عرض مشاركة واحدة
قديم 16-04-13, 07:19 AM   #8

أميري حسين
عضو نشيط  






رايق

انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء 6


ج) النجاة من الظلم ولا غير

على الناس بالإضافة إلى التبرّم من الظلم، الاستعداد لتقبّل العدالة أيضاً

واحدة من خصائص وشرائط الظهور، هي مسألة «ظهور العدل بعد انتشار الظلم والجور» المعروفة. فقد ورد في الروايات أن الإمام يظهر بعد أن تُملأ الأرض ظلماً وجوراً[1]، ولكن يمكننا أن نحمل بشأن هذه الحقيقة البيّنة القطعيّة رؤية عامية أيضاً. وذلك بأن نتصوّر أن مجرّد تبرّم الناس من الظلم أو وصول الجور إلى غايته، يكفي لتحقق الفرج؛ ولا حاجة بعد لاستعداد الناس لـ«تقبّل العدالة».
في حين أن الحكومة العادلة التي تتشكل بين أناس تعبوا من الظلم ولكنهم لا يحتملون العدالة، لا تبقى ولا تدوم. ولفهم الموضوع جلياً يمكننا تسليط الضوء على تاريخ صدر الإسلام وحكومة أمير المؤمنين (ع):
بعد خمس وعشرين سنة من فترة غربة أمير المؤمنين (ع)، وبعد أن وصل استياء الناس من ظلم عمّال الحكومة وجورهم إلى ذروته – حتى أنهم إثر هذا الاستياء ورغم ردع الإمام علي (ع) ومخالفته الشديدة عمدوا إلى قتل الخليفة الثالث – هجموا على دار علي (ع) يطلبون مبايعته كخليفة للمسلمين ويصرّون عليه بأن يتولّ زمام الأمور، والإمام يقول لهم: «دَعُونِي وَالْتَمِسُوا غَيْرِي‏.»[2]

هل كان الإمام يُجامل؟

لماذا كان الإمام يمتنع من تصدي الخلافة رغم كل هذا الإصرار؟ هل كان يُجامل؟ والحال أن الإمام أساساً ليس أهل مجاملة، فضلاً عن أن يُجامل في مثل هذه الأمور. إذن ما هو السبب من هذا الامتناع؟ كما أنه لم يكن موضع خوف من اتّهام الآخرين له بأنه طالب سلطة، ولا معنى أساساً لمثل هذا الخوف بشأن شخصية كأمير المؤمنين (ع). فإن كان الكلام عن «أداء التكليف»، فما معنى الاهتمام بمثل هذه الأمور؟[3].

لم يكن الناس من طلّاب العدالة

السبب الرئيس من امتناع الإمام هو أن الناس وإن سئموا الظلم، غير أنهم لم يكونوا من طلّاب العدالة. وإنهم أساساً غير فاهمين للعدالة ومسلتزماتها بل ولا يمكنهم احتمالها أيضاً. وشتّان بين هذين. فلو كان الناس يحتملون العدالة، لما عذّبوا الإمام بهذا المستوى في عهد حكومته![4]
واليوم نجد أهل العالم قد تبرّموا من ظلم إسرائيل وأمريكا، ولكن هل يكفي ذلك؟ لابد أن نرى بأنّ الناس هل يتحمّلون العدالة؟ هل يعرفون معنى العدالة؟ هل يعلمون بالتغييرات التي لابد من إنجازها لزوال هذا الظلم؟ هل يدركون مستلزماتها؟ واليوم إذا ما بُيّنت بعض مستلزمات العدالة بين المؤمنين أيضاً، يظهر هذا التخوّف والقلق بأنه «نخاف أن لا نستطيع التحملّ!»، كما ورد في الروايات بأن البعض لا يتحمّلون ذلك.[5]

معرفة الظلم بشكل صحيح ضرورية ولكن غير كافية

علماً بأن نفس معرفة الظلم أيضاً مرحلة لابد أن يصل إليها المجتمع بعد النموّ والتكامل ولا يتأتى لكل مجمتع وبسهولة أن يمتلك معرفة صحيحة بالظلم. فقد تكون ثمة مظالم متفشية في المجتمع، غير أن الناس لا يدركونها بل ولا يعتبرونها ظلماً من الأساس. كما نجد الكثير من الناس اليوم ولاسيما في المجتمعات الغربية لا يمتلكون إدراكاً صحيحاً عن الظلم حتى يكونوا طلّاباً للعدالة. ولهذا إن أدرك الناس عبر تنمية الفهم والبصيرة العامة وأحسوا بالكثير من المظالم التي كانوا جاهلين بها وشعروا بألم فقدان العدالة، فقد ارتقوا مرحلة؛ وبهذا التكامل، سنقترب خطوة إلى الظهور، ولكنه مع ذلك ليس كافياً.
بعد معرفة الظلم، لابد من تحقّق معرفة العدالة بشكل صحيح أيضاً. وإن تطبيق العدالة بكلّ ما للكلمة من معنى، يستلزم «الشمول» و«الدوام». فشمولية العدالة تستوجب العداء الكبير للانتهازيين والظالمين على «نطاق واسع»، بل وتؤدي إلى عناد الذين لا يحتملون افتقاد «القليل» من منافعهم أيضاً.

