New Page 1

العودة   .. :: منتدى تاروت الثقافي :: .. > منتديات خاصة > الأرشيف > أرشيف منتدى سيد الشهداء للعام 1428

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 10-02-05, 04:00 PM   #1

عاشق الحسين
...(عضو شرف)...  







رايق

مع الحسين (ع) ومخدرات الرسالة خطوة بخطوة


بسم الله وكفى والصلاة على المصطفى وعلى آله المستكملين شرفا


ايها الاحبة:

هذا الموضوع مخصص لمعرفة احوال ركب الامام الحسين عليه السلام والفواطم مذ ان خرج من المدينة الى ان رجع الركب بمصائبه الى المدينة وليس معه من الرجال سوى العليل.

لما توفي معاوية بن أبي سفيان ـ وذلك في رجب سنة ستين من الهجرة ـ كتب يزيد بن معاوية إلى الوليد بن عتبة وكان أميراً بالمدينة يأمره بأخذ البيعة له على أهلها وخاصةً على الحسين بن علي عليهما السلام ، ويقول له : إن أبى عليك فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه.

فأحضر الوليد مروان بن الحكم واستشاره في أمر الحسين عليه السلام.

فقال : إنه لا يقبل ، ولو كنت مكانك لضربت عنقه.

فقال الوليد : ليتني لم أك شيئاً مذكوراً.

ثم بعث إلى الحسين عليه السلام ، فجاءه في ثلاثين رجلاً من أهل بيته ومواليه ، فنعى الوليد إليه معاوية ، وعرض عليه البيعة ليزيد.

فقال : « أيها الأمير ، إن البيعة لا تكون سراً ، ولكن إذا دعوت الناس غداً فادعنا معهم ».

فقال مروان : لا تقبل أيها الأمير عذره ، ومتى لم يبايع فاضرب عنقه.

فغضب الحسين عليه السلام ثم قال : « ويلي عليك يابن الزرقاء ، أنت تأمر بضرب عنقي ، كذبت والله ولؤمت ».

ثم أقبل على الوليد فقال : « أيها الأمير إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ، وبنا فتح الله وبنا ختم الله ، ويزيد رجلٌ فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحرمة معلن بالفسق ليس له هذه المنزلة ، ومثلي لا يبايع مثله ، ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أينا أحق بالخلافة والبيعة ».

ثم خرج عليه السلام ، فقال مروان للوليد : عصيتني.

فقال : ويحك يا مروان ، إنك أشرت علي بذهاب ديني ودنياي ، والله ما أحب أن ملك الدنيا بأسرها لي وأنني قتلت حسيناً ، والله ما أظن أحداً يلقى الله بدم الحسين إلا وهو خفيف الميزان ، لا ينظر الله إليه يوم القيامة ولا يزكيه وله عذابٌ أليمً.

قال : وأصبح الحسين عليه السلام ، فخرج من منزله يستمع الأخبار ، فلقاه مروان ، فقال : يا أبا عبدالله ، إني لك ناصحٌ فأطعني ترشد.

فقال الحسين عليه السلام : « وما ذاك ، قل حتى أسمع ».

فقال مروان : إني آمرك ببيعة يزيد أمير المؤمنين ، فإنه خيرٌ لك في دينك ودنياك.

فقال الحسين عليه السلام : « إنا لله وإنا إليه راجعون ، وعلى الإسلام السلام ، إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد ، ولقد سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : الخلافة محرمة على آل أبي سفيان ».

وطال الحديث بينه وبين مروان حتى انصرف مروان وهو غضبان.

فلما كان الغداة توجه الحسين عليه السلام إلى مكة لثلاث مضين من شعبان سنة ستين.
فأقام بها باقي شعبان وشهر رمضان وشوال وذي القعدة.

وجاءه عبدالله بن العباس رضي الله عنه وعبدالله بن الزبير ، فأشارا عليه بالإمساك.

فقال لهما : « إن رسول الله صلى الله عليه وآله قد أمرني بأمرٍ ، وأنا ماضٍ فيه ».

فخرج ابن عباس وهو يقول : واحسيناه !

ثم جاءه عبدالله بن عمر، فأشار عليه بصلح أهل الضلال وحذره من القتل والقتال.

فقال له : « يا أبا عبدالرحمن أما علمت أن من هوان الدنيا على الله تعالى أن رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغيٍّ من بغايا بني إسرائيل ، أما علمت أن بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبياً ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كأن لم يصنعوا شيئاً ، فلم يعجل الله عليهم ، بل امهلهم وأخذهم بعد ذلك أخذ عزيز مقتدر ، إتق اللهيا أبا عبدالرحمن ولا تدعن نصرتي ».

وسمع أهل الكوفة بوصول الحسين عليه السلام إلى مكة وامتناعه من البيعة ليزيد ، فاجتمعوا في منزل سليمان بن صرد الخزاعي ، فلما تكاملوا قام فيهم خطيباً . وقال في آخر خطبته :

يا معشر الشيعة ، إنكم قد علمتم بأن معاوية قد هلك وصار إلى ربه وقدم على عمله ، وقد قعد في موضعه ابنه يزيد ، وهذا الحسين بن علي عليهما السلام قد خالفه وصار إلى مكة هارباً من طواغيت آل أبي سفيان ، وأنتم شيعته وشيعة أبيه من قبله ، وقد احتاج إلى نصرتكم اليوم ، فإن كنتم تعلمون أنكم ناصروه ومجاهدوا عدوه فاكتبوا إليه ، وإن خفتم الوهن والفشل فلا تغروا الرجل من نفسه.


قال : فكتبوا إليه :

بسم الله الرحمن الرحيم

إلى الحسين بن علي أمير المؤمنين عليهما السلام ، من سليمان بن صرد الخزاعي والمسيب بن نجبة ورفاعة بن شداد وحبيب بن مظاهر وعبدالله بن وائل وسائر شيعته من المؤمنين.

سلام الله عليك ، أما بعد ، فالحمد لله الذي قصم عدوك وعدو أبيك من قبل ، الجبار العنيد الغشوم الظلموم الذي ابتز هذه الأمة أمرها ، وغصبها فيأها ، وتأمر عليها بغير رضىً منها ، ثم قتل خيارها واستبقى شرارها ، وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وعتاتها ، فبعداً له كما بعدت ثمود.

ثم أنه ليس علينا إمامٌ غيرك ، فأقبل لعل الله يجمعنا بك على الحق ، والنعمان ابن بشير في قصر الامارة ، ولسنا نجتمع معه في جمعة ولا جماعة ، ولا نخرج معه إلى عيد ، ولو بلغنا أنك قد أقبلت أخرجناه حتى يلحق بالشام ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته يابن رسول الله وعلى أبيك من قبل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

ثم سرحوا الكتاب ، ولبثوا يومين آخرين وأنفذوا جماعة معهم نحو ماءة وخمسين صحيفة من الرجل والإثنين والثلاثة والأربعة، يسألونه القدوم عليهم.

وهو مع ذلك يتأنى فلا يجيبهم.

فورد عليه في يوم واحدٍ ستمائة كتاب ، وتواترت الكتب حتى اجتمع عنده منها في نوب متفرقة إثنى عشر ألف كتاب.

ثم قدم عليه هاني بن هاني السبيعي وسعيد بن عبدالله الحنفي بهذا الكتاب ، وهو آخر ما ورد عليه عليه السلام من أهل الكوفة ، وفيه :

بسم الله الرحمن الرحيم

إلى الحسين بن علي أمير المؤمنين عليهما السلام.

من شيعته وشيعة أبيه أمير المؤمنين عليه السلام.

أما بعد ، فان الناس ينتظرونك ، لا رأي لهم غيرك ، فالعجل العجل يابن رسول الله ، فقد أخضر الجناب ، وأينعت الثمار ، وأعشبت الأرض ، وأورقت الأشجار ، فاقدم علينا إذا شئت ، فإنما تقدم على جندٍ مجندة لك ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وعلى أبيك من قبلك.

فقال الحسين عليه السلام لهاني بن هاني السبيعي وسعيد بن عبدالله الحنفي : « خبراني من اجتمع على هذا الكتاب الذي ورد علي معكما ؟ ».

فقالا : يابن رسول الله شبث بن ربعي ، وحجار بن أبجر ، ويزيد بن الحارث ، ويزيد بن رويم ، وعروة بن قيس ، وعمرو بن الحجاج ، ومحمد بن عمير بن عطارد .

فعندها قام الحسين عليه السلام ، فصلى ركعتين بين الركن والمقام ، وسأل الله الخيرة في ذلك.


ثم دعا بمسلم بن عقيل وأطلعه على الحال ، وكتب معه جواب كتبهم يعدهم بالوصول إليهم ويقول لهم ما معناه : « قد نفذت إليكم ابن عمي مسلم ابن عقيل ليعرفني ما أنتم عليه من الرأي ».


وسيأتي الحديث عن حال مسلم وكيفية مصرعه عليه السلام لاحقاً


اما الحسين عليه السلام فقد خرج من مكة يوم الثلاثاء لثلاث مضين من ذي الحجة ، وقيل : لثمان مضين من ذي الحجة سنة ستين من الهجرة ، قبل أن يعلم بقتل مسلم ، لأنه عليه السلام خرج من مكة في اليوم الذي قتل فيه مسلم رضوان الله عليه.

وذكر بعض الرواة انهم التقوا الحسين بن علي عليهما السلام قبل أن يخرج الى العراق بثلاثة ، فأخبرناه بضعف الناس بالكوفة ، وأن قلوبهم معه وسيوفهم عليه.

فأومأ بيده نحو السماء ، ففتحت أبواب السماء ، فنزلت الملائكة عدداً لا يحصيهم الا عز وجل.

فقال عليه السلام : « لولا تقارب الأشياء وحضور الأجل لقاتلتهم بهؤلاء ، ولكني أعلم يقيناً أن هناك مصرعي وهناك مصارع أصحابي ، لا ينحو منهم إلا ولدي علي ».


