.: والعاديات :.
قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز:
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿ وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا {1} فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا {2} فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا {3} فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا {4} فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا {5} إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ {6} وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ {7} وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ {8} أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ {9} وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ {10} إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ {11} ﴾
ورد في كتب التفاسير ومجاميع روايات أهل البيت (ع) مجموعة من الروايات الدالة على فضائل أهل البيت (عليهم السلام) في تفسير معنى سورة العاديات نوجزها في ما يلي:
جاء في كتاب الأمالي للشيخ الطوسي (قدس الله نفسه الزكية):
إبراهيم بن إسحاق الأحمري، قال: حدثنا محمد بن ثابت وأبو المغرا العجلي، قال: حدثنا الحلبي، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله (عز وجل): (والعاديات ضبحا) (
1).
قال: وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) عمر بن الخطاب في سرية، فرجع منهزما يجبن أصحابه ويجبنونه أصحابه، فلما انتهى إلى النبي (صلى الله عليه وآله) قال لعلي (عليه السلام): أنت صاحب القوم، فتهيأ أنت ومن تريده من فرسان المهاجرين والأنصار ...
فوجهه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال له: أكمن النهار وسر الليل ولا تفارقك العبن.
قال: فانتهى علي (عليه السلام) إلى ما أمره به رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسار إليهم، فلما كان عند وجه الصبح أغار عليهم، فأنزل الله على نبيه (صلى الله عليه وآله) (والعاديات ضبحا) إلى آخرها.
وجاء في تفسير الأمثل، لآية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي: (2)
روي أن هذه السورة نزلت بعد واقعة ذات السلاسل وكانت الحادثة على النحو التالي: في السنة الثامنة للهجرة بلغ الرسول ((صلى الله عليه وآله وسلم) نبأ تجمع اثني عشر ألف راكب في أرض " يابس " تعاهدوا على أن لا يقر لهم قرار حتى يقتلوا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليا (عليه السلام) ويبيدوا الجماعة المسلمة.
وبعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جمعا من أصحابه إليهم فكلموهم، ولكن دون جدوى.
فأرسل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا (عليه السلام) مع جمع غفير من المهاجرين والأنصار لمحاربتهم.
فحثوا الخطى إلى منطقة العدو وطووا الطريق في الليل، فحاصروا العدو، وعرضوا عليهم الإسلام أولا، وحين أبوا شنوا هجومهم والجو لما يزل في ظلام، ودحروهم، فقتلوا جماعة وأسروا النساء والأطفال وغنموا أموالا كثيرة.
ونزلت سورة " والعاديات "، وجيوش الإسلام لم تصل إلى المدينة بعد، وفي ذات اليوم صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالناس الغداة وقرأ " والعاديات "، فلما فرغ من صلاته قال أصحابه هذه سورة لم نعرفها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " نعم إن عليا ظفر بأعداء الله وبشرني بذلك جبرائيل (عليه السلام) في هذه الليلة. فقدم علي بعد أيام بالغنائم والأسارى. (
3) وقيل: إن هذه الواقعة من المصاديق البارزة للآية وليست سببا لنزولها.
وجاء في تفسير الميزان للفيلسوف الكبير آية الله العظمى السيد الطباطبائي: (أعلى الله مقامه): (4)
والسورة مدنية بشهادة ما في صدرها من الأقسام بمثل قوله: " والعاديات ضبحا " الخ الظاهر في خيل الغزاة المجاهدين على ما سيجئ، وإنما شرع الجهاد بعد الهجرة ويؤيد ذلك ما ورد من طرق الشيعة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام أن السورة نزلت في علي (عليه السلام) وسريته في غزوة ذات السلاسل، ويؤيده أيضا بعض الروايات من طرق أهل السنة.
وجاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي (قدس الله نفسه الزكية): (5)
(والعاديات ضبحا)، عن مقاتل. وقيل: نزلت السورة لما بعث النبي (صلى الله عليه وآله) وسلم عليا (عليه السلام) إلى ذات السلاسل، فأوقع بهم. وذلك بعد أن بعث عليهم مرارا غيره من الصحابة، فرجع كل منهم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسلم وهو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل قال: وسميت هذه الغزوة ذات السلاسل لأنه أسر منهم، وقتل وسبى، وشد أسراهم في الحبال مكتفين، كأنهم في السلاسل.
ولما نزلت السورة، خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسلم إلى الناس، فصلى بهم الغداة، وقرأ فيها (والعاديات). فلما فرغ من صلاته، قال أصحابه: هذه سورة لم نعرفها ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسلم: (نعم إن عليا ظفر بأعداء الله، وبشرني بذلك جبرائيل (عليه السلام) في هذه الليلة). فقدم علي (عليه السلام) بعد أيام بالغنائم والأسارى.
جاء في موسوعة بحار الأنوار للعلامة المجلسي (أعلى الله مقامه): (6)
جاء أعرابي عند النبي (
7) فجثا بين يديه وقال له: جئتك لأنصح لك،...
قال (ص): وما نصيحتك ؟
قال: قوم من العرب قد اجتمعوا بوادي الرمل وعملوا على أن يبيتوك بالمدينة، ووصفهم له،...
