عرض مشاركة واحدة
قديم 08-10-11, 08:42 PM   #8

عبير الآل
عضو متميز

 
الصورة الرمزية عبير الآل  







رايق

رد: مناظرة الإمام الرضا عليه السلام مع علماء الأديان والمذاهب بمجلس المأمون




وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام :2/159 : باب في ذكر مجلس الرضا عليه السلام مع سليمان المروزي متكلم خراسان عند المأمون في التوحيد :

حدثنا أبو محمد جعفر بن علي بن أحمد الفقيه رضي الله عنه قال : حدثنا أبو محمد الحسن بن محمد بن علي بن صدقة القمي قال : حدثنا أبو عمرو محمد بن عمرو بن عبد العزيز الأنصاري الكجي قال : حدثني من سمع الحسن بن محمد النوفلي يقول : قدم سليمان المروزي متكلم خراسان على المأمون فأكرمه ووصله ، ثم قال له : ان ابن عمي علي بن موسى الرضا قدم عليَّ من الحجاز وهو يحب الكلام وأصحابه ، فلا عليك أن تصير إلينا يوم التروية لمناظرته .

فقال سليمان : يا أمير المؤمنين إني أكره أن أسأل مثله في مجلسك في جماعة من بني هاشم ، فينتقض عند القوم إذا كلمني ، ولا يجوز الاستقصاء عليه .

قال المأمون : إنما وجهت إليه لمعرفتي بقوتك ، وليس مرادي إلا إن تقطعه عن حجة واحدة فقط .

فقال سليمان : حسبك يا أمير المؤمنين ، إجمع بيني وبينه ، وخلني والذم ، فوجه المأمون الى الرضا عليه السلام فقال : إنه قدم الينا رجل من أهل مروز وهو واحد خراسان من أصحاب الكلام ، فإن خف عليك أن تتجشم المصير الينا فعلت .



فنهض عليه السلام للوضوء وقال لنا : تقدموني وعمران الصابي معنا ، فصرنا الى الباب فأخذ ياسر وخالد بيدي فأدخلاني على المأمون، فلما سلمت قال : أين أخي أبو الحسن أبقاه الله ؟ قلت : خلفته يلبس ثيابه وأمرنا أن نتقدم . ثم قلت : يا أمير المؤمنين إن عمران مولاك معي وهو على الباب . فقال : ومن عمران ؟ قلت : الصابي الذي أسلم على يدك .

قال : فليدخل ، فدخل فرحب به المأمون ثم قال له : يا عمران لم تمت حتى صرت من بني هاشم !


قال
: الحمد لله الذي شرفني بكم يا أمير المؤمنين .

فقال له المأمون : يا عمران هذا سليمان المروزي متكلم خراسان .

قال عمران : يا أمير المؤمنين إنه يزعم واحد خراسان في النظر ، وينكر البداء ؟

قال : فلم لا تناظروه ؟

قال عمران : ذلك إليه .

فدخل الرضا عليه السلام فقال : في أي شئ كنتم ؟

قال عمران : يا بن رسول الله هذا سليمان المروزي .

فقال له سليمان : أترضى بأبي الحسن وبقوله فيه ؟

فقال عمران : قد رضيت بقول أبي الحسن في البداء على أن
يأتيني فيه بحجة أحتج بها على نظرائي من أهل النظر.

قال المأمون : يا أبا الحسن ما تقول فيما تشاجرا فيه ؟



قال عليه السلام : وما أنكرت من البداء يا سليمان ، والله عز وجل يقول : أَوَلا يَذْكُرُ الأَنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً. ( سورة مريم:67 ) ويقول عز وجل : وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ( سورة الروم: 27 )
ويقول عز وجل : بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ( سورة البقرة:117) ويقول عز وجل : يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ ( سورة فاطر: 1 ) ويقول عز وجل : وَبَدَأَ خَلْقَ الأَنْسَانِ مِنْ طِينٍ ( سورة السجدة:7 ) ويقول عز وجل : ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ ( سورة الأنعام: 2 ) ويقول عز وجل : وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِإِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ ( سورة التوبة: 106 ) .ويقول عز وجل : وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلا فِي كِتَابٍ ( سورة فاطر: 11 )

قال سليمان : هل رويت فيه من آبائك شيئاً ؟

قال عليه السلام : نعم رويت عن أبي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : إن لله عز وجل علمين علماً مخزوناً مكنوناً لا يعلمه إلا هو ، من ذلك يكون البداء ، وعلماً علمه ملائكته ورسله ، فالعلماء من أهل بيت نبينا صلى الله عليه وآله يعلمونه .

