بسم الله الرحمن الرحيم
وعذراّ عزيزتي نور علي
نظرة في معاني المولى..
ذكر علماء اللغة من معاني المولى السيد غير المالك والمعتق كما ذكروا من معاني الولي الأمير والسلطان مع إطباقهم على اتحاد معنى الولي والمولى: وكل من المعنيين لا يبارح معنى الأولوية بالأمر، فالأمير أولى من الرعية في تخطيط الأنظمة الراجعة إلى جامعتهم، وبإجراء الطقوس المتكفلة لتهذيب أفرادهم، وكبح عادية كل منهم عن الآخر، وكذلك السيد أولى ممن يسوده بالتصرف في شؤونهم، وتختلف دائرة هذين الوصفين سعتا وضيقا باختلاف مقادير الأمارة والسيادة فهي في والي المدينة أوسع منها في رؤساء الدواوين، وأوسع من ذلك في ولاة الأقطار، و يفوق الجميع ما في الملوك والسلاطين، ومنتهى السعة في نبي مبعوث على العالم كله وخليفة يخلفه على ما جاء به من نواميس وطقوس .
ونحن إذا غاضينا القوم على مجيئ الأولى بالشئ من معاني المولى فلا نغاضيهم علي مجيئه بهذين المعنيين، وإنه لا ينطبق في الحديث إلا على أرقي المعاني .
أو أوسع الدوائر، بعد أن علمنا أن شيئاً من معاني المولى المنتهية إلى سبعة وعشرين معنى لا يمكن إرادته في الحديث إلا ما يطابقهما من المعاني ألا ؟ وهي(1): 1 - الرب 2 - العم 3 - ابن العم 4 - الابن 5 - ابن الأخت 6 - المعتق 7 - المعتق 8 - العبد 9 - المالك 10 - التابع 11 - المنعم عليه 12 - الشريك 13 - الحليف 14 - الصاحب 15 - الجار 16 - النزيل 17 - الصهر 18 - القريب 19 - المنعم 20 - الفقيد 21 - الولي 22 - الأولى بالشئ 23 - السيد غير المالك والمعتق 24 - المحب 25 - الناصر 26 - المتصرف في الأمر 27 - المتولي في الأمر .
فالمعنى الأولى يلزم من إرادته الكفر إذ لا رب للعالمين سوى الله .
وأما الثاني والثالث إلى الرابع عشر فيلزم من إرادة شيء منها في الحديث الكذب، فإن النبي عم أولاد أخيه إن كان له أخ وأمير المؤمنين ابن عم أبيهم .
وهو صلى الله عليه وآله ابن عبد الله وأمير المؤمنين ابن أخيه أبي طالب، ومن الواضح اختلاف أمهما في النسب فخؤلة كل منهما غير خؤلة الآخر، فليس هو عليه السلام بابن أخت لمن صلى الله عليه وآله ابن أخته .
وأنت جد عليم بأن من أعتقه رسول الله لم يعتقه أمير المؤمنين مرة أخرى، وإن كلا منهما سيد الأحرار من الأولين والآخرين، فلم يكونا معتقين لأي ابن أنثى واعطف عليه العبد في السخافة والشناعة .
ومن المعلوم أن الوصي صلوات الله عليه لم يملك مماليك رسول الله صلى الله عليه وآله فلا يمكن إرادة المالك منه .
ولم يكن النبي تابعا لأي أحد غير مرسله جلت عظمته، فلا معنى لهتافه بين الملأ بأن من هو تابعه فعلي تابع له .
ولم يكن على رسول الله لأي أحد من نعمة بل له المنن والنعم على الناس أجمعين فلا يستقيم المعنى بإرادة المنعم عليه .
وما كان النبي صلى الله عليه وآله يشارك أحدا في تجارة أو غيرها حتى يكون وصيه مشاركا له أيضا، على أنه معدود من التافهات إن تحققت هناك شراكة، وتجارته لأم المؤمنين خديجة قبل البعثة كانت عملا لها لا شراكة معها، ولو سلمناها فالوصي سلام الله عليه لم يكن معه في سفره ولا له دخل في تجارته .
ولم يكن نبي العظمة محالفا لأحد ليعتز به، وإنما العزة لله ولرسوله و للمؤمنين، وقد اعتز به المسلمون أجمع، إذن فكيف يمكن قصده في المقام ؟ وعلى فرض ثبوته فلا ملازمة بينهما .
وأما الصاحب والجار والنزيل والصهر والقريب سواء أريد منه قربى الرحم أو قرب المكان فلا يمكن إرادة شيء من هذه المعاني لسخافتها لا سيما في ذلك المحتشد الرهيب: في أثناء المسير، ورمضاء الهجير، وقد أمر صلى الله عليه وآله بحبس المقدم في السير، ومنع التالي منه في محل ليس بمنزل له، غير أن الوحي الإلهي المشفوع بما يشبه التهديد إن لم يبلغ حبسه هنالك، فيكون صلى الله عليه وآله قد عقد هذا المحتفل والناس قد أنهكهم وعثاء السفر، وحر الهجير، وحراجة الموقف حتى أن أحدهم ليضع ردائه تحت قدميه، فيرقي هنالك منبر الأهداج، ويعلمهم عن الله تعالى أن نفسه نعيت إليه، وهو مهتم بتبليغ أمر يخاف فوات وقته بانتهاء أيامه، وأن له الأهمية الكبرى في الدين والدنيا فيخبرهم عن ربه بأمور ليس للإشادة بها أي قيمة وهي: أن من كان هو صلى الله عليه وآله مصطحبا أو جارا أو مصاهرا له أو نزيلا عنده أو قريبا منه بأي المعنيين فعلي كذلك .
لاها الله لا نحتمل هذا في أحد من أهل الحلوم الخائرة، والعقليات الضعيفة، فضلا عن العقل الأول، والانسان الكامل نبي الحكمة، وخطيب البلاغة، فمن الإفك الشائن أن يعزى إلى نبي الاسلام إرادة شيء منها، وعلى تقدير إرادة شيء منها فأي فضيلة فيها لأمير المؤمنين عليه السلام حتى يبخبخ ويهنأ بها، ويفضلها سعد ابن أبي وقاص في حديثه على حمر النعم لو كانت، أو تكون أحب إليه من الدنيا وما فيها، عمر فيها مثل عمر نوح .
