الحقوق السياسية :
عندما تقوم بمسح لدول العالم تجد أن ثلثي دول العالم يمتلكون مجالس نيابية وبالتالي مما يشعرك بوجود ضمانات لحقوق الإنسان أوأجهزة مراقبة على السلطة التنفيذية والحد من تدخلها في شئون الناس ولكن وللأسف الشديد أن كثير من هذه المؤسسات الديمقراطية شكلية ، فمازال الإنسان يعاني الأمرين من انتهاك لحقوقه وخصوصاً السياسية منها ، ومازالت الإنسانية اليوم تكافح لمنع السجن الإحتياطي الطويل وللإفراج عن الألاف من سجناء الرأي والضمير في بقاع العالم .
أما الإسلام فهو حريص على حقوق المواطن فيعطيه حرية الكلام والنقد وحرية التنقل بعدم سحب وثيقة السفر ، كما ويضمن له كل الحقوق الإنسانية وهو داخل المعتقل ، ويقوم بتعويضه في حالة إثبات براءته للوقت الذي قضاه داخل السجن ، وهذا بعينه ماطبقه علي ، حيث تسنى له أن يطبقه . فهو لم يقيد حريةالحركة والتنقل أو المنع من السفر لكل أولئك الذين تيقن أنهم سيحاربونه او سيالبون عليه السذج من المسلمين . فطلحة والزبير كان على علم أنهما كانا سيعمدان على تقويض حكومته وأنهما سيعملان جادين لإثارة الفتن والقلاقل ضد حكومته ، ويبدو ذلك واضحا عندما قالا له واستجازاه بالذهاب الى العمرة فقال لهم [ ماالعمرة تريدان ، وإنما تريدان الغدرة ، وسأستعين بالله عليكما ] إن معرفة علي في شريعته ليست كافية لاعتقالهما مالم يتلبسا بالجريمة وتكون البينة الشرعية في ذلك .
كما وأنه لم يعتقل الخوارج رغم أنه يراهم يعدون العدة في الكوفة ويحشدون لهم الأنصار ، رغم كل ذلك كان يردد الإمام أنهم مازال تحركهم ونقدهم ضمن دائرة [ النقد الكلامي ] فإنا لانحاربهم حتى يحدثوا حدثاً أو يستخدموا السيف ، فالإمام لم يلتجئ إلى الحرب معهم لأرائهم أو لانتقادهم لأداء الحكومة أولخظة أو مشروع الدولة أو ...
فقد كانوا يسلونه أمام الجماهير وأمام الناس وهو صاحب السلطان والقوة ورغم كل ذاك لم يذكر في التاريخ أن قمع صوت أحد انتقده بل على العكس من ذلك كان يلتجأ إلى الحوار معهم ، ولم نسمع أنه استخدم [ شرطة الخميس] ضد أحد من ناقديه ، الخوارج أرسل إليهم - كما ينقل ابن قتيبه في الإمامة والسياسة وغيرها من المصادر- أرسل اليهم عبد الله بن العباس ليحاورهم ويفاوضهم سلميا الا انه يئس من ذلك. كما وانه في صفين ايضا اخذ يناقش طلحة والزبير ان كان [ احدث حدثا ان يسموه له ]. فعلى ما كان ليمد يد الحرب وعنده مندوحة للسلم فالحاكم يجب ان لا يلتجأ الى القمع وان يكون خياره الوحيد في اتعاطي مع المعارضين هو خيار العنف . فسياسة تكسير الرؤوس اسلوب يعتمده الراعي اذا ما احس بضعف منطقه وقلة حجته في الاجابة والقبول لمطالب الجمهور.
الامام والتعددية السياسية :
اكرم السيدة عائشة ام المومنين خير اكرام رغم انها البت عليه جموع المسلمين ، ولم يقم باي عمل عنيف ضدها بل هيأ لها حين انتهاء الحرب 20 خادمة يقمن بواجبها وكل الذي بدر منه عتاب في قول اذ قال لها [ ما انصفك الذين اخرجوك اذ صانوا حلائلهم وابرزوك ].
