عرض مشاركة واحدة
قديم 06-02-03, 09:14 PM   #5

الصقرالأشقر
عضو نشيط

 
الصورة الرمزية الصقرالأشقر  






رايق

يتبع


الله اكبر شعاري .

وصلت لان الى علمه عليه السلام .

علمه


بلغ (سلام الله عليه) في العلم والعقل والكمال والفضل والآداب والحكم ورفعة المنزلة ما لم يساوه أحد من أهل زمانه.

وكيف لا، وهو من الأئمّة الذين جعلهم الله ولاة أمره وخزنة علمه. قال جدّه أبو جعفر الباقر (عليه السلام): (والله إنّا لخزّان الله في سمائه وأرضه لا على ذهب ولا على فضّةٍ إلاّ على علمه)(1).

وهو من الراسخين في العلم الذين تحدّث عنهم أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) فقال: (نحن الرّاسخون في العلم ونحن نعلم تأويله)(2).

وهو من الذين لولاهم ما عبد الله الذين دعوا العباد إلى توحيده وطاعته وفيهم يقول أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام): قال أبو عبد الله (عليه السلام): (إنّ الله عزّ وجلّ خلقنا فأحسن خلقنا وصوّرنا فأحسن صورنا، وجعلنا خزّانه في سمائه وأرضه، ولنا نطقت الشجرة، وبعبادتنا عُبد الله عزّ وجلّ، ولولانا ما عبد الله)(3).

وهو من الذين جعلهم الله خلفاءه في أرضه حيث قال أبو الحسن الرضا (عليه السلام): (الأئمة خلفاء الله عز وجل في أرضه)(4).


• قال الشيخ حسين بن عبد الوهاب ـ من علماء القرن الخامس الهجري ـ: (لما قبض الرضا (عليه السلام) كان سنّ أبي جعفر نحو سبع سنين فاختلفت الكلمة من الناس ببغداد وفي الأمصار، واجتمع الريّان بن الصّلت وصفوان بن يحيى، ومحمد بن حكيم، وعبد الرحمان بن الحجاج ويونس بن عبد الرحمان، وجماعة من وجوه الشيعة وثقاتهم في دار عبد الرحمان بن الحجّاج في بركة زلول يبكون ويتوجّعون من المصيبة، فقال لهم يونس بن عبد الرحمان: دعوا البكاء، من لهذا الأمر؟ وإلى من نقصد بالمسائل إلى أن يكبر هذا؟ يعني أبا جعفر (عليه السلام).

فقام إليه السريّان بن الصلت، ووضع يده في حلقه، ولم يزل يلطمه، ويقول له: أنت تظهر الإيمان لنا وتبطن الشكّ والشّرك، إن كان أمره من الله جلّ وعلا فلو أنّه كان ابن يوم واحد لكان بمنزلة الشيخ العالم وفوقه، وإن لم يكن من عند الله فلو عمّر ألف سنة فهو واحدٌ من الناس، هذا ممّا ينبغي أن يفكّر فيه، فأقبلت العصابة عليه تعذله وتوبّخه. وكان وقت الموسم فاجتمع من فقهاء بغداد والأمصار وعلمائهم ثمانون رجلاً، فخرجوا إلى الحجّ وقصدوا المدينة ليشاهدوا أبا جعفر (عليه السلام) فلمّا وافوا أتوا دار جعفر الصادق (عليه السلام) لأنّها كانت فارغة ودخلوها وجلسوا على بساط كبير وخرج إليهم عبد الله بن موسى فجلس في صدر المجلس وقام منادٍ وقال: هذا ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فمن أراد السؤال فليسأله فسئل عن أشياء أجاب عنها بغير الواجب فورد على الشيعة ما حيّرهم وغمّهم واضطربت الفقهاء وقاموا وهمّوا بالانصراف وقالوا في أنفسهم: لو كان أبو جعفر (عليه السلام) يكمل جواب المسائل لما كان من عبد الله ما كان ومن الجواب بغير الجواب.

ففتح عليهم باب من صدر المجلس ودخل موفّق وقال: هذا أبو جعفر، فقاموا إليه بأجمعهم واستقبلوه وسلّموا عليه فدخل (صلوات الله عليه) وعليه قميصان وعمامة بذؤابتين وفي رجليه نعلان وجلس وأمسك الناس كلّهم، فقام صاحب المسألة فسأله عن مسائله فأجاب عنها بالحقّ ففرحوا ودعوا له وأثنوا عليه وقالوا له: إنّ عمّك عبد الله أفتى بكيت وكيت، فقال: لا إله إلاّ الله يا عمّ إنّه عظيم عند الله أن تقف غداً بين يديه فيقول لك: لِمَ تفتي عبادي بما لم تعلم، وفي الأمّة من هو أعلم منك؟)(5).


