسم بإحساس ..
وذهب ليسأل والدي عنِّي ..
وبدأ الإهتمام بموهبتي , وامتنعت بمساعدته أن أقوم بمعرض للمدرسة ..
فقلت له :- أنا أرسم على مزاجي , لا أحد يملي علي ما أرسم هل فهمت ؟! ..
كنت عنيداً في حصَّة الفنيَّة .. حينما يأتي المدرِّس بموضوع رسمة نرسمها , أخذت كرَّاستي وأرسم موضوع آخر ..
وهذي كانت بداية " تمرُّد الرسَّامين " ..
الرسَّامين دائماً متمرِّدين في أحاسيسهم وشعورهم ..
يحبّون الحريَّة ويقدسّونها كثيراً ..
وحينما أذهب إلى البيت أقرأ كتباً غير كتب دراستي ..
كتُب علميَّة ودينيَّة كان والدي يحتفظ بها في مكتبته الصغيرة ..
كان الكتاب كبيراً على مستوى سنِّي وكان كبيراً أيضاً بحجمه فحينما أجلس يكون الكتاب يملأ مساحة ساقيي ..
تذكرَّت أحد الأقارب كان يراقبني حينما أقرأ وأسافر إلى عالم آخر , قال لأبي :- إنتبه لإبنك من أعين الناس . فهو نادر وجوده ..
رفعت رأسي أنظر إليه كيف آبهاً فيما قاله ..
كانوا إخوتي حينما يريدوا أن يذهبوا إلى أي مكان أو إلى مدينة ألعاب أمتنع بالخروج بسبب نظرات الناس تجاهي .. فأقول لوالدي إذهب بهم فأنا لن أخرج إعتدت وأحببت الوحدة .. ولكِن والدي يمتنع أمام إخوتي من أجل مشاعري ويأجِّل الخروج في يوم آخر ..
ثم حاولوا بي أن أخرج معهم ووافقت من أجلهم ليس من أجل نفسي .. كنت أشعر بالخوف والتوتُّر ذهبت معهم وكنت أمشي وأنا لا أشعر بخطوات قدماي ..
وبدأ الإستكشاف من أعين الناس . وتلفظ بعضهم بكلمات قاسية ووقحة ..
لم أستطع أن ألعب كباقي أخوتي . كنت فقط أنظر إليهم من بعيد ..
بعدها بسنة فكّرت أن ألعب ولكن كانت هناك فكرة أن أغطِّي وجهي بالشماغ لكي أمارس حريّتي ..
ركبت لعبة السيَّارة , شعرت بالراحة والفرح بأن ليست هناك عدسات بشريَّة تراقبني , وفجأة إصطدمتني سيَّارة من خلفي وفجأة سقط شماغي وعقالي ..
ووقفوا الأطفال بسيَّاراتهم متفاجئين من وجهي وشكلي وإلتفت حولي ورأيت كل الناس عمّهم الصمت يتهامسون ..
وبسرعة تركت السيَّارة وشماغي وعقالي وهربت سريعاً بالخروج من الساحة .. وكانوا الأهل ينادوني إلى أن ذهبت إلى بعيد من غير لا أشعر .. إلى أن ضعت ..
أضعت مكان أهلي حاولت أن أسأل لكني لم أستطع خوفاً من تجريحي ..
وبعدها سمعت صوت المايكروفون بمناداة إسمي أن أتوجه إلى الباب الرئيسي إلى أن وصلت وقاموا بتوبيخي ..
تغيَّرت شخصيتي لم أكن ذلك الطفل الذي كان في بريطانيا .. أصبحت شخصيتي مهشَّمَة من مجتمعي , أصبحت كثير الإنطوائيَّة وكنت أتناول الطعام بعيداً عن أهلي بسبب أصبحت لديَّ عقدة من شكلي ..
وحينما أعود إلى بريطانيا لإكمال مواعيد عمليات التجميل هناك , أعود على ماكنت عليه من شخصيتي الجميلة والمرحة فتعود الثقة إلى نفسي ويستقبلونني هُناك بالإحترام والتقدير ..
إكتشفت بداخلي حبي للموسيقى , وعزفت على البيانـو فقد كنت أحب هذه الآلة , ثم توجّهت إلى آلة العود وهي أصعب شيء لأناملي , ولكن لحبي لكوكب الشرق منذ صغري ورياض السنباطي تحدّيت هذه الآلة وعزفت أرقى الألحان وأصعبها بإصبع واحد فقط .. لينبهر الكثير مني بإستغراب , ثم توجّهت لآلة الكمان وهي أصعب من العود وتحدّيت هذه الآلة وأجدتها بالألحان التركيَّة ..