كما وانه لم يلزم احدا من معارضيه بالانضمام الى جيشه فترك لهم حرية اختيار موقفهم مادام سلميا، فحتى الذين تركوا مبايعته بل انتقدوه في فترة توليه للسلطة لم يلتجئ الى اعتقالهم فاسامة بن زيد وقف اليه اثناء بيعته وهو يوجه اليه الاتهام ناقدا : [ لا نبايعك وسيفك مازال يقطر من دماء المسلمين ] رغم علمه ان هذا السيف انما تصبب دما من دماء الكفر او اهل الفتن الخارجين على الامام مفترض الطاعة.
موقفه من الخوارج :
وما يوضح هذا المعنى اكثر انه رغم ان بينه وبين الخوارج دما الا ان ذلك لم يمنعه في ان يمدهم بالعطاء من بيت مال المسلمين وهذا مؤشر اخر على مدى تمسك علي بالحق والانصاف والعدل . كما وانه لم يمنعهم من دخول المساجد وعاملهم معاملة المفتونين المشتبهين رغم انهم تطاولوا على حكمه وحكومته بل راح اكثر من ذلك يلتمس لهم الاعذار قائلا [ لا تسبوا الخوارج من بعدي فليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأصابه ].
سجون الامام علي :
كان على ملتزما بجميع الضمانات الانسانية للسجناء . فكان يخرج فئاة من اهل السجن ليشهدوا الجمعة بشروط معينة ثم يعيدهم. المستدرك /431.. كما و انه قام بتقنين مادة في دستوره تنهى عن الاخد بالاقوال التي تنتزع تحت التعذيب كان نصها : [ من اقر عن عن تجريد او حبس او تخويف او تهديد فلا حد عليه ]. الوسائل ج16 ص 111.
وينقل المستدرك عنه انه ما كان يبقي احدا في السجن دون حق فقد كان يعرض السجون كل يوم جمعة ، فمن كان عليه حد اقامه عليه ومن لم يكن عليه حد خلى سبيله ] المستدرك ج88 ص36. كما كان لا يسجن الا بعد معرفة الحق وانزال الحدود لان الحبس بع ذلك ظلم . المستدرك 17/403.
اعطاء المتهم حق الدفاع عن نفسه:
ونلحظ ذلك من قوله :[ ان الحدود لا تستقيم الا على المحاجة والممقاضاة واحضار البينة ] الدينوري ، الاخبار اطوال ص 130. ولذلك ما نلحظه في التشريع الاسلامي [ امتناع القضاء على غائب ] . الوسائل 18/17.. كما وان الامام سن قانونا بأنه على الدولة ضمان اخطاء القضاة بحيث تدفع ما يستحق للمظلوم او لاوليائه في الدم والقطع . الوسائل 18/165.
علي والحد من سلطة الجهاز الامني :
لقد اثبتت التجارب ان اكثر الازمات السياسية التي تمر بها البلاد داخليا يكون للجهاز الامني دور في تأزيمها ، وان اكثر ما تضيع الثقة بين الراعي والرعية هي بسبب العناصر التى تقوم بنقل الاخبار الى الراعي عن الرعية. لذلك الامام في الوقت الذي الذي فيه يركز على مسألة الامن وحفظ الامن ايضا الا انه يحاول دائما ان يحد من سلطة السلطة التنفيدية . ففي وصيته لمالك الاشتر عندما تولى ولاية مصر اوصاه بعدة وصايا منها على سبيل المثال لا الحصر : [ وليكن ابعد رعيتك منك واشنأهم عندك اطلبهم لمعايب الناس ، فان في الناس عيوبا الوالي احق من يسترها .. فلا تكشفن عما غاب عنك منها فانما عليك تطهيره ما ظهر لك ...فاستر العورة ما استطعت يستر الله منك ما تحب ستره من رعيتك ] .. ولا تعجلن الى تصديق ساع فان الساعي غاش وان تشبه بالناصحين ].