• قال ابن شهر آشوب: (لما مضى الرضا (عليه السلام) جاء محمد بن جمهور العمي، والحسن بن راشد، وعلي بن مدرك، وعلي بن مهزيار، وخلق كثير من سائر البلدان إلى المدينة وسألوا عن الخلف بعد الرضا (عليه السلام) فقالوا: بصريا وهي قرية أسّسها موسى بن جعفر (عليه السلام) على ثلاثة أميال من المدينة فجئنا ودخلنا القصر فإذا الناس فيه متكابسون فجلسنا معهم إذ خرج علينا عبد الله بن موسى وهو شيخ فقال الناس: هذا صاحبنا، فقال الفقهاء: قد روينا عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام) أنه لا تجتمع الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين وليس هذا صاحبنا، فجاء حتى جلس في صدر المجلس فقال رجل: ما تقول أعزّك الله في رجل أتى حماراً فقال: تقطع يده ويضرب الحدّ ويُنفى من الأرض سنة ثمّ قالم إليه آخر، فقال: ما تقول أصلحك الله في رجل طلّق امرأته عدد نجوم السماء؟ قال: بانت منه بصدر الجوزاء والنسر الطائر والنسر الواقع، فتحيّرنا في جرأته على الخطأ، إذ خرج علينا أبو جعفر وهو ابن ثمان سنين فقمنا إليه فسلّم على الناس وقام عبد الله بن موسى من مجلسه، فجلس بين يديه وجلس أبو جعفر في صدر المجلس ثم قال: سلموا رحمكم الله.

فقام إليه الرجل الأوّل وقال: ما تقول أصلحك الله في رجل أتى حمارة؟ قال: يضرب دون الحدّ ويقوّم ثمنها ويحرم ظهرها ونتاجها وتخرج إلى البريّة حتى تأتي عليها منيتها سبع أكلها ذئبٌ أكلها.

ثم قال بعد كلام: يا هذا، ذلك الرجل ينبش عن ميتة فيسرق كفنها ويفجر بها يوجب عليه القطع بالسرقة والحدّ بالزنا والنّفي إذا كان عزباً، فلو كان محصناً لوجب عليه القتل والرّجم فقال الرجل الثاني: يا بن رسول الله، ما تقول في رجل طلّق امرأته عدد نجوم السماء؟ قال: تقرأ القرآن؟ قال: نعم، قال: اقرأ سورة الطلاق إلى قوله: ﴿وأقيموا الشهادة لله﴾ يا هذا، لا طلاق إلاّ بخمس: شهادة شاهدين عدلين، في طهر من غير جماع، بإرادة عزم، ثمّ قال بعد كلام: يا هذا هل ترى في القرآن عدد نجوم السماء؟ قال: لا)(6).


• وفي رواية البحراني: (قام إليه صاحب المسألة الأولى فقال: يا بن رسول الله ما تقول في من قال لامرأته أنتِ طالق بعدد نجوم السماء؟ فقال له: يا هذا اقرأ كتاب الله قال الله تبارك وتعالى: ﴿الطّلاق مرّتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان﴾ في الثالثة، قال فإنّ عمّك أفتاني بكيت وكيت فقال: يا عمّ اتّق الله ولا تفتِ وفي الأمة من هو أعلم منك.

فقام إليه صاحب المسألة الثانية فقال: يا بن رسول الله رجل أتى بهيمة فقال: يعزّر ويحمى ظهر البهيمة وتخرج من البلد لا يبقى على الرجل عارها فقال: عمّك أفتاني بكيت وكيت، فالتفت وقال بأعلى صوته: لا إله إلاّ الله يا عبد الله إنه عظيم عند الله أن تقف غداً بين يدي الله فيقول الله لك: لِمَ أفتيت عبادي بما لا تعلم وفي الأمة من هو أعلم منك، فقال عبد الله بن موسى: رأيت أخي الرضا (عليه السلام) وقد أجاب في هذه المسألة بهذا الجواب، فقال له أبو جعفر (عليه السلام): إنّما سئل الرضا (عليه السلام) عن نبّاش نبش امرأة ففجر بها وخذ ثيابها فأفتى بقطعه للسرقة، وجلده للزنا، ونفيه للمثلة)(7).


• وروى الحسين بن عبد الوهّاب عن عمر بن فرج الرخجي(8) قال: قلت لأبي جعفر: إنّ شيعتك تدّعي أنّك تعلم كلّ ماء في دجلة ووزنه؟ وكنّا على شاطئ دجلة فقال (عليه السلام) لي: يقدر الله تعالى أن يفوّض علم ذلك إلى بعوضة من خلقه أم لا؟ قلت: نعم يقدر. فقال: أنا أكرم على الله تعالى من بعوضة ومن أكثر خلقه)(9).


• قال الحافظ البرسي: (روي عنه أنّه جيء به إلى مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعد موت أبيه الرضا (عليه السلام) وهو طفل، فجاء إلى المنبر ورقي منه درجة، ثم نطق فقال: (أنا محمد بن علي الرضا أنا الجواد، أنا العالم بأنساب الناس في الأصلاب، أنا أعلم بسرايركم فظواهركم وما أنتم صائرون إليه، علم منحنا به من قبل خلق الخلق أجمعين. وبعد فناء السماوات والأرضين، ولولا تظاهر أهل الباطن ودولة أهل الضلال ووثوب أهل الشكّ، لقلت قولاً تعجب منه الأوّلون والآخرون ثم وضع يده الشريفة على فيه وقال: يا محمد اصمت كما صمت آباؤك من قبل)(10).


• روى الطّبري الإمامي بإسناده عن أبي جعفر بن علي بن الشلمغاني، قال: حجّ إسحاق بن إسماعيل في السنة التي خرجت الجماعة إلى أبي جعفر، قال إسحاق: فعددت له في رقعة عشر مسائل لأسأله عنها، وكان لي حمل فقلت إذا أجابني عن مسائلي سألته أن يدعو الله لي أن يجعله ذكراً فلمّا سأله الناس قمت والرقعة معي لأسأله عن مسائلي فلمّا نظر إليّ قال: يا هبا يعقوب سمّه أحمد فولد لي ذكر وسمّيته أحمد فعاش مدّة ومات)(11).