وأما المنعم: فلا ملازمة في أن يكون كل من أنعم عليه رسول الله صلى الله عليه وآله يكون أمير المؤمنين عليه السلام منعما عليه أيضا بل من الضروري خلافه، إلا أن يراد أن من كان النبي صلى الله عليه وآله منعما عليه بالدين والهدى والتهذيب و الإرشاد والعزة في الدنيا والنجاة في الآخرة فعلي عليه السلام منعم عليه بذلك كله لأنه القائم مقامه، والصادع عنه، وحافظ شرعه، ومبلغ دينه، ولذلك أكمل الله به الدين، وأتم النعمة بذلك الهتاف المبين، فهو حينئذ لا يبارح معنى الإمامة الذي نتحراه، ويساوق المعاني التي نحاول إثباتها فحسب .
وأما العقيد: فلا بد أن يراد به المعاقدة والمعاهدة مع بعض القبايل للمهادنة أو النصرة فلا معنى لكون أمير المؤمنين عليه السلام كذلك إلا أنه تبع له في كل أفعاله وتروكه، فيساوقه حينئذ المسلمون أجمع، ولا معنى لتخصيصه بالذكر مع ذلك الاهتمام الموصوف، إلا أن يراد أن لعلي عليه السلام دخلا في تلك المعاهدات التي عقدها رسول الله صلى الله عليه وآله لتنظيم السلطنة الإسلامية، وكلائة الدولة عن الملاشات بالقلاقل والحرج، فله التدخل فيها كنفسه صلى الله عليه وآله، وإن أمكن إرادة معاقدة الأوصاف والفضايل كما يقال: عقيد الكرم، وعقيد الفضل، أي: كريم وفاضل .
ولو بتمحل لا يقبله الذوق العربي، فيقصد أن من كنت عقيد الفضايل عنده فليعتقد في علي مثله، فهو والحالة هذه مقارب لما نرتأيه من المعنى، وأقرب المعاني أن يراد به العهود التي عاهدها صلى الله عليه وآله مع من بايعه من المسلمين على اعتناق دينه، والسعي وراء صالحه، والذب عنه، فلا مانع أن يراد من اللفظ والحالة هذه فإنه عبارة أخرى لأن يقول: إنه خليفتي والإمام من بعدي .
الولاية والمولى
معنى الولاية والمولى في حديث الغدير. لقد اطلعنا على حديث الغدير المتواتر بشكل اجمالي , والعبارة المشهورة التي جات عن رسول اللّه (ص ) في جميع الكتب وهي : من كنت مولاه فعلي مولاه توضح الكثير من الحقائق , وان اصر كثير من كتاب اهل السنة على تفسير كلمة ((المولى )) ((هنا بمعنى الصديق والمحب والناصر)) , لان هذا احد المعاني المعروفة لـ((المولى )).
ونحن نسلم بان احدى معاني (( المولى )) الصديق والمحب والناصر , الا ان ثمة قرائن عديدة تثبت ان المولى في الحديث اعلاه تعني ((الولي والمشرف والقائد))وهي كما يلي بايجاز:.
1 ـ ان قـضية محبة علي (ع ) مع جميع المؤمنين لم تكن امرا خفيا وسرياومعقدا , بحيث يحتاج الى هـذا التاكيد والايضاح , وبحاجة الى ايقاف ذلك الركب العظيم وسط الصحرا القاحلة الساخنة والقا خطبة عليهم لاخذ الاقرارات من ذلك الجمع .
فالقرآن يقول بصريح القول : انما المؤمنون اخوة (الحجرات / 10).
وفي موضع آخر يقول : والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اوليا بعض (التوبة / 71).
والـخلاصة , ان الاخوة الاسلامية ومودة المسلمين مع بعضهم من اكثر المسائل الاسلامية بداهة , حـيث كانت موجودة منذ انطلاقة الاسلام , وطالما اكد عليهاالنبي (ص ) مرارا بالاضافة الى عدم كونها مسالة تحتاج الى بيان بهذا الاسلوب الحادفي الاية , وان يشعر النبي (ص ) بالخطر من البوح بها (تاملوا جيدا).
2 ـ ان عـبارة : (( الست اولى بكم من انفسكم )) الواردة في الكثير من الروايات لاتتناسب ابدا مع بـيـان مـودة عـاديـة , بل انه يريد القول بان تلك الاولوية والتصرف الذي لي تجاهكم وانني امامكم وقـائدكـم , فـانـه ثـابـت لعلي (ع ) وان اي تفسير لهذه العبارة غير ما قيل فهو بعيد عن الانصاف والواقعية , لاسيما مع الاخذ بنظر الاعتبارجملة (( من انفسكم )) ( انا اولى بكم من انفسكم ).
3 ـ التهاني التي قدمها الناس لعلي (ع ) في هذه الواقعة التاريخية , لاسيماالتهاني التي قدمها ابو بكر وعـمر , اذ انها تبرهن على ان القضية لم تكن سوى تعيين الخلافة التى يستحق التبريك والتهاني , فالاعلان عن المودة الثابتة لدى كل المسلمين بشكل عام لايحتاج الى تهنئة .
جا في مسند الامام احمد ان عمرا , قال لعلي بعد خطبة النبي (ص ) :.
هنيئا لك يا ابن ابي طالب اصبحت وامسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة ((200)) .
ونـقـر في العبارة التي ذكرها الفخر الرازي في ذيل الاية : ( يا ايها الرسول بلغ ماانزل اليك ) ان عـمـرا قال : هنيئا لك اصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومومنة , وبهذافان عمرا يعده مولاه ومولى المؤمنين جميعا.
وفـي تـاريخ بغداد جات الرواية بهذا الشكل : بخ بخ لك يا ابن ابي طالب مسلم ((201)) .
وجا في ((فيض القدير)) , و ((الصواعق )) , ان ابا بكر وعمرا باركا لعلي بالقول :امسيت يا ابن ابي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة ((202)) .
ومن نافلة القول : ان المودة العادية بين المؤمنين ليست لها مثل هذه المراسيم ,وهذا لاينسجم الا مع الولاية التي تقضي الخلافة .
4 ـ ان الـشـعـر الذي نقلناه آنفا عن ((حسان بن ثابت )) بذلك المضمون والمحتوى الرفيع , وتلك الـعبارات الصريحة والجلية شاهد آخر على هذا الادعا , وتشير الى هذه القضية بما فيه الكفاية ( راجعوا تلك الايات مرة آخرى ).
2 ـ.
سائر آيات القرآن في تاييد حديث الغدير. روى كـثـيـر من المفسرين ورواة الحديث في ذيل الايات الاولى من سورة المعارج : ( سال سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع ـ من اللّه ذي المعارج )شان النزول وخلاصتة :.
