إن ذهن الانسان كالمرآة ومرآة العقل تدرك حقائق الوجود عندما تكون صافية فإن كانت مكدرة وملوثة فإنها لن تستطيع أن ترى الواقع بشكل صحيح فكلما كانت اكثر صفاءً كلما أظهرت الواقع وأدركته بشكل أوضح وأكثر جلاءً. فما هو الشيء الذي يلوث مرآة العقل ويمنعها من اراءة الحق.
# موانع كلية وجزئية
إن ما يمنع العقل من ادراك الواقع هو عبارة عن الهوى الذي يظهر تارةً بصورة عشق وحب وتارة بصورة النفور والبعض يقول الله تعالى: (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه فأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة) (الجاثية:23). فالقرآن الكريم يرى أن موانع المعرفة هي الحب والبغض (الهوى) فقد تسلب هذه الأدران قدرة الادراك من العقل بشكل كلي وقد تكون كالضباب الذي يضعف الرؤية ولا يمنعها تماماً وقد تكون دائمة وقد تكون مؤقتة. قال الله تعالى: (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) المطففين:14). وهذا يعني أن هؤلاء الناس قد سلبوا قدرة معرفة حقائق هذا الوجود بسبب الصدأ الذي ران على مرآة قلوبهم ومنعها من الادراك.
أما الأعمال التي توجب هذا الرين والصدأ بحسب القرآن فهي:
1 الظلم: إن نظام هذا الكون قائم على أساس قانون العلية والظلم مانع للمعرفة. فالظلم أصله الظلمة والظلام وهو يقف سداً أمام شعاع نور العقل. ومع وجود هذا الحجاب لا يستطيع الانسان تمييز الطريق من غيره فيضل. والقرآن يرى أن مطلق الظلم هو مانع للمعرفة بقوله تعالى: (ويضل الله الظالمين) (ابراهيم:227). (والله لا يهدي القوم الظالمين) (الجمعة:5).
2 الكفر: وهو أيضاً من الموانع التي ذكرها القرآن وهو مانع للمعارف القلبية والعقلية فيمنع الانسان من معرفة حقائق الكون وادراكها على حقيقتها، قال تعالى: (إن الله لا يهدي من هو كاذب كفّار) (الزمر:3)، وقال عزّ وجل: (ويضلّ الله الكافرين) (غافر:74).
3 الاسراف: فالله يضل المسرف لأنه اتبع أسباب وسبل الضلالة وتجاوز حد الاعتدال، وهو من الأمور التي تسلب نور العقل والقلب بسبب انشغال عقل الانسان وقلبه بما يزيد عن الحد المطلوب بأمور الدنيا وبملذاته وبما تدركه حواسه فتصير الدنيا هي ونيس الآخرة ويغفل عن موجبات سعادته الحقيقية وهكذا يكون الاسراف مانعاً. (وكذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب) (غافر:34).
4 الفسق: وهو من موانع المعرفة لأن من انحرف عن طريق الحق أو عن العمل الصالح أو عن قول الحق يكون ايضاً قد شغل قلبه وعقله بما هو خارج عما يفيده في وصوله لكماله وسعادته فيمنعه هذا الانتقال والتعلق عن ادراك مطلوبه وعن الانتباه اليه فيزيد انحرافهوهو معنى الضلالة والم؟؟؟ (ما يضل به إلاّ الفاسقين).
# علاج الموانع المؤقتة:
إن الموانع إذا لم تكن ملكة راسخة عند الانسان فإنه يمكن علاجها إذ ليست هي دائمة ومستحكمة وهذا هو سر فلسفة بعثة الانبياء. قال الله تعالى: (كتابٌ أنزلناه اليك لتخرج الناس من الظلمات الى النور) (ابراهيم:2)، وعلاج الموانع المؤتقة هو:
1 الموعظة: يبين القرآن أن علاج الموانع والأمراض الروحية بيد الأنبياء وفي الوحي الالهي المنزل عليهم قال تعالى: (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشقاء لما في الصدور) (يونس:57).
2 البلاء والمصائب: ويمكن تشبيهها بالصدمة التي توقظ النائم والمغمى عليه فعندما يحس الانسان بمرارة الحياة يتذكر انها زائلة وفانية فتزول الحجب عن قلبه وعقله ويتوجه الى الله ويتضرع اليه ويدعوه (وما أرسلنا في قرية من نبي إلاّ أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضّرّعون) (الأعراف:90).
# علاج الموانع الدائمة:
اذا تراكمت الموانع تدريجياً على العقل والقلب لا يعود الانسان يهتدي طريقه ابداً بل يزداد في الضلالة لذلك يكون العذاب الإلهي لهؤلاء بشرى فعندما يصير الهوى إلهاً للانسان يكون قد حكم على نفسه بالضلالة وهنا يكون الهوى قد أقفل الطريق امام العقل والقلب وسلبه قدرة الادراك فلا يعود يرى طريق تكامله فيضل حجابه وغطاء الصدأ عن قلبه وهو الموت، فهو الدواء الوحيد الذي يوقظه.
(ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحاً إنا موقنون) (السجدة:12).