قال سليمان : أحب أن تنزعه لي من كتاب الله عز وجل ؟؟؟

قال عليه السلام : قول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وآله : فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ ( سورة الذريات: 54 ) أراد هلاكهم ثم بدا لله تعالى فقال : وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ( سورة الذريات: 55 )

قال سليمان : زدني جعلت فداك .

قال الرضا عليه السلام : لقد أخبرني أبي عن آبائه عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : إن الله عز وجل أوحى إلى نبي من أنبيائه أن أخبر فلاناً الملك أني متوفيه إلى كذا وكذا ، فأتاه ذلك النبي فأخبره فدعا إلى الملك وهو على سريره حتى سقط من السرير، وقال: يا رب أجلني حتى يشب طفلي وأقضي أمري، فأوحى الله عز وجل إلى ذلك النبي أن أئت فلاناً الملك فأعلمه أني قد أنسأت في أجله وزدت في عمره إلى خمس عشرة سنة. فقال ذلك النبي عليه السلام : يا رب إنك لتعلم أني لم أكذب قط. فأوحى الله عز وجل إليه : إنما أنت عبد مأمور فأبلغه ذلك . والله لا يسأل عما يفعل .

ثم التفت إلى سليمان فقال : أحسبك ضاهيت اليهود في هذا الباب ؟؟؟

قال سليمان : أعوذ بالله من ذلك ، وما قالت اليهود ؟



قال عليه السلام : قالت اليهود: يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ ( سورة المائدة:64 ) يعنون أن الله تعالى قد فرغ من الأمر فليس يحدث شيئاً . فقال الله عز وجل : غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ولقد سمعت قوماً سألوا أبي موسى بن جعفر عليه السلام عن البداء فقال : وما ينكر الناس من البداء وأن يقف الله قوماً يرجيهم لأمره ؟!

قال سليمان : ألا تخبرني عن إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ في أي شئ أنزلت؟

قال عليه السلام : يا سليمان ليله القدر يقدر الله عز وجل فيها ما يكون من السنة الى السنة من حياة أو موت أو خير أو شر أو رزق ، فما قدره في تلك الليلة فهو من المحتوم .

قال سليمان : الآن قد فهمت جعلت فداك ، فزدني .

قال عليه السلام : يا سليمان إن من الأمور أموراً موقوفة عند الله عز وجل ، يقدم منها ما يشاء ويؤخر ما يشاء ويمحو ما يشاء . يا سليمان إن علياً عليه السلام كان يقول : العلم علمان ، فعلم علمه الله وملائكته ورسله فما علمه ملائكته ورسله فإنه يكون ولا يكذب نفسه ولا ملائكته ولا رسله . وعلم عنده مخزون لم يطلع عليه أحداً من خلقه ، يقدم منه ما يشاء ويؤخر منه ما يشاء ، ويمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء .

قال سليمان للمأمون : يا أميرالمؤمنين لا أنكر بعد يومي هذا البداء ، ولا أكذب به إن شاء الله .

فقال المأمون : يا سليمان سل أبا الحسن عما بدا لك ، وعليك بحسن الإستماع والإنصاف !!!

قال سليمان : يا سيدي أسألك ؟

قال الرضا عليه السلام : سل عما بدا لك .

قال : ما تقول فيمن جعل الإرادة إسماً وصفة مثل حي وسميع وبصير وقدير؟



قال الرضا عليه السلام : إنما قلتم حدثت الأشياء واختلفت لأنه شاء وأراد ، ولم تقولوا حدثت الأشياء واختلفت لأنه سميع بصير ، فهذا دليل على أنهما ليستا مثل سميع ، ولا بصير ، ولا قدير .

قال سليمان : فإنه لم يزل مريداً ؟

قال عليه السلام : يا سليمان فإرادته غيره ؟

قال سليمان : نعم .

قال عليه السلام : فقد أثبت معه شيئاً غيره لم يزل ؟!

قال سليمان : ما أثبت !

قال الرضا عليه السلام : أهي محدثة ؟

قال سليمان : لا لا ما هي محدثة !