• قال الشيخ محمود الشيخاني: (وقع لبعض الخلفاء أنّه لما مرض نذر على نفسه إن وهب الله له العافية أن يتصدّق بمال كثير مبهماً فعوفي، فأحضر الفقهاء واستفتاهم عن مقدار مال كثير، فكلٌّ قال شيئاً فقال محمد الجواد: إن كنت نويت الدنانير فتصدّق بثمانين دنياراً، أو الدراهم، فتصدّق بثمانين درهماً، فقال الفقهاء: ما نعرف هذا في الكتاب ولا السنّة، فقال محمد الجواد: بلى قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ نَصَركُمُ الله في مواطِنَ كثيرةٍ﴾ والنصر من أقسام العافية، فعدّوا وقائع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فإذا هي ثمانين)(12).


عبادته عليه السلام .
روى السيد البحراني بإسناده عن علي بن مهزيار، قال: (رأيت أبا جعفر الثاني (عليه السلام) ليلة الزيارة طاف طواف النساء وصلّى خلف المقام ثم دخل زمزم فاستقى منها بيده بالدلو الذي يلي الحجر وشرب منه وصبّ على بعض جسده ثم اطلع في زمزم مرّتين)(1).


• وروي عنه قال: (رأيت أبا جعفر (عليه السلام) يمشي بعد يوم النّحر حتى يرمي الجمرة ثم ينصرف راكباً وكنت أراه ماشياً بعد ما يحاذي المسجد بمنى قال: وحدثني علي بن محمد بن سليمان النوفلي عن الحسن بن صالح عن بعض أصحابه قال: نزل أبو جعفر (عليه السلام) فوق المسجد بمنى قليلاً عن دابّته حتى توجّه يرمي الجمرة عند مضرب علي بن الحسين (عليه السلام)، فقلت له: جعلت فداك لِمَ نزلت هاهنا؟ فقال: إن هذا مضرب علي بن الحسين ومضرب بني هاشم وأنا أحبّ أن أمشي في منازل بني هاشم)(2).


• ومن مناجاته (عليه السلام) في طلب الحجّ: (اللهمّ ارزقني الحجّ الذي افترضته على من استطاع إليه سبيلاً واجعل لي فيه بُعد المسالك وأعنّي على تأدية المناسك وحرّمْ بإحرامي على النار جسدي وزد للسّفر قوّتي وجلدي وارزقني ربّ الوقوف بين يديك والإفاضة إليك وأظفرني بالنّجح بوافر الربح وأصدرني ربّ من موقف الحجّ الأكبر إلى مزدلفة المشعر واجعلها زلفةً إلى رحمتك وطريقاً إلى جنّتك وقفني موقف المشعر الحرام ومقام وقوف الإحرام وأهّلني لتأدية المناسك ونحر الهدي المتوامك بدمٍ يثجّ وأوداجٍ تمجّ وإراقةِ الدماء المسفوحة والهدايا المذبوحة وفري أوداجها على ما أمرت والتنفّل بها كما رسمت وأحضرني، اللهمّ صلاة العيد راجياً للوَعْدِ خائفاً من الوعيد حالقاً شعر رأسي ومقصراً ومجتهداً في طاعتك مستمرّاً رامياً للجمار بسبع بعد سبع مِن الأحجار وأدخلني اللهمّ عَرْصَةَ بيتِك وعفوتك ومحلّ أمنك وكعبتك مشاكيك وسؤالك ومماديحك وجُدّ عليّ اللهمّ بوافر الأجر من الانكفاء والنّفر والأجر واختم اللهمّ مناسك حجّي وانقضاء عجّي بقبولٍ منك ورأفةٍ منك بي يا أرحم الراحمين)(3).


• ومن مناجاته (عليه السلام) بكشف الظلم: (اللهمّ إنّ ظلم عبادك قد تمكّن في بلادك حتى أمات العدل وقطع السّبل ومحق الحقّ وأبطل الصدق وأخفى البرّ وأظهر الشرّ وأخمد التّقوى وأزال الهدى وأزاح الخير وأثبت الضّير وأنْمى الفساد وقوّى العناد وبسَط الجور وعدّى الطّور.

اللهمّ يا ربّ لا يكشف ذلك إلاّ سلطانك ولا يجير منه إلاّ امتنانك، اللهمّ ربّ فابتر الظّلم وبثّ جبال العشم واخمد سوق المنكر وأعزّ من عنه ينزجر واحصد شأفة أهل الجور وألبسهم الجور بعد الكور، وعجّل اللهمّ إليهم البيات وأنزل عليهم المثلات وأمت حياة المنكرات ليؤمن المخوف ويسكن الملهوف ويشبع الجائع ويحفظ الضائع ويأوى الطريد ويعود الشريد ويغنى الفقير ويجار المستجير ويوقّر الكبير ويرحمم الصغير ويعزّ المظلوم ويذلّ الظالم ويفرّج المغموم وتنفرج الغمّاء وتسكن الدهماء ويموت الاختلاف ويعلو العلم ويشمل السّلم ويجمع الشّتات ويقوى الإيمان ويُتلى القرآن إنّك أنتَ الديّان المنعم المنّان)(4).

ادعيته عليه السلام .

أدعيته


وأدعية أئمة أهل البيت (عليهم السلام) كنز نفيس في التوحيد والعقائد، وسفر جليل حافل بالأخلاق والعرفان، ومنهل عذب يفيض بالكمال والآداب.

