عرض مشاركة واحدة
قديم 01-03-13, 12:09 PM   #13

أميري حسين
عضو نشيط  






رايق

وقفة عند أسرار الولاية 11


نقد موقع «الأحزاب» في الديمقراطية

الحلّ الذي طرحه المفكّرون الغربيون في سبيل السيطرة على هذا النظام التسخيري في إطار النظام الديمقراطي، هو منافسة الأحزاب. يقول هؤلاء عندما تتبلور قوى متعددة في المجتمع تحت عنوان الأحزاب وتتنافس مع بعض لكسب آراء الشعب، حينئذ وفي مسار هذا التنافس يراقب كلّ حزب، الآخر مخافة أن تضيع حقوق الشعب. فعلى سبيل المثال عندما يكسب حزب «أ» الأراء ويتكئ على أريكة السلطة، تقوم باقي الأحزاب ولا سيما حزب «الباء» الذي يعدّ المنافس الأول له، بمراقبة دائمة لأداء حزب «أ»، فبمشاهدة أقلّ زلة وخطأ من هذا الحزب الحاكم، يذيعون الخبر ويعيدون حقوق الشعب إليهم.
هناك عدة إشكالات على هذه الرؤية فنشير إلى بعضها. الإشكال الأول الذي لم يخفَ عن بعض علماء الغرب، هو أنه نظرا إلى وجود المجتمعات المتطورة وأنواع المعاملات المعقّدة التي تمارَس بين هذه المجتمعات بشكل واسع، لا سبيل للإشراف والمراقبة الكاملتين أبدا. أجل، لو كانت المجتمعات محافظة على طابعها التقليدي القديم، ولم يتعدّ نطاق اتصالات الإنسان عما كان عليه قبل مئة سنة، فلعلنا نقتنع بإمكان هذه المراقبة الكاملة، ولكن في هذه الظروف التي نعيشها فلا معنى بعد لهذه المراقبة.
ومضافا إلى ذلك، بعض ممارسات المدراء وأصحاب المناصب في المجتمع مما لا يمكن مراقبتها. فعلى سبيل المثال افترض أن رئيس البلدية قد نزل ضيفا في بيت ابن خالته. وبالمناسبة في نفس اليوم كان قد تمّ التصويب على مشروع تعريض أحد الشوارع في المدينة. فماذا سيحدث إن أعطى هذا الرئيس خبر مشروع تعريض الشارع لابن خالته الذي يعمل في بيع وشراء الأراضي والعقارات؟ وهل قد ارتكب رئيس البلدية جريمة أم لا؟ وهل يمكن إدانة هذا الرئيس في إحدى المحكمات؟ من هذا المنطلق نقول أن الإشراف والمراقبة الكاملة والدقيقة على أصحاب القوة في المجتمع أمر خارج عن قدرة الأحزاب.
ومن جانب آخر، كثير من المعاملات والأحداث السياسية والاقتصادية التي تجري اليوم في الأوساط الدولية، هي مسائل تخصصية؛ بحيث يتعذّر على نوّاب المجلس (الذين هم أعضاء في الأحزاب) وعلى باقي مسؤولي الأحزاب فهمها وإدراك أبعادها. فعلى سبيل المثال اليوم، تحرّر كثير من العقود الاقتصادية الضخمة باللغة الإنجليزية وباستخدام مصطلحات فنية خاصة. طيب، فإذا كان نائب المجلس لا يعرف اللغة الانجليزية، كيف يستطيع أن يقيّم العقد وويشخص صحته أو سقمه؟ قد يقول قائل: إذن نختار النواب من ذوي الشهادات العليا، ولكن مع ذلك لا تنحل المشكلة. وذلك بسبب عدم وجود من كان متخصصا في كافة المجالات؟
وبغض النظر عن كل هذه الإشكالات، ما الضمان على عدم تواطؤ الأحزاب معا؟ فعلى سبيل المثال افترض أن رئيس البلدية الذي هو من حزب «أ»، قد استغل منصبه واختلس أموالا بالغة. ثم يطّلع حزب «الباء» على هذا الخبر ويعمد على كشف اللثام عنه. فكيف إذا قال لهم رئيس البلدية بأنه سوف يعطيهم نصف المال شريطة أن يطمّوا الخبر؟ إذن من الذي يستطيع أن يستوفي حقوق الشعب؟
وحتى لو تركنا هذا الإشكال، أساسا إنّ الأحزاب لا يمثلون الشعب حتى يراعوا حقوقه. لقد تمخضت الأحزاب من تبلور القوى. حيث إن القوى هي التي تنتج الأحزاب ولا الشعب. ليس للشعب سوى أن يختار أحد الأحزاب اضطرارا كما لا سبيل له للسيطرة والإشراف عليهم.1

یتبع إن شاء الله ...


1تأييدا لهذا الكلام لا بأس أن نشير إلى الاحتجاجات التي باتت تخرج على أعتاب كل دورات الانتخابات لرئاسة الجمهورية في أمريكا مطالبة بالخلاص والتحرّر عن نظام الحزبين الأمريكي. وبالمناسبة كان أحد أهم مطالبات الحركة التي انطلقت في عام 2011 تحت شعار «احتلوا وول استريت» هي هذه القضية.

أميري حسين غير متصل