ان الـنبي (ص ) عين عليا خليفة يوم غديرخم وقال بحقه : ((من كنت مولاه فعلي مولاه )) , فمالبث ان انـتـشر الخبر , فجا ((النعمان بن الحارث الفهري )) ـ (وكان من المنافقين ) ((203)) ـ الى الـنبي (ص ) وقال : لقد امرتنا ان نشهد ان لا اله الا اللّه وانك محمدرسول اللّه , فشهدنا , ثم امرتنا بـالـجهاد والحج والصلاة والزكاة فقبلنا , فلم ترض بكل ذلك , حتى اقمت هذا الفتى (( مشيرا الى علي (ع ) خليفة لك , وقلت : من كنت مولاه فعلي مولاه فهل هذا منك ام من اللّه )) ؟ قال النبي (ص ) (( واللّه الذي لا معبود سواه انه من اللّه )) , فالتفت اليه (( النعمان بن الحارث )) , وقال : ((الهي ان كان هذا حقا منك فانزل علينا حجارة من السما )) وفجاة نزلت حجارة من السما على راسه وقتلته فنزلت آية سال سائل بعذاب واقع .
ما ورد اعلاه يطابق الرواية التي نقلت في مجمع البيان عن ابي القاسم الحسكاني ((204)) وقد نقل هذا المضمون الكثير من مفسري اهل السنة ورواة الاحاديث مع شي من الاختلاف , مثل : القرطبي فـي تـفسيره المعروف ((205)) , والالوسي في تفسير روح المعاني ((206)) , وابوا اسحاق الثعلبي في تفسيره ((207)) .
ويـنـقل العلا مة الاميني هذه الرواية في كتاب الغدير عن ثلاثين من علما السنة (مع ذكر المصدر ونـص الـعـبارة ) , منها السيرة الحلبية , ((فرائد السمطين )) للحمويني , ((درر السمطين )) للشيخ محمد الزرندي , و (( السراج المنير)) لشمس الدين الشافعي , ((شرح الجامع الصغير )) لـلـسـيـوطي , و (( تـفـسـيـر غريب القرآن )) للحافظ ابو عبيد , الهروي ,و (( تفسير شفا الصدور)) لابي بكر النقاش الموصلي , وكتب اخرى .
وقد اورد بعض المفسرين او المحدثين الذين يقرون بفضائل علي (ع ) على مضض اشكالات مختلفة على شان النزول هذا , اهمها الاشكالات الاربعة التالية التي اوردها صاحب تفسير المنار وآخرون بعد ذكرهم للرواية اعلاه :.
الاشكال الاول : ان سورة المعارج مكية , ولا تتناسب مع واقعة غدير خم .
والجواب : ان كون السورة مكية لا يعتبر دليلا على ان جميع اياتها نزلت في مكة , فلدينا العديد من سـور القرآن الكريم التي تدعى بالمكية وكتبت في جميع المصاحف على انها مكية , بيد ان عددا من آيـاتـهـا نزلت في المدينة , وكذا العكس ,فعلى سبيل المثال ان سورة العنكبوت من السور المكية , والـحـال ان آيـاتها العشرالاولى نزلت في المدينة , على ضؤ قول الطبري في تفسيره المعروف , والقرطبي في تفسيره وآخرين من العلما ((208)) .
او سـورة الـكـهـف المعروفة بانها مكية بينما نزلت آياتها السبع الاولى في المدينة استنادا لتفسير ((القرطبي )) , و((الاتقان )) للسيوطي , وتفاسير عديدة ((209)) .
وهـكذا فهنالك سور عدت بانها مدينة بينما نزلت آيات منها في مكة , مثل سورة ((المجادلة )) فهي مـدنـيـة كـمـا هـو معروف , الا ان الايات العشر الاولى منها نزلت في مكة , طبقا لتصريح بعض المفسرين ((210)) .
ومـوجـز الكلام انه توجد حالات كثيرة بان تذكر سورة على انها مكية او مدنية ,ويكتب عليها في التفاسير والمصاحف هذا الاسم الا ان جانبا من آياتها قد نزل في موضع آخر.
وعليه فلا مانع ابدا من ان تكون سورة المعارج هكذا ايضا.
الاشكال الثاني :.
جا في هذا الحديث ان الحارث بن النعمان جا الى النبي (ص ) في الابطح ,ونحن نعلم ان الابطح اسم لوادي مكة , ولاتتلائم مع نزول الاية بعد واقعة الغدير بين مكة والمدينة .
الـجـواب : اولا ان عـبـارة الابـطح في بعض الروايات فقط لا في جميعها , وثانيا :ان ((الابطح والبطحا)) تعني الارض الرملية التي يجري فيها السيل , وهنالك مناطق في المدينة وسائر المناطق يطلق عليها اسم الابطح او البطحا ايضا , واللطيف انه قد اشير اليها مرارا في الشعر العربي .
مـنها الشعر المعروف الذي انشده (( شهاب الدين )) المشهور بـ ((حيص بيص )) في رثائه لاهل البيت (ع ) , عن لسانهم في مخاطبة قاتليهم :.
ملكنا فكان العفو منا سجية ـــــ فلما ملكتم سال بالدم ابطح .
وحللتم قتل الاسارى وطالما ـــــ غدونا عن الاسرى نعفوا ونصفح .
ومن الواضح ان مقاتل اهل البيت (ع ) كانت على الاغلب في العراق وكربلاوالكوفة والمدينة , وما اريق دم في ابطح مكة ابدا , نعم استشهد بعض اهل البيت (ع ) في واقعة ((الفخ )) التي تبعد عن مكة ما يقرب من فرسخين , والحال ان الابطح يجاور مكة ((211)) .
وشاعر آخر يرثي الامام الحسين (ع ) سيد الشهدا قائلا :.
وتان نفسي للربوع وقد غدا ـــــ بيت النبي مقطع الاطناب .
بيت لال المصطفى في كربلا ـــــ ضربوه بين اباطح وروابي .
وثـمـة اشعار اخرى كثيرة ورد فيها تعبير ((الابطح )) او((الاباطح )) لا تعني منطقة خاصة في مكة .
ومـلـخـص الـكـلام , صحيح ان احد معاني الابطح هو بقعة في مكة , الا ان معنى ومفهوم ومصداق الابطح لا ينحصر بتلك البقعة .
3 ـ.
كيفية ارتباط هذه الاية بما قبلها وبعدها. ان بعض المفسرين ومن اجل مجانبة الحقيقة الكامنة في هذه الاية توسل بمبررآخر وهو : ان سياق الايـات الـسـابقة واللاحقة بشان اهل الكتاب لا تنسجم مع قضية الولاية والخلافة والامامة , ولا تتناسب هذه الاثنينية مع بلاغة وفصاحة القرآن ((212)) .