والدعاء عند أئمة أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) وسيلة من وسائلهم الكثيرة للنهوض المجتمع وتوجيهه نحو المولى جل شأنه، والارتفاع به إلى الملكوت الأعلى؛ وفي هذا الباب بعض ما أثر عن الإمام أبي جعفر الجواد (عليه السلام) من الأدعية:


1- من دعاء له (عليه السلام):

(يا من لا شبيه له ولا مثال، أنت الله لا إله إلى أنت، ولا خالق إلا أنت. تفني المخلوقين وتبقى أنت، حلمت عمن عصاك، وفي المغفرة رضاك)(1).


2- من دعاء له (عليه السلام) في القنوت:

منائحك متتابعة، وأياديك متوالية، ونعمك سابغة وشكرنا قصير، وحمدنا يسير، وأنت بالتعطف على من اعترف جدير. اللهم وقد غص أهل الحق بالريق، وارتبك أهل الصدق في المضيق وأنت اللهم بعبادك وذوي الرغبة إليك شفيق، وبإجابة دعائهم وتعجيل الفرج عنهم حقيق. اللهم فصل على محمد وآل محمد، وبادرنا منك بالعون الذي لا خذلان بعده، والنصر الذي لا باطل يتكأده، وأتح لنا من لدنك متاحا فياحاً، يأمن فيه وليك، ويخيب فيه عدوك، ويقام فيه معالمك، ويظهر فيها أوامرك وتنكف فيه عوادي أعدائك. اللهم بادرنا منك بدار الرحمة وبادر أعدائك من بأسك بدار النقمة، اللهم أعنّا وأغثنا، وارفع نقمتك عنا وحلها بالقوم الظالمين)(2).

حكمه عليه السلام .

هذه روائع من حكم الإمام (عليه السلام) ونصائحه وتوجيهاته، وهي على قصرها مشتملة على فنون المعارف والأخلاق والآداب والدعوة إلى الله سبحانه، والحث على إكتساب الفضائل، ولقد احتوت على معادن سامية قصرت عنها الكتب المطولة، وجدير بنا اليوم أن نأخذ هذه الحكم والنصائح للعمل والتطبيق، وان نجعلها منهاجاً ننهجه في حياتنا العملية، ونظاما نسير على هداه في طريقنا الطويل.

نعود لنسجل بعض ما ورد من هذه الحكم:


1- قال (عليه السلام): تأخير التوبة اغترار، وطول التسويف حيرة، والاعتلال على الله هلكة، والإصرار على الذنب أمن لمكر الله، ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.

وقال (عليه السلام): المؤمن يحتاج إلى ثلاث خصال: توفيق من الله، وواعظ من نفسه، وقبول ممن ينصحه.


2- وقال (عليه السلام): كيف يضيع من الله كافله، وكيف ينجو من الله طالبه؟ ومن انقطع إلى غير الله وكله الله إليه، ومن عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح(1).


3- وقال (عليه السلام): القصد إلى الله تعالى بالقلوب أبلغ من إتعاب الجوارح بالأعمال.


4- وقال (عليه السلام): من أطاع هواه أعطى عدوه مناه.


مكاتبيه عليه السلام .

يطالعنا في هذا الباب نموذج جديد من كلام الإمام (عليه السلام)، الذي أودعه في رسائله وكتبه إلى شيعته، فقد كتب (عليه السلام) رسائل كثيرة لبعض وجوه المسلمين في الأقطار الإسلامية، كما كتب لآخرين في مناسبات أخرى؛ وهذه الرسائل وسيلة من وسائله (عليه السلام) الكثيرة التي كان يسلكها في الدعوة إلى الله تعالى، والعمل بأحكامه والرجوع إلى سبيله.

نسجل منها:


1- روي أنه حمل له حمل بزّ(1) له قيمة كثيرة فسلب في الطريق، فكتب إليه الذي حمله يعرفه الخبر.

فوقع بخطه: إن أنفسنا وأموالنا من مواهب الله الهنيئة، وعواريه المستودعة، يمتع ما يمتع منها في سرور وغبطة، ويأخذ من أخذ منها في أجر وحسبة، فمن غلب جزعه على صبره حبط أجره، وأعوذ بالله من ذلك(2).


2- من كتاب له (عليه السلام) إلى بعض أوليائه:

أما هذه الدنيا فإنا فيها معترفون، ولكن من كان هواه هوى صاحبه، ودان بدينه فهو معه حيث كان، والآخرة هي دار القرار(3).

وصاياه عليه السلام .
وليس الغرض من ذكر وصايا الأئمة (عليهم السلام) هو القراءة أو الحفظ، بل يجب أن تكون القراءة من أجل التطبيق، والحفظ من أجل العمل، وبغير هذا يكون الموضوع اشغالا لا طائل منه، وجهدا ضائعاً لا فائدة فيه، ولا نجد أنفسنا بحاجة إلى الاستدلال بان العمل بوصايا الائمة (عليهم السلام) تفيدنا السعادة في الدنيا والنعيم في الآخرة، فنحن متفقون على ذلك، ومتسالمون عليه، بقي علينا شئ واحد: هو أن نقسر أنفسنا على الأخذ بهذه الوصايا، والعمل بموجبها، ومن الله نسال التوفيق.

نذكر بعض وصايا الإمام أبي جعفر الجواد (عليه السلام):


1- قال له رجل اوصني:

قال: او تقبل؟

قال: نعم.

فقال (عليه السلام): توسد الصبر، واعتنق الفقر، وارفض الشهوات، وخالف الهوى، وعلم انك لن تخلو من عين الله، فانظر كيف تكون(1).


