New Page 1

العودة   .. :: منتدى تاروت الثقافي :: .. > منتديات العلوم الدينية > منتدى القرآن الكريم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-09-11, 06:18 AM   #1

الزهراء عشقي
...(عضو شرف)...

 
الصورة الرمزية الزهراء عشقي  







فرحانة

Dsdsf التدبر في القرآن - السيد محمد رضا الشيرازي


التدبر أم التحجر؟
هل يجوز لنا التدبر في القرآن؟ لكي نجيب على هذا السؤال لابد أن نعود إلى مصادر الإسلام النقية، ونستخرج منهل الإجابة الحاسمة.


(1)
عندما نلقي نظرة سريعة على القرآن الكريم نجد فيه دعوة صريحة إلى التدبر في آياته:
1. في البداية يؤكد القرآن أن الهدف من نزوله هو أن يتدبر الناس فيه، فيقول: ((كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ))1، ذلك لأن من الطبيعي أن يعتبر التدبر الهدف المبدئي لنزول القرآن.
2. وفي سبيل الوصول إلى هذه الغاية جعل الله القرآن كتاباً ميسراً للفهم، وفي هذا ا لمجال يقول القرآن: ((وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِر))2 ولأهمية هذا الأمر يكرر القرآن هذه الآية الكريمة في سورة القمر أربع مرات. ويقول أيضاً: ((فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون))3، ويقول: ((فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا))4.
3. والقرآن ليس فقط يدعو الناس إلى التدبر في آياته، وإنما يطلب منهم أن يمارسوا التدبر العميق أيضاً، كما نفهم من قوله سبحانه: ((أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا))5، قال العلامة الطباطبائي في الميزان:
الآيةُ تحضيضٌ في صورة الاستفهام. والتدبر هو أخْذ الشيء بعد الشيء، وهو في مورد الآية: التأمل في الآية عقيب الآية، أو التأمل بعد التأمل في الآية /الواحدة/، لكن لمّا كان الغرض بيان أنّ القرآن لا اختلاف فيه، وذلك إنما يكون بين أزْيَد من آية واحدة، كان المعنى الأول - أعني: التأمل في الآية عقيب الآية - هو العمدة، وإن كان ذلك لا ينفي المعنى الثاني أيضاً.
فالمراد ترغيبهم أن يتدبروا في الآيات القرآنية، ويراجعوا في كل حكم نازل أو حكمة مبينة أو قصة أو عظة أو غير ذلك في جميع الآيات المرتبطة به مما نزلت مكيتها ومدنيتها ومحكمها ومتشابهها، ويضموا البعض إلى البعض حتى يظهر لهم أنه لا اختلاف بينها.
فالآيات يصدق قديمها حديثها، ويشهد بعضها على بعض، من غير أن يكون بينها أي اختلاف مفروض - لا اختلاف التناقض: بأن ينفي بعضها بعضاً أو يتدافعا، ولا اختلاف التفاوت: بأن تتفاوت الآيتان من حيث تشابه البيان أو متانة المعاني والمقاصد. فارتفاع هذه الاختلافات من القرآن يهديهم إلى أنه كتاب منزل من الله، وليس من عند غيره.6
وإذا لاحظنا:
أ. أن هذه الآية نزلت في المنافقين والمترددين، كما يظهر من الآيات السابقة.
ب. أنها تدعو هؤلاء إلى التدبر في القرآن حتى يطمئنوا بأنه من عند الله، ويزول بذلك نفاقهم وترددهم.
ج. أن كشف عدم الاختلاف وعدم التناقض بين الآيات القرآنية المختلفة يحتاج إلى تدبر عميق، وتأمل كبير.
إذا لاحظنا ذلك لوجدنا أن القرآن يفتح للناس أبواب "التدبر الذاتي" في قضايا عميقة من القضايا القرآنية، وليس هذا فقط، بل وأنه يدعوهم إلى ذلك.
4. ثم يؤكد القرآن: أن هناك "أقفالا" معينة تغلق قلوب البشر، وتصرفهم عن التدبر في آياته، ويقول: ((أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا))7. ولكن ما هي هذه القلوب <الأقفال>8؟ إنها أقفال الجهل والهوى والتهرب من المسؤوليات الثقيلة9. وكما كانت هذه الأقفال قديماً، فهي موجودة حديثاً، ولكن بصور حديثة، وأشخاص جدد، وشعارات جديدة. وعلينا أن نحطم هذه الأقفال، ونفتح قلوبنا أمام نور الله المضيء عن طريق التدبر في الآيات القرآنية الكريمة10.
(2)
وعندما نعود إلى الروايات نجدها تؤكد المعنى ذاته11:
أ. فهي تأمر بالتأمل بالقرآن الكريم، من أجل استخراج معارفه وكنوزه الدفينة. ففي الحديث المروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "أعربوا القرآن (أي أحكموا إعراب الكلمات والجمل) والتمسوا غرائبه (أي تأملوا فيه، وتفهموا معانيه الغريبة)." وفي الكافي عن علي بن الحسين (عليهما السلام) أنه قال: "آيات القرآن خزائن، فكلما فتحت خزينة ينبغي لك أن تنظر ما فيها."