وروي أنه عليه السلام لما عزم على الخروج إلى العراق قام خطيباً ، فقال : « الحمد لله ما شاء الله ولا قوة إلا بالله وصلى الله على رسوله وسلم ، خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني إلى اشتياق أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخير لي مصرعٌ أنا لاقيه ، كأني بأوصالي تقطعها ذئاب الفلوات بين النواويس وكربلاء ، فيملأن مني أكراشاً جوفا وأجربةً سغبا ، لا محيص عن يوم خط بالقلم ، رضى الله رضانا أهل البيت ، نصبر على بلائه ويوفينا اجور الصابرين ، لن تشذ عن رسول الله صلى الله عليه وآله لحمته ، بل هي مجموعة له في حضيرة القدس ، تقر بهم عينه وينجز بهم وعده ، من كان باذلاً فينا مهجته وموطناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا ، فإني راحل مصبحاً إن شاء.

وجاء محمد بن الحنفية إلى الحسين عليه السلام في الليلة التي أراد الحسين الخروج في صبيحتها عن مكة.

فقال له : يا أخي ، إن أهل الكوفة من قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك ، وقد خفت أن يكون حالك كحال من مضى ، فإن رأيت أن تقيم فإنك أعز من بالحرم وأمنعه.

فقال : « يا أخي قد خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية بالحرم ، فأكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت ».

فقال له ابن الحنفية : فان خفت ذلك فصر إلى اليمن أو بعض نواحي البر ، فإنك أمنع الناس به ، ولا يقدر عليك أحد.

فقال : « أنظر فيما قلت » .

فلما كان السحر ارتحل الحسين عليه السلام ، فبلغ ذلك ابن الحنفية ، فأتاه ، فأخذ زمام ناقته وقد ركبها فقال : ياأخي ألم تعدني النظر فيما سألتك ؟

فقال : « بلى ».

قال : فما حداك على الخروج عاجلاً ؟

فقال : « أتاني رسول الله صلى الله عليه وآله بعدما فارقتك ، فقال : يا حسين ، أخرج ، فإن الله قد شاء أن يراك قتيلاً ».

فقال محمد بن الحنفية : إنا لله وإنا إليه راجعون ، فما معنى حملك هؤلاء النساء معك وأنت تخرج على مثل هذا الحال ؟

قال : فقال له : « قد قال لي : إن الله قد شاء أن يراهن سبايا » ، وسلم عليه ومضى.


وذكر محمد بن يعقوب الكليني في كتاب الرسائل ، عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان ، عن مروان بن إسماعيل ، عن حمزة بن حمران ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ذكرنا خروج الحسين عليه السلام وتخلف ابن الحنفية عنه ، فقال أبو عبدالله عليه السلام : يا حمزة إني سأحدثك بحديث لا تسأل عنه بعد مجلسنا هذا :

إن الحسين عليه السلام لما فصل متوجهاً ، أمر بقرطاس وكتب :

بسم الله الرحمن الرحيم

من الحسين بن علي إلى بني هاشم ، أما بعد ، فإنه من لحق بي منكم استشهد ، ومن تخلف عني لم يبلغ الفتح ، والسلام.

وذكر المفيد محمد بن محمد بن النعمان رضى الله عنه في كتاب مولد النبي صلى الله عليه وآله ومولد الأوصياء صلوات الله عليهم ، بأسناده إلى أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال : لما سار أبو عبدالله الحسين بن علي صلوات الله عليهما من مكة ليدخل المدينة ، لقيه أفواج من الملائكة المسومين والمردفين في أيديهم الحراب على نجب من نجب الجنة ، فسلموا عليه وقالوا : يا حجة الله على خلقه بعد جده وأبيه وأخيه ، إن الله عز وجل أمد جدك رسول الله صلى الله عليه وآله بنا في مواطن كثيرة ، وأن الله أمدك بنا.

فقال لهم : الموعد حفرتي وبقعتي التي أستشهد فيها ، وهي كربلاء ، فإذا وردتها فأتوني.
فقالوا : يا حجة الله ، إن الله أمرنا أن نسمع لك ونطيع ، فهل تخشى من عدو يلقاك فنكون معك ؟
فقال : لا سبيل لهم علي ولا يلقوني بكريهة أو أصل إلى بقعتي.

وأتته أفواج من مؤمني الجن ، فقالوا له : يا مولانا ، نحن شيعتك وأنصارك فمرنا بما تشاء ، فلو أمرتنا بقتل كل عدو لك وأنت بمكانك لكفيناك ذلك.

فجزاهم خيراً وقال لهم : أما قرءتم كتاب الله المنزل على جدي رسول الله صلى الله عليه وآله في قوله ( قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم ) ، فإذا أقمت في مكاني فبم يمتحن هذا الخلق المتعوس ، وبماذا يختبرون ، ومن ذا يكون ساكن حفرتي وقد اختارها الله تعالى لي يوم دحا الأرض ، وجعلها معقلاً لشيعتنا ومحبينا ، تقبل أعمالهم وصلواتهم ، ويجاب دعاؤهم ، وتسكن شيعتنا ، فتكون لهم أماناً في الدنيا والآخرة ؟ ولكن تحضرون يوم السبت ، وهو يوم عاشوراء ـ في غير هذه الرواية يوم الجمعة ـ الذي في آخره أقتل ، ولا يبقى بعدي مطلوب من أهلي ونسبي وإخواني وأهل بيتي ، ويسار رأسي إلى يزيد بن معاوية لعنهما الله.

قالت الجن : نحن والله يا حبيب الله وابن حبيبه لولا أن أمرك طاعة وأنه لا يجوز لنا مخالفتك لخالفناك وقتلنا جميع أعداءك قبل أن يصلوا إليك.

فقال لهم عليه السلام : ونحن والله أقدر عليهم منكم ، ولكن ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة .



ولنا عودة للتتمة

__________________
دمعي أساً يجري لأي مصيبةٍ *حــ ياــــسيـن* ونواظري تبكي لأي رزيةٍ
سالت عليك دموعها لمحــبةٍ * حــ ياــــسين* تبكيك عيني لا لأجل مثوبةٍ
لكنما عيني لأجلك *حــ ياــــسيـن* بــاكــيــــــــة

التعديل الأخير تم بواسطة عاشق الحسين ; 11-02-05 الساعة 03:37 PM.

عاشق الحسين غير متصل  

قديم 11-02-05, 03:34 PM   #2

عاشق الحسين
...(عضو شرف)...  







رايق

مشاركة: مع الحسين (ع) ومخدرات الرسالة خطوة بخطوة


نكمل مسيرة الركب الحسيني

سار الحسين عليه السلام متوجها الى العراق حتى مر بالتنعيم ، فلقي هناك عيراً تحمل هدية قد بعث بها بحير بن ريسان الحميري عامل اليمن إلى يزيد بن معاوية فأخذ عليه السلام الهدية ، لأن حكم أمور المسلمين إليه.

ثم قال لأصحاب الجمال : « من أحب أن ينطلق معنا إلى العراق وفيناه كراه وأحسنا صحبته ، ومن أحب أن يفارقنا أعطيناه كراه بقدر ما قطع من الطريق ».

فمضى معه قوم وامتنع آخرون.

ثم سار عليه السلام حتى بلغ ذات عرق ، فلقى بشر بن غالب وارداً من العراق ، فسأله عن أهلها..

فقال : خلفت القلوب معك والسيوف مع بني أمية.

فقال عليه السلام : « صدق أخو بني أسد ، إن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ».

ثم سار عليه السلام حتى أتى الثعلبية وقت الظهيرة ، فوضع رأسه ، فرقد ثم استيقظ ، فقال : « قد رأيت هاتفاً يقول : أنتم تسيرون والمنايا تسير بكم إلى الجنة ».

فقال له ابنه علي : يا أبة أفلسنا على الحق ؟

فقال : « بلى يا بني والذي اليه مرجع العباد ».

فقال له : يا أبة إذن لا نبالي بالموت.

فقال له الحسين عليه السلام : « فجزاك الله يابني خير ما جزا ولداً عن والده ».

ثم بات عليه السلام في الموضع ، فلما أصبح ، فإذا هو برجلٍ من أهل الكوفة يكنى أبا هرة الأزدي ، فلما أتاه سلم عليه.

ثم قال : يابن رسول الله ما الذي أخرجك من حرم الله وحرم جدك رسول الله صلى الله عليه وآله ؟

فقال الحسين عليه السلام : « ويحك يا أبا هرة ، إن بني أمية أخذوا مالي فصبرت ، وشتموا عرضي فصبرت ، وطلبوا دمي فهربت ، وأيم الله لتقتلني الفئة الباغية وليلبسنهم الله ذلاً شاملاً وسيفاً قاطعاً ، وليسلطن الله عليهم من يذلهم ، حتى يكونوا أذل من قوم سبأ إذ ملكتهم امرأة منهم فحكمت في أموالهم ودمائهم حتى أذلتهم ».

ثم سار عليه السلام ، وحدث جماعة من بني فزارة وبجيلة قالوا : كنا مع زهير بن القين لما أقبلنا من مكة ، فكنا نساير الحسين عليه السلام ، وما شيء أكره إلينا من مسايرته ، لأن معه نسوانه ، فكان إذا أراد النزول اعتزلناه ، فنزلنا ناحية.

فلما كان في بعض الأيام نزل في مكان ، فلم نجد بداً من أن ننازله فيه ، فبينما نحن نتغدى بطعام لنا إذا أقبل رسول الحسين عليه السلام حتى سلم علينا.

ثم قال : يا زهير بن القين إن أبا عبدالله عليه السلام بعثني إليك لتأتيه ، فطرح كل إنسان منا ما في يده حتى كأنما على رؤوسنا الطير.

فقالت له زوجته ـ وهي ديلم بنت عمرو ـ : سبحان الله ، أيبعث إليك ابن رسول الله ثم لا تأتيه ، فلو أتيته فسمعت من كلامه.