فصاح به المأمون وقال يا سليمان : مثله يعايا أو يكابر؟!
عليك بالإنصاف ، أما ترى من حولك من أهل النظر ؟!

ثم قال المأمون : كلمه يا أبا الحسن فإنه متكلم خراسان !!!



فأعاد عليه المسألة فقال عليه السلام : هي محدثة يا سليمان فإن الشئ إذا لم يكن أزلياً كان محدثاً ، وإذا لم يكن محدثاً كان أزلياً .

قال سليمان : إرادته منه ، كما أن سمعه وبصره وعلمه منه .

قال الرضا عليه السلام : فأراد نفسه ؟

قال : لا .

قال عليه السلام : فليس المريد مثل السميع والبصير .

قال سليمان : إنما أراد نفسه كما سمع نفسه وأبصر نفسه وعلم نفسه .

قال الرضا عليه السلام :
ما معنى أراد نفسه ؟
أراد أن يكون شيئاً وأراد أن يكون حياً أو سميعاً بصيراً أو قديراً
؟

قال : نعم .

قال الرضا عليه السلام : أفبإرادته كان ذلك ؟

قال سليمان : نعم .

قال الرضا عليه السلام : فليس لقولك أراد أن يكون حياً سميعاً بصيراً معنى إذا لم يكن ذلك بإرادته ؟

قال سليمان : بلى ، قد كان ذلك بإرادته .

فضحك المأمون ومن حوله .وضحك الرضا عليه السلام ثم قال لهم : إرفقوا بمتكلم خراسان . يا سليمان، فقد حال عندكم عن حاله وتغير عنها، وهذا ما لا يوصف الله عز وجل به . فانقطع !!

ثم قال الرضا عليه السلام : يا سليمان أسألك عن مسألة .

قال : سل جعلت فداك.



قال عليه السلام : أخبرني عنك وعن أصحابك تكلمون الناس
بما تفقهون وتعرفون ؟ أو بما لا تفقهون ولا تعرفون
؟

قال : بل بما نفقه ونعلم .

قال الرضا عليه السلام : فالذي يعلم الناس أن المريد غير الإرادة ، وأن المريد قبل الإرادة ، وأن الفاعل قبل المفعول ، وهذا يبطل قولكم : إن الإرادة والمريد شئ واحد .

قال : جعلت فداك ليس ذلك منه على ما يعرف الناس ولا على ما يفقهون .

قال الرضا عليه السلام :
فأراكم ادعيتم علم ذلك بلا معرفه وقلتم :
الإرادة كالسمع والبصر إذا كان ذلك عندكم على ما لا يعرف ولا يعقل
!

فلم يحر جواباً !!!

ثم قال الرضا عليه السلام : يا سليمان هل يعلم الله جميع ما في الجنة والنار؟

قال سليمان : نعم .

قال عليه السلام : أفيكون ما علم الله تعالى أنه يكون من ذلك ؟

قال سليمان : نعم .



قال عليه السلام : فإذا كان حتى لا يبقى منه شئ إلا كان ، أيزيدهم أو يطويه عنهم ؟

قال سليمان : بل يزيدهم.

قال عليه السلام : فأراه في قولك قد زادهم ما لم يكن في علمه أنه يكون .

قال سليمان : جعلت فداك فالمريد لا غاية له .

قال عليه السلام : فليس يحيط علمه عندكم بما يكون فيهما إذا لم يعرف غاية ذلك، وإذا لم يحط علمه بما يكون فيهما لم يعلم ما يكون فيهما قبل أن يكون! تعالى الله عز وجل عن ذلك علواً كبيراً .

قال سليمان : إنما قلت لا يعلمه لأنه لا غاية لهذا ، لأن الله عز وجل
وصفهما بالخلود ، وكرهنا أن نجعل لهما انقطاعاً.

قال الرضا عليه السلام : ليس علمه بذلك بموجب لانقطاعه عنهم ، لأنه قد يعلم ذلك ثم يزيدهم ثم لا يقطعه عنهم ، وكذلك قال الله عز وجل في كتابه : كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ (سورة النساء: 56 ) وقال لأهل الجنة: عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ( سورة هود: 108 ) وقال عز وجل : وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ. لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ ( سورة الواقعة:32-33) فهو عز وجل يعلم ذلك ولا يقطع عنهم الزيادة !