ب. ومن أجل ذلك ورد الأمر بترتيل القرآن لأنه أقرب إلى التركيز والتأمل، فقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى ((وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً)): "بينه تبيينا ولا تهذه هذ الشعر، ولا تنثره نثر الرمل، ولكن أفزعوا قلوبكم القاسية، ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة."12 فالهذ: سرعة القراءة، ونثر الرمل هو التباطي فيها بحيث لا ترتبط كلماتها، والتدبر في كلمات القراءة هو التأمل في الآيات، والتدبر في كلمات الله. وعن الإمام الصادق (عليه السلام): "((وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً)) قف عند وعده ووعيده، وتفكر في أمثاله ومواعظه."
ج. وتعطينا الروايات نماذج عملية في هذا المجال، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): "كان أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) يقرأ أحدهم القرآن في شهر واحد أو اقل، إنَّ القرآن لا يُقرأ هذرمة، ولكن يرتل ترتيلا، فإذا مررت بآية فيها ذكر الجنة فقف عندها واسأل الله الجنة، وإذا مررت بآية فيها ذكر النار فقف عندها وتعوذ بالله من النار." وفي حديث آخر أن الإمام الرضا (عليه السلام) كان يقرأ القرآن في فترة غير قصيرة، وعندما سُئل عن ذلك أجاب: "ما مررت بسورة إلا فكرت في مكيتها ومدنيتها وعامّها وخاصها وناسخها ومنسوخها" الخ.
د. ونجد في بعض الروايات دعوة ضمنية إلى التدبر في آيات القرآن، واستنباط الأحكام والقيم الإسلامية منها - لمن كان من أهله. فعن الكافي والتهذيب والاستبصار، عن عبد مولى آل سام، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):" عثرت، فانقطع ظفري، فجعلت على إصبعي مرارة13، فكيف أصنع بالوضوء؟" قال (عليه السلام): "يُعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عز وجل. قال الله عز وجل ((مَا جَعَل عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج)) امسح عليه."14 والمفهوم من قول الإمام "يُعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عز وجل" هو أن الأمر لا يحتاج إلى السؤال، علماً بأن الحكم يحتاج إلى تأمل، ذلك لأن الآية الكريمة تدل على عدم وجوب مسح الرجل مباشرة لأنه حرج، فيدور الأمر - في النظرة الأولية - بين:
سقوط المسح رأساً، وبين
بقائه، ولكن مع سقوط شرط (مباشرة الماسح للممسوح).
إذن، فالآية بظاهرها لا تدل على لزوم المسح على المرارة، ولكن التأمل الدقيق يقضي بأن المسح (بما هو مسح) لا حرج فيه، إنما الموجب للحرج هو اشتراط المباشرة في المسح. إذن، فالمنفي في الآية الكريمة هو المسح المباشر وليس أصل المسح، ولذلك فالمفروض في هذه الحالة المسح على الإصبع المغطاة15.
وهنا يجد<ر> بنا أن نشير إلى كلمة "وأشباهه" في وقول الإمام: "يُعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عز وجل،" فالإمام (عليه السلام) لم يقصر الحكم على هذه الآية الكريمة، وإنما سحب الحكم إلى كافة الآيات القرآنية المشابهة، وهكذا نجد أن الإمام (عليه السلام) يدعو أصحابه إلى التأمل في الآيات القرآنية، واستنباط المفاهيم والأحكام الدقيقة منها. هذا كله بالإضافة إلى:
1. أن القرآن هو رسالة الله إلى الإنسان، كما قال الله سبحانه:
((شَهْر رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاس))16
((هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ))17
ومن الطبيعي أن تكون الرسالة متناسبة مع فهم المُرسَل إليه.
2. القرآن يصدر خطاباته - عادة - بكلمة ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ)) أو ((يَا أَيُّهَا الذِّينَ آمَنُوا))، أو ما أشبه، وليس صحيحاً أن يوجِّه أحدٌ الخطاب لمن لا يفهم من كلماته شيئاً.
3. القرآن نزل حجة على الرسالة، وقد تحدى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) البشر أن يأتوا بسورة من مثله، ومعنى ذلك أن العرب كانوا يفهمون القرآن من ظواهره، ولو كان القرآن من قبيل الألغاز لم تصح مطالبتهم بمعارضته، ولم يثبت إعجازه لأنهم ما كانوا يستطيعون فهمه.
4. لقد استوعب المسلمون الأولون معاني كثير من الآيات، وفهموها بمجرد نزولها عليهم، باستثناء آيات معينة سألوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عنها، ولم يتعاملوا يوماً مع آيات القرآن تعاملهم مع الأحاجي والألغاز.
وفي ختام هذا الفصل ينبغي أن أشير إلى نقطة هامة وهي: أن الاستنباط من آيات الأحكام ونحوها يتوقف على "خِبروية" معينة، لا تحصل إلا ببلوغ الإنسان مرحلة "الاجتهاد،" فالتدبر في هذه الآيات يكون وقفاً على المجتهدين بالطبع، أما التدبر في الآيات الأخرى فهو أمر مفتوح لغيرهم أيضاً، وسنفصل الكلام في هذه النقطة في البحوث القادمة بإذن الله.
__________________
رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي

