عرض مشاركة واحدة
قديم 10-11-13, 11:24 AM   #5

أميري حسين
عضو نشيط  






رايق

رؤية مناسبة للحصول على حياة هادئة ومعتدلة 5


من الذي ننتظر منه الأجر؟ إما من الطرف المقابل وإما من الله عزوجل. أولا، ليس من المفروض أن ننتظر الأجر من الطرف المقابل. فكثيرا ما يأتينا المكروه من نفس الناحية التي أحسنّا إليها، وهذه من سنن الله سبحانه وتعالى. فكثيرا ما لايحصل المرء على جواب الاحسان من المحسن إليه. فالأب يتعب على أولاده، لكن الأولاد ليس فقط لايقدّرون أتعاب والديهم بل قد ينكرونها ولا يحسبون لها حسابا. مع كل هذا لا ينزعج الوالدين من أولادهم ولا يتأذون عنهم ولا يعتبرونهم عاقّين. ليس من المطلوب -معنويا- انتظار الأجر من الآخرين. إلا من الله سبحانه وتعالى. والله هو الذي لايضيع أجر المرء؛ لافي الدنيا ولا في الآخرة. بل يضاعفه له أضعافا. لكن من سنته تعالى أن لا يعطي الأجر مباشرة، ولا بشكل مشهود وبلا فاصلة. أولا، كثيرا من الثواب والأجر يؤخر للمرء إلى يوم القيامة. ثانيا، وما كان من المقرر أن يعطى له في الدنيا يصل إليه بطريقة غير مباشرة وغير مشهودة. فلا تتصوروا بأن المرء عندما يقوم بعمل جيد، يأتيه أجره من نفس المكان الذي ينتظر منه الأجر مباشرة وبلا فاصلة.
لكن البشر لايملكون هذه الظرفية والاستعداد ابتداء، إلا بتشكيل مثلث المحبة الذهبي الذي أشرنا إليه في البحوث السابقة. فبتشكيل هذا المثلث، وعندما يزيل المرء الأنانية من نفسه ويصبح محبا لله سبحانه وعاشقا له، تظهر عنده محبة شديدة لمخلوقات الله خصوصا المؤمنين. وهذا العشق والمحبة أوسع من المحبة بين الزوجين. فمن يصل إلى هذه المرحلة سيكون تعامله مع كل البشر على هذا السبيل. الملاحظة الأخرى هي؛ على المرء أن يصل إلى هذه المرحلة لا بعلاقته بزوجته فحسب بل بعلاقته بكل أحد غيرها. فلو لم يكن كذلك، عليه أن يتدرب ويسعى ليتعلم مثل هذا السلوك. عندنا في الرواية عن أميرالمؤنين عليه السلام: "إن لم تكن حليما فتحلم".
قد لم نصل -لحد الآن- إلى هذه المرحلة من مثلث المحبة، لكننا نملك من العقل ما نستطيع به أن نعلم ضرورة محبة مخلوقات الله سبحانه وهذه المحبة -خصوصا للزوجة- لابد أن تكون خالية من المنّ وبدون انتظار الأجر من الطرف الآخر. علينا أن لا ننتظر الأجر إلا من الله سبحانه. وحديث: "الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله". فيه إشارة إلى هذه النكته. أوليس المجاهد في سبيل الله لا ينتظر الأجر إلا من الله سبحانه.
فداء النفس من دون انتظار الأجر من الطرف المقابل، لا ينحصر بالزوج والزوجة. لكن وبسبب الحقوق الخاصة والبحوث الأخلاقية الخاصة التي تطرح في البين، بدت المسألة في العلاقات الزوجية أكثر شدة، بيد أن هذا، هو نمط طبيعي في الحياة البشرية. ينبغي لمن يحيى حياة إلهية أن يشعر بهذه الوظيفة تجاه جميع المخلوقات. الإمام الحسين عليه السلام الذي كان على قمة هرم الفداء بلا انتظار ثواب من أحد قد فدى نفسه للآخرين في سبيل هدايتهم واستقامة دين جده محمد صلى الله عليه وآله. النبي الأكرم صلوات الله عليه وآله كذلك قد تحمل في سبيل هداية الناس صنوف العناء والمشقة والتعب والنصب حتى نزل في حقه: "طه، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى".