2- من وصية له (عليه السلام):

اياك ومصاحبة الشرير، فإنه كالسيف المسلول، يحسن منظره، ويقبح أثره(2).

مناظراته عليه السلام .

اختلفت الأدوار التي مرت على كل واحد من الائمة (عليهم السلام) شدة ولينا، لإختلاف سيرة الحاكمين معهم، فالإمام موسى الكاظم (عليه السلام) قضى فترة من عمره الشريف في سجون هارون الرشيد، والإمام الرضا (عليه السلام) صار ولي عهد المأمون.

وكما أنها اختلفت من حيث سلوك الحاكمين معهم كذلك اختلفت في سلوك الناس معهم، ثم اختلفت أيضاً في ماهية الأسئلة والمناظرات التي واجهت كل واحد منهم (عليهم السلام).

فالإمام الصادق (عليه السلام) شهد موجة الحادية شديدة يتزعمها نفر من الملاحدة، فتصدى (عليه السلام) للقضاء عليها، فقد اجتمع بهؤلاء مراراً كاشفاً لشبهاتهم، منيراً لهم الطريق، وأملى على تلميذه المفضل بن عمر فصولا في التوحيد، تلاقفها العلماء من ذلك الوقت وحتى اليوم بالإكبار والاهتمام والشروح.

والامام الرضا (عليه السلام) تصدى لعلماء الأديان، أهل الملل والنحل، فكانت له معهم مناظرات طويلة، استجاب بعض هؤلاء لنداء الحق، ودخل في الاسلام. وقد أوقفناك على بعض تلك المناظرات في الباب السابق.

وللإمام الجواد (عليه السلام) دور آخر، فقد استاء العباسيون من مكانته عند المأمون وتزويجه له من ابنته، كما أن كبار العلماء والقضاة المعاصرين له حسدوه لما بلغهم من علمه وهو لم يزل في العقد الأول من عمره.

واجتمع هؤلاء وهؤلاء على مناظرته في الفقه والحديث وغير ذلك، آملين أن يبدو عجزه عن الإجابة فيتضعضع مركزه عند المأمون وأهل المملكة، وجماهير المسلمين الذين انشغفوا بعلمه.

لقد خابت آمال هؤلاء فقد خرج (عليه السلام) من هذا الاختبار مرفوع الرأس، وبقيت مناظراته حديث الأجيال خلال القرون الطويلة، تتعطر بذكرها المحافل والأندية.

نقدم في هذا الباب قبساً مما ورد من مناظراته (عليه السلام):


1- لما عزم المأمون أن يزوج أبا جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام) بانته أم الفضل، اجتمع اليه أهل بيته الأدنون منه فقالوا: يا أمير المؤمنين ناشدناك أن تخرج عنا أمراً ملكناه، وتنزع عنا عزاً قد لبسناه، وتعلم الأمر الذي بيننا وبين آل علي قديماً وحديثاً.

فقال المأمون: امسكوا والله لا قبلت من واحد منكم في أمره.

فقالوا: يا أمير المؤمنين أتزوج ابنتك وقرة عينك صبياً لم يتفقه في دين الله، ولا يعرف حلاله من حرامه ولا فرضاً من سنة –ولأبي جعفر إذ ذاك تسع سنين – فلو صبرت له حتى يتأدب ويقرأ القرآن، ويعرف الحلال من الحرام

فقال المأمون: إنه لأفقه منكم، وأعلم بالله ورسوله وسنته وأحكامه، وأقرأ لكتاب الله منكم، وأعلمه بمحكمه ومتشابهه، وناسخه ومنسوخه، ظاهره وباطنه، وخاصه وعامه، وتنزيله وتأويله منكم فاسألوه، فان كان الامر كما وصفتم قبلت منكم، وان كان الأمر على ما وصفت علمت أن الرجل خلف منكم.

فخرجوا من عنده وبعثوا إلى يحيى بن أكثم وهو يومئذ قاضي القضاة، فجعلوا حاجتهم اليه، وأطمعوه في هدايا على أن يحتال على أبي جعفر بمسألة في الفقه لا يدري ما الجواب فيها.

فلما حضروا وحضر أبو جعفر قالوا: يا أمير المؤمنين هذا القاضي إن أذنت له أن يسأل.

فقال المأمون: يا يحيى سل أبا جعفر عن مسألة في الفقه لتنظر كيف فقهه.

فقال يحيى: يا أبا جعفر أصلحك الله ما تقول في محرم قتل صيداً؟

فقال أبو جعفر: قتله في حل أم حرم، عالماً أو جاهلاً، عمداً أو خطأً، عبدا أو حراً، صغيراً أو كبيراً، مبدءاً أو معيداً، من ذوات الطير أو غيره، من صغار الطير أو كباره، مصراً أو نادماً، بالليل في أوكارها أو بالنهار عيانا، محرما للحج أو للعمرة؟

فانقطع يحيى انقطاعا لم يخف على أحد من أهل المجلس انقطاعه، وتحير الناس عجبا من جواب أبي جعفر.

فقال المأمون: اخطب يا أبا جعفر.

فقال: نعم يا أمير المؤمنين الحمد لله إقراراً بنعمته إلخ.

فلما تفرق أكثر الناس.