فمضى إليه زهير ، فما لبث أن جاء مستبشراً قد أشرق وجهه ، فأمر بفسطاطه فقوض وبثقله ومتاعه فحول إلى الحسين عليه السلام.

وقال لامرأته : أنت طالق ، فإني لا أحب أن يصيبك بسببي إلا خير ، وقد عزمت على صحبة الحسين عليه السلام لأفديه بروحي وأقيه بنفسي، ثم أعطاها مالها وسلمها إلى بعض بني عمها ليوصلها إلى أهلها.

فقامت إليه وودعته وبكت ، وقالت : خار الله لك ، أسألك أن تذكرني في القيامة عند جد الحسين عليه السلام.

ثم قال لأصحابه : من أحب منكم أن يصحبني ، وإلا فهو آخر العهد مني به.

ثم سار الحسين عليه السلام حتى بلغ زبالة ، فأتاه فيها خبر مسلم بن عقيل ، فعرف بذلك جماعة ممن تبعه ، فتفرق عنه أهل الأطماع والإرتياب ، وبقي معه أهله وخيار الأصحاب.

وارتج الموضع بالبكاء والعويل لقتل مسلم بن عقيل ، وسالت الدموع عليه كل مسيل.

ثم أن الحسين عليه السلام سار قاصداً لما دعاه الله إليه ، فلقيه الفرزدق ، فسلم عليه وقال : يابن رسول الله كيف تركن إلى أهل الكوفة وهم الذين قتلوا ابن عمك مسلم بن عقيل وشيعته ؟

قال : فاستعبر الحسين عليه السلام باكياً ، ثم قال : « رحم الله مسلماً ، فلقد صار إلى روح الله وريحانه وتحيته ورضوانه ، أما أنه قد قضى ما عليه وبقي ما علينا » ، ثم أنشأ يقول :

« فــإن تكــن الدنيا تعد نفيسة * فــإن ثواب الله أعـلا وأنبـــل

وإن تكن الأبدان للمــوت أنشئت *فقتل امرءٍ بالسيف فــي الله أفضـل

وإن تكن الأرزاق قسماً مقــدراً * فقلة حرص المرء في السعي أجمل

وإن تكن الأموال للترك جمعها * فما بال متروك به المرء يبخل »

وكتب الحسين عليه السلام كتاباً إلى سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة ورفاعة بن شداد وجماعة من الشيعة بالكوفة ، وبعث به مع قيس بن مسهر الصيداوي.

فلما قارب دخول الكوفة اعترضه الحصين بن نمير صاحب عبيدالله بن زياد ليفتشه ، فأخرج الكتاب ومزقه ، فحمله الحصين إلى ابن زياد.

فلما مثل بين يديه قال له : من أنت ؟

قال : أنا رجل من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وابنه عليهما السلام.

قال : فلماذا مزقت الكتاب ؟

قال : لئلا تعلم ما فيه.

قال : ممن الكتاب وإلى من ؟

قال من الحسين بن علي عليهما السلام إلى جماعة من أهل الكوفة لا أعرف أسماءهم.
فغضب ابن زياد وقال : والله لا تفارقني حتى تخبرني بأسماء هؤلاء القوم ، أو تصعد المنبر فتلعن الحسين وأباه وأخاه ، وإلا قطعتك إرباً إرباً.

فقال قيس : أما القوم فلا أخبرك بأسمائهم ، وأما لعن الحسين وأبيه وأخيه فأفعل.

فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله ، وأكثر من الترحم على علي وولده صلوات الله عليهم ، ثم لعن عبيدالله بن زياد وأباه ، ولعن عتاة بني أمية عن آخرهم.

ثم قال : أيها الناس ، أنا رسول الحسين بن علي عليهما السلام إليكم ، وقد خلفته بموضع كذا وكذا ، فأجيبوه.

فأخبر ابن زياد بذلك ، فأمر بإلقائه من أعلا القصر ، فألقي من هناك ، فمات رحمة الله.
فبلغ الحسين عليه السلام موته ، فاستعبر باكياً ثم قال : « اللهم اجعل لنا ولشيعتنا منزلاً كريماً واجمع بيننا وبينهم في مستقر رحمتك إنك على كل شيءٍ قدير ».

وسار الحسين عليه السلام حتى صار على مرحلتين من الكوفة ، فاذا بالحر بن يزيد في ألف فارس.

فقال له الحسين عليه السلام : « ألنا أم علينا ؟ »

فقال : بل عليك يا أبا عبدالله.

فقال : « لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ».

ثم تراد القول بينهما ، حتى قال له الحسين عليه السلام : « فإذا كنتم على خلاف ما أتتني به كتبكم وقدمت به علي رسلكم ، فإني أرجع إلى الموضع الذي أتيت منه ».

فمنعه الحر وأصحابه من ذلك ، وقال : لا ، بل خذ يا بن رسول الله طريقاً لا يدخلك الكوفة ولا يوصلك إلى المدينة لأعتذر إلى ابن زياد بأنك خالفتني الطريق.

فتياسر الحسين عليه السلام ، حتى وصل إلى عذيب الهجانات.

فورد كتاب عبيدالله بن زياد إلى الحر يلومه في أمر الحسين عليه السلام ، ويأمره بالتضييق عليه.
فعرض له الحر وأصحابه ومنعوه من المسير.

فقال له الحسين عليه السلام : « ألم تأمرنا بالعدول عن الطريق ؟ »

فقال الحر : بلى ، ولكن كتاب الأمير عبيدالله بن زياد قد وصل يأمرني فيه بالتضييق عليك ، وقد جعل علي عيناً يطالبني بذلك.

فقام الحسين عليه السلام خطيباً في أصحابه ، فحمدالله وأثنى عليه وذكر جده فصلى عليه ، ثم قال : « إنه قد نزل بنا من الأمر ما قد ترون ، وإن الدنيا قد تنكرت وتغيرت وأدبر معروفها واستمرت جذاء ، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء ، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل ، ألا ترون إلى الحق لا يعمل به ، وإلى الباطل لا يتناهى عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقاً ، فإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الضالمين إلا برما ».

فقام زهير بن القين ، فقال : لقد سمعنا هدانا الله بك يابن رسول الله مقالتك ، ولو كانت الدنيا لنا باقية وكنا فيها مخلدين لآثر النهوض معك على الاقامة فيها.

ووثب هلال بن نافع البجلي ، فقال : والله ما كرهنا لقاء ربنا ، وإنا على نياتنا وبصائرنا ، نوالي من والاك ونعادي من عاداك.

وقام برير بن حصين، فقال : والله يابن رسول الله لقد من الله بك علينا أن نقاتل بين يديك فتقطع فيك أعضاؤنا ، ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة.

ثم أن الحسين عليه السلام قام وركب ، وصار كلما أراد المسير يمنعونه تارةً ويسايرونه أخرى ، حتى بلغ كربلاء ، وكان ذلك في اليوم الثاني من المحرم.

فلما وصلها قال : « ما اسم هذه الأرض ؟ »

فقيل : كربلا.

فقال : « انزلوا ، هاهنا والله محط ركابنا وسفك دمائنا ، هاهنا والله مخط قبورنا ، وهاهنا والله سبي حريمنا ، بهذا حدثني جدي ».

فنزلوا جميعاً ، ونزل الحر وأصحابه ناحية ، وجلس الحسين عليه السلام يصلح سيفه ويقول :

« يا دهر أفٍّ لك من خليل * كم لك بالإشراق والأصيــل

من طـالبٍ وصاحبٍ قتيل * والدهر لا يقنــــع بالبديل

وإنــما الأمر إلى الجليل * وكل حيٍّ فإلى سبـــــيل

ما أقرب الوعد إلى الرحيل * إلى جنان وإلى مقيل»

وكل حي سالك سبيل * ما أقرب الوعد من الرحيل

وإنما الأمر إلى الجليل


ولما سمعت زينب عليها السلام الأبيات ـ وكانت في موضع منفرد عنه مع النساء والبنات ـ خرجت حاسرة تجر ثوبها ، حتى وقفت عليه وقالت :

واثكلاه ، ليت الموت أعدمني الحياة ، اليوم ماتت أمي فاطمة الزهراء ، وأبي علي المرتضى ، وأخي الحسن الزكي ، يا خليفة الماضين وثمال الباقين.

فنظر الحسين عليه السلام إليها وقال : « يا أختاه لا يذهبن حلمك ».

فقال : بأبي أنت وأمي أستقتل ؟! نفسي لك الفداء.

فرد غصته وتغرغرت عيناه بالدموع ، ثم قال : « هيهات هيهات ، لو ترك القطا ليلاً لنام ».

فقالت : يا ويلتاه ، أفتغصب نفسك اغتصاباً ، فذلك أقرح لقلبي وأشد على نفسي ، ثم أهوت إلى جيبها فشقته وخرت مغشياً عليها.

فقام عليه السلام فصب على وجهها الماء حتى أفاقت ، ثم عزاها عليه السلام بجهده وذكرها المصيبة بموت أبيه وجده صلوات الله عليهم أجمعين.

__________________
دمعي أساً يجري لأي مصيبةٍ *حــ ياــــسيـن* ونواظري تبكي لأي رزيةٍ
سالت عليك دموعها لمحــبةٍ * حــ ياــــسين* تبكيك عيني لا لأجل مثوبةٍ
لكنما عيني لأجلك *حــ ياــــسيـن* بــاكــيــــــــة

عاشق الحسين غير متصل  

قديم 12-02-05, 11:38 AM   #3

نور الشمس
...(عضو شرف)...

 
الصورة الرمزية نور الشمس  







رايق

مشاركة: مع الحسين (ع) ومخدرات الرسالة خطوة بخطوة


أخي عاشق الحسين ..
جزاك الله خير الجزاء على هذه المشاركة ..

اللهم اللعن الظالمين والمارقين والمنافقين من بني أمية إلى قيام يوم الدين ..

السلام عليك يا أبا عبد الله ..