ثم إكتشفت نفسي أجيد تأليف الموسيقى ومجال التلحين .. وبعدها هوايتي للتصوير والإخراج . والكتابة والفضل يعود لإنطوائي عن الناس ..
King Of A.R.T
أصبحت في كل المدارس معروفاً بريشتي وكانت لي بصمة واضحة في كل لوحة .. رفعت رؤوس الكثير من المدارس وحزت على جوائز كثيرة على مستوى المنطقة الشرقيَّة وكانوا لي متابعين من خارج المدرسة .. ولكن كانت الجوائز تذهب للإدارة وأنا لا أحصل على شيء , فقط كلمة شكر يلقونها في طابور الفصل ..
كان إسمي يمر كل أسبوع أو كل شهر بإنجازات لوحاتي في بعض المعارض , ومن بعدها توقَّفت عن العطاء ..
كنت أدعي نفسي بـ لقب Bad Brush
" صاحب الريشة السيئة " رمزاً لي كتحدِّي للرسَّامين من الطلاَّب ..
أصبحت أجرب رسوماتي على الطاولات وأبواب الفصل والسبّورات .. وكان المدرِّس حينما يتفاجأ ويغضب من هذه الرسومات يعرف بأنها لي ..
تمرَّدْت كثيراً وشاكست وأصبحت شخصيَّة أخرى ..
( صاحب الظل الطويل )
بعدها بأشهر كانت تأتيني جوائز من شخص مجهول الهويَّة يعطيها المدرسة لإهدائي تقديراً على رفع رأس مدرسة منطقتي ..
تفاجأت بمدير المدرسة يلقي بالمايكروفون كلمة شكر وتقدير وكنت دائماً أسهى في الطابور لا ألقي إهتمام بأي شيء ونظرة البرود وعدم المبالاة إلى أي شيء فقال :- فاليتقدَّم الفنَّان ( عبدالله العوَّاد ) إلى المنصَّة لإستلام هديّته ..
إستغربت وكل أنظار الطلاَّب إلتفتت إلي ..
( إيه مين قدِّك عبدالله , أوووه الله لنا .. إيه من حقِّك يافنَّان , يارسَّام .. يالخطيـر )
كانت هذه الكلمات التي أسمعها ووجهي غير مبالي ..
لشعوري بالإحباط بعد جهد كبير لرفع كثيراً من المدارس ..
أخذت هديّتي وهي عبارة عن ( ألوان ماركات باهضة الثمن وكرَّاسات وشهادة شكر وتقدير ورسالة تحتوي بها أن أعود إلى ساحة معركة المنافسة لرسَّامين المدارس ) ..
سألت المدير وبعض المدرّسين من صاحب هذه الهديَّة لكي أشكره , إمتنعوا بالجواب لشرط صاحب الهديَّة أن لايخبروني عن إسمه ..
أخذت المايكروفون وشكرته ونزلت من المنصَّة وأعطيتها المدير لكي يعطيني إياها في حال خروجنا من دوام المدرسة ..
أصبحت أفكِّر بهذا الرجل وسألت الكثير عنه .. ولكن دون جدوى ..
سمعت بأنه يحضر إلى معرض مدرستي بشخصيَّة مجهولة وغامضة لحضور رسوماتي ..
سعدت كثيراً بذلك برغم أني لم أعرفه لحتى الآن , ولكن بعد جهد كثير من البحث . سمعت بأنه من منطقة ( حزم أم الساهك وصديق له من منطقة " أبو معن " ) ..
حزنت قليلاً بأن هذا الذي يدعمني ليس من منطقة الدريدي أو مِن أم الساهك ..
ولكِن كان فخراً لي بأن لديَّ معجبين ومتابعين لفنِّي ..
( ضجيج حرم المدرسة )
وجدت الكثير مِن عداوة بعض الطلاَّب من غير لا أعلم ..
فكانت تُسرق كرَّاساتي ورسوماتي ومحاولة تقليدها , ولكِن يبقى الأصل رغم الفرع وإن حاولوا كنت محسـوداً بريشتي ..
كنت أعود بعد فترة الفسحة أجد كرَّاستي قد سُرِقَت من طاولتي إلى درجة أصبحت لا أحملها معي في حقيبتي مرَّة أخرى , تعرَّضت برسائل تهديد بداخل طاولتي , وجواسيس مكوَّنة مِن قروبات ..
كنت لا أهتم بهذه الرسائل ولا أحتفظ بها , فقط كنت أمزّقها وأرميها في القمامة ..
حاولوا تشويه سمعتي بشتَّى الطرق , فكنت أحضر معي كرَّاسة خالية من رسوماتي . وكان هذا الشيء يغضبهم لأرى بها خرابيش وبعض من قطرات العصير عليها ..