أرأيت ما أكل أهل الجنة وما شربوا ليس يخلف مكانه ؟

قال سليمان :
بلى .

قال عليه السلام : أفيكون يقطع ذلك عنهم وقد أخلف مكانه ؟

قال سليمان :
لا .



قال عليه السلام : فكذلك كلما يكون فيها إذا ألف مكانه فليس بمقطوع عنهم .

قال سليمان : بلى يقطعه عنهم ولا يزيدهم.

قال الرضا عليه السلام :إذاً يبيد فيها وهذا يا سليمان إبطال الخلود وخلاف الكتاب ، لأن الله عز وجل يقول : لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ( سورة قّ: 35) .

ويقول عز وجل : عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ويقول عز وجل : وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ ( سورة الحجر:48 ) ويقول عز وجل : خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ( سورة النساء:57) ويقول عز وجل : وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ. لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ ( سورة الواقعة:32-33) .

فلم يحر جوابا !!!

ثم قال الرضا عليه السلام : يا سليمان ، ألا تخبرني عن الإرادة فعل هي أم غير فعل ؟

قال سليمان :
بلى هي فعل .

قال عليه السلام : فهي محدثة لأن الفعل كله محدث .

قال سليمان :
ليست بفعل .

قال عليه السلام : فمعه غيره لم يزل ؟

قال سليمان : الإرادة هي الإنشاء .



قال عليه السلام :يا سليمان هذا الذي عبتموه على ضرار وأصحابه من قولهم : إن كل ما خلق الله عز وجل في سماء أو أرض أو بحر أو بر ، من كلب أو خنزير أو قرد أو إنسان أو دابة ، إرادة الله ، وإن إرادة الله تحيا وتموت وتذهب وتأكل وتشرب وتنكح وتلذ وتظلم وتفعل الفواحش وتكفر وتشرك فيبرأ منها ويعاديها ، وهذا حدها .

قال سليمان : إنها كالسمع والبصر والعلم .

قال الرضا عليه السلام : قد رجعت الى هذا ثانية فأخبرني عن السمع والبصر والعلم أمصنوع ؟

قال سليمان : لا .

قال الرضا عليه السلام : فكيف نفيتموه ؟ قلتم لم يرد ، ومرةً قلتم أراد ؟! وليست بمفعول له .

قال سليمان : إنما ذلك كقولنا مرة علم ومرة لم يعلم .

قال الرضا عليه السلام : ليس ذلك سواء ، لأن نفي المعلوم ليس بنفي العلم ، ونفي المراد نفي الإرادة أن تكون ، لأن الشئ إذا لم يرد لم تكن إراده فقد يكون العلم ثابتاً وإن لم يكن المعلوم بمنزلة البصر ، فقد يكون الإنسان بصيراً وإن لم يكن المبصر، ويكون العلم ثابتاً وإن يكن المعلوم .

قال سليمان : إنها مصنوعة .

قال عليه السلام : فهي محدثة ليست كالسمع والبصر لأن السمع والبصر ليسا بمصنوعين وهذه مصنوعة.

قال سليمان : إنها صفة من صفاته لم تزل.

قال عليه السلام : فينبغي أن يكون الإنسان لم يزل ، لأن صفته لم تزل ؟!

قال سليمان: لا ، لأنه لم يفعلها .



قال الرضا عليه السلام : يا خراساني ما أكثر غلطك! أفليس بإرادته وقوله تكون الأشياء ؟ قال سليمان: لا . قال: فإذا لم تكن بإرادته ولا مشيئته ولا أمره ولا بالمباشرة ، فكيف يكون ذلك ؟ تعالى الله عن ذلك !

فلم يحر جواباً !!!

ثم قال الرضا عليه السلام : ألا تخبرني عن قول الله عز وجل : وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا ( سورة الإسراء:16 ) يعني بذلك أنه يحدث إرادة ؟

قال سليمان له : نعم.

قال عليه السلام : فإذا حدث إرادة كان قولك إن الارادة هي هو أو شئ منه باطلاً ، لأنه لا يكون أن يحدث نفسه ولا يتغير عن حاله ، تعالى الله عن ذلك .

قال سليمان : إنه لم يكن عنى بذلك أنه يحدث إرادة .

قال عليه السلام : فما عنى به ؟

قال سليمان :
عنى فعل الشئ .