الا ان كـافـة الـمـطـلـعـيـن على كيفية جمع ايات القرآن يعرفون ان آيات القرآن نزلت تدريجيا وبـمناسبات مختلفة , من هنا فكثيرا ما تتحدث سورة ما حول قضايامختلفة , فجانب منها يتحدث عن الـغـزوة الـفـلانـيـة , والجانب الاخر حول الحكم والتشريع الاسلامي الفلاني , وجانب يخاطب الـمـنـافـقين , وآخر يخاطب المؤمنين ,فمثلا لو طالعنا سورة النور لوجدناه تحتوي على جوانب مـتـعـددة , كـل مـنـها ناظر الى موضوع , بد من التوحيد والمعاد ومرورا بتنفيذ حد الزنا وقصة ((الافـك )) , والقضاياالمتعلقة بالمنافقين , والحجاب وغيرها , (وكذلك سائر السور الطوال الى حد ما)بالرغم من وجود ارتباط عام بين مجموعة اجزا السورة .
والـسـر ورا هـذا الـتـنـوع فـي الـمـحتوى ما قيل : ان القرآن نزل تدريجيا وحسب المتطلبات والضرورات وفي مختلف الاحداث , وليس على هيئة كتاب كلاسيكي ابدا بحيث يتابع موضوعا معدا سلفا , على هذا الاساس لامانع على الاطلاق من ان تنزل مقاطع من سورة المائدة بشان اهل الكتاب , ومـقاطع منها في واقعة الغدير ,بالطبع فمن وجهة النظر العامة انهما يرتبطان معا اذ ان تعيين خليفة لـرسـول اللّه (ص )يـتـرك اثـره على قضايا اهل الكتاب ايضا , لانه سيؤدي الى ياسهم من انهيار الاسلام برحيل النبي (ص ).
4 ـ.
لماذا لم يحتج الامام علي (ع ) بحديث الغدير ؟. ان الـبـعـض الاخـر مـن اللاهثين ورا التبريرات يقول : اذا كان حديث الغدير يتمتع بهذه العظمة والـواقـعـيـة فلماذا لم يحتج به علي (ع ) واهل بيته واصحابه ومحبوه عندالحاجة ؟ الم يكن من الافضل ان يستندوا الى مثل هذه الوثيقة المهمة من اجل اثبات خلافة علي (ع ) ؟ ان هـذا الاشـكـال شانه شان سائر الاشكالات فهو ناتج عن عدم الاطلاع الكافي على كتب الحديث والـتـاريـخ والـتـفسير , فلقد رويت احاديث عديدة في كتب علماالسنة ان عليا (ع ) او الائمة او انصارهم قد احتجوا بحديث الغدير , والمدهش هو :كيف غابت عن انظار المشككين ؟.
منها ما ينقله ((الخطيب الخوارزمي الحنفي )) في كتابه ((المناقب )) عن ((عامر بن وائلة )).
قال : كنت مع علي (ع ) يوم الشورى وسمعته يقول لهم : لاحتجن عليكم بمالايستطيع عربيكم ولا عـجـميكم تغير ذلك , ثم قال : انشدكم اللّه ايها النفر جميعا افيكم احد وحد اللّه قبلي ؟ فانشدكم باللّه هل فيكم احد قال له رسول اللّه (ص ) : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره ليبلغ الشاهدالغايب غيري ((213)) .
ونقل هذه الرواية ((الحمويني في فرائد السمطين في الباب 58 , وابن حاتم في دررالنظم , وابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة )).
كما روى ابن حجر في الصواعق هذا المضمون عن الدار قطني ((214)) .
وفـي كـتـاب الغدير ذكر بحث شامل وبمصادر واسعة حول (( مناشدة )) اميرالمؤمنين (ع ) في مـواطـن عديدة , منها ايام عثمان , وابان خلافته , يوم الجمل , ومرة اخرى في الكوفة يوم صفين , بـالاضافة الى المواضع الستة عشر الاخرى المنقولة من احتجاجات فاطمة (س ) , والامام الحسن (ع ) , والامـام الـحسين (ع ) , وجماعة من الصحابة وغيرهم , التي تحكي عن المعلومات الواسعة لـهـذا الكاتب الكبير من جهة ,ومن ناحية آخرى تبرهن على ان الاحتجاج بهذا الحديث كان موضع اهـتـمام على مدى القرون المختلفة , بالرغم من سعي السياسات الخاصة التي كانت مهيمنة على هذه القضية في التقليل من اهميتها قدر الامكان .
نـظـرا الـى ان الـغـور في هذه البحوث الواسعة يخرجنا عن الهدف الذي نبتغيه ,فاننا نكتفي بهذا المقدار ونحيل الراغبين الى هذا المصدر ((215)) وسائر المراجع .
2 ـ.
آية الولاية . الاية الاخرى التي تعقب قضية الامامة الخاصة , تقول :.
( انـمـا ولـيـكـم اللّه ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلوة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) (المائدة / 55).
شان النزول .
روى الكثير من المفسرين والمحدثين في شان نزول هذه الاية انها نزلت بحق علي (ع ).
فينقل السيوطي في ((الدر المنثور)) عن ابن عباس : ان عليا كان راكعا واذا سائل فاعطاه خاتمه , فساله النبي (ص ) من الذي اعطاك هذا الخاتم ؟ فاوما الى علي (ع )وقال : ذلك الراكع , فنزلت اية : انما وليكم اللّه ((216)) 0000.
وفي الكتاب نفسه رويت روايات عديدة بنفس المضمون عن ((ابن عباس )) , و((سلمة بن كهيل )) وعن علي (ع ) نفسه ((217)) .
وروي المعنى نفسه في كتاب ((اسباب النزول )) للواحدي عن ((جابر بن عبداللّه )) , وكذا عن ((ابن عباس )) ((218)) .
يقول المفسر الشهير ((جاراللّه الزمخشري )) في كتاب ((الكشاف )):.
((انـهـا نزلت في علي (ع ) حين ساله سائل وهو راكع في صلاته فطرح له خاتمه )) ((219)) ,وينقل الفخر الرازي في تفسيره عن ((عبد اللّه بن سلام )) : لما نزلت هذه الاية , قلت :يارسول اللّه انا رايت عليا تصدق بخاتمه على محتاج وهو راكع فنحن نتولاه .
