هذا الذي بين يديك أيها القارئ العزيز هو ملخص لأبحاث طرحها سماحة الأستاذ بناهيان في موضوع الحجاب. ترجمته إحدى الأخوات الفاضلات لكي يساهم هذا الإنتاج ولو قليلا في صدّ الغزو الثقافي الهدّام الذي بات يسلب الحجاب من بناتنا ونسائنا.
المقدمة
العالم حولنا مليء بالأشخاص والأشياء، وبتفاعل هذه الأشياء فيما بينها وبتعامل الأشخاص مع باقي المخلوقات؛ يتم بنوع ما إيجاد الوضع العام لعالم الوجود والحقائق الموجودة فيه. وبهذه النظرة يمكن تقسيم حقائق العالم بصورة عامة إلى مجموعتين، المجموعة الأولى: الحقائق الثابتة. ويضم هذا القسم كل الموجودات أعم من الحية وغيرها، إضافة إلى كل الأشياء التي لها وجود مستقل، المجموعة الثانية هي الحقائق الهلامية (السيالة). وتنضم العلاقات ضمن حقائق المجموعة الأولى.
فطريقة الارتباط ونوع العلاقة التي تدخل ضمن الحقائق الثابتة، تعتبر الذات النوعية للحقيقة. وتشمل هذه العلاقات دائرة واسعة جدا. مثل علاقة الانسان بربه، وعلاقته بالإنسان، وعلاقته بالأشياء المحيطة به، وعلاقته بالحيوانات، وعلاقة الحيوان بالطبيعة، والعلاقة بين الشمس والقمر، والعلاقة بين الشمس والأرض وغيرها من العلاقات. فكل هذه العلاقات تدخل في هذه الدائرة. والحقائق الثابتة لا يكون لها معنى معين منذ الأساس دون الأخذ بنظر الاعتبار "العلاقات" فيما بينها.
ولهذا السبب يمكن اعتبار الحقائق الهلامية: العنصر الأساسي وعامل التفاعل الخَلقي بين الظواهر الكونية.
ومما لا شك فيه يمكن عدّ العلاقات والروابط التي يشكل الإنسان إحد طرفيها، علاقات أكثر تكاملا (طبعا بصرف النظر عن علاقة الانسان بربه). كالمقايسة بين علاقة الخروف بسنابل الشعير وعلاقة الإنسان بها. فماذا لو كان الإنسان يشكل طرفي هذه العلاقة (أي العلاقة بين إنسانين)، فمن الطبيعي تكون هذه العلاقة جديرة بالتحري والدراسة أكثر من غيرها.
تحظى العلاقة بين الرجل والمرأة بأهمية بالغة من بين العلاقات الحاكمة بين النوع الإنساني. فأول علاقة وجدت بين إنسانين على وجه الأرض (بين آدم عليه السلام وحواء) كانت بين رجل وإمرأة، وولادة كل إنسان منوطة بهذه العلاقة بين والديه.
وعليه يمكن القول، إن حياة الإنسان لايكون لها معنى بدون هذه العلاقة فيما بينهم، وتعد العلاقة بين الرجل والمرأة من العلاقات الأولية والرئيسية فيها.
فكما أن بداية حياة كل شخص تتم بالعلاقة بين المرأة وارجل، كذلك استمرار حياته الاجتماعية والتناسل أيضا لا يتم إلا بتشكيل الأسرة (بالعلاقة بين المرأة والرجل). وعليه فالشاب وفي بداية سن بلوغه تبدأ عنده النزعة للابتعاد عن العائلة والفئوية والتحزب للجنس الموافق، ثم وبعد طيّ هذه المرحلة، يبدأ عنده الشعور الباطني بنوع من الجاذبية والرغبة للجنس المخالف.