كانت مراحلي المتوسطة والثانوية بالنسبة لي مؤلمة ولكن تحتوي على الكثير من إنجاز رسوماتي ..
وكنت أمتلِك شخصيَّة هادئة وأحياناً مرحَة .. كان لدي أصدقاء وكان لدي معجبين , كنت شخصيَّة غامضة رغم وضوحي مع الناس ..
كنت لا أعرف أن أتناول فسحتي حينما أرى بعض من الطلاَّب الفقراء ليس لديهم مالاً لكي يأكلون , كانوا فقط يأتون كفاحاً للعلم ..
كنت أخجل أن أتناول فطوري أمامهم .. كنت أخجل أن أرتدي ثوب جديد وصديقي ليس لديه مايرتديه محتفظاً بثوبه القديم ..
كنت أفكِّر هل أشتري بعض الفطور لمن أراهم لا يتناولوا فطورهم يومياً أمام عيني؟! ..
شعرت إن فعلت ذلك ستكون فكرة سخيفة .. وربما سأجرحهم ولهذا أصبحت أتناول فطوري بعيداً عنهم وأحياناً لا أأكل حرصاً على أن أشعر مايشعرون به ..
وجدت الإحساس صعب , كنت كثير الإحساس بالآخرين كانت الدمعة سهلة السقوط من عيناي رغم تكتّمي ..
( معاناتي في إكمال العلاج )
بعدما كبر سَن الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود يرحمه الله .. أهملتني الجهات المسؤولة عن علاجي وقدَّمت أوراق موعدي في بريطانيا إلى وزارة الصحَّة وكان ردّ جوابهم لم أكن توقّعها قائلاً لي:- أمر الورقة التي لديك أصبحت عديمة الفائدة أو بالأحرى منذ أيام الفراعنة , فحاول أن تجدد الأمر مرَّة أخرى ..
تفاجأت وانصدمت من تعامل هذا الموظَّف وسألته :- هل أنت بكامل قواك العقليَّة لكي تقول بكلام خطير لست بصاحبها؟! ..
فلم يجاوبني ..
أرسلت أوراقي مع وزارة الصحة مرَّة أخرى بضرورة علاجي وأخذت أوراقي سنة ونصف السنة وفات موعد علاجي لأنصدم من جهات مسؤولة في وزارة الصحَّة أن أكمل علاجي في مستشفى الملك فيصل التخصّصي , لم أقبل بذلك فقد تعقّدت من المستشفيات في السعودية فهم من دمّروا حياتي ..
حتى كنت أتذكَّر إنزعاج الدكتور المتخصص بعلاجي في بريطانيا سائلاً والدي :- في أين أولى عملياته أجريتموها له ؟ ..
فقال :- مستشفى الملك فهد الجامعي التعليمي بالخبر والتخصصي ..
فقال منزعجاً :- لقد عقّدوا عملياته وأصبح جلده مشدوداً بسببهم أين ذهبوا بباقي جلده , وكيف لديهم الجرأة بعملية الترقيع في جلده .. فرجاءاً لاتعالجوه مرَّة
أخرى هناك إلى أن نبحث له عن إختراع جديد لإكمال علاجه فدراسة وضعه تحتاج إلى 10 سنوات ..
----
بعد الـ 10 سنوات , حاولت أن أعود إلى بريطانيا .. ولكن حكم القوي على الضعيف .. رضيت أن أكمل علاجي في مستشفى فيصل التخصصي بالرياض بعدما أصر دكتور التجميل هناك بأنه قادر على علاجي . فقد دمَّر حياتي بإمكانه أن يكتب تقرير عن صعوبة الأمر . ولكنه يريد أن يقوم بتجاربه بي ..
ذهبت هناك وأجرى لي عمليَّة بيدي اليمنى فقد لإصبع إبهامي , كانت عملية سخيفة بالنسبة لي أخذت 16 ساعة وصلت إلى مرحلة الخطر بسبب زيادة جرعة المخدَّر بجسدي , أصبحت بعدها بغيبوبة .. وبعدما صحوت من هذه الكارثة .. رأيت يدي وتألَّمت كنت أعاني من آلام حادَّة وأعطوني أدويَّة مهدئَّات لكي لا أشعر بالألم وبعدها إكتشفت فخذي ..
فخذي قد قطعوا جزءاً كبيراً من جلدي عانيت بآلام حادة لدرجة أبكي بهستيريا على خلق الآلام لي والعذاب غير تدمير يدي مرَّة أخرى ..
مكثت شهرين أعاني من الآلام .. أصبحت لا آكل ولا أنام من صدمتي النفسيَّة .. كنت أدعي على الظالمين في وزارة الصحَّة بما فعلوه بي ..
بعدها أتى إلي الدكتور وسألني :- ماذا باقي تريدنا أن نفعل بِك ..