ما أروع هذا الموقف الذي يجسد فيه الحسين عليه السلام أصدق صور الحب الإلهي .. حين يسير إلى الموت بكل ما يملك من غالي ونفيس .. بالأطفال والنساء والأصحاب .. و يقدمهم مع روحه الطاهرة في سبيل الدين و التصدي للكافرين الظالمين أعوان يزيد لعنة الله عليهم .. من أجل أن يحيا الإسلام ويموت البغي والفساد...


عجل الله فرجك يا صاحب الزمان ..



تحياتي

نور

__________________

نور الشمس غير متصل  

قديم 13-02-05, 07:13 PM   #4

عاشق الحسين
...(عضو شرف)...  







رايق

مشاركة: مع الحسين (ع) ومخدرات الرسالة خطوة بخطوة


أعظم الله لنا ولكم الأجر أختي نور


شهادة هاني بن عروة ومسلم بن عقيل عليهما السلام

فعندما أتت كتب أهل العراق الى المولى ابي عبد الله عليه السلام, دعا بمسلم بن عقيل وأطلعه على الحال ، وكتب معه جواب كتبهم يعدهم بالوصول إليهم ويقول لهم ما معناه : « قد نفذت إليكم ابن عمي مسلم ابن عقيل ليعرفني ما أنتم عليه من الرأي ».


فسار مسلم بالكتاب حتى دخل إلى الكوفة ، فلما وقفوا على كتابه كثر استبشارهم بإتيانه إليهم ، ثم أنزلوه في دار المختار بن أبي عبيدة الثقفي ، وصارت الشيعة تختلف إليه.


فلما اجتمع إليه منهم جماعة قرأ عليهم كتاب الحسين عليه السلام وهم يبكون ، حتى بايعه منهم ثمانية عشر ألفاً.

وكتب عبدالله بن مسلم الباهلي وعمارة بن الوليد وعمر بن سعد إلى يزيد يخبرونه بأمر مسلم بن عقيل ويشيرون عليه بصرف النعمان بن بشير وولاية غيره.


فكتب يزيد إلى عبيدالله بن زياد ـ وكان والياً على البصرة ـ بأنه قد ولاه الكوفة وضمها إليه ، ويعرفه أمر مسلم بن عقيل وأمر الحسين عليه السلام ، ويشدد عليه في تحصيل مسلم وقتله ، فتأهب عبيدالله للمسير إلى الكوفة.

وكان الحسين عليه السلام قد كتب إلى جماعة من أشراف البصرة كتاباً مع مولى له اسمه سليمان ويكنى أبا رزين يدعوهم فيه إلى نصرته ولزوم طاعته ، منهم يزيد بن مسعود النهشلي والمنذر بن الجارود العبدي.

فجمع يزيد بن مسعود بني تميم وبني حنظلة وبني سعد ، فلما حضروا قال : يا بني تميم كيف ترون موضعي منكم وحسبي فيكم ؟

فقالوا : بخٍّ بخٍّ ، أنت والله فقرة الظهر ورأس الفخر ، حللت في الشرف وسطاً ، وتقدمت فيه فرطاً.
قال : فإني قد جمعتكم لأمرٍ أريد أن أشاوركم فيه وأستعين بكم عليه.

فقالوا : والله إنما نمنحك النصيحة ونجهد لك الرأي ، فقل نسمع .

فقال : إن معاوية قد مات ، فأهون به والله هالكاً ومفقوداً ، ألا وإنه قد انكسر باب الجور والإثم ، وتضعضعت أركان الظلم ، وقد كان أحدث بيعةً عقد بها أمراً وظن أنه قد أحكمه ، وهيهات والذي أراد ، اجتهد والله ففشل ، وشاور فخذل ، وقد قام ابنه يزيد ـ شارب الخمور ورأس الفجور ـ يدعي الخلافة على المسلمين ويتأمر عليهم بغير رضىً منهم ، مع قصر حلمٍ وقلة علمٍ ، لا يعرف من الحق موطئ قدمه ، فأقسم بالله قسماً مبروراً لجهاده على الدين أفضل من جهاد المشركين.

وهذا الحسين بن علي ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله، ذو الشرف الأصيل والرأي الأثيل ، له فضلٌ لا يوصف وعلمٌ لا ينزف ، وهو أولى بهذا الأمر ، لسابقته وسنه وقدمه وقرابته ، يعطف على الصغير ويحنو على الكبير ، فأكرم به راعي رعية وإمام قوم ، وجبت لله به الحجة وبلغت به الموعظة.

فلا تعشوا عن نور الحق ولا تسكعوا في وهدة الباطل ، فقد كان صخر ابن قيس قد انخذل بكم يوم الجمل ، فاغسلوها بخروجكم إلى ابن رسول الله صلى الله عليه وآله ونصرته ، والله لا يقصر أحدٌ عن نصرته إلا أورثه الله الذل في ولده والقلة في عشيرته.

وها أنا قد لبست للحرب لامتها وأدرعت لها بدرعها ، من لم يقتل يمت ومن يهرب لم يفت ، فأحسنوا رحمكم الله رد الجواب.

فتكلمت بنو حنظلة ، فقالوا : يا أبا خالد نحن نبل كنانتك وفارس عشيرتك ، إن رميت بنا أصبت ، وإن غزوت بنا فتحت ، لا تخوض والله غمرةً إلا خضناها ، ولا تلقى والله شدة إلا لقيناها ، ننصرك بأسيافنا ونقيك بأبداننا ، فانهض لما شئت.

وتكلمت بنو سعد بن زيد ، فقالوا : يا أبا خالد إن أبغض الأشياء إلينا خلافك والخروج عن رأيك ، وقد كان صخر بن قيس أمرنا بترك القتال فحمدنا أمرنا وبقي عزنا فينا ، فأمهلنا نراجع المشورة ونأتك برأينا.

وتكلمت بنو عامر بن تميم فقالوا : يا أبا خالد نحن بنو أبيك وحلفاؤك ، لا نرضى إن غضبت ولانقطن إن ضعنت ، والأمر إليك ، فادعنا نجبك ومرنا نطعك ، والأمر إليك إذا شئت.

فقال : والله يا بني سعد لئن فعلتموها لا يرفع الله عنكم السيف أبداً ، ولا يزال سيفكم فيكم.
ثم كتب الى الحسين عليه السلام.

بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد ، فقد وصل إلي كتابك ، وفهمت ما ندبتني إليه ودعوتني له من الأخذ بحظي من طاعتك والفوز بنصيبي من نصرتك ، وأن الله لم يخل الأرض من عاملٍ عليها بخير ودليل على سبيل النجاة ، وأنتم حجة الله على خلقه ووديعته في أرضه ، تفرعتم من زيتونة أحمدية هو أصلها وأنتم فرعها ، فأقدم سعدت بأسعد طائر ن فقد ذللت لك أعناق بني تميم وتركتهم أشد تتابعأً لك من الإبل الظلماء يوم خمسها لورود الماء ، وقد ذللت لك رقاب بني سعد وغسلت لك درن صدورها بماء سحابة مزن حتى استهل برقها فلمع.


فلما قرأ مولاي وشفيعي الحسين عليه السلام الكتاب قال : « آمنك الله يوم الخوف وأعزك وأرواك يوم العطش الأكبر ».


فلما تجهز المشار إليه للخروج إلى الحسين عليه السلام بلغه قتله قبل أن يسير ، فجزع من انقطاعه عنه .

وأما المنذر بن الجارود ، فإنه جاء بالكتاب والرسول إلى عبيدالله بن زياد ، لأن المنذر خاف أن يكون الكتاب دسيساً من عبيدالله بن زياد ، وكانت بحرية بنت المنذر زوجة لعبيدالله ، فأخذ عبيدالله الرسول فصلبه ، ثم صعد المنبر فخطب وتوعد أهل البصرة على الخلاف وإثارة الإرجاف.

ثم بات تلك الليلة ، فلما أصبح استناب عليهم أخاه عثمان بن زياد ، وأسرع هو إلى قصد الكوفة.

فلما قاربها نزل حتى أمسى ، ثم دخلها ليلاً ، فظن أهلها أنه الحسين عليه السلام ، فتباشروا بقدومه ودنوا منه ، فلما عرفوا أنه ابن زياد تفرقوا عنه ، فدخل قصر الامارة وبات ليلته إلى الغداة ، ثم خرج وصعد المنبر وخطبهم وتوعدهم على معصية السلطان ووعدهم مع الطاعة بالإحسان .

فلما سمع مسلم بن عقيل بذلك خاف على نفسه من الاشتهار ، فخرج من دار المختار وقصد دار هاني بن عروة، فآواه وكثر اختلاف الشيعة إليه ، وكان عبدالله بن زياد قد وضع المراصد عليه.

فما علم أنه في دار هاني دعا محمد بن الأشعث وأسماء بن خارجة وعمرو بن الحجاج وقال : ما يمنع هاني بن عروة من إتياننا ؟

فقالوا : ماندري ، وقد قيل : إنه يشتكي.

فقال : قد بلغني ذلك وبلغني أنه قد برء وأنه يجلس على باب داره ، ولو أعلم أنه شاك لعدته ، فالقوه ومروه أن لايدع ما يجب عليه من حقنا ، فإني لا أحب أن يفسد عندي مثله ، لأنه من أشراف العرب.

فأتوه حتى وقفوا عليه عشية على بابه ، فقالوا : ما يمنعك من لقاء الأمير ، فإنه قد ذكرك وقال : لو أعلم أنه شاكٍ لعدته.

فقال لهم : الشكوى تمنعني.