ولعلك تلحظ الشفافية في الحكم واضحة في هذا المقطع من قوله موصيا الاشتر: [ ثم املك حمية انفك ، وسورة حدتك وسطوة يدك وغرب لسانك واحترس من كل ذلك بكف البادرة وتأخير السطوة ] .. فالامام هنا يركز اكثر ما يركز على مسألة من [ السطوة في الحكم ] لكي لا يتحول الجو في البلاد الى جو بوليسي قامع فيضطرب امن البلاد وفي يومنا هذا قد تلجأ بعض الانظمة الفردية كمحاولة لاضفاء الطابع الديمقراطي على البلاد الى سياسة (الباب المفتوح) . فالامام بعد ان رسخ مبدأ الشورى كنظام يحكم العلاقة بينه وبين عامة الناس ركز ايضا على ضرورة ان يلتزم الحاكم بيوم يأتي اليه الناس يسمع الى شكواهم غير متناس بان يوصي ايضا بان يكون اللقاء بعيدا عن وجود المخابرات او الجنود الذين يكون وجودهم يمثل قلقا او عامل خوف للشاكي فيقول موصيا لمالك الشتر في اثناء حكمه على مصر : (( واجعل لذوي الحاجات منك قسما تفرغ لهم فيه شخصك وتجلس لهم مجلسا عاما , فتواضع فيه لله الذي خلقك ,وتقعد عنهم جندك واعوانك , احراسك وشرطك حتى يكلمك متكلمهم غير متعتع فاني سمعت رسول الله (ص) يقول : (( لن تقدس امة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متعتع )).. كما ان هناك بعض الوصايا لعلي لمالك الاشتر وهو يحاول اقامة حكومة اسلامية في مصر نطرحها باسهاب خوف التطويل تاركين للقارئ عقد المفارقة بين عدالة علي التى جسدت قبل 14 قرنا وبين عدالة دول اليوم من دعاة الديمقراطية وغيرها لنجد الفارق الواضح بين الاسلام كاديولوجية تحمل كل معاني السمو والرقي والتقدير للانسان وبين دساتير اليوم التى أكثر ما تكون شكلية في مضامينها واطروحاتها , نطرحها على شكل مواد لدستور:
المادة الاولى : 1- واشعر قلبك الرحمة للرعية , والمحبة لهم , واللطف بهم , ولا تكن غليهم سبعا ضاربا تغتنم اكلهم . فانهم صنفان اما أخ لك في الدين او نظير لك في الخلق .2-العفو أ- (( فاعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب ان يعطيك الله من عفوه وصفحه , فانك فوقهم ووالي الامر عليك فوقك والله فوق من ولاك , وقد استكفاك امرهم , وابتلاك بهم )).
ب - (( ولا تندمن على عفو , ولا تبجحن بعقوبة , ولا تسرعن الى بادرة وجدت منها مندبة , ولا تقولن اني مؤمر امر فاطاع فان ذلك اذعان في القلب , ومنهكة للدين , وتقرب من الغير ))
3-سخط العامة ورضا الخاصة : (( وليكن احب الامور اليك اوسطها في الحق , واعمها في العدل واجمعها لرضا الرعية , فان سخط العامة يجحف برضى الخاصة ,وان سخط الخاصة يغتفر مع رضا العامة )).
4- صفات الوزير : (( ان شر وزرائك من كان للاشرار قبلك وزيرا ومن شركهم في الاثام , فلا يكونن لك بطانة , فانهم اعوان الاثمة واخوان الظلمة ))
5-الشفافية في الحكم ((ثم ليكن اثرهم عندك اقولهم بمر الحق لك , واقلهم مساعدة فيما يكون منك , ثم رضهم على ان لايطروك ولا يبجحوك بباطل لم تفعله , فان كثرة الاطراء تحدث الزهو وتدني من العزة ))
6- الشورى في الحكم : (( واكثر من مدارسة العلماء , ومنافسة الحكماء في تثبيت ما صلح عليه امر بلادك, واقامة ما استقام به الناس قبلك )).