كان سؤالاً فعلاً إجراميّ المعنى ..
فقلت هل تريد أن تمزّقوا وجهي وتمارسوا به أبشع أعمالكم؟! ..
فقال بكل برود ووقاحة :- أعتذر لا أستطيع أن أكمل علاجك فعمليَّاتك معقَّدة ..
نظرت إليه بغضب شديد :- ماذا تقول؟؟؟!!! .. بعد كل هذا تقول هذه الكلمات بسهولة؟ إذاً لماذا لم تجعلني أن أواصل علاجي في بريطانيا .. أنتَ دكتور وقح وسخيف تباً لك دمّرت مستقبلي كيف سأتحمَّل سخافة مجتمعك كيف سأصبر على عقولكم النتنة ونظراتكم القذرة ..
تباً لك أعد إلي أحلامي . أعد إليَّ أيامي .. أعد إليَّ مستقبلي لقد دمّرتوه .. أقسم لك لن تخرج إلا تنتهي من كتابة تقرير إكمال علاجي في بريطانيا ..
قال بكل برود رغم خوفه من ردَّة فعلي :- أنا الآن إنتهى فترى دوامي سأكتب لك التقرير غداً..
نهضت من سريري رغم إحساسي بألم كبير كان سيفقدني الوعي :- ستكتب الآن رغماً عن أنفك .. لقد سئمت صبري وإحتمالي لن أدعك تخرج من هنا إلى حينما تنتهي من كتابة التقرير ..
خاف الدكتور من الفضيحة إن لم يكتب لي التقرير وشعر بتأنيب الضمير وأنا أبكي على حالي وعلى ظلم ما أراه وماجنوه في حقي ..
فكتب في نهاية التقرير أعتقِد بأنه يحتاج أن يكمل علاجه في نفس المستشفى في بريطانيا , وحينما قرأت أنا هذه العبارة .. أ‘طيته الورقة مرَّة أخرى وقلت له :- أعد كتابة صيغة التقرير مرَة أخرى واحذر لإنتقاؤك الكلمات فاكتب من الواجب علاجه في نفس المستشفى التي يتعالج بها من بداية مرحلة علاجه ..
كتب الدكتور مرَّة أخرى ولكن كتب ( أرى من المستحسن ) فكرهت سخافته وأخذت الورقة وقلت له : لاتتحرَّك من مكانك إلا بعد توقيعك لترجمة ورقتي وختمها ..
ذهبت بأوراقي إلى موظف الترجمة
في مستشفى الملك فيصل وأمرت بترجمتها حالاً فقال لي الموظف :- تعال بعد غد ..
قلت له :- لن أبرح مكاني أريد الترجمة باللغة العربية والإنجليزيَّة حالاً لو سمحت الأمر خطير وضروري ..
بعدها إنتظرت ساعتين لترجمة الورقة لكي أعود بعدها إلى الدكتور ووقّعها وطلبت الختم من موظف الترجمة مرَّة أخرى ..
شقيت وتعبت لكي أطالب بحق أخذه مني الدكتور ..
وذهبت بأوراقي مرّة أخرى إلى وزارة الصحَّة ليأتيني أمر علاجي بعد أشهر طويلة كالعادة لأنصدم بعلاجي في مستشفى القوَّات المسلَّحة ..
كسرت كل شيء أمامي مزّقت أوراقي وصوري وكل شيء حتى رسوماتي كرهتها ..
تعبت كثيراً من بعد طول إنتظار لأكمل علاجي لأتفاجأ بهذه الأخبار السيئة ..
أصبحت أكره الدراسة وأهملتها .. أصبح لديَّ شرود وتفكير وخوف من مستقبل صحّتي ومستقبل حياتي ..
أصبحت أرسب وواصلت لكي لا أفشل ولكن دون جدوى إلى الصف الثاني ثانوي , وبعد ما أتت أوراق إختبارات النصف الأول لم أكمل الورقة ورميت قلمي وورقتي وإندهش المدرِّس من ردّة فعلي والطلاَّب وخرجت من المدرسة ولم أكمل إختباراتي وأخذت حقيبتي لكي أذهب إلى الرياض معلناً عدم الإستسلام بعلاجي ..
( معاناتي مع الجهات المسؤولة )
ذهبت إلى جريدة الرياض لأشكي عن حالي بعد ضعف دمَّر جسدي , وتحدَّثت مع الصحفي عن تماطلهم بعلاجي في بريطانيا .. وكتب عني وطلب مني أن أرسم الملك/ عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله كان في وقتها ولياً للعهد , فقلت للصحفي بأني أصبحت أكره الرسم لا أعرف أن أرسم فطلبني أن أحاول .. فرسمت الملك عبدالله أجمل رسمة رسمتها بحياتي بالقلم الرصاص فقط ..
