[align=center]... بسم الله الرحمن الرحيم ...[/align]
قال تعالى في كتابه: "وقضى ربك إلاَّ تعبدوا إلاّ أيَّاه وبالوالدين إحساناً".
إن للوالدين مقاماً وشأناً يعجز الإنسان عن دركه، ومهما جهد القلم في إحصاء فضلهما فإنَّه يبقى قاصراً منحسراً عن تصوير جلالهما وحقّهما على الأبناء، وكيف لا يكون ذلك وهما سبب وجودهم، وعماد حياتهم وركن البقاء لهم.
لقد بذل الوالدان كل ما أمكنهما على المستويين المادي والمعنوي لرعاية أبنائهما وتربيتهم، وتحمّلا في سبيل ذلك أشد المتاعب والصعاب والإرهاق النفسي والجسدي وهذا البذل لا يمكن لشخص أن يعطيه بالمستوى الذي يعطيه الوالدان.
ولهذا فقط اعتبر الإسلام عطاءهما عملاً جليلاً مقدساً استوجبا عليه الشكر وعرفان الجميل وأوجب لهما حقوقاً على الأبناء لم يوجبها لأحد على أحد إطلاقاً، حتى أن الله تعالى قرن طاعتهما والإحسان إليهما بعبادته وتوحيده بشكل مباشر فقال: "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً".
لأن الفضل على الإنسان بعد الله هو للوالدين، والشكر على الرعاية والعطاء يكون لهما بعد شكر الله وحمده، "ووصينا الإنسان بوالديه... أن أشكر لي ولوالديك إليَّ المصير.
وقد اعتبر القران العقوق للوالدين والخروج عن طاعتهما ومرضاتهما معصية وتجبراً حيث جاء ذكر يحيى ابن زكريا بالقول: "وبراً بوالديه ولم يكن جباراً عصيا".
وفي رسالة الحقوق المباركة نجد حق الأم على لسان الإمام علي بن الحسين (ع) بأفضل تعبير وأكمل بيان، فيختصر عظمة الأم وشموخ مقامها في كلمات، ويصوِّر عطاها بأدق تصوير وتفصيل فيقول ?: "فحقّ أُمِّك أن تعلم أنَّها حملتك حيث لا يحمل أحدٌ أحداً، وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يُطْعِم أحدٌ أحداً، وأنَّها وقتك بسمعها وبصرها ويدها ورجلها وشعرها وبشرها وجميع جوارحها مستبشرة بذلك فرحةً موبلة (كثيرة عطاياها )، محتملة لما فيه مكروهها وألمها وثقلها وغمِّها، حتى دفعتها عنك يد القدرة وأخرجتك إلى الأرض فَرَضِيَتْ أن تشبع وتجوع هي، وتكسوك وتعرى، وترويك وتظمأ، وتظللك وتضحى، وتنعمك ببؤسها، وتلذذك بالنوم بأَرِقهَا، وكان بطنها لك وعاء، وَحِجْرَها لك حواء، وثديها لك سقاءاً، ونفسها لك وقاءاً، تباشر حر الدنيا وبردها لك دونك، فتشكرها على قدرِ ذلك ولا تقدر عليه إلاّ بعون الله وتوفيقه".
بهذه العبارات الندية,والصور الموحية, يستجيش الإمام وجدان البر والرحمة في قلوب الأبناء, ذلك لأن الحياة وهي مندفعة في طريقها دائماً إلى الأمام حيث الجيل المقبل والذرية الجديدة وقلما توجه اهتماماتهم إلى الوراء حيث الأصل والمنبت أعني بذلك الوالدان الأم والأب.
إن الوالدين يندفعان بالفطرة لإلى رعاية وحماية وتربية أبنائهم مهما كلفهم الثمن فلذلك لايحتاج الآباء إلى توجيه الأبناء كما يحتاجها الأبناء لأن الأبناء سرعان مايشبون ويندفعون بدورهم إلى الزوجات والذرية...
وهكذا تدور الحياة.
جاء رجل إلى الرسول "صلى الله عليه وآله وسلم" فقال له: يارسول الله أي الوالدين أعظم حقاً؟قال "صلى الله عليه وآله وسلم" التي حملته بين الجنبين, وأرضععته الثدين, وحضنته على الفخدين ,وفدته بالوالدين).
فالحديث هذه اليوم حول حق الأم وليس في ذالك إهمالاً منا لحق الأب فالإمام السجاد "عليه السلام"أشار في رسالتة المباركة إلى حق الأب ولكننا هنا نركز الضوء على النزلة الأعلى والحق الأكبر.
لذالك أراد الإمام السجاد"عليه السلام" أيستثير مشاعر الأبناء تجاه أمهاتهم وذالك بتذكيرهم بما تلاقيه الأم من جهد وعناء طوال فترة الحمل والولادة, فهي تحمله كرهاً وتضعه كرهاً كما عبر بذالك القرآن الكريم ولم يتوقف الجهد إلى هذا الحد فهي التي تتكفل بإرضاعه وتغذيته حيث تعطي الأم عصارة لحمها وعظمها في اللبن لوليدها ليحيا وينمو وهي بذالك فرحة سعيدة تقرعينها كلما رأته يكبر أمام عينها شيئاً فشيئاً.. فأنى يبلغ الإنسان في جزاء هذه التضحية؟ فمهما يفعل فهو لايفعل إلا القليل الزهيد!!
كان رجل من النساك يقبل كل يوم قدم أمه فأبطأ يوماً على أخوته فسألوه فقال: كنت أتمرغ في رياض الجنة فقد بلغنا أن الجنة تحت أقدام الأمهات
وتبرز هنا، أهمية حق الأم من خلال التفصيل والبيان الذي تقدم به الإمام ? بحيث جعله أكبر الحقوق في رسالته المباركة، وأكثر في بيانه، وحثَّ على برّها ووصّى الولد بالشكر لهما كما هي الوصية الإلهية: "ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن... أن أشكر لي ولوالديك إليَ المصير".
والسلام عليكم..
أختكم:منهاج علي
-----------------------
المصادر:
مجلس الغدير "سماحة السيد ضياء الخباز".
مجلس أم البنين "عليها السلام" للدورات الصيفية..