فقالوا له : إنه قد بلغه إنك تجلس على باب دارك كل عشية ، وقد استبطاك ، والإبطاء والجفاء لايحتمله السلطان من مثلك ، لأنك سيدٌ في قومك ، ونحن نقسم عليك إلا ما ركبت معنا إليه . فدعا بثيا به فلبسها وفرسه فركبها ، حتى إذا دنا من القصر كأن نفسه قد أحست ببعض الذي كان ، فقال لحسان بن أسماء بن خارجة : يابن أخي إني والله من هذا الرجل لخائف ، فما ترى ؟

فقال : والله يا عم ما أتخوف عليك شيئاً ، فلا تجعل على نفسك سبيلاً ، ولم يك حسان يعلم في أي شيء بعث عبيدالله بن زياد . فجاء هاني والقوم معه حتى دخلوا جميعاً على عبيدالله ، فلما رأى هانياً قال : أتتك بخائن رجلاه ، ثم التفت إلى شريح القاضي ـ وكان جالساً عنده ـ وأشار إلى هاني وأنشد بيت عمرو بن معدي كرب الزبيدي :

أريد حياته ويريد قتلي * عذيرك من خليلك من مراد

فقال له هاني : وما ذاك أيها الأمير ؟

فقال له : إيهاً يا هاني ، ما هذه الأمور التي تربص في دارك لأمير المؤمنين وعامة المسلمين ؟ جئت بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك وجمعت له السلاح والرجال في الدور حولك وظننت أن ذلك يخفى علي.

فقال : ما فعلت.

فقال ابن زياد : بلى قد فعلت.

فقال : ما فعلت أصلح الله الأمير.

فقال ابن زياد : علي بمعقل مولاي ـ وكان معقل عينه على أخبارهم ، وقد عرف كثيراً من أسرارهم ـ فجاء معقل حتى وقف بين يديه.

فلما رآه هاني عرف أنه كان عيناً عليه ، فقال : أصلح الله الأمير والله ما بعثت إلى مسلم ولا دعوته ، ولكن جاءني مستجيراً ، فاستحييت من رده ، ودخلني من ذلك ذمام فآويته ، فأما إذ قد عمت فخل سبيلي حتى أرجع إليه وآمره بالخروج من داري إلى حيث شاء من الأرض ، لأخرج بذلك من ذمامه وجواره.

فقال له ابن زياد : والله لا تفارقني أبداً حتى تأتيني به.

فقال : والله لا آتيك به أبداً ، آتيك بضيفي حتى تقتله !

فقال : والله لتأتيني به.

قال : والله لا آتيك به.

فلما كثر الكلام بينهما ، قام مسلم بن عمرو الباهلي فقال : أصلح الله الأمير أخلني وإياه حتى أكلمه ، فقام فخلى به ناحية ـ وهما بحيث يراهما ابن زياد ويسمع كلامهما ـ إذ رفعا أصواتهما.

فقال له مسلم : يا هاني أنشدك الله أن لا تقتل نفسك وتدخل البلاء على عشيرتك ، فوالله إني لأنفس بك عن القتل ، إن هذا الرجل ابن عم القوم وليسوا بقاتليه ولا ضاريه ، فادفعه إليه ، فإنه ليس عليك بذلك مخزاة ولا منقصة ، وإنما تدفعه إلى السلطان.

فقال هاني : والله إن علي في ذلك الخزي والعار ، أنا أدفع جاري وضيفي ورسول ابن رسول الله إلى عدوه وأنا صحيح الساعدين وكثير الأعوان ! والله لو لم أكن إلا رجلاً واحداً ليس لي ناصر لم أدفعه حتى أموت دونه.

فأخذ يناشده ، وهو يقول : والله لا أدفعه.

فسمع ابن زياد ذلك ، فقال : أدنوه مني ، فأدني منه ، فقال : والله لتأتيني به أو لأضر بن عنقك.

فقال هاني : إذن والله تكثر البارقة حول دارك.

فقال ابن زياد : والهفاه عليك ، أبا البارقة تخوفني ـ وهاني يظن أن عشيرته يسمعونه ـ ثم قال : أدنوه مني ، فأدني منه ، فاستعرض وجهه بالقضيب ، فلم يزل يضرب أنفه وجبينه وخده حتى كسر أنفه وسيل الدماء على ثيابه ونثر لحم خده وجيبنه على لحيته وانكسر القضيب.

فضرب هاني يده إلى قائم سيف شرطي ، فجذبه ذلك الرجل ، فصاح ابن زياد : خذوه فجروه حتى ألقوه في بيتٍ من بيوت القصر واغلقوا عليه بابه ، وقال : اجعلوا عليه حرساً ، ففعل ذلك به.

فقام أسماء بن خارجة إلى عبيدالله بن زياد ـ وقيل : إن القائم حسان بن أسماء ـ فقال : أرسل غدرٍ سائر اليوم ، أيها الأمير أمرتنا أن نجيئك بالرجل ، حتى إذا جئناك به هشمت وجهه وسيلت دماءه على لحيته وزعمت أنك تقتله.

فغضب ابن زياد من كلامه وقال : وأنت ها هنا ! وأمر به فضرب حتى ترك وقيد وحبس في ناحية من القصر.

فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، إلى نفسي أنعاك يا هاني.

وبلغ عمرو بن الحجاج أن هانياً قد قتل ـ وكانت رويحة ابنة عمرو هذا تحت هاني بن عروة ـ فأقبل عمرو في مذحج كافة حتى أحاط بالقصر ونادى : أنا عمرو بن الحجاج وهذه فرسان مذحج ووجوهها لم تخلع طاعة ولم تفارق جماعة ، وقد بلغنا أن صاحبنا هانياً قد قتل.

فعلم عبيدالله باجتماعهم وكلامهم ، فأمر شريحاً القاضي أن يدخل على هاني فيشاهده ويخبر قومه بسلامته من القتل ، ففعل ذلك وأخبرهم ، فرضوا بقوله وانصرفوا.


وبلغ الخبر إلى مسلم بن عقيل ، فخرج بمن بايعه إلى حرب عبيدالله ، فتحصن منه بقصر الامارة ، واقتتل أصحابه وأصحاب مسلم.


فبعد أن اشتد القتال بين مسلم عليه السلام واصحاب ابن زياد عليه اللعنة, جعل أصحاب عبيدالله الذين معه في القصر يتشرفون منه ويحذرون أصحاب مسلم ويتوعدونهم بجنود الشام ، فلم يزالوا كذلك حتى جاء الليل.

فجعل أصحاب مسلم يتفرقون عنه ، ويقول بعضهم لبعض : ما نصنع بتعجيل الفتنة ، وينبغي أن نقعد في منازلنا وندع هؤلاء القوم حتى يصلح الله ذات بينهم.

فلم يبق معه سوى عشرة أنفس ، ودخل مسلم المسجد ليصلي المغرب ، فتفرق العشرة عنه.

فلما رأى ذلك خرج وحيداً في سكك الكوفة ، حتى وقف على باب امرأة يقال لها طوعة، فطلب منها ماءً فسقته ، ثم استجارها فأجارته ، فعلم به ولدها ، فوشى الخبر إلى عبيدالله بن زياد ، فأحضر محمد بن الأشعث وضم إليه جماعة وأنفذه لإحضار مسلم.

فلما بلغو دار المرأة وسمع مسلم وقع حوافر الخيل ، لبس درعه وركب فرسه وجعل يحارب أصحاب عبيدالله.

ولما قتل مسلم منهم جماعة نادى إليه محمد بن الأشعث : يا مسلم لك الأمان.

فقال له مسلم : وأي أمان للغدرة الفجرة ، ثم أقبل يقاتلهم ويرتجز بأبيات حمران بن مالك الخثعمي يوم القرن حيث يقول :

أقسمــت لا أقتل إلا حراً * وإن رأيت الموت شيئـاً نكرا

أكــره أن أخدع أو أغرا * أو أخلط البارد سخنـاً مـرا

كل امرىءٍ يوماً يالقي شرا * أضربكم ولا أخــاف ضرا


فقالوا له : إنك لا تخدع ولا تغر ، فلم يلتفت إلى ذلك ، وتكاثروا عليه بعد أن أثخن بالجراح ، فطعنه رجل من خلفه ، فخر إلى الأرض ، فأخذ أسيراً.


فلما أدخل على عبيدالله بن زياد لم يسلم عليه ، فقال له الحرسي : سلم على الأمير.

فقال له : اسكت يا ويحك والله ما هو لي بأمير.

فقال ابن زياد : لا عليك سلمت أم لم تسلم ، فإنك مقتول.

فقال له مسلم : إن قتلتني فلقد قتل من هو شرٌّ منك من هو خيرٌ مني ، وبعد فإنك لا تدع سوء القتلة وقبح المثلة وخبث السريرة ولؤم الغلبة ، لا أحد أولى بها منك.

فقال له ابن زياد : يا عاق يا شاق ، خرجت على إمامك وشققت عصى المسلمين ، وألقحت الفتنة بينهم.

فقال له مسلم : كذبت يابن زياد ، إنما شق عصى المسلمين معاوية وابنه يزيد ، وأما الفتنة فإنما ألقحها أنت وأبوك زياد بن عبيد عبد بني علاج من ثقيف ، وأنا أرجوا أن يرزقني الله الشهادة على يدي أشر البرية .

فقال ابن زياد : منتك نفسك أمراً ، حال الله دونه ولم يرك له أهلاً وجعله لأهله.

فقال مسلم : ومن أهله يابن مرجانة ؟

فقال : أهله يزيد بن معاوية !

فقال مسلم : الحمد الله ، رضينا بالله حكماً بيننا وبينكم.

فقال ابن زياد : أتظن أن لك من الأمر شيئاً.

فقال مسلم : والله ما هو الظن ، ولكنه اليقين.

فقال ابن زياد : أخبرني يا مسلم لم أتيت هذا البلد وأمرهم ملتئمٌ فشتت أمرهم بينهم وفرقت كلمتهم ؟

فقال له مسلم : ما لهذا أتيت ، ولكنكم أظهرتم المنكر ودفنتم المعروف وتأمرتم على الناس بغير رضىً منهم وحملتموهم على غير ما أمركم به الله ، وعملتم فيهم بأعمال كسرى وقيصر ، فأتيناهم لنأمر فيهم بالمعروف وننهى عن المنكر وندعوهم إلى حكم الكتاب والسنة ، وكنا أهل ذلك كما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله.

فجعل ابن زياد لعنه الله يشتمه ويشتم علياً والحسن والحسين عليهم السلام !