فقال المأمون: يا أبا جعفر إن رأيت أن تعرفنا ما يجب على كل صنف من الأصناف في قتل الصيد؟

فقال: نعم، إن المحرم إذا قتل صيداً في الحلّ، وكان الصيد من ذوات الطير من كبارها فعليه شاة، فان أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً؛ وان قتل فرخاً في الحلّ فعليه حمل قد فطم، فليس عليه القيمة، لأنه ليس في الحرم، وإذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمة الفرخ؛ وإن كان من الوحش فعليه في حمار الوحش بقرة، وإن كان نعامة فعليه بدنة، فان لم يقدر فإطعام ستين مسكينا، فان لم يقدر فليصم ثمانية عشر يوما؛ وإن كان بقرة فعليه بقرة، فان لم يقدر فليطعم ثلاثين مسكينا، فان لم يقدر فليصم تسعة أيام؛ وان كان ظبيا فعليه شاة، فان لم يقدر فليطعم عشرة مساكين، فان لم يجد فليصم ثلاثة أيام، وإن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً هدياً بالغ الكعبة حقا واجبا أن ينجزه إن كان في حج بمنى حيث ينحر الناس، وان كان في عمرة ينجزه بمكة في فناء الكعبة، ويتصدق بمثل ثمنه حتى يكون مضاعفاً؛ وكذلك إذا أصاب أرنباً أو ثعلباً فعليه شاة، ويتصدق بمثل ثمن شاة، وان قتل حماماً من حمام الحرم فعليه درهم يتصدق به،ودرهم يشتري علفاً لحمام الحرم، وفي الفرخ نصف درهم، وفي البيضة ربع درهم، وكلما أتى به المحرم بجهالة أو خطأ فلا شئ عليه إلا الصيد، فان عليه فيه الفداء بجهالة كان أم بعلم، بخطأ كان أم بعمد؛ وكلما أتى به العبد فكفارته على صاحبه، مثل ما يلزم صاحبه؛ وكلما أتى به الصغير الذي ليس ببالغ فلا شئ عليه، فان عاد فهو ممن ينتقم الله منه، وان دل على الصيد وهو محرم وقتل الصيد، فعليه الفداء، والمصر عليه يلزمه بعد الفداء العقوبة في الآخرة، والنادم لا شئ عليه بعد الفداء في الآخرة، وان أصابه ليلا في أوكارها خطأ فلا شئ عليه، إلا أن يتصيد، فان تصيد بليل أو نهار فعليه فيه الفداء، والمحرم للحج ينجز الفداء بمكة.

فأمر أن يكتب ذلك عن أبي جعفر (عليه السلام)، ثم التفت إلى أهل بيته الذين أنكروا تزويجه فقال: هل فيكم من يجيب هذا الجواب؟

قالوا: لا والله، ولا القاضي يا أمير المؤمنين، كنت أعلم به منا.

قال: ويحكم أما علمتهم أن أهل هذا البت ليسوا خلقاً من هذا الخلق؟

أما علمتم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بايع الحسن والحسين وهما صبيان ولم يبايع غيرهما طفلين؟

أولم تعلموا أن أباهم علياً آمن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو ابن تسع سنين، فقبل الله ورسوله إيمانه ولم يقبل من طفل غيره، ولا دعا رسول الله طفلاً غيره؟

أولم تعلموا أنها ذرية بعضها من بعض، فجرى لآخرهم ما يجري لأولهم؟

ثم سأل (ع) يحيى فقال:

يا أبا محمد ما تقول في رجل حرمت عليه امرأة بالغداة، وحلت له ارتفاع النهار، وحرمت عليه نصف النهار، ثم حلت له الظهر، ثم حرمت عليه العصر ثم حلت له المغرب، ثم حرمت عليه نصف الليل، ثم حلت له الفجر، ثم حرمت عليه ارتفاع النهار، ثم حلت له نصف النهار.

فبقي يحيى والفقهاء بلساً خرساً.

فقال المأمون: يا أبا جعفر اعزك الله بين لنا هذا.

قال: هذا رجل نظر إلى مملوكة لا تحل له، اشتراها فحلت له، ثم اعتقها فحرمت عليه، ثم تزوجها فحلت له، فظاهر منها فحرمت عليه، فكفر الظهار فحلت له، ثم طلقها تطليقة فحرمت عليه، ثم راجعها فحلت له، فارتد عن الاسلام فحرمت عليه، فتاب ورجع إلى الإسلام فحلت له بالنكاح الأول، كما اقر رسول الله نكاح زينب مع أبي العاص بن الربيع، على النكاح الأول(1).

احتجاج الإمام الجواد (عليه السلام)


• قال ريّان بن شبيب: (لمّا أراد المأمون أن يزوّج ابنته أمّ الفضل أبا جعفر محمد بن علي (عليه السلام) بلغ ذلك العبّاسيّين فغلظ عليهم ذلك واستنكروا منه وخافوا أن ينتهي الأمر معه إلى ما انتهى مع الرضا (عليه السلام) فخاضوا في ذلك واجتمع منهم أهل بيته الأدنون منه، فقالوا: ننشدك الله، يا أمير المؤمنين أن تقيم على هذا الأمر الذي قد عزمت عليه من تزويج ابن الرضا (عليه السلام)، فإنّا نخاف أن يخرج به عنّا أمر قد ملكناه الله وينتزع منّا عزّاً قد ألبسناه الله، وقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم قديماً وحديثاً وما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك من تبعيدهم والتصغير بهم، وقد كنّا في وهلة من عملك مع الرضا ما عملت، وكفانا الله المهم من ذلك فالله الله أن تردّنا إلى غم قد تراه من أهل بيتك يصلح لذلك دون غيره، فقال لهم المأمون: أما ما بينكم وبين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه، ولو أنصفتم القوم لكان أولى بكم، وأمّا ما كان يفعله من قبلي بهم فقد كان به قاطعاً للرحم، وأعوذ بالله من ذلك، ووالله ما ندمت على ما كان منّي من استخلاف الرضا ولقد سألته أن يقوم بالأمر وأنزعه من نفسي فأبى وكان أمر الله قدراً مقدوراً.