7-العدل اساس الحكم : وان افضل قرة عين الولاة استقامة العدل في البلاد وظهور مودة الرعية , وانهم لا تظهر مودتهم الا بسلامة صدورهم ..فافسح في امالهم , واوصل في حسن الثناء عليهم , وتعديد ما ابلى ذووا البلاء منهم , فان كثرة الذكر لحسن , فعالهم تهز الشجاع , وتحرض الناكل ( الجبان ) ان شاء الله .
8- البذل للجنود من الاموال : (( ثم اسبغ عليهم الارزاق فان ذلك قوة لهم على استصلاح انفسهم , وغنى لهم عن تناول ما تحت ايديهم , و حجة عليهم ان خالفوا امرك , او ثلموا امانتك )).
9- التنمية والاعمار : (( وليكن نظرك في عمارة الارض ابلغ من نظرك في استجلاب الخراج,لان ذلك لا يدرك الا بالعمارة, ومن طلب الخراج بغير عمارة اضر بالبلاد واهلك العباد, ولم يستقم امره الا قليلا ... فان العمران محتمل ما حملته.
10-اسباب تدهور الاقتصاد: (( وانما يوتى خراب الارض من اعواز اهلها ,وانما يعوز اهلها لاشراف انفس الولاة على الجمع , وسوء ظنهم بالبقاء, وقلة انتفاعهم العبر )).
11- الضمان الاجتماعي: ((ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم من المساكين ,و المحتاجين , واهل البؤس والزمنى , فان في هذه الطبقة قانعا ومعتزا واحفظ لله ما استحفظك من حقه فيهم , واجعل لهم قسما من بيت مالك ,وقسما من غلات صوافي الاسلام في كل بلد ,فلا يشغلنك عنهم بطر , فانك لا تعذر بتضييعك التافه لاحكامك الكثير المهم . ففرغ لاولئك ثقتك من اهل الخشية والتواضع فليرفع اليك امرهم ,ثم اعمل فيهم بالاعذار الى الله يوم تلقاه فان هؤلاء من الرعية احوج الى الانصاف من يرهم , وكل فاعذر الى الله في تادية حقه اليه)).
12- علي وحقوق الحيوان: انطلق على في تشريعه لحقوق الحيوان من قوله تعالى : (( وما من دابة في الارض ولا طائر يطير بجناحيه الا امم امثالكم ما فرطنا في الكتاب من شئ ثم الى ربهم يحشرون )) ان علي ابن ابي طالب اول من اسس جمعية لحماية الحيوان فالتأريخ ينقل مواقف متعددة تعكس البعد الانساني والقيم الرفيعة لعلي (ع) وهو يتمثل بالواجب الحقوقي لبني البشر وايضا للحيوان فلقد نقل لنا التأريخ انه اسس مربدا للضوال من الحيوانات يقوم باطعامهم . ويقيها قرص البرد وحر الصيف ويطعمها ويعلفها من بيت مال المسلمين .. فينفق عليها الى ان يمر عليها زمن من يدعيها يقدم البينة والا فتستخدم ان امكن الاستفادة منها والا تترك في مكانها .-كما كان يوصي المصدقين (جامعي الزكاة )ان لا يطلعوا بالحيوان بالضاحية , او بالهجير كما وكان يوصي كثيرا عماله بالرفق بالحيوان (( لاتفصلوا الناقة عن فصيل ها )) , (( لاتنهكوا الام بالحلب , فلا يبقى شئ لوليدها )) كما ويوصي عماله كما جاء في وصيته لمالك الاشتر في دستوره العظيم (( فاذا اتيتها فلا تدخل دخول متسلط عليه ولا عنيف به ولا تنفرن بهيمة , ولا تفزعنها ولا تسوء صاحبها منها ..)).
<هذا هو تراثنا مليئ بالمواقف والاقوال التي لها دلالات كثيرة على مدي تركيز الشرع على حقوق بني البشر>
Ff9999 :)