قال الرضا عليه السلام :
ويلك كم تردد في هذه المسالة ؟
وقد أخبرتك أن الإرادة محدثة لأن فعل الشئ محدث
؟!

قال سليمان : فليس لها معنى.

قال الرضا عليه السلام : قد وصف نفسه عندكم حتى وصفها بالإرادة بما لا معنى له ، فإذا لم يكن لها معنى قديم ولا حديث بطل قولكم إن الله عز وجل لم يزل مريداً .

قال سليمان : إنما عنيت أنها فعل من الله تعالى لم يزل.

قال عليه السلام : ألم تعلم أن ما لم يزل لا يكون مفعولاً وقديماً وحديثاً في حالة واحدة ؟

فلم يحر جواباً !!!



قال الرضا عليه السلام : لا بأس أتمم مسألتك .

قال سليمان : قلت إن الإرادة صفة من صفاته .

قال عليه السلام : كم تردد أنها صفه من صفاته فصفته محدثة أو لم تزل ؟

قال سليمان : محدثة .

قال الرضا عليه السلام : الله أكبر ! فالإراده محدثة وإن كانت صفة من صفاته ، لم تزل ؟!

فلم يردَّ شيئاً !!!



قال الرضا عليه السلام : إن ما لم يزل لا يكون مفعولاً .

قال سليمان : ليس الأشياء إرادة ، ولم يرد شيئاً.

قال الرضا عليه السلام :
وسوست يا سليمان ، فقد فعل وخلق ما لم يزل خلقه وفعله
وهذه صفة من لا يدري ما فعل ! تعالى الله عن ذلك
!

قال سليمان : يا سيدي فقد أخبرتك أنها كالسمع والبصر والعلم.

قال المأمون : ويلك يا سليمان ! كم هذا الغلط والترداد إقطع
وخذ في غيره ، إذ لست تقوى على غير هذا الرد.

قال الرضا عليه السلام : دعه يا أمير المؤمنين لا تقطع عليه مسألته فيجعلها حجة ، تكلم يا سليمان .

قال سليمان : قد أخبرتك أنها كالسمع والبصر والعلم .

قال الرضا عليه السلام : لا بأس ، أخبرني عن معنى هذه ، أمعنى واحد أم معان مختلفة ؟

قال سليمان :
معنى واحد .

قال الرضا عليه السلام : فمعنى الإرادات كلها معنى واحد ؟

قال سليمان : نعم .



قال الرضا عليه السلام : فإن كان معناها معنى واحداً كانت إراده القيام إرادة القعود وإراده الحياة إرادة الموت ، إذا كانت إرادته واحدة لم تتقدم بعضها بعضاً ولم يخالف بعضها بعضاً ، وكانت شيئاً واحداً ؟!

قال سليمان : إن معناها مختلف.

قال عليه السلام : فأخبرني عن المريد أهو الإرادة أو غيرها ؟

قال سليمان : بل هو الإرادة.

قال الرضا عليه السلام : فالمريد عندكم مختلف إذا كان هو الإرادة ؟!

قال سليمان :
يا سيدي ليس الإرادة المريد .

قال عليه السلام : فالإرادة محدثة وإلا فمعه غيره ؟ إفهم وزد في مسألتك .

قال سليمان : فإنها إسم من أسمائه .

قال الرضا عليه السلام : هل سمى نفسه بذلك ؟

قال سليمان : لا لم يسم به نفسه بذلك.

قال الرضا عليه السلام : فليس لك أن تسميه بما لم يسم به نفسه.

قال سليمان :
قد وصف نفسه بأنه مريد .

قال الرضا عليه السلام :
ليس صفته نفسه ، إنه مريد إخبار عن
أنه أراد ، ولا إخبار عن أن الإرادة اسم من أسمائه
.

قال سليمان : لأن إرادته علمه .

قال الرضا عليه السلام : يا جاهل ! فإذا علم الشئ فقد أراده ؟!

قال سليمان : أجل .

فقال عليه السلام : فإذا لم يرده لم يعلمه ؟!

قال سليمان : أجل .



قال عليه السلام : من أين قلت ذاك ؟ وما الدليل على أن إرادته علمه ؟ وقد يعلم ما لايريده أبداً ، وذلك قوله عز وجل : وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ( سورة الاسراء:86) ، فهو يعلم كيف يذهب به وهو لا يذهب به أبداً !