وأمّا أبو جعفر محمد بن علي، فقد أخترته لتبريزه على كافة أهل الفضل في العلم والفضل مع صغر سنّه والأعجوبة فيه بذلك، وأنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه فيعلموا أن الرأي ما رأيت، فقالوا: إنّ هذا الفتى وإن راقك منه هديه فإنّه صبيّ لا معرفة له ولا فقه فأمهله ليتأدّب ثمّ اصنع ما تراه بعد ذلك.

فقال لهم: ويحكم إنّي أعرف بهذا الفتى منكم، وإنّ هذا من أهل بيت علمهم من الله تعالى ومراده وإلهامه، لم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين والأدب عن الرّعايا الناقصة عن حدّ الكمال، فإن شئتم فامتحنوا أبا جعفر بما يتبيّن لكم به ما وصفت لكم من حاله. قالوا: لقد رضينا لك يا أمير المؤمنين ولأنفسنا بامتحانه فخلّ بيننا وبينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شيء من فقه الشريعة، فإن أصاب في الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في حقّه وظهر للخاصة والعامّة سديد رأي أمير المؤمنين فيه وإن عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه، فقال لهم المأمون: شأنكم وذلك متى أردتم.

فخرجوا من عنده واجتمع رأيهم على مسألة يحيى بن أكثم ـ وهو يومئذٍ قاضي الزّمان ـ على أن يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها، ووعدوه بأموال نفيسة على ذلك، وعادوا إلى المأمون فسألوه أن يختار لهم يوماً للاجتماع فأجابهم إلى ذلك، واجتمعوا في اليوم الذي اتّفقوا عليه وحضر معهم يحيى بن أكثم وأمر المأمون أن يفرش لأبي جعفر دست ويجعل له فيه مسورتان ففعل ذلك، وخرج أبو جعفر (عليه السلام) وهو يومئذٍ ابن تسع سنين وأشهر، فجلس بين المسورتين وجلس يحيى بن أكثم بين يديه، فقام الناس في مراتبهم والمأمون جالسٌ في دست متّصل بدست أبي جعفر (عليه السلام).

فقال يحيى بن أكثم للمأمون: تأذن لي يا أمير المؤمنين أن أسال أبا جعفر عن مسألة؟

فقال المأمون: استأذنه في ذلك، فأقبل عليه يحيى بن أكثم فقال: أتأذن لي جعلت فداك في مسألة؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام): سل إن شئت.

فقال يحيى: ما تقول جعلت فداك في محرم قتل صيداً.

فقال أبو جعفر (عليه السلام): قتله في حلّ أو حرم؟ عالماً كان المحرم أو جاهلاً؟ قتله عمداً أو خطأً؟ حرّاً كان المحرم أو عبداً؟ صغيراً كان أو كبيراً؟ مبتدئاً بالقتل أو معيداً؟ من ذوات الكير كان الصّيد أم من غيرها؟ من صغار الصّيد أم من كباره؟ مصرّاً على ما فعل أو نادماً؟ في الليل كان قتله للصّيد أم بالنهار؟ محرماً كان للعمرة إذ قتله أو بالحجّ كان محرماً؟

فتحيّر يحيى بن أكثم وبان في وجهه العجز والانقطاع، وتلجلج حتى عرف جماعة أهل المجلس عجزه.

فقال المأمون: الحمد لله على هذه النعمة والتوفيق لي في الرأي، ثمّ نظر إلى أهل بيته فقال لهم: أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه، ثمّ أقبل إلى أبي جعفر فقال له: أتخطب يا أبا جعفر؟

قال: نعم يا أمير المؤمنين. فقال له المأمون: اخطب لنفسك جعلت فداك، فقد رضيت لنفسي وأنا مزوّجك أمّ الفضل ابنتي وإن رغم أنوف قوم لذلك.

فقال أبو جعفر (عليه السلام): الحمد لله إقراراً بنعمته، ولا إله إلاّ الله إخلاصاً لوحدانيّته، وصلّى الله على سيّد بريّته والأصفياء من عترته، أمّا بعد: فقد كان من فضل الله على الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام فقال سبحانه: ﴿وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله مِنْ فَضْلِهِ والله واسعٌ عليمٌ﴾(2).

ثمّ إنّ محمد بن علي بن موسى يخطب أمّ الفضل بنت عبد الله المأمون وقد بذل لها من الصداق مهر جدّته فاطمة بنت محمد َ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو: (خمسمائة درهم) جياداً فهل زوّجته يا أمير المؤمنين بها على هذا الصداق المذكور؟

فقال المأمون: نعم قد زوّجتك يا أبا جعفر أمّ الفضل ابنتي على الصّداق المذكور، فهل قبلت النّكاح؟ قال أبو جعفر (عليه السلام): نعم قد قبلت ذلك ورضيت به.

فأمر المأمون أن يقعد الناس على مراتبهم من الخاصّة والعامّة.

قال الريّان: لم نلبث أن سمعنا أصواتاً تشبه الملاّحين في محاوراتهم، فإذا الخدم يجرون سفينة مصنوعة من فضّة تشدّ بالحبال من الأبريسم على عجلة مملوءة من الغالية، فأمر المأمون أن تخضب لحى الخاصة من تلك الغالية ففعلوا ذلك، ثمّ مدّت إلى دار العامة فتطيّبوا بها، ووضعت الموائد فأكل الناس، وخرجت الجوائز إلى كلّ قومٍ على قدرهم.