الزهراء عشقي غير متصل  

قديم 11-09-11, 06:20 AM   #2

الزهراء عشقي
...(عضو شرف)...

 
الصورة الرمزية الزهراء عشقي  







فرحانة

رد: التدبر في القرآن - السيد محمد رضا الشيرازي


هنالك بعض الشُبَه والإشكالات التي قد يتمسك بها البعض للتدليل على عدم جواز التدبر في القرآن الكريم، بل ولاعتبار التدبر في القرآن معصية كبيرة تهوي بصاحبها في نار جهنم وساءت مصيرا!
فما هي هذه الشبهة؟ وما هي الإجابة عنها؟1
الشبهة الأولى: الروايات نهت عن ذلك
يقولون: لقد نهت الروايات الشريفة عن "التفسير بالرأي"، وهددت من يفعل ذلك بنار جهنم، وقالت:
"من فسر القرآن برأيه إن أصاب لم يؤجر، وإن أخطأ فهوى أبعد من السماء."2
"من فسر برأيه آية من كتاب الله فقد كفر."3
ولكن ما هي النتيجة؟ عن ذلك يجيبنا حديث آخر فيقول: "من فسر القرآن رأيه فليتبوأ مقعده من النار."4
وفي مواجهة هذا المنطق نقول: إن "التفسير بالرأي" لا يعني "التدبر في القرآن". إذ إن هذه الروايات لا يمكن أن تنهى عن نفس ما أمر به القرآن الكريم والروايات الأخرى5، بل إنها تعني أحد المحتملات التالية:
(1)
أن تحمل الفرد آراؤه الشخصية على تفسير معاني آيات القرآن بأحد الأشكال التالية:
أ- حمل اللفظ على خلاف ظاهره.
ب- حمل اللفظ القرآني على أحد احتماليه دون دليل. مثلا: يحمل "القرء" في قوله تعالى: ((وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْن بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ))6 على الحيض دون الطهر (باعتبار أن القرء لفظة مشتركة بين الطهر والحيض) من أي دليل.
ج- التعسف في تأويل الآيات القرآنية، وسوف نضرب على ذلك بعض الأمثلة فيما بعد - إن شاء الله تعالى.
أما الأسباب الكامنة وراء هذا "التحريف المعنوي" الذي يأتي تلبية لآراء الفرد هي:
أولا، الأهواء الشخصية للفرد
إن بعض من لم يدخل نور الإيمان قلوبهم يحاولون أن يخضعوا آيات القرآن لأهوائهم وشهواتهم، لذلك فهم يحاولون فهم الآيات القرآنية "بآرائهم" - أي حسب أهوائهم وشهواتهم.
فهذا يحي بن أكثم - القاضي الشهير - كان يعاني من الشذوذ الجنسي حتى قال عنه ابن خلكان: "ألوط قاض بالعراق نعرفه." وكان محبوب المأمون، فقال له يوما: "لمن هذا الشعر؟