قال سليمان : لأنه قد فرغ من الأمر ، فليس يزيد فيه شيئاً .

قال الرضا عليه السلام : هذا قول اليهود فكيف قال تعالى : ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ؟

قال سليمان : إنما عنى بذلك أنه قادر عليه .

قال عليه السلام : أفيعد ما لايفي به ؟! فكيف قال تعالى : يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ ( سورة فاطر:1 ) وقال عز وجل : يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ( سورة الرعد:39 ) وقد فرغ من الأمر؟!

فلم يحر جواباً !!!

قال الرضا عليه السلام : يا سليمان هل يعلم أن إنساناً يكون ولا يريد أن يخلق إنسانا أبداً وأن إنساناً يموت اليوم ولا يريد أن يموت اليوم ؟

قال سليمان : نعم .



قال الرضا عليه السلام : فيعلم أنه يكون ما يريد أن يكون ، أو يعلم أنه يكون ما لايريد أن يكون ؟

قال سليمان : يعلم أنهما يكونان جميعاً .

قال الرضا عليه السلام :
إذاً يعلم أن إنساناً حي ميت قائم قاعد
عمي بصير ، في حالة واحدة ، وهذا هو المحال
!

قال سليمان : جعلت فداك فإنه يعلم أنه يكون أحدهما دون الآخر .

قال عليه السلام : لا بأس فأيهما يكون ؟ الذي أراد أن يكون أو الذي لم يرد أن يكون ؟

قال سليمان :
الذي أراد أن يكون .

فضحك الرضا عليه السلام والمأمون وأصحاب المقالات .

قال الرضا عليه السلام : غلطت وتركت قولك : إنه يعلم أن إنساناً يموت اليوم وهو لا يريد أن يموت اليوم ، وإنه يخلق خلقاً وإنه لا يريد أن يخلقهم ! وإذا لم يجز العلم عندكم بما لم يرد أن يكون ، فإنما يعلم أن يكون ما أراد أن يكون .



قال سليمان : فإنما قولي إن الإرادة ليست هو ولا غيره.

قال الرضا عليه السلام :
يا جاهل ! إذا قلت ليست هو فقد
جعلتها غيره ، وإذا قلت ليست هي غيره فقد جعلتها هو
!

قال سليمان : فهو يعلم كيف يصنع الشئ ؟

قال عليه السلام : نعم .

قال سليمان : فإن ذلك إثبات للشئ .

قال الرضا عليه السلام : أحلت ، لأن الرجل قد يحسن البناء وإن لم يبن ، ويحسن الخياطة وإن لم يخط ويحسن صنعة الشئ وان لم يصنعه أبداً .

ثم قال عليه السلام له : يا سليمان هل تعلم أنه واحد لا شئ معه ؟

قال سليمان : نعم .

قال الرضا عليه السلام : فيكون ذلك إثباثا للشئ .

قال سليمان : ليس يعلم أنه واحد لا شئ معه .

قال الرضا عليه السلام : أفتعلم أنت ذاك ؟!



قال سليمان : نعم .

قال عليه السلام : فأنت يا سليمان إذاً أعلم منه !!

قال سليمان : المسألة محال .

قال عليه السلام : محال عندك أنه واحد لاشئ معه ، وأنه سميع بصير حكيم قادر .

قال سليمان :
نعم .

قال عليه السلام : فكيف أخبر عز وجل أنه واحد حي سميع بصير حكيم قادر عليم خبير وهو لا يعلم ذلك ؟! وهذا رد ما قاله وتكذيبه ، تعالى الله عن ذلك .

ثم قال له الرضا عليه السلام : فكيف يريد صنع ما لا يدري صنعه ولا ما هو ؟ وإذا كان الصانع لا يدري كيف يصنع الشئ قبل أن يصنعه ، فإنما هو متحير تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .

قال سليمان : فإن الإرادة القدرة .



قال الرضا عليه السلام : وهو عز وجل يقدر على ما لا يريده أبداً ، ولا بد من ذلك لأنه قال تبارك وتعالى : وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ( سورة الاسراء: 86) فلو كانت الإرادة هي القدرة كان قد أراد أن يذهب به لقدرته .

فانقطع سليمان عن الرد !!!

فقال المأمون عند ذلك : يا سليمان هذا أعلم هاشمي . ثم تفرق القوم .



يتبع

عبير الآل غير متصل