فلمّا تفرّق الناس وبقي من الخاصة من بقي، قال المأمون لأبي جعفر (عليه السلام): جعلت فداك إن رأيت أن تذكر الفقه فيما فصلته من وجوه قتل المحرم لنعلمه ونستفيده.

فقال أبو جعفر (عليه السلام): نعم إنّ المحرم إذا قتل صيداً في الحلّ وكان الصيد من ذوات الطّير وكان من كبارها فعليه شاة. وإن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً، وإذا قتل فرخاً في الحلّ فعليه حمل قد فطم من اللّبن، فإذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمة الفرخ، فإذا كان من الوحش وكان حمار وحش فعليه بقرة وإن كان نعامة فعليه بدنة وإن كان ظبياً فعليه شاة، فإن كان قتل شيئاً من ذلك في الحرم، فعليه الجزاء مضاعفاً هدياً بالغ الكعبة. وإذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه وكان إحرامه للحجّ نحره بمنى، وإذا كان إحرام بعمرة نحره بمكّة، وجزاء الصّيد على العالم والجاهل سواء، وفي العمد عليه المأثم، وهو موضوع عنه في الخطأ، والكفّارة على الحرّ في نفسه، وعلى اليّد في عبده، والصغير لا كفّارة عليه، وهي على الكبير واجبة، والنّادم يسقط ندمه عنه عقاب الآخرة، والمصرّ يجب عليه العقاب في الآخرة.

فقال المأمون: أحسنت يا أبا جعفر أحسن الله إليك، فإن رأيت أن تسأل يحيى عن مسألة كما سألك؟ فقال أبو جعفر ليحيى: أسألك؟

قال: ذلك إليك جعلت فداك، فإن عرفت جواب ما تسألني عنه وإلاّ استفدته منك.

فقال أبو جعفر (عليه السلام): أخبرني عن رجل نظر إلى امرأة في أوّل النهار فكان نظره إليها حراماً عليه، فلما ارتفع النّهار حلّت له. فلما زالت الشمس حرمت عليه، فلمّا كان وقت العصر حلّت له فلمّا غابت الشمس حرمت عليه، فلمّا دخل وقت العشاء الآخرة حلّت له، فلمّا كان وقت انتصاف الليل حرمت عليه، فلمّا طلع الفجر حلّت له. ما حال هذه المرأة؟ وبما حلّت له وحرمت عليه؟

فقال له يحيى بن أكثم: لا والله لا أهتدي إلى جواب هذا السؤال، ولا أعرف الوجه فيه فإن رأيت أن تفيدنا؟

فقال أبو جعفر (عليه السلام): هذه أمة لرجل من الناس، نظر إليها أجنبي في أوّل النهار فكان نظره إليها حراماً عليه، فلمّا ارتفع النّهار ابتاعها من مولاها فحلّت له، فلمّا كان عند الظهر أعتقها فحرمت عليه فلمّا كان وقت العصر تزوّجها فحلّت له. فلمّا كان وقت المغرب ظاهَرَ منها فحرمت عليه، فلمّا كان وقت العشاء الآخرة كفر عن الظّهار فحلّت له، فلمّا كان نصف الليل طلّقها تطليقة واحدة فحرمت عليه فلمَا كان عند الفجر راجعها فحلّت له.

قال: فأقبل المأمون على من حضر من أهل بيته وقال لهم: هل فيكم من يجيب عن هذه المسألة بمثل هذا الجواب؟ أو يعرف القول فيما تقدّم من السؤال؟

قالوا: لا والله إنّ أمير المؤمنين أعلم بما رأى. فقال: ويحكم إنّ أهل هذا البيت خصّوا من الخلق بما ترون من الفضل، وإنّ صغر السنّ لا يمنعهم من الكمال، أما علمتم أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وهو ابن عشر سنين وقبل منه الإسلام وحكم له به ولم يدع أحداً في سنه غيره وبايع الحسن والحسين (عليهما السلام) وهما دون الستّ سنين ولم يبايع صبيّاً غيرهما؟ أو لا تعلمون الآن ما اختصّ الله به هؤلاء القوم وأنّهم ذرّية بعضها من بعض يجري لآخرهم ما يجري لأوّلهم.

قالوا: صدقت يا أمير المؤمنين، ثمّ نهض القوم فلمّا كان من الغد حضر الناس وحضر أبو جعفر (عليه السلام) وصار القواد والحجاب والخاصّة والعمّال لتهنئة المأمون وأبي جعفر (عليه السلام) فأخرجت ثلاثة أطباق من الفضّة فيها بنادق مسك وزعفران معجون في أجواف تلك البنادق ورقاع مكتوبة بأموال جزيلة وعطايا سنية واقطاعات، فأمر المأمون بنشرها على القوم من خاصّته فكان كلّ من وقع في يده بندقة أخرج الرّقعة التي فيها والتمسه فأطلق له، ووضعت البدر فنثر ما فيها على القواد وغيرهم، وانصرف الناس وهم أغنياء بالجوائز والعطايا، وتقدّم المأمون بالصدقة على كافة المساكين ولم يزل مكرماً لأبي جعفر (عليه السلام) معظماً لقدره مدّة حياته، يؤثره على ولده وجماعة أهل بيته)(3).

يتبع في الحلقه القادمه .

والسلام.

الصقرالأشقر غير متصل