فقال له مسلم : أنت وأبوك أحق بالشتم ، فاقض ما أنت قاض يا عدو الله .

فأمر ابن زياد بكير بن حمران أن يصعد به إلى أعلا القصر فيقتله ، فصعد به ـ وهو يسبح الله تعالى ويستغفره ويصلي على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ـ فضرب عنقه ، ونزل وهو مذعور .

فقال له ابن زياد : ما شأنك ؟

فقال : أيها الأمير رأيت ساعة قتله رجلاً أسوداً شنيء الوجه حذاي عاضاً على إصبعه ـ أو قال شفتيه ـ ففزعت فزعاً لم أفزعه قط .

فقال ابن زياد : لعلك دهشت .


ثم أمر بهاني بن عروة ، فأخرج ليقتل ، فجعل يقول : وامذحجاه وأين مني مذحج ! واعشيرتاه وأين مني عشيرتي !

فقالوا له : يا هاني مد عنقك .

فقال : والله ما أنا بها سخي ، وما كنت لأعينكم على نفسي .

فضربه غلام لعبيد الله بن زياد يقال له رشيد فقتله .


وفي قتل مسلم وهاني يقول عبدالله بن زبير الأسدي ، ويقال : إنه للفرزدق :


فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري * إلى هاني في السوق وابــن عقيل

إلى بطل قد هشم السيف وجـــهه * وآخر يهوى من جـــــدار قتيل

أصابهما جور البغى فـــأصبحـا * أحاديث من يسعى بكل سبيل

ترى جسداً قد غير الموت لــونـه * ونضح دم قد ســــال كل مسيل

فتىً كان أحيى من فتـاة حيـــيةً * واقطع من ذي شفـــرتين صقيل

أيركب أسمــا الهماليــــج آمناً * وقد طلبته مذحج بـــــذحول

تطوف حــــواليـه مراد وكلهم * على أهبة من سائل ومســــول

فإن أنتم لم تثأروا بأخيكم * فكونوا بغيا أرضيت بقليل



وكتب عبيدالله بن زياد بخبر مسلم وهاني إلى يزيد بن معاوية.


فأعاد عليه الجواب يشكره فيه على فعاله وسطوته ، ويعرفه أن قد بلغه توجه الحسين عليه السلام إلى جهته ، ويأمره عند ذلك بالمؤاخذة والإنتقام والحبس على الظنون والأوهام.


فسلام على مسلم وعلى هاني وطوبى لهم

__________________
دمعي أساً يجري لأي مصيبةٍ *حــ ياــــسيـن* ونواظري تبكي لأي رزيةٍ
سالت عليك دموعها لمحــبةٍ * حــ ياــــسين* تبكيك عيني لا لأجل مثوبةٍ
لكنما عيني لأجلك *حــ ياــــسيـن* بــاكــيــــــــة

عاشق الحسين غير متصل  

قديم 13-02-05, 07:18 PM   #5

عاشق الحسين
...(عضو شرف)...  







رايق

مشاركة: مع الحسين (ع) ومخدرات الرسالة خطوة بخطوة


السلام عليكم يا احباب الحسين وأولاده وعشاقه واصحابه


أنتهى بنا المطاف بوصول الركب الحسيني الى بوغاء الطفوف وندب مولانا أبي عبد الله لنفسه وما دار بينه وبين اختيه الحوراء زينب سلام الله عليها.

وفي هذه الموضوع سيكون الحديث حول التهيؤ للمصيبة العظمى والحادث الجلل وبداية المعركة الحاسمة بين جند الله وجند ابليس..


ندب عبيدالله بن زياد أصحابه إلى قتال الحسين عليه السلام ، فاتبعوه ، واستخف قومه فأطاعوه ، واشترى من عمر بن سعد آخرته بدنياه ودعاه إلى ولاية الحرب فلباه ، وخرج لقتال الحسين عليه السلام في أربعة آلاف فارس ، وأتبعه ابن زياد بالعساكر ، حتى تكاملت عنده إلى ست ليال خلون من المحرم عشرون ألفاً ، فضيق على الحسين عليه السلام حتى نال منه العطش ومن أصحابه.

فقام المولى الرحيم وصاحب القلب الكبير عليه السلام واتكى على قائم سيفه ونادى بأعلى صوته ،

فقال : « أنشدكم الله هل تعرفونني ؟ »

قالوا : اللهم نعم ، أنت ابن رسول الله وسبطه.

قال : « أنشدكم الله هل تعلمون أن جدي رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ »

قالوا : اللهم نعم.


قال : « أنشدكم الله هل تعلمون أن أمي فاطمة ابنت محمد ؟ »

قالوا : اللهم نعم.

قال : « أنشدكم الله هل تعلمون أن أبي علي بن أبي طالب ؟ »

قالوا : اللهم نعم.

قال : « أنشدكم الله هل تعلمون أن جدتي خديجة بنت خويلد أول نساء هذه الأمة إسلاماً ؟ »

قالوا : اللهم نعم.

قال : « أنشدكم الله هل تعلمون أن حمزة سيد الشهداء عم أبي ؟ »

قالوا : اللهم نعم.

قال : « أنشدكم الله هل تعلمون أن جعفر الطيار في الجنة عمي ؟ »

قالوا : اللهم نعم.

قال : « أنشدكم الله هل تعلمون أن هذا سيف رسول الله صلى الله عليه وآله أنا متقلده ؟ »

قالوا : اللهم نعم.

قال : « أنشدكم الله هل تعلمون أن هذه عمامة رسول الله صلى الله عليه وآله أنا لا بسها ؟ »

قالوا : اللهم نعم.

قال : « أنشدكم الله هل تعلمون أن علياً عليه السلام كان أول الناس إسلاماً وأجزلهم علماً وأعظمهم حلماً وأنه ولي كل مؤمن ومؤمنة ؟ »

قالوا : اللهم نعم.

قال : « فبم تستحلون دمي وأبي صلوات الله عليه الذائد عن الحوض غداً ، يذود عنه رجالاً كما يذاد البعير الصادر على الماء ، والواء الحمد بيد أبي يوم القيامة ؟!! »

قالوا : قد علمنا ذلك كله ونحن غير تاركيك حتى تذوق الموت عطشاً !!!


فلما خطب هذه الخطبة وسمع بناته وأخته زينب كلامه بكين وندبن ولطمن وارتفعت أصواتهن.

فوجه إليهن أخاه العباس وعلياً ابنه وقال لهما : « سكتاهن فلعمري ليكثرون بكاؤهن ».


وورد كتاب عبيدالله على عمر بن سعد يحثه على القتال وتعجيل النزال ، ويحذره من التأخير والإمهال ، فركبوا نحو الحسين عليه السلام.

وأقبل شمر بن ذي الجوشن لعنه الله فنادى : أين بنو أختي؟


فقال الحسين عليه السلام : « أجيبوه وإن كان فاسقاً ، فإنه بعض أخوالكم ».

فقالوا له : ما شأنك ؟

فقال : يا بني أختي أنتم آمنون ، فلا تقتلوا أنفسكم مع أخيكم الحسين ، وألزموا طاعة أمير المؤمنين يزيد بن معاوية.

فناداه العباس بن علي : تبت يداك ولعن ماجئت به من أمانك يا عدو الله ، أتأمرنا أن نترك أخانا وسيدنا الحسين بن فاطمة وندخل في طاعة اللعناء أولاد اللعناء.

فرجع الشمر إلى عسكره مغضباً.

الجدير بالذكر ايها الأخوة ان شمراً هذا لعنة الله عليه كان في أول أمره من ذوي الرئاسة في هوازن موصوفاً بالشجاعة ، وشهد يوم صفين مع علي عليه السلام ، سمعه أبو إسحاق السبيعي يقول بعد الصلاة : اللهم إنك تعلم أني شريف فاغفرلي !!! فقال له : كيف يغفر الله لك وقد أعنت على قتل ابن رسول الله ؟! فقال : ويحك كيف نصنع ، إن امراءنا هؤلاء أمرونا بأمرٍ فلم نخالفهم ! ولو خالفناهم كنا شراً من هذه الحمر ؟! ثم أنه لما قام المختار طلب الشمر ، فخرج من الكوفة وسار إلى الكلتانية ـ قرية من قرى خوزستان ـ ففجأه جمع من رجال المختار ، فبرز لهم الشمر قبل أن يتمكن من لبس ثيابه فطاعنهم قليلاً وتمكن منه أبو عمرة فقتله وألقيت جثته للكلاب.


ولما رأى الحسين عليه السلام حرص القوم على تعجيل القتال وقلة انتفاعهم بالوعظ والمقال قال لأخيه العباس : « إن استطعت أن تصرفهم عنا في هذا اليوم فافعل ، لعلنا نصلي لربنا في هذه الليلة ، فانه يعلم أني أحب الصلاة له وتلاوة كتابه ».

فسألهم العباس ذلك ، فتوقف عمر بن سعد ، فقال له عمر بن الحجاج الزبيدي : والله لو أنهم من الترك والديلم وسألوا ذلك لأجبناهم ، فكيف وهم آل محمد ، فأجابوهم إلى ذلك.

وجلس الحسين عليه السلام فرقد ، ثم استيقظ وقال : « يا أختاه إني رأيت الساعة جدي محمداً صلى الله عليه وآله وأبي علياً وأمي فاطمة وأخي الحسن وهم يقولون : يا حسين إنك رائحٌ إلينا عن قريب ».

فلطمت زينب وجهها وصاحت.

فقال لها الحسين عليه السلام : « مهلاً ، لا تشمتي القوم بنا ».


ثم جاء الليل ، فجمع الحسين عليه السلام أصحابه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم أقبل عليهم وقال : « أما بعد ، فإني لا أعلم أصحاباً خيراً منكم ، ولا أهل بيتٍ أفضل وأبر من أهل بيتي ، فجزاكم الله عني جميعاً خيراً ، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً ، وليأخذ كل رجلٍ منكم بيد رجلٍ من أهل بيتي ، وتفرقوا في سواد هذا الليل وذروني وهؤلاء القوم ، فإنهم لا يريدون غيري ».