كـمـا ويـروى عـن ابـي ذر قـوله : صليت مع رسول اللّه (ص ) يوما صلاه الظهر فسال سائل في المسجد فلم يعطه احد فرفع السائل يده الى السما وقال : اللهم اشهد اني سالت في مسجد رسول اللّه (ص ) فـمـا اعطاني احد شيئا , وعلي (ع ) كان راكعا فاوما اليه بخنصره اليمنى وكان فيها خاتم , فاقبل السائل حتى اخذ الخاتم بمراى النبي (ص ) فقال :اللهم ان اخي موسى سالك فقال : رب اشرح لـي صـدري ـ واشركه في امري فانزلت قرآناناطقا (( سنشد عضدك باخيك ونجعل لكما سلطانا )) فنزلت الاية ((220)) .
وبطبيعة الحال فان للفخر الرازي ـ وكالعادة ـ شبهات على كيفية دلالة هذه الاية على الامامة حيث سنشير اليها لاحقا.
ويروي الطبرى ايضا في تفسيره روايات عديدة في ذيل هذه الاية وشان نزولها , اذ تفيد اكثرها ان هذه الاية نزلت بحق علي (ع ) ((221)) .
واوردت طـائفـة اخرى هذه الرواية بعبارات مختلفة في حق علي (ع ) , منها في كنز العمال ج6 , ص 319 حيث ينقل هذه الرواية عن ابن عباس .
كـمـا يـنـقـل (( الـحاكم الحسكاني )) الحنفي النيشابوري من علما القرن الخامس المعروفين في ((شواهد التنزيل )) بخمسة طرق عن ((ابن عباس )) , واثنين عن (( انس بن مالك )) , ومثلهما عن (( محمد بن الحنفية )) , وواحد عن (( عطا بن السائب )) , ومثله عن (( عبد الملك بن جريح المكي )) عن النبي (ص ) آية (( انما وليكم اللّه )) نزلت بحق علي (ع ) عندما تصدق بخاتمه وهو راكع ((222)) .
ونـقـل المرحوم العلامة الاميني الرواية اعلاه ونزول هذه الاية بحق علي (ع ) عن كثير من كتب الـسنة فقارب العشرين كتابا ( مع ذكر دقيق لمصادرها ووثائقها ) , وبامكان الراغبين مراجعة ذلك الكتاب للمزيد من الاطلاع ((223)) .
ونقل هذا المعنى في كتاب احقاق الحق عن كثير من الكتب ((224)) .
والامـر الـلـطـيـف الاخر هو ان شاعر الرسول (ص ) المعروف (( حسان بن ثابت ))اورد هذه القضية في شعره على انها مسالة تاريخية مسلم بها.
فهو يقول في شعره مخاطبا عليا (ع ) :.
وانت الذي اعطيت اذ كنت راكعاـــــ ـــــ زكاة فدتك النفس ياخير راكع .
فانزل فيك اللّه خير ولاية ـــــ وبينها في محكمات الشرائع ((225)) .
ونقرا في القصيدة الاخرى التي رواها ((سبط بن الجوزي )) عن ((حسان )) :.
من ذا بخاتمه تصدق راكعا ـــــ واسرها في نفسه اسرارا ((226)) .
ومـوجـز القول : ان نزول هذه الاية بحق علي (ع ) ليس بالامر الذي يشكك اويرتاب فيه حتى ان مـؤلـف ((مـنـهـاج البراعة في شرح نهج البلاغة )) , يقول : لقد نقلت روايات (( متظافرة )) بل متواترة عن طرق اهل السنة واتباع مذهب اهل البيت (ع )بهذا الصدد.
والمهم هو تبيين كيفية دلالتها على الولاية وخلافة النبي (ص ).
كيفية دلالة الاية على الخلافة . لقد استند في الاية اعلاه على مفهوم كلمة ((الولي )) , وذكر علي على انه ولي المسلمين , صحيح ان لكلمة الولي معاني عديدة كما اشرنا اليها آنفا , فتارة تعني الناصر والصديق , واخرى جات بمعنى المتصرف والحاكم المشرف وكما يقول الراغب : ان اصلها بمعنى ان يحصل شيئان فصاعدا حصولا لـيـس بـينهما ماليس منهما ثم يضيف : ((الولاية )) بكسر الواو بمعنى ((النصرة )) و((الولاية )) بفتح الواو تعني تولي الامر ((227)) .
امـا الـقـرينة الموجودة في الاية فهي تدل على ان ((الولي )) هنا تعني المتولي والمشرف وصاحب الخيار لانها لو كانت تعني الناصر والصديق والمعين لشملت المؤمنين جميعا , كما نقرا في الاية 71 مـن سـورة التوبة : (( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اوليا بعض )) , بيد ان الولاية في آية البحث اعتبرت منحصرة في حالة خاصة بذلك المتصدق في ركوعه , وكلمة (( انما )) التي تفيد الحصر جات معها (تاملواجيدا).
ان هذا التعبير يجعلنا نتيقن بان ((الولاية )) في الاية اعلاه لا تعني الصداقة والنصرة ( وكذا سائر الـمـعاني المشابهة والقريبة لهذا المعنى ) , وعلى هذا الاساس فلامجال الا ان تكون بمعنى المتولي وصاحب الامر المشرف , الذي توازي ولايته ولاية اللّه والنبي الاكرم (ص ).
والاية التالية : ( ومن يتولى اللّه ورسوله والذين آمنوا فان حزب اللّه هم الغالبون ).
وحـقيقة هذه الاية انها تتمة لمضمون الاية اعلاه , وتلاحظ فيها قرينة اخرى على تفسير الولاية بمعنى تولي الامر والاشراف , لان التعبير بـ ((حزب اللّه ))وانتصارهم على الاعدا يتعلق باقامة حـكـومة اسلامية لا على اساس الصداقة العادية , وهذا يفيد ان كلمة الولي في الاية تعني المشرف والـحـاكم والماسك بزمام امور الاسلام والمسلمين , لان معنى ((الحزب )) هو ضرب من التنظيم والتضامن الاجتماعي من اجل تامين اهداف مشتركة .
شبهات واعتراضات . ان دلالـة الايـة عـلـى الامـامـة والخلافة كما راينا واضحة , ولو كانت هذه الاية قدنزلت بحق الاخرين ربما لم يجر حولها ادنى جدال الـنـاشـئة عن الطائفية , فقد اصر البعض على ايرادالشبهات على صدر الاية وذيلها وشان نزولها ودلالتها من كل جانب .
ويمكن تصنيف هذه الشبهات الى صنفين : فبعضها ذات صبغة علمية ظاهرافيجب الرد عليها بصورة علمية , الا ان البعض يستند الى ما يستشهد به , وكذلك وجود المبررات حسب زعم مثيريها فينبغي ايضا بحثها ونقدها بشكل اجمالي :.