تطبيق هذه النظرية في العلاقة بين الأبناء والوالدين

ينبغي للأبناء أن يحترموا والديهم، لاغير. عن الإمام السجاد عليه السلام في دعائه لوالديه: "اللهم اجعلني أهابهما هيبة السلطان العسوف" أتعلمون كم للسلطان من هيبة في قلب العبد؟ ما إن يناديه: "أيها العبد" ينتفض سريعا. فهو دائما في أبهة الاستعداد للطاعة من شدة خوفه من سيده ثم يتابع الامام السجاد عليه السلام مناجاته قائلا: "وأبرّهما برّ الأم الرؤوف". على الأولاد أن يكونوا هكذا بالنسبة لوالديهم. ولا يتوقعوا ولا ينتظروا منهم أي شيء في مقابل طاعتهم لهما. دعاء الإمام السجاد عليه السلام لوالديه هو أن يكون لهما كالعبد مقابل السلطان المتعسف وفي نفس الوقت يكون في كامل الرقة والشفقة عليهما، لا أنه ينتظر شيئا في مقابل طاعته لهما.
الآباء والأمهات أيضا لا ينبغي أن يطلبوا الأجر من أولادهم. بل لربما كان العكس من ذلك وهو أن يطمئن الوالدين إلى عدم تقدير الأبناء لزحماتهم وأتعابهم المتواصة. لذا ينبغي على الوالدين العمل بشكل لاينتظرون معه التعويض من الأولاد. وبالطبع لا يمكن للأولاد بتاتا أن يقدروا زحمات والديهم ولا يمكنهم الشكر عليها لا لسانا ولا عملا. فالولد حتى لو حمل والدته على عاتقه وذهب بها حاجا إلى مكة يفعل ذلك سبعين مرة، لا يمكنه أداء حق والدته. وفي الحقيقة إن الولد عاجز عن أداء حق محبة والديه. فمتى لو أراد مجازاتهما على ذلك لا يمكنه. لكن مع كل هذا، لو لم يحصل الوالدين عن أداء حقهما وجزاء أتعابهما من الأولاد، عليهما أن لا يزعلا ولا ينزعجا من ذلك. قد نرى بعض الأزواج يذهب كثيرا إلى بيت أهل زوجته بعد زواجه، ولا يزور والديه. فلا يدع الوالدين هذا الأمر يؤدي إلى انكسار قلبيهما ولا يقولا: طبع الدنيا هكذا، نحن نربى ونتعب وعند الكبر يتركنا الأولاد. بل عليهم القول: إبني، عليك الذهاب كثيرا إلى بيت زوجتك وأقربائها حتى لا تشعر بأنك لا تعتني بها. هذا السلوك من الوالدين، يدل على فهمهم وانطباق عملهم على الحكمة الإلهية.

إجراء القاعدة الذهبية في العلاقة الزوجية

كما قلنا ينبغي أن يضفي أحدهما المحبة على الآخر، محبة خالصة من غير انتظار الأجر والعوض منه. عندنا في الحديث ان الله ليعطي أجر صبر أيوب لرجل يصبر على مشاكسة زوجته وخلافها. فإذا أراد الله سبحانه أن يجعل رجلا انسانا كاملا من امرأة غير خلوقة ومشاكسة، ينبغي أن لايعترض دائما، ولا يعاتب الآخرين، وأن يرضى بما اختاره الله له ليصبح كاملا رشيدا.

ينبغي التغاضي عن اساءة الطرف المقابل

عندما يعلم المرء بأن الطرف المقابل محيط بإساءته، ترتفع الحرمة بينهما وتتضاعف إساءته وشروره، أتعلم لماذا؟ لأنه سيقول في نفسه: لقد رآني عدة مرات على حالي الحقيقي فلا حاجة للتمثيل أمامه. فيفقد عندها المحفز والدافع على الأعمال الصالحة. لذا ينبغي أن لاتنقل سيئات الآخرين أمامهم ولا تعاتبهم عليها وهذا الأمر بطبيعته يحتاج إلى تمرين وممارسة، حتى يصل إلى حد يشكّ بعينه ونظرها؛ ويقول في نفسه: إنه لا ينظر إلى كثير من سيئاتي! على المرء أن يتعامل مع زوجته كما يتعامل مع صديقه خارج البيت. فكما هو يتغاضى عن سيئات صديقه خارجا؛ ولا يصارحه بها، لكي لا تنثلم رفاقتهما بشيئ، عليه أن يفعل نفس الشيئ داخل البيت، أي أن يتعامل معه بالحياء. فكم هو حسن وجود شيء من الأدب والحياء في العلاقات الأسرية، سواء أكانت بين الزوجين أو بين الأبناء ووالديهم.

يتبع إن شاء الله...

أميري حسين غير متصل