فقال له إخوته وأبناؤه وأبناء عبدالله بن جعفر : ولم نفعل ذلك ، لنبقي بعدك ! لا أرنا الله ذلك أبداً ، وبدأهم بهذا القول العباس بن علي ، ثم تابعوه.

ثم نظر إلى بني عقيل وقال : « حسبكم من القتل بصاحبكم مسلم ، إذهبوا فقد أذنت لكم ».

فعندها تكلم إخوته وجميع أهل بيته وقالوا : يابن رسول الله فماذا يقول الناس لنا وماذا نقول لهم ، إذ تركنا شيخنا وكبيرنا وسيدنا وإمامنا وابن بنت نبينا ، لم نرم معه بسهم ولم نطعن معه برمح ولم نضرب معه بسيف ، لا والله يابن رسول الله لا نفارقك أبداً ، ولكنا نقيك بأنفسنا حتى نقتل بين يديك ونرد موردك ، فقبح الله العيش بعدك.

ثم قام مسلم بن عوسجة وقال : نحن نخليك هكذا وننصرف عنك وقد أحاط بك هذ العدو ، لا والله لا يراني الله أبداً وأنا أفعل ذلك حتى أكسر في صدورهم رمحي وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمة بيدي ، ولو لم يكن لي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ، ولم أفارقك أو أموت دونك.

وقام سعيد بن عبدالله الحنفي فقال : لا والله يابن رسول الله لا نخليك أبداً حتى يعلم الله أنا قد حفظنا فيك وصية رسوله محمد صلى الله عليه وآله ، ولو علمت أني أقتل فيك ثم أحيى ثم أحرق حياً ثم أذرى ـ يفعل بي ذلك سبعين مرة ـ ما فارقتك حتى ألقى حمامي من دونك ، فكيف وإنما هي قتلة واحدة ثم أنال الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً ؟!

ثم قام زهير بن القين وقال : والله يابن رسول الله لوددت أني قتلت ثم نشرت ألف مرة وأن الله يدفع بذلك القتل عنك وعن هؤلاء الفتية من إخوتك وولدك وأهل بيتك.

وتكلم جماعة من أصحابه بمثل ذلك وقالوا : أنفسنا لك الفداء نقيك بأيدينا ووجوهنا ، فإذا نحن قتلنا بين يديك نكون قد وفينا لربنا وقضينا ما علينا.


وقيل لمحمد بن بشير الحضرمي في تلك الحال : قد أسر إبنك بثغر الري.

فقال : عند الله أحتسبه ونفسي ، ما كنت أحب أن يوسر وأن أبقى بعده.

فسمع الحسين عليه السلام قوله فقال : « رحمك الله ، أنت في حل من بيعتي ، فاعمل في فكاك ابنك ».

فقال : أكلتني السباع حياً إن فارقتك.

قال : فأعط إبنك هذه البرود يستعين بها في فكاك أخيه.

فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار.

وبات الحسين عليه السلام وأصحابه تلك الليلة ولهم دوي كدوي النحل ، ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد ، فعبر إليهم في تلك الليلة من عسكر ابن سعد اثنان وثلاثون رجلاً .


فلما كان الغداة أمر الحسين عليه السلام بفسطاطه فضرب وأمر بجفنة فيها مسك كثير وجعل فيها نورة ، ثم دخل ليطلي.

وروي أن برير بن حصين الهمداني وعبدالرحمن بن عبد ربه الأنصاري وقفا على باب الفسطاط ليطليا بعده ، فجعل برير يضاحك عبد الرحمن.

فقال له عبدالرحمن : يا برير أتضحك ! ما هذه ساعة ضحك ولا باطل.

فقال برير : لقد علم قومي أني ما أحببت الباطل كهلاً ولا شاباً ، وإنما أفعل ذلك استبشاراً بما نصير إليه ، فوالله ما هو إلا أن نلقى هؤلاء القوم بأسيافنا نعالجهم بها ساعة ، ثم نعانق الحور العين.


والى لقاء قريب لنتطلع على أخر أخبار الركب الحسيني

__________________
دمعي أساً يجري لأي مصيبةٍ *حــ ياــــسيـن* ونواظري تبكي لأي رزيةٍ
سالت عليك دموعها لمحــبةٍ * حــ ياــــسين* تبكيك عيني لا لأجل مثوبةٍ
لكنما عيني لأجلك *حــ ياــــسيـن* بــاكــيــــــــة

التعديل الأخير تم بواسطة عاشق الحسين ; 14-02-05 الساعة 08:25 PM.

عاشق الحسين غير متصل  

قديم 14-02-05, 08:26 PM   #6

عاشق الحسين
...(عضو شرف)...  







رايق

مشاركة: مع الحسين (ع) ومخدرات الرسالة خطوة بخطوة


تضحية الأنصار

فقد ركب أصحاب عمر بن سعد ، فبعث الحسين عليه السلام برير بن حصين فوعظهم فلم يسمعوا وذكرهم فلم ينتفعوا.

فركب الحسين عليه السلام فرسه "ذو الجناح" فاستنصتهم فأنصتوا ، فحمد الله وأثنى عليه وذكره بما هو أهله ، وصلى على محمد صلى الله عليه وآله وعلى الملائكة والأنبياء والرسل ، وأبلغ في المقال ، ثم قال :

« تباً لكم أيتها الجماعة وترحاً حين استصرختمونا والهين فأصرخناكم موجفين ، سللتم علنا سيفاً لنا في ايمانكم ، وحششتم علينا ناراً اقتد حناها لى عدونا وعدوكم ، فأصبحتم أولياء لأعدائكم على أوليائكم بغير عدلٍ أفشوه فيكم ولا أملٍ أصبح لكم فيهم.

فهلا ـ لكم الويلات ـ تركتمونا والسيف مشيمٌ والجأش ضامرٌ والرأي لما يستحصف ، ولكن أسرعتم إليها كطير الدبا ، وتداعيتم إليها كتهافت الفراش.

فسحقاً لكم يا عبيد الأمة ، وشرار الأحزاب ، ونبذة الكتاب ، ومحرفي الكلم ، وعصبة الآثام ، ونفثة الشيطان ، ومطفئ السنن.

أهؤلاء تعضدون ، وعنا تتخاذلون ؟!

أجل والله غدرٌ فيكم قديم وشحت عليه أصولكم ، وتأزرت عليه فروعكم ، فكنتم أخبث شجاً للناظر وأكلة للغاصب.

ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين : بين السلة ، والذلة ، وهيهات منا الذلة ، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وحجور طهرت وأنوف حمية ونفوس أبية : من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام.

ألا وإني زاحف بهذه الأسرة مع قلة العدد وخذلان الناصر ».


ثم أوصل كلامه عليه السلام بأبيات فروة بن مسيك المرادي :

« فـإن نهزم فهزامن قدما * وإن نغلب فغيــر مغلبينا

وما أن طبنــا جبن ولكن * منايانا ودولة آخـــرينا

إذا ما الموت رفع عن أناس * كلاكله أنـــاخ بآخرينا

فأفنى ذلك سـروات قومي * كما أفنى القـرون الأولينا

فلو خلد الملـوك إذاً خلدنا * ولو بقي الكرام إذاً بقينـا

فقل للشامتين بـنا : أفيقوا * سيلقى الشامتون كما لقينا »


ثم قال : « أما والله لا تلبثون بعدها إلا كريث ما يركب الفرس حتى يدور بكم دور الرحى ويقلق بكم قلق المحور عهدٌ عهده إلي أبي عن جدي ، فأجمعوا أمركم وشركاءكم ، ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ، ثم اقضو إلي ولا تنظرون.

إني توكلت على الله ربي وربكم ، ما من دابة إلا هو آخذٌ بناصيتها ، إن ربي على صراط مستقيم.
اللهم احبس عنهم قطر السماء وابعث عليهم سنين كسنين يوسف ، وسلط عليهم غلام ثقيف يسومهم كأساً مصبرةٌ ، فإنهم كذبونا وخذلونا ، وأنت ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا واليك المصير ».

ثم نزل عليه السلام ودعا بفرس رسول الله صلى الله عليه وآله المرتجز ، فركبه وعبى أصحابه للقتال.

فروي عن الباقر عليه السلام : « أنهم كانوا خمسة وأربعين فارساً ومائة راجل ».

وروي غير ذلك.

فتقدم عمر بن سعد ورمى نحو عسكر الحسين عليه السلام بسهم وقال : اشهدوا لي عند الأمير : أني أول من رمى ، وأقبلت السهام من القوم كأنها القطر.

فقال عليه السلام لأصحابه : « قوموا رحمكم الله إلى الموت ، إلى الموت الذي لابد منه، فإن هذه السهام رسل القوم إليكم ».

فاقتتلوا ساعة من النهار حملةً وحملةَ ، حتى قتل من أصحاب الحسين عليه السلام جماعة.

فعندها ضرب الحسين عليه السلام يده على لحيته وجعل يقول : « اشتد غضب الله على اليهود إذ جعلوا له ولداً ، واشتد غضبه على النصارى إذ جعلوه ثالث ثلاثة ، واشتد غضبه على المجوس إذ عبدوا الشمس والقمر دونه ، واشتد غضبه على قوم اتفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيهم. أما والله لا اجيبنهم إلى شيء مما يريدون حتى ألقى الله تعالى وأنا مخضب بدمي ».


وروي عن مولانا الصادق عليه السلام أنه قال : « سمعت أبي يقول : لما التقى الحسين عليه السلام وعمر بن سعد لعنه الله وقامت الحرب على ساق ، أنزل الله النصر حتى رفرف على رأس الحسين عليه السلام ثم خير بين النصر على أعدائه وبين لقاء ربه ، فاختار لقاء ربه ».

ثم صاح الحسين عليه السلام : « أما من مغيثٍ يغيثنا لوجه الله ، أما من ذاب يذب عن حرم رسول الله ».