ونشرت الجريدة خبر قصة حياتي وعن منعهم إكمال علاجي , ولكن بصيغة أخرى وكأني أنا المتهَّم ..
وعرضت الجريدة فقط عني في آخر صفحة الجريدة وكانت مجرَّد سطوراً بسيطة .. برغم بأن هناك أفضل من حالي بكثير كتبوا عنه كل صفحة الجريدة عن معاناته ..
ونشروا عن حياتي في يوم الخميس رغم بأني قد طالبتهم بأن ينشروا الخبر عني في وقت دوام الموظفين كالأيام العادية وليست في أيام الإجازات الأسبوعيَّة ..
لم يتصل بعدها أي مسؤول أو أي أحد .. ومنهم من أتصل وقال سنساعده للعلاج وكانت مجرَّد فقط وعوداً كاذبة ..
إتصلت سيّدَة على الجريدة تدعى بأم عبدالله تريد أن تساعدني بمبلغ بسيط من المال ورفضت ذلك ..
فكان طلبي أريد أن أكمل علاجي لكي أستطيع مواصلة حياتي وتقبّل المجتمع لي للحصول على وظيفة ..
بعدها توّجهت بالجريدة إلى قصر الملك عبدالله بن عبدالعزيز , وعانيت هناك من الوقوف من الصباح إلى وقت العصر فقد منعوني رجال الأمن بالدخول أو وصول فقط الجريدة إلى الملِك , رغم بعضهم أقل مني ظروفاً وأفضل مني حالاً قد دخلوا عليه وهناك عنصريَّة قبليَّة إستفادت من لقاء الملك .. وأنا عانيت من التعب ومن ضربة الشمس فقلت للعسكري :- فقط أدخل الجريدة جزاك الله خير فأنا لا أريد سوى العلاج وإن أتاني المال أعدك بأنها ستكون لك ..
أنا لا أريد مالاً أنا عزيز نفس لا أرضى بالذلَّة ..
رفض بدخول جريدتي فقد كان قاسياً ليس لديه شفقة ..
وبعدها أتى رجل ماذا أراه من معاناته فقد كانت
معاناته لاشيء وأدخله حينما عرف بأنه ينتمي من أي قبيلة ..
إنصدمت من هذه الحركة وصرخت بأعلى صوتي :- حرام عليك يا أخي حس .. ماتستحي إنت على وجهك ايش هذا عنده مثل ماعندي علشان تدخله؟! .. أنظر إلى حالي أنظر إلى معاناتي غير أني رسمت الملك بيدي .. أنظر إلى الجريدة ركِّز عليها ..
قال بكل وقاحة :- الله يشفيك ..
وقلت له :- هذا الذي قدرت عليه؟
ثم نظر الجريدة عسكري آخر وقال :- هل أنت الذي رسمته؟ ..
قلت والدموع قد جرحت وجهي :- نعم نعم أنا الذي رسمته .. هل كان إهتمامك بالرسمة أم إلى معاناتي؟! ..
لم يجب علي وأخذ الجريدة وذهب بها إلى الداخل ليعطوني بعدها موعداً في ثاني يوم صباحاً في الساعة 8 وذهبت إليهم ونادوا بي .. فرحت وقلت أتى الفرج من الله , سخر الله لي عباده الصالحين ..
حضرت صباح اليوم التالي , متحمِّساً بأني سوف أدخل على الملك لأحكي له معاناتي .. سيغطي تكاليف علاجي وأستطيع بعدها إجراء كل عمليّاتي لأواصل حياتي بعدها وسيتقبّلني مجتمعي المتحضِّر وسوف أتوظَّف وأبني مستقبلي ..
أذنوا لي بالدخول وطلبوا مني أن أجلس في قاعة الإنتظار .. تخيّلت كيف سأتكلم مع ملك الإنسانيَّة وأحكي له كل شيء ..
أتى إلي رجل يرتدي عباءة سـوداء وسألني :- أنت عبدالله العوَّاد الذي رسمت الملك عبدالله ؟! ..
فقلت له :- نعم انا هـو ..
وذهب وأتى إلي أكثر من 3 أشخاصاً يسألوني نفس السؤال وأنا رافعاً حاجباي من إستغرابي ..
بعدها أتى إلي صاحب العباءة السحريَّة وقال لي :- تقدَّم هنا تعال وقِّع ..
وسألته :- أوقِّع على ماذا؟ هل سأرى الملك عبدالله ؟ متى سأدخل عليه ؟! ..
إبتسم إبتسامة سخرية وقال :- قال تدخل عليه قال ..!! الملك عبدالله إنعجب بلوحتِك وإشتراها منِّك . تعال وقِّع على هذا الشيك..