1 ـ الـشـبـهة الاولى التي تعتبر من الصنف الاول هي ان الضمائر والاسماالموصولة التي في الاية جات بصيغة ضمير الجمع , مثل ((الذين آمنوا)) و((الذين يقيمون الصلاة )) و((يوتون الزكاة )) و((هم راكعون )) فكيف والحالة هذه تنطبق على فردواحد.
فالاية تقول : ان اولياكم هم الذين يتمتعون بهذه المزايا اي علي بن ابي طالب (ع ).
الجواب : بالنظر الى شان نزول الاية الذي نقل بشكل مستفيض بل متواتر في كتب الشيعة والسنة لم يـبـق مجال للشك في انها ناظرة الى شخص واحد , وتعبيرآخر : ان الروايات والتاريخ الاسلامي يشهد بان التصدق على السائل في حال الركوع يختص بعلي (ع ) لان القائم بالتصدق واحد , ولم تقم بـه مجموعة من هنا لابد من القول : ان التعبير بصيغة الجمع جا من اجل احترام وتعظيم منزلة ذلك الشخص .
وكـثـيـرا مـا يـشـاهـد في الادب العربي ان جا لفظ الجمع تعبيرا عن المفرد , فمثلاجات كلمة ((نـسـائنـا)) في اية المباهلة بصورة الجمع , بينما المقصود منها فاطمة الزهرا (س ) فقط طبقا لـصـريـح شـان النزول , وفي نفس الاية جات كلمة ((انفسنا))بصيغة الجمع , والحال ان الجميع يسلمون بان لا احد شارك في المباهلة غيرالنبي (ص ) وعلي (ع ) , وجا ايضا في قصة (( غزوة حمرا الاسد )) : الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا.
وهـنـا ذكر الناطق بهذا الكلام كلمة ((الناس )) التي تفيد الجمع بينما جا في التاريخ ان القائل ليس سوى ((نعيم بن مسعود)).
وجا ايضا بشان نزول الاية 52 من سورة المائدة : (( فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فهم يـقـولـون نخشى ان تصيبنا دائرة )) اذ نقرا هنا انها نزلت بشان ((عبداللّه بن ابي )) , والحال ان الضمائر هنا جات بصيغة الجمع .
كـما ان الخطاب في الاية الاولى من سورة الممتحنة عام بينما نزلت بشان رجل يدعى ((حاطب بن ابي بلتعة )) , وفي الاية 8 من سورة المنافقين جا الضمير بصيغة الجمع ايضا , يقولون : (لئن رجعنا الى المدينة 000) بينما كان القائل هو ((عبد اللّه بن ابى ).
وكـذلـك في الاية 274 من سورة البقرة : (( الذين ينفقون اموالهم بالليل والنهار ))التي نزلت في حق علي (ع ) طبقا للكثير من الروايات , بينما ان ضمائرها جميعاجات بصيغة الجميع .
وجـات الايـة 215 من سورة البقرة المتعلقة بالسؤال عن الاشيا التي يجب ان ينفقوها : (( يسالونك ماذا ينفقون )) بصيغة الجمع بينما كان السائل هو شخص يدعى ((عمرو بن الجموح )) ((228)) .
ولـكن ما السبب في ان ياتي الكلام بصيغة الجمع في هذه الحالات مع ان المرادشخص واحد ؟ ربما يـكون سببه في بعض الحالات , الاحترام , وفي بعضها اشارة الى مؤازرة الاخرين لذلك الشخص , وبالتمعن في الحالات اعلاه يمكن تمييزحالات الاحترام عن حالات المؤازرة .
فـضـلا عن كل ذلك فنحن نعلم ان ضمير الجمع ((المتكلم مع الغير)) قد استخدم في آيات القرآن فـي حـالات لاحـصـرلـها اثنا حديث اللّه عن نفسه , مع ان ذاته المقدسة لانظير لها في الوحدانية والتفرد , وهو ((احد و احد)) من جميع الجوانب ,وهذا مرده الى ان العظيم يمتلك جنودا مطيعين ومـمثلين لاوامره في ادا مايشا ,وهذا يؤدي الى استخدام ضمير الجميع مع كونه مفردا , وبتعبير آخر ان ضميرالجميع هذا دليل على عظمته وسمو مقامه .
3 ـ الشبهة الثانيه : هي ان من المسلم به ان عليا (ع ) لم تكن له ولاية بمعنى الحكم وقيادة المسلمين في عصر النبي (ص ) , فكيف يتعين تفسير الاية هكذا ؟الجواب على هذا السؤال واضح , فكثيرا ما شـاهـدنـا خـلال التعابير اليومية بان يطلق اسم او عنوان على اشخاص مرشحين او منتخبين لذلك المنصب وان لم يمارسواالعمل به بعد , او بتعبير آخر : انهم يتمتعون بذلك المقام بالقوة لا بالفعل .
فـمـثلا يقوم انسان في حياته بتعيين شخص ما ((وصيا)) له , وبالرغم من كونه حيافاننانقول : ان فلانا وصيه او القيم على اطفاله .
فـاطلاق الوصي والخليفة على علي (ع ) في عهد النبي (ص ) كان من هذا القبيل ايضا , حيث اختاره النبي (ص ) في حياته لهذا الامر باذن من اللّه , واثبت له الخلافة بعد رحيله .
ويـلاحظ هذا المعنى ايضا في الاية 5 من سورة مريم اذ يطلب زكريا من اللّه تعالى : (( هب لي من لـدنـك ولـيـا )) , واسـتجاب اللّه له ووهبه يحيى , ومن المسلم به ان يحيى لم يكن خليفته ووليه ووارثه في حياته , بل عين لما بعد حياته .
ويـشـاهـد نـظير هذا الكلام في واقعة ((يوم الانذار)) (اليوم الذي جمع به النبي (ص ) اقربائه لـيدعوهم الى الاسلام للمرة الاولى ) , فطبقا لما (( المؤرخون ))الاسلاميون سوا من السن ة او الشيعة , ان النبي (ص ) اوما الى علي (ص ) في ذلك اليوم وقال :.
ان هذا اخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له واطيعوه ((229)) .
فهل يتسبب التعبير اعلاه في خلق مشكلة في عهد النبي (ص ) ؟.
فلا شك من ان الجواب سيكون بالنفي فالتعبير بالولي في آية البحث كذلك تماما.
اما شبهات الفريق الثاني (التبريرات ) فهي عديدة ايضا منها :.
1 ـ قولهم : اي زكاة واجبة كانت متعلقة بذمة علي (ع ) وهو الذي لم يكن يجمع لنفسه من مال الدنيا ؟ واذا كان المراد الصدقة المستحبة فلا يقال لها زكاة ؟.