فإذا الحر بن يزيد الرياحي قد أقبل على عمر بن سعد ، فقال له : أمقاتل أنت هذا الرجل ؟

فقال : إي والله قتالاً أيسره أن تطير الرؤوس وتطيح الأيدي.

قال : فمضى الحر ووقف موقفاً من أصحابه وأخذه مثل الإفكل.

فقال له المهاجر بن أوس : والله إن أمرك لمريب ، ولو قيل : من أشجع أهل الكوفة لما عدوتك ، فما هذا الذي أراه منك ؟

فقال : إني والله أخير نفسي بين الجنة والنار ، فوالله لا أختار على الجنة شيئاً ولو قطعت وأحرقت.

ثم ضرب فرسه قاصداً إلى الحسين عليه السلام ويده على رأسه وهو يقول : اللهم إني تبت إليك فتب علي ، فقد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد بنت نبيك.

وقال للحسين : جعلت فداك أنا صاحبك الذي حبسك عن الرجوع وجعجع بك ، والله ما ظننت أن القوم يبلغون بك ما أرى ، وأنا تائب إلى الله ، فهل ترى لي من توبة ؟

فقال الحسين عليه السلام : « نعم يتوب الله عليك فانزل ».

فقال : أنا لك فارساً خيرٌ مني راجلاً ، وإلى النزول يؤول آخر أمري.

ثم قال : فإذا كنت أول من خرج عليك ، فأذن لي أن أكون أول قتيل بين يديك ، لعلي أكون ممن يصافح جدك محمداً غداً في القيامة.

فأذن له ، فجعل يقاتل أحسن قتال حتى قتل جماعة من شجعان وأبطال ، ثم استشهد ، فحمل إلى الحسين عليه السلام ، فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول : « أنت الحر كما سمتك أمك ، حر في الدنيا وحر الآخرة ».

وخرج برير بن خضير ، وكان زاهداً عابداً ، فخرج إليه يزيد بن معقل واتفقا على المباهلة إلى الله : في أن يقتل المحق منهما المبطل ، فتلاقيا ، فقتله برير ، ولم يزل يقاتل حتى قتل رضوان الله عليه.

وخرج وهب بن حباب الكلبي ، فأحسن في الجلاد وبالغ في الجهاد ، وكان معه زوجته ووالدته ، فرجع إليهما وقال : يا أماه ، أرضيت أم لا ؟

فقالت : لا ، ما رضيت حتى تقتل بين يدي الحسين عليه السلام.

وقالت امرأته : بالله عليك لا تفجعني في نفسك.

فقالت له أمه : يا بني اعزب عن قولها وارجع فقاتل بين يدي ابن بنت نبيك تنل شفاعة جده يوم القيامة.

فرجع ، ولم يزل يقاتل حتى قطعت يداه ، فأخذت امرأته عموداً ، فأقبلت نحوه وهي تقول : فداك أبي وأمي قاتل دون الطيبين حرم رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأقبل ليردها إلى النساء ، فأخذت بثوبه ، وقالت : لن أعود دون أن أموت معك.

فقال الحسين عليه السلام : « جزيتم من أهل بيتٍ خيراً ، ارجعي إلى النساء يرحمك الله » ، فانصرفت إليهن.

ولم يزل الكلبي يقاتل حتى قتل ، رضوان الله عليه.

ثم خرج مسلم بن عوسجة ، فبالغ في قتال الأعداء ، وصبر على أهوال البلاء ، حتى سقط إلى الأرض وبه رمق ، فمشى إليه الحسين عليه السلام ومعه حبيب بن مظاهر.

فقال له الحسين عليه السلام : « رحمك الله يا مسلم ، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلو تبديلاً ».

ودنا منه حبيب ، فقال : عز والله علي مصرعك يا مسلم أبشر بالجنة.

فقال له بصوت ضعيف : بشرك الله بخيرٍ.

ثم قال له حبيب : لولا أنني أعلم أني في الأثر لأحببت أن توصي إلي بكل ما أهمك.

فقال له مسلم : فإني أوصيك بهذا ـ وأشار بيده إلى الحسين عليه السلام ـ فقاتل دونه حتى تموت.
فقال له حبيب : لأنعمنك عيناً.

ثم مات رضوان الله عليه.

فخرج عمرو بن قرظة الأنصاري ، فاستأذن الحسين عليه السلام ، فأذن له ، فقاتل قتال المشتاقين إلى الجزاء وبالغ في خدمة سلطان السماء حتى قتل جمعاً كثيراً من حزب ابن زياد ، وجمع بين سداد وجهاد ، وكان لا يأتي إلى الحسين عليه السلام سهمٌ إلا اتقاه بيده ولا سيف إلا تلقاه بمهجته ، فلم يكن يصل إلى الحسين عليه السلام سوء ، حتى أثخن بالجراح.

فالتفت إلى الحسين عليه السلام وقال : يابن رسول الله أوفيت ؟

قال : « نعم ، أنت أمامي في الجنة ، فاقرأ رسول الله صلى الله عليه وآله عني السلام وأعلمه أني في الأثر ».

فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه .

ثم برز جون مولى أبي ذر ، وكان عبداً أسوداً.

فقال له الحسين عليه السلام : « أنت في إذنٍ مني ، فإنما تبعتنا طلباً للعافية ، فلا تبتل بطريقنا ».

فقال : يا بن رسول الله أنا في الرخاء ألحس قصاعكم وفي الشدة أخذلكم ، والله إن ريحي لمنتن وإن حسبي للئيم ولوني لأسود ، فتنفس علي بالجنة ، فيطيب ريحي ويشرف حسبي ويبيض وجهي ، لا والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم . ثم قاتل حتى قتل ، رضوان الله عليه.

ثم برز عمرو بن خالد الصيداوي ، فقال للحسين : يا أبا عبدالله ، جعلت فداك قد هممت أن ألحق بأصحابي ، وكرهت أن أتخلف فأراك وحيداً فريداً بين أهلك قتيلاً.

فقال له الحسين عليه السلام : « تقدم فإنا لا حقون بك عن ساعة ».

فتقدم فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه.

وجاء حنظلة بن سعد الشبامي ، فوقف بين يدي الحسين عليه السلام يقيه السهام والسيوف والرماح بوجهه ونحره.

وأخذ ينادي : يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم ، وما الله يريد ظلماً للعباد ، ويا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم التناد ، يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم ، يا قوم لا تقتلوا حسيناً فيسحتكم الله بعذابٍ وقد خاب من افترى.

ثم التفت إلى الحسين عليه السلام وقال : أفلا نروح إلى ربنا ونلحق بأصحابنا ؟

فقال له : « بل رح إلى ما هو خيرٌ لك من الدنيا وما فيها وإلى ملكٍ لا يبلى ».

فتقدم ، فقاتل قتال الأبطال ، وصبر على احتمال الأهوال ، حتى قتل ، رضوان الله عليه.

وحضرت صلاة الظهر ، فأمر الحسين عليه السلام زهير بن القين وسعيد بن عبدالله الحنفي أن يتقدما أمامه بنصف من تخلف معه ، ثم صلى بهم صلاة الخوف.

فوصل إلى الحسين عليه السلام سهمٌ ، فتقدم سعيد بن عبدالله الحنفي ، ووقف يقيه بنفسه ما زال ، ولا تخطى حتى سقط إلى الأرض وهو يقول : اللهم العنهم لعن عادٍ وثمود ، اللهم أبلغ نبيك عني السلام ، وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح ، فإني أردت ثوابك في نصر ذرية نبيك ، ثم قضى نحبه رضوان الله عليه ، فوجد به ثلاثة عشر سهمأً سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح.

وتقدم سويد بن عمر بن أبي المطاع ، وكان شريفاً كثير الصلاة ، فقاتل قتال الأسد الباسل ، وبالغ في الصبر على الخطب النازل ، حتى سقط بين القتلى وقد أثخن بالجراح ، ولم يزل كذلك وليس به حراك حتى سمعهم يقولون : قتل الحسين ، فتحامل وأخرج من خفه سكيناً ، وجعل يقاتلهم بها حتى قتل ، رضوان الله عليه.

قال : وجعل أصحاب الحسين عليه السلام يقاتلون بين يديه ، وكانوا كما قيل :

قـــــومٌ إذ نودوا لدفع ملمة * والخيل بين مدعس ومكردس

لبسوا القلوب على الدروع وأقبلوا * يتهافتون على ذهـاب الأنفس

__________________
دمعي أساً يجري لأي مصيبةٍ *حــ ياــــسيـن* ونواظري تبكي لأي رزيةٍ
سالت عليك دموعها لمحــبةٍ * حــ ياــــسين* تبكيك عيني لا لأجل مثوبةٍ
لكنما عيني لأجلك *حــ ياــــسيـن* بــاكــيــــــــة

عاشق الحسين غير متصل  

 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

قوانين وضوابط المنتدى
الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
صلح الإمام الحسن ونهضة الإمام الحسين عليهما السلام ذو الفقار منتدى الثقافة الإسلامية 4 23-03-04 11:49 PM
كيف نحمل اليوم رسالة الحسين (ع) ؟ محرر الإتصالات منتدى الثقافة الإسلامية 4 06-05-02 11:48 PM

توثيق المعلومة ونسبتها إلى مصدرها أمر ضروري لحفظ حقوق الآخرين
المنتدى يستخدم برنامج الفريق الأمني للحماية
مدونة نضال التقنية نسخ أحتياطي يومي للمنتدى TESTED DAILY فحص يومي ضد الإختراق المنتدى الرسمي لسيارة Cx-9
.:: جميع الحقوق محفوظة 2023 م ::.
جميع تواقيت المنتدى بتوقيت جزيرة تاروت 01:49 AM.


المواضيع المطروحة في المنتدى لا تعبر بالضرورة عن الرأي الرسمي للمنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك
 


Powered by: vBulletin Version 3.8.11
Copyright © 2013-2019 www.tarout.info
Jelsoft Enterprises Limited