قلت له :- لا أريد مالاً أريد إكمال علاجي في بريطانيا وأنا أعطيتكَ أوراقي وتقاريري الصحيَّة وغيرها لوحتي , وقصّتي التي في جريدة الرياض ..
فقال :- هل تريد الشيك أو لا؟ ..
حزنت وإكتفيت بأن آخذ القلم لكي أوقِّع من غير لا أرى ماهو المبلغ بالشيك , وقَّعت وأنا مغمضاً عيناي , فقال:-
لماذا توقِّع وأنتَ مغمض العينين ؟! ..
فقلت له :- أعلم بأن المبلغ إن كانَ كبيراً سيغمى علي في قاعتكم الموَّقرة فمن المستحسن أن أرى الشيك خارج قاعتكم لكي يحملونني الناس إن فقدت الوعي –
ههه ..
وقَّعت على الشيك وذهبت به إلى الخارج . فتحت عيني وأنا أسمِّي وأبارك , فكان المبلغ ( 10 آلاف ريال سعودي )
لم أعلِّق على شيء , كنت أظَّن بأني سأحصل على مبلغ كبير لكي أكمل علاجي أو سأعمل بمشروع صغير يدير حياتي لأني أعلم لن يتقبّلني المجتمع ليوظّفونني ..
حمدت ربي وشكرته كثيراً فالقناعة كنز لايفنى ..
ذهبت بالشيك إلى البنك وكان هناك طابور أحتاج إلى وقوف عدّة ساعات لكي أصرفه , ونظرة الناس كانت تزعجني . فتوجّهت إلى مدير الفرع ودخلت عليه :- السلام عليكم .. ممكِن طال عمرك تخدمني أصرف هالشيك لأن وضعي وظروفي ماتسمح لي أوقِّف في الطابور وغير نظرة الناس لي تزعجني وتسبب لي الإختناق ..
فرحَّب بي وطلب مني الجلوس , ثم أخذ ينظر إلي قاطباً حاجبيه , كأني رأيتك من قبل ! ..
سألته :- أين ؟ ..
حاول أن يتذكَّر , فقال :- ..نعم نعم في جريدة ولكن لا أعلم أي جريدة
فقلت له :- الرياض ..
فقال :- نعم .. هاه هل وجدت نتيجة وإتصالات؟! ..
ضحكت , وكتمت حزني وقلت له :- إن شاء الله خير إلى حتَّى الآن لم أجد مساعدة في علاجي .. ممكِن تصرف لي هذا الشيك ؟! ..
فقال لي :- من عيوني .. أعطني رقم هاتفك لو سمحت لكي أحاول مساعدتك في علاجك أو توظيفك ..
فرفضت ذلك وبعدها تردَّدت وأعطيته رقمي .. ولم أجد منه إتصالاً ولا شيء , أعلم بأن هناك الكثير يضرب صدره لي من غير أن أطلبه ليعطيني وعوداً كاذبة ويعلِّق بي الأمل إلى وقت غير معلوم ..
صرفت الشيك وشكرته كثيراً وخرجت لكي أواصل رحلتي الطويلة للبحث عن الأمل المفقود . توّجهت إلى إمارة الرياض ولم أجد نتيجة , ثم إلى الأمير الوليد بن طلال ولم أجد نتيجة فكل قصر أمير هناك
جنوداً ومسؤولين أعظم من سـور الصيِّن العظيم هم دائِماً العقبة أمامي لكي أدخل على الأمراء أو لكي تصل أوراقي لهم , وكانت لاتصل إليهم كانوا يمنعوها العسكر ومن تحتهم .. كانوا يحسدون الرزق قبل أن يصل ..
( مرحلة اليـأس )
وصلت إلى مرحلة اليأس , بعد تعب دام سنين ..
تعبت من الوقوف أمام القصـور , وأمام الإمارة . وركوب الليموزينات ومشي الكيلو مترات تحت الشمس , وأنام أحياناً في الليل خارج سور القصر لكي أنتظر نتيجة .. ليس لديَّ بعدها ما آكله ولا أشربه ..
إلى أن أتى الفرج أن أذهب للمنطقة الشرقيَّة لآخذ مبلغ الـ3 آلاف ريال ( سنوياً فقط ) وضعوني من ذوي الإحتياجات الخاصة والمعاقين . وأنا لست من ضمن هؤلاء الأسماء ولا أرضى لنفسي أن أكون ذلك ..
فليس لديَّ إعاقة ولست متهَّم من ذوي الإحتياجات الخاصة ولكن مجتمعي إتّهمني بهذا المسمَّى ..
أخذت المبلغ الـ 3 آلاف ريال لكي أواصل مسيرتي للبحث عن أمل علاجي وأن أتوظَّف ..