الجواب :.
اولا : ان اطـلاق الزكاة في القرآن الكريم على الزكاة المستحبة كثير , فكثيرا ماوردفي الكثير مـن الـسور المكية اسم ((الزكاة )) والمراد منها الزكاة المستحبة , اذ ان وجوب كانت بعد هجرة النبي (ص ) الى المدينة .
والايات 3 من سورة النمل , و39 من سورة هود , و4 من سورة لقمان من جملة الموارد التي جات فيها كلمة الزكاة , ونظرا لكون هذه السور مكية فان المراد هوالزكاة المستحبة .
ثانيا : صحيح ان عليا (ع ) لم يدخر من مال الدنيا الا انه كانت تاتيه حصة من بيت المال , ومن المتيقن انـه كـان يـمـتلك واردا بسيطا من مجهوده ايضا , وان الخاتم المذكور من الفضة والظاهر انه كان رخـيصا , على هذا الاساس فان تعلق هذا القدرمن الزكاة البسيطة به (ع ) ليس مستبعدا ابدا , وان المبالغة بما قالوه بشان قيمة ذلك الخاتم لا اساس لها من الصحة على الاطلاق .
2 ـ الا يـتعارض الانتباه الى السائل مع حضور القلب في الصلاة والاستغراق في مناجاة الخالق جل وعـلا (حـتـى عـرف بان نصلا وقع في رجله فاخرجوه اثنا الصلاة ولم يحس ) ((230)) فكيف يتسنى له الانتباه الى السائل اثنا الصلاة ؟ الجواب :.
ان الـذي يـورد هذا الاشكال غافل عن سماع صوت السائل ومساعدته فما قام به علي (ع ) لا يعتبر توجها الى غير اللّه , او الى الذات او الامور الدنيوية , بل انه في واقع الامر توجه الى اللّه .
فـقـد كـان القلب المقدس لعلي (ع ) يشعر بالسائلين , ويستجيب لندائهم فقدمزج عمله العبادي هذا بعبادة اخرى , وتصدق اثنا الصلاة , وكلاهما كان للّه وفي سبيله .
ومـثـل هـذا الاشكال في الحقيقة اشكال على القرآن الكريم , لان اللّه تعالى قدامتدح في هذه الاية اعـطـا الزكاة اثنا الركوع , ولو كان هذا العمل دليلا على الغفلة عن ذكر اللّه فلا ينبغي ان يستند اليها كصفة سامية وفائقة الاهمية .
فهؤلا المتعصبون يريدون في الواقع انكار فضل علي (ع ) فيشكلون على اللّه عز وجل .
انتبهوا هنا الى كلام الرازي فهو يقول : (( وهو ان اللائق بعلي (ع ) ان يكون مستغرق القلب بذكر اللّه حال ما يكون في الصلاة , والظاهر ان من كان كذلك فانه لا يتفرغ لاستماع كلام الغير ولفهمه )) ((231)) .
علينا ان نسال الفخر الرازي ان اذا كان هذا العمل خلافا لاداب الصلاة وحضورالقلب , فلماذا اثنى عليه الباري جل وعلا , واعتبر ولاية المؤمنين حقيقة بمثل هذاالشخص ؟ عـلـى ايـة حـال , فـلا مجال للشك بان سماع صوت المحتاج والاستجابة له في حال الصلاة عبادة مضاعفة حصلت في آن واحد , وعلينا ان نعوذ باللّه من التعصب الذي تبتعد بنا عن الحقائق .
3 ـ ومـن جملة التبريرات التي طرحت هنا بصيغة اشكال هو : ان التصدق بالخاتم على السائل فعل كثير ويتعارض مع الصلاة لـيس هناك ما يدعو للعجب , فعندما يريد الانسان ان لايذعن للواقع فانه يصطنع التبريرات ليحاجج بها , وهو على يقين بان تبريراته واهية ؟ الجواب :.
اولا : ان عـمـلية اخراج الخاتم تمت باشارة بسيطة وعلى ضؤ جميع الفتاوى ليس فعلا كثيرا ولا يوجب الاشكال في الصلاة , لا سيما اذا اشاروا , السائل اخرجه بنفسه .
ثـانـيـا : لقد صرح الفقها بان حتى قتل الحيوان اللادغ مثل ((العقرب )) اثناالصلاة , او رفع الطفل ووضـعه اثنا ذلك , او حساب عدد الركعات عن طريق الحصى , بل وحتى غسل جانب من اللباس او اليد اذا تنجست اثنا الصلاة , لايضربالصلاة , بينما يعتبر اعطا الخاتم للسائل او اخراجه ابسط من ذلك بكثير.
4 ـ يقول المبررون من اين جا علي (ع ) بذلك الخاتم النفيس ؟ والم يكن التختم به اسرافا ؟.
الـجـواب : مـن الذي قال : ان ذلك الخاتم كان نفيسا , ولماذا نصغي ونصدق بمثل ذلك الهرا الفارغ , ونسير رويدا رويدا نحو انكار آية قرآنية ؟.
لـقـد ورد فـي رواية واحدة مرسلة وضعيفة ان قيمة ذلك الخاتم كانت تعادل خراج الشام المسلم به انها اكثر شبها بالخرافة لا بالحقيقة , ولعلها جعلت من قبل الذين وضعوها بقصد التقليل من قيمة هذه الفضيلة العظيمة .
ان فـي مـثل هذه الحالات ليس المهم ينفق فيها بل المهم هو ان الانسان نفسه محتاج الى الشي ويغض الطرف عنه في سبيل اللّه , ويكون هذا الفعل مقرونا بغاية خلوص النية .
فـعـنـدما تنزل سورة كاملة في القرآن وهي (سورة هل اتى ) بسبب اعطا بضعة اقراص من الخبز (وفـي حالة من الجوع طبعا) الى المسكين واليتيم والاسير في سبيل اللّه , فما العجب في ان تنزل آية بشان التصدق بخاتم على فقير اثنا الصلاة .
وامثال هذه الشبهات التي يؤدي التطرق الى ذكرها والرد عليها الى هدر الوقت .
3 ـ.
آية اولي الامر. يـقول تعالى في الاية 59 من سورة النسا : ( ياايها الذين آمنوا اطيعوا اللّه واطيعوا الرسول واولي الامر منكم ).
فـي بـحـث الولاية العامة كان لنا كلام مفصل حول معنى هذه الاية ومن هم المقصودون فيها , وكما جرت الاشارة اليه فان الامر بالطاعة المطلقة لـ ((اولي الامر))الى جانب رسول اللّه (ص ) دليل على ان ((اولي الامر)) تشمل الذين هم في منزلة رسول اللّه (ص ) اي اوصياؤه المعصومون , لانه من المتعذر الطاعة المطلقة لغيرالمعصومين (ع ).