عدم دوام العدالة غير الشاملة

ولا تدوم العدالة إلاّ في حال شموليّتها. فإنّ تطبيق العدالة في جزء من الأمور، سوف سيؤول إلى معرفة عنوان طلّاب العدالة الصادقين ليس إلّا والثمرة الطبيعة لذلك هي تعرّضهم لهجمات الأعداء الشرسة؛ وهذا ما حدث في كربلاً. فإن واقعة كربلاء في الحقيقة، هي انتقام من عدل علي (ع).

يتبع إن شاء الله ...




[1]. رسول الله (ص): «لا تَقُومُ السّاعَةُ حَتّى تَمْتَلِئَ الأرْضُ ظُلْماً وَعُدْواناً، ثُمَّ يَخْرُجُ رَجُلٌ مِن عِتْرَتِي فَيَمْلَؤُها قِسْطاً وَعَدْلاً كَما مُلِئتْ ظُلْماً وَعُدْواناً.» کنز العمال، ح38691؛ میزان ‌الحکمة، ح1276، وأيضاً: الإمام الصادق (ع): «...الَّذِي یَمْلَأُهَا عَدْلًا کَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً.» الکافي، ج1، ص341.

[2]. نهج ‌البلاغة، الخطبة92؛ تاریخ الطبري، ج4، ص434؛ الکامل في التاریخ، ج3، ص193.

[3]. الإمام السجاد (ع): «المُؤمِنُ ... لَا يَعْمَلُ شَيْئاً مِنَ الْخَيْرِ رِيَاءً وَلَا يَتْرُكُهُ حَيَاءً.» الكافي، ج2، ص231؛ وكذلك عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ الصَّيْرَفِيِّ قَالَ: «كُنْتُ بِالْكُوفَةِ فَيَأْتِينِي إِخْوَانٌ كَثِيرَةٌ وَكَرِهْتُ الشُّهْرَةَ فَتَخَوَّفْتُ أَنْ أَشْتَهِرَ بِدِينِي. فَأَمَرْتُ غُلَامِي كُلَّمَا جَاءَنِي رَجُلٌ مِنْهُمْ يَطْلُبُنِي قَالَ: لَيْسَ هُوَ هَاهُنَا. قَالَ: فَحَجَجْتُ تِلْكَ السَّنَةَ فَلَقِيتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع)، فَرَأَيْتُ مِنْهُ ثِقْلًا وَتَغَيُّراً فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا الَّذِي غَيَّرَنِي عِنْدَكَ؟ قَالَ: الَّذِي غَيَّرَكَ لِلْمُؤْمِنِين‏.» ثواب ‏الأعمال للصدوق، ص146.

[4]. قال أمیر المؤمنین (ع) مخاطباً أهل الكوفة: «قَاتَلَکُمُ اللَّهُ لَقَدْ مَلَأْتُمْ قَلْبِي قَیْحاً وَشَحَنْتُمْ صَدْرِی غَیْظاً وَجَرَّعْتُمُونِی نُغَبَ التَّهْمَامِ أَنْفَاساً» الکافي، ج5، ص4؛ نهج البلاغة، الخطبة27.

[5]. الإمام الباقر (ع): «... حَتّی یَقُولَ کَثیرٌ مِنَ النّاس: لَيْسَ هَذَا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ لَوْ كَانَ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ لَرَحِمَ.» الغیبة للنعماني، الباب13، ح113؛ وكذلك عن الإمام الصادق (ع): «يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً وَيَقْتُلُ حَتَّى يَقُولَ الْجَاهِلُ لَوْ كَانَ هَذَا مِنْ ذُرِّيَّةِ مُحَمَّدٍ لَرَحِمَ» الغیبة للطوسي، ص188؛ ويقول الإمام الباقر (ع): «فَبَيْنَا صَاحِبُ هَذَا الْأَمْرِ قَدْ حَكَمَ بِبَعْضِ الْأَحْكَامِ وَتَكَلَّمَ بِبَعْضِ السُّنَنِ إِذْ خَرَجَتْ خَارِجَةٌ مِنَ الْمَسْجِدِ يُرِيدُونَ الْخُرُوجَ عَلَيْهِ فَيَقُولُ لِأَصْحَابِهِ انْطَلِقُوا فَيَلْحَقُونَهُمْ فِي التَّمَّارِينِ فَيَأْتُونَهُ بِهِمْ أَسْرَى فَيَأْمُرُ بِهِمْ فَيُذْبَحُونَ.»تفسیر العیاشي، ج2، ص56.




أميري حسين غير متصل