ولكِن دون جدوى , وقلت سأذهب بأوراقي الصحيَّة مرَّة أخرى إلى مستشفى الملك فيصل التخصصي لأسأل الطبيب هناك ماذا أفعل بتقاريري , هل أعلقها أو أبلّها وأشرب مائها ! ..
فسألته :- هل أذهب بها مرًّة أخرى إلى وزارة الصحَّة ؟
فضحك وقال :- لن تساعدك وزارة الصحَّة بشيء إذهب بها إلى الأمير عبدالعزيز بن فهد . كلي ثقة بأنه الرجل المناسب..
نظرت إليه بنظرة باردة لأني أعلم ماذا سيفعلون الجنود القساة هناك ..
ولكن قلت سأجرب فهذه المرَّة الأخيرة ..
أخذت بالجريدة ذهبت إلى قصر الأمير وكالعادة يمنعوني الجنود من الدخول ويدخلون من لديهم واسطة ومن يعرفونه عليه ..
تعبت من الوقوف تحت الشمس فكنت واقفاً من الـ 9 صباحاً إلى الـ 2 ظهراً ..
فطلبت من الجندي أن يرحم حالي فقلت له :- لا أحتمل أن أذِّل نفسي إلى أحد , إفعل هذا الشيء لربّك ولآخرتك لا أريد سوى العلاج .. حالتي صعبة سأموت إن لم أتعالج ..
لم يحركه ساكن ..
إفجرت من البكاء بسبب التعب فقد وصلت إلى درجة اليأس والظلم ومعاملتي القاسية وقلت :- حرام عليكم ياناس ربي راح بيعاقبكم ياويلكم من الله فيني ..
وإذا هناك موظَّف رأى الجريدة من الداخل فأمرمهم بدخولي ..
ودخلت وأنا أمسح وجهي من التعب ومن الدموع ..
وطلبت كوباً من الماء بسبب نقص جسمي من السوائل ووقوفي الطويل على قدماي في الخارج ..
حاولت أن أرتاح من غير أن لا أتكلم ..
فسألني أن أعطيه الجريدة , أعطيته الجريدة ويداي ترتجف من التعب .. وألقى نظرة عليها وابتسم :- أنت الذي رسمت الملك عبدالله ؟! ..
فقلت :- نعم , وكان التعب على وجهي ..
فقال :- ماذا تريد من الأمير ؟ ..
فقلت له :- أريد أن أعود إلى بريطانيا لإكمال علاجي ..
وشرحت له رحلتي الطويلة لكي أبحث عن العلاج ومماطلة الجهات وغير ذلك الجريدة لم تفعل أي نتيجة ..
فقال :- إذهب وانتظر مننا إتصال ..
خرجت من مكتب الأمير وأنا أعلم مجرَّد وعوداً كاذبة ..
فقلت :- يارب الباقي عليك لقد سعيت وفعلت المستحيل فيارب الباقي عليك ..
أتاني إتصالاً من مكتب الأمير عبدالعزيز بن فهد يسألوني إلى أي بلد أريد العلاج فيه , فقلت لهم بريطانيا فقالوا له بأني أستطيع أن أجوب العالم في أي مكان أريد العلاج , فقلت لهم نفس جوابي لأنه المكان الوحيد الذي يستطيعوا علاجي ..
وبعد 9 أشهر أتاني إتصال منهم للإستعداد وأن أذهب إليهم لآخذ المبلغ للسفر ..
ذهبت وأعطوني شيكاً بـ ( 20 ألف ريال )
عملتنا ليست قوية أمام العملَة الإسترلينيَّة ولم أسألهم عن المسكن والمشرب هناك , كنت أظن نظامهم كنظام علاجي على حساب الملك فهد يرحمه الله ..
وسافرت وكلي سعادة عاد الأمل إلى حياتي .. ذهبت إلى دكتورة الملحق الصحّي السعودي هناك وتفاجأت وفرحت برؤيتي بعد 15 سنة , فهي لم تتغيَّر رغم بأني قد تغيّرت كثيراً عندها من ملامحي ..
أخذت هناك شقَّة بسيطة حاملاً معي المواد الغذائية قد إشتريتها من السعودية لكي لايذهب مالي كنت خائفاً من غدر الأيام بي ..
فكل هناك غالي , وقد ذهبت في فترة الصيف ليس كالعادة أذهب إلى فترة الشتاء .. غلاء الأسعار في بريطانيا في الصيف جداً رهيبة ..
ذهبت بعدها إلى أفضل دكتور في العالم كان هناك في مستشفى لندن كلينك عقد لفترة محدودة ودخلت عليه وإبتسم بعد فحصي وقال :- ستكون أفضل بـ 98 % ..