وبـالـمـنـاسبة فان جميع الاحتمالات التي قيلت في تفسير ((اولي الامر)) قدبحثت , وراينا عدم وجود معنى صحيح لها الا الامام المعصوم .
ان مـايـجـب ان نضيفه على ذلك هنا ـ في بحث الولاية الخاصة ((خلافة علي (ع ))) ـ , هو بحث اكـثـر تفصيلا حول الروايات التي وردت في المصادر الاسلامية المعروفة (لاسيما مصادر اهل السنة المشهورة ) في دلالة هذه الاية على علي (ع ).
نـقل المفسر المعروف ((الحاكم الحسكاني )) الحنفي النيشابوري خمس روايات في ذيل هذه الاية حيث دلت فيها جميعا صفة ((اولي الامر)) على علي (ع )(كمصداق جلي ).
ففي الرواية الاولى ينقل عنه (ع ) لما قال رسول اللّه (ص ) : شركائي الذين قرنهم اللّه بنفسه وبي وانزل فيهم ( ياايها الذين آمنوا اطيعوا اللّه واطيعوا الرسول ) الاية قلت : يانبي اللّه من هم ؟ قال : انت اولهم ((232)) .
وفـي الرواية الثانية ينقل عن المفسر المعروف ((مجاهد)) ان هذه الاية نزلت بحق امير المؤمنين (ع ) عندما خلفه على المدينة (عندما توجه الى معركة تبوك ).
فـي الـروايـة الـثـالثة ينقل هذا المعنى عن ابي جعفر الباقر (ع ) , وفي الرواية الرابعة ينقل عن ((سـعد بن ابي وقاص )) , قوله : لما نزل رسول اللّه (ص ) لحقه علي (ع ) يحمل سلاحا , فقال : يـارسـول اللّه خـلـفـتني عنك ولم اتخلف عن غزوة قبلها وقد ارجف المنافقون بي انك خلفتني لما اسـتـثـقـلتني هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي فارجع اخلفني في اهلي واهلك .
وروي عنه (ع ) نفس هذا المعنى في الرواية الخامسة ((233)) .
وفـي تفسير ((البحر المحيط)) تاليف ((ابو حيان الاندلسي المغربي )) ومن بين مانقل حول معنى اولي الامر , ينقل عن مقاتل وميمون والكلبي (وثلاثتهم من المفسرين ) :ان المراد منها امرا السرايا او ائمة اهل البيت (ع ) ((234)) .
ثم اثار الموما اليه شبهتين على نزول الاية بحق علي (ع ) :.
الاولى : ان عليا (ع ) كان واحدا , والحال ان ((اولي الامر)) صيغة جمع .
والاخـرى : ان ظـاهر هذه الاية هو ان الناس امروا بان يطيعوا اولي الامر اثناوجود رسول اللّه (ص ) بينما لم يكن علي (ع ) اماما في عهد رسول اللّه (ص ) ((235)) .
وكـان قـد طرح مايشابه هذه الشبهات والاشكالات في آية الولاية , وقد تطرقناالى الاجابة عليها بوضوح هناك , فمن ناحية قلنا كثيرا ما يعني اشخاصا وهم على قيد الحياة , ويقولون او يكتبون : ان فـلانا وصيي , وعليه ان يفعل كذا وكذا , وعلى اولادي اتباعه , ومعنى ذلك هو ان يتعهد القيام بهذه الاعمال بعد ممات الموصي له .
وان قضية ((الجمع )) ايضا كما قلنا لاتتسبب في خلق مشكلة على الاطلاق ,فكثيرا مايطلق الجمع عـلى المفرد في القرآن وغيره من النثر والشعر , وفي الواقع ان ((اولو الامر)) هنا تفيد الجمع وتـشـمـل جميع الائمة المعصومين , وان كان في كل زمان امام ومعصوم واحد , الا انهم سيكونون جمعا في النهاية .
للمزيد من التفصيل بصدد الرد على هذين الاشكالين راجعوا ذيل آية الولاية .
والـجـديـر بـالـذكـر هـو ان فـريـقـا اخر نقل روايات في شان نزول هذه الاية غير((الحاكم الحسكاني )) في ((شواهد التنزيل ))اذ يقولون : انها ناظرة الى خلافة علي (ع ).
مـنهم العالم الشهير ((ابو بكر بن المؤمن الشيرازي )) الذي ينقل في رسالة الاعتقاد(على ضؤ نقل الـمـنـاقـب للكاشي ) عن ابن عباس : ان الاية اعلاه نزلت بحق علي (ع )عندما توجه الرسول الى غـزوة تـبـوك وابـقى عليا في المدينة , فقال له علي (ع ) :اتخلفني على النسا والصبيان ؟ فقال له الـرسـول (ص ) : ((امـا ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى حين قال : اخلفني في قومي واصلح , فقال عز وجل واولي الامرمنكم )) ((236)) .
يـروي صـاحـب كـتـاب ((يـنـابيع المودة )) الشيخ سليمان الحنفي القندوزي في كتابه عن كتاب ((المناقب )) عن سليم بن قيس الهلالي : ان رجلا جا الى علي (ع ) وساله :ارني ادنى مايكون العبد مـؤمنا , وادنى مايكون به العبد كافرا , وادنى ما يكون به العبد ضالا ؟ فقال له (ع ) : قد سالت فافهم الجواب واما ادنى مايكون العبد به ضالا ان لايعرف حجة اللّه تبارك وتعالى وشاهده على عباده الذي امـر اللّه عـز وجـل عـباده بطاعته وفرض ولايته , قلت : ياامير المؤمنين صفهم لي ؟قال : الذين قرنهم اللّه تعالى بنفسه ونبيه فقال : ( ياايها الذين آمنوا اطيعوا اللّه واطيعوا الرسول واولي الامر منكم ) ((237)) .
ان هذه الرواية شاهد على ان اولي الامر حجج اللّه ووكلاؤه .
ووردت عشرات الروايات في تفسير البرهان عن مصادر اهل البيت (ع ) في ذيل الاية كلها تقول : ان الايـة المذكورة نزلت بحق علي (ع ) او بحقه وسائر ائمة اهل البيت (ع ) , بل وفي بعض هذه الروايات جات اسما الائمة الاثنى عشر واحداواحدا ((238)) .
4 ـ.
آية الصادقين . نقرا في الاية 119 من سورة التوبة : ( ياايها الذين آمنوا اتقوا اللّه وكونوا مع الصادقين ).
يتبع