أهم حقيقة موجودة في حياة الإنسان هي، علاقته بربه والرابطة الموجودة بينه وبين هذه الحقيقة المطلقة. وهذه الرابطة لا يمكن أن يكون لبعضها دلالة إلا ضمن العلاقات بين الإنسا وسائر الظواهر الأخرى. وأهم ظرف لإقامة العلاقة بين الإنسان وربه وتعزيزها، هي العلاقة بينه وبين أسرته. فمن يسعى وراء تهذيب نفسه وبنائها، فلا مجال أفضل من مجال ارتباطه بأبيه وأمه وزوجته وأولاده؛ يمكن أن يلبي عنده هذه الرغبة. فهذه العلاقة مما تساعد على، تنظيم علاقته بربه وتعزيزها يوما بعد يوم.
وبشكل عام، لا عامل مؤثر في مصير الإنسان وعاقبته أكثر من علاقاته بالآخرين. فعلة كون المرء من أهل جهنم أو من أهل الجنة لابد أن نبحث عنها في علاقاته بالآخرين. وبعبارة أخرى؛ إن العبادات والذنوب الفردية، أقل تأثيرا على مصيره بكثير من العبادات والذنوب الاجتماعية التي تتم في مجال علاقة المرء بغيره.
وكما قلنا سابقا، إن العلاقة بين المرأة والرجل محاطة بأهمية وحساسية خاصة من بين العلاقات الأخرى، فقد أودع الله سبحانه فيها أسرار كثيرة وجعلها من الآيات التي تدلّ على وجوده عزوجل حيث يقول: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا ...". فعليه، إن هذه العلاقة تعد من الموارد التي يباهي الله بها خلقه، ومن جهة أخرى، إنها أهم علاقة جعلها الله لكل إنسان لكي يتحقق بها مجال الإمتحان الإلهي وفي النتيجة تتهيأ الأرضية المساعدة على رقي المرء وتشكيل شخصيته.
نجيب الآن على عدة أسئلة حول هذه العلاقة الرئيسية الحساسة:
السؤال الأول: هل تحتاج العلاقات التي لها دور فعال في تهذيب الروحي للإنسان إلى مديرية أم لا؟
يظهر أن وجود المديرية لعلاقات البشر ضرورية ولا أحد ينكر ذك، خصوصا لو سلمنا بأن هذه العلاقات هي مجال تحقق مصير الإنسان وتكوّن شخصيته. لهذا نجد النبي محمد صلى الله عليه وآله يقول ما معناه: لوكنتم في سفر فامروا أحدكم حتى لو كنتم شخصين. فهذه الرواية كأنما تريد بيان هذه الحقيقة، وهي إن تحقق العلاقات الصحيحة للبشر لايمكن أن تتم بدون إدارة وإذا حصلت بدونها فستكون علاقة جافة وهشّة. فعليه لابد لهذه العلاقة التي تحظى بأهمية وحساسية بالغة، من مديرية دقيقة ومدروسة.
السؤال الآخر: إذا كانت العلاقة بين المرأة والرجل تحتاج إلى مديرية، فمن الذي يجب أن يديرها؟ هل يجب على أحدما (المرأة أو الرجل) أخذ هذه الإدارة على عاتقه أو أن الإثنين يمكنهم -بنحو ما- أن يكون لهم دور في هذه المديرية؟
فلابد أن نعيد السؤال بهذه الصيغة: هل عهد الله سبحانه بهذه المديرية لأحد من الناس؟ وبعبارة أخرى، ما هو رأي الدين بأسلوب إدارة العلاقة بين المرأة والرجل؟
فموضوع إدارة العلاقات بين المرأة والرجل والمسؤولية الخطيرة التي تقع على عاتق الإثنين في هذه الإدارة، بحث مهم وأساسي وفي نفس الوقت واسع وله آثار عملية واسعة. وسنتناول هذا البحث بجزئياته ومسائله المتعلقة به في وقته. أما الآن فسنركّز البحث على مسألة اللباس والحجاب الذي هو أحد جوانب الإدارة في هذه العلاقة، رغم أننا سنتطرق من خلال البحث إلى بعض ما يتعلق بسائر جوانب هذه الإدارة، في أثناء الجواب على الأسئلة التي تطرح في البين.
يتبع إن شاء الله...