إستغربت وفرحت كثيراً فهي نسبة كبيرة غير النسب التي أسمعها في مستشفى الملك فيصل كـ 10% أو 5% وأقل ..
..
ولكن طلبَ مني أن أذهب معه إلى الغرفة لكي يفحص جلدي ووجد جلدي مشدوداً , وقطب حاجبيه قائلاً :-
المسألة معقَّدة هنا , يجب أن أجد حلاً لاتخف .. سنحاول الآن بأن نعدل بشفتاك على عدَّة 5 مراحل . تعال بعد 3 أسابيع القادم لنبدأ العمليَّة ..
بريطانيا للعلاج فقط وليس لدي وقت للترفيه والسياحة ..
بعدما أجريت الجراحة بشفتاي .. باقي 4 مراحل لأكملها
لم يتوقف الدم من شفتاي وقالوا لي المستشفى أستطيع الآن أن أعود إلى شقّتي لأتابع المراحل الباقية بعد أسبوع .. نقص مالي فلم يعد شيئاً وغير ذلك أرخص شقَّة وجدتها بـ 700 جنيه إسترليني في كل 4 أيام ..
إستغربت بأن ليس هناك مبلغاً غير الـ عشرين ألف ريالاً حينما سيطول مدَّة علاجي وذهبت إلى دكتورة الملحق الصحّي وشرحت لها وضعي وقالت:- إبحث لك عن واسطة في الرياض فليس لدي ما أساعدك ..
تفاجأت من ردَّة فعلها وتوّجهت إلى السفارة واستقبلت السفير في وقتها حينذاك الدكتور / غازي القصيبي ..
كنت أرتدي قناعاً طبياً حولي شفتاي لأن الدم لم يتوَّقف وسألني عن القناع فقلت له بسبب العمليّة .. وبكيت بأني لم أعد أحتمل هذه الطريقة التي فعلها ماتحت مكتب الأمير من غدر وتخّلي الدكتورة للملحق الصحي ..
وأعطاني ظرفاً يحتوي على 1500 جنيه إسترليني ..
وسألته هل أعود بعدما تكتمل النقود فقال لانستطيع مساعدتك فهذه مساعدتنا فقط لك ..
ذهبت إلى المستشفى وقابلت الدكتور وقلت له عن وضعي وقال تحتاج إلى سنة ونصف ليكمل لي العلاج ..
فقلت له ليس لدي مال كافي ماذا أفعل .. فقال لن تراني مرَة أخرى فهذا من حسن حظّك بأنك موجود الآن هنا ..
فطلبته أن يساعدني فأعطاني موعداً أن أعود إلى السعودية ثم أعود إليه بعد 6 أشهر .. خفت من جديد بأني لن أعود إلى بريطانيا بعدما تعبت سنين لكي أتعالج .. فتوكّلت على الله ..
وذهبت بعدها إلى دكتور الملحق الصحي وحكيت لها القصة .. وتخلّت عن مساعدتي وقلت لها سأعود وقالت لي لن تعود وتحدّتني في أنها لن تساعدني بدخولي بريطانيا مرة أخرى ..
وقلت لها :- الله أكبر منك وسأعود إن شاء الله , الآن علمت لماذا أبي يكرهك لأنك ليس في قلبك ذرَّة رحمة ..
حينما عدت إلى شقّتي متعباً والدموع لم تتوقَّف ..
أخذت بحقيبتي للعودة إلى الوطن وعلاجي لم يكتمل في ظرف فقط أقل من شهر عانيت من أحداث كثيرة , وكان الواقي على وجهي ..
.. نقص مالي فلم يعد شيئاً وغير ذلك أرخص شقَّة وجدتها بـ 700 جنيه إسترليني في كل 4 أيام ..
تحطّمت آمالي وأحلامي وكل شي إنهدَم أمام عيني ,
كسرت كل شيء أمامي رميت حقيبتي وملابسي . أصابتني هستيريا بسبب سخافتي وغبائي ..
حاولت أن أهدأ , ولكن كيف أهدأ بعد سنين أجري لمعاملاتي وتكبدت العناء لأتمم علاجي , ذهب كل شيء هباءاً منثوراً لرحلة لم تدم أقل من شهر !!!! ..
وعملية من أصغر العمليات وباقي الكثير لأجريها !!! ..
تثاقلت قدماي حاملاً حقيبتي وكلّي إحباط ويأس , فليس لي إلا البكاء , حينما ذهبت قبل أن أركب الطائرة .. نظرت خلفي إلى بريطانيا , كيف لي أن أتركها بهذه السهولة بعد حرب إثبات وجودي لكي أكمل علاجي ..
عدت بعدها إلى المملكة ..
يتبع
<<<