فأمر النبي (صلى الله عليه وآله) أن ينادي بالصلاة جامعة، فاجتمع المسلمون وصعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه،...
ثم قال: " أيها الناس إن هذا عدو الله وعدوكم قد عمل على أن يبيتكم فمن له (
8).
" فقام جماعة من أهل الصفة فقالوا: نحن نخرج إليهم (
9) فول علينا من شئت، فأقرع بينهم فخرجت القرعة علي ثمانين رجلا منهم ومن غيرهم،...
فاستدعى أبا بكر فقال له: خذ اللواء وامض إلى بني سليم، فإنهم قريب من الحرة، فمضى ومعه القوم حتى قارب أرضهم، وكانت كثيرة الحجارة والشجر وهم ببطن الوادي والمنحدر إليه صعب، فلما صار أبو بكر إلى الوادي وأراد الانحدار خرجوا إليه فهزموه وقتلوا من المسلمين جمعا كثيرا، فانهزم أبو بكر من القوم،...
فلما ورد (
10) على النبي (صلى الله عليه وآله) عقد لعمر بن الخطاب وبعثه إليهم فكمنوا له تحت الحجارة و الشجر، فلما ذهب ليهبط خرجوا إليه فهزموه،...
فساء رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذلك، فقال له عمرو بن العاص: ابعثني يا رسول الله إليهم، فإن الحرب خدعة، فلعلي (
11) أخدعهم فأنفذه مع جماعة ووصاه فلما صار إلى الوادي خرجوا إليه فهزموه وقتلوا من أصحابه جماعة ومكث رسول الله (صلى الله عليه وآله) أياما يدعو عليهم،...
ثم دعا أمير المؤمنين (عليه السلام) (
12) فعقد له، ثم قال: " أرسلته كرارا غير فرار "...
ثم رفع يديه إلى السماء وقال: " الهم إن كنت تعلم أني رسولك فاحفظني فيه، وافعل به وافعل " فدعا له ما شاء الله،...
وخرج علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) لتشييعه وبلغ معه إلى مسجد الأحزاب، وعلي على فرس أشقر مهلوب، عليه بردان يمانيان وفي يده قناة خطية، فشيعه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ودعا له، وأنفذ معه فيمن أنفذ أبا بكر وعمر وعمرو بن العاص، فسار بهم (عليه السلام) نحو العراق متنكبا للطريق حتى ظنوا أنه يريد بهم غير ذلك الوجه، ثم انحدر (
13) بهم على محجة غامضة، فسار بهم حتى استقبل الوادي من فمه، وكان يسير الليل، ويكمن النهار فلما قرب من الوادي أمر أصحابه أن يعكموا الخيل، ووقفهم مكانا، وقال: لا تبرحوا، وانتبذ (
14) أمامهم فأقام ناحية منهم، فلما رأى عمرو بن العاص ما صنع لم يشك أن الفتح يكون له فقال لأبي بكر: أنا أعلم بهذه البلاد من علي، وفيها ما هو أشد علينا من بني سليم، وهي الضباع والذئاب، فإن خرجت علينا خفت أن تقطعنا فكلمه يخل عنا نعلو الوادي، قال: فانطلق أبو بكر فكلمه (
15) فأطال فلم يجبه أمير المؤمنين (عليه السلام) ‹ صفحة 79 › حرفا واحدا، فرجع إليهم فقال: لا والله ما أجابني حرفا واحدا، فقال عمرو بن العاص لعمر بن الخطاب: أنت أقوى عليه، فانطلق عمر فخاطبه فصنع به مثل ما. صنع بأبي بكر، فرجع إليهم فأخبرهم أنه لم يجبه، فقال عمرو بن العاص: إنه لا ينبغي لنا أن نضيع أنفسنا، انطلقوا بنا نعلو الوادي، فقال له المسلمون، والله (
16) ما نفعل، أمرنا رسول الله أن نسمع لعلي ونطيع، فنترك أمره ونطيع لك ونسمع ؟
فلم يزالوا كذلك حتى أحس أمير المؤمنين (عليه السلام) بالفجر، فكبس القوم وهم غارون (
17) فأمكنه الله تعالى منهم، فنزلت على النبي (صلى الله عليه وآله) " والعاديات ضبحا " إلى آخرها،...
فبشر النبي (صلى الله عليه وآله) أصحابه بالفتح، وأمرهم أن يستقبلوا أمير المؤمنين (عليه السلام)، فاستقبلوه والنبي (صلى الله عليه وآله) يقدمهم، فقاموا له صفين، فلما بصر بالنبي (صلى الله عليه وآله) ترجل عن فرسه (
18) فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): " اركب فإن الله ورسوله عنك راضيان "...
فبكى أمير المؤمنين (عليه السلام) فرحا، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): " يا علي لولا أنني أشفق أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في المسيح عيسى بن مريم لقلت فيك اليوم مقالا لا تمر بملا من الناس إلا أخذوا التراب من تحت قدميك ".
وكان الفتح في هذه الغزاة لأمير المؤمنين (عليه السلام) خاصة بعد أن كان لغيره فيها من الإفساد (
19) ما كان، واختص (عليه السلام) من مديح النبي (صلى الله عليه وآله) فيها بفضائل لم يحصل منها شئ لغيره، وبان له من المنقبة فيها ما لم يشركه فيه (
20) سواه (
21).