يرى على من يلوط من باس


قاض يرى الحد في الزناء ولا


فأجابه: "الذي قال:

الأمة وال من آل عباس


ما أحسب الجور ينقضي وعلى


يحيى بن أكثم هذا كان "يديّن" عمله الشائن، ويتمسك بآية من القرآن في مشروعية ذلك، والآية هي: ((أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا))7، فكان يستفيد من ذلك إباحة الزواج، وإباحة الشذوذ كذلك!
إن الآية تقول: ((يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُور، أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا))8 وهي تعني أن الناس - تجاه إنجاب الذرية - على أربعة أقسام، فقسم لا يولد له إلا الإناث، وقسم لا يولد له إلا الذكور، وثالثٌ يولد له الاثنان معا، ورابعٌ لا يولد له أي واحد منهما، بل يظل عقيما.
ولكن يحيى بن أكثم اقتطع هذه الجملة من القرآن، وفصلها عن سياقها العام لكي يرضي أهواءه وشهواته.9
والآن لنستمع إلى حوار بين يحيى بن أكثم وبين الإمام الهادي (عليه السلام) في هذا الصدد، فقد سأل الإمام عن قوله تعالى: ((أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا))، فأجاب الإمام (عليه السلام): "أي يولد له الذكور، ويولد له إناث. يقال لكل اثنين مقرنين: زوجان، كل واحد منهما زوج." وأضاف وهو يضرب على الوتر الحساس: "ومعاذ الله أن يكون الجليل /أي الله تعالى/ ما لبست به على نفسك، تطلب الرخص لارتكاب المآثم،((وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْق أَثَامًا، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيه مُهَانًا))،" واستدرك الإمام قائلا: "إن لم يتب."
أن هذا الشكل من التحريف المعنوي هو الذي يصدق عليه - حسب الاحتمال الأول - "من فسر القرآن برأيه،" أي حسب أهواءه وشهواته.
وهذا الشكل من التحريف لا تزال قطاعات من الأمة تعاني من آثاره السلبية حتى الآن، مثلا يفسرون قوله تعالى: ((وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة)) بأن على الفرد أن لا يعمل، ولا يجاهد، ولا يتحرك، لأن ذلك يعني "التهلكة" التي قد نهانا الله عنها. وقوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُم لا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُم)) بأن مسؤولية الفرد محصورة في إطار ذاته، ولا شأن له بالآخرين فيذهب العالم كله إلى الجحيم! ليس ذلك مهما، المهم أن يحافظ الفرد على صومه وصلاته وبعض آخر من الواجبات الفردية وليس أكثر من ذلك، ويقول شاعرهم في ذلك:

وما بالي إذا نفسي تطاوعني



على النجاة بمن قد ضل أم هلكا


ويفسرون "الصبر" الذي <و>رد الأمر به كثيراً في القرآن الكريم والسنة الشريف بأنه يعني: الخضوع للطواغيت، والاستسلام لهم، و"التقية" تعني الجمود والتوقف، و"التوكل" بأنه يعني: إيكال المسؤوليات إلى الله، والجلوس في زوايا البيوت دون أي عمل، و"الزهد" بأنه يعني: اعتزال الدنيا، وترك الفاسقين والكفار يمرحون فيها ويلعبون وانتظار ثواب الله في الآخرة بدلا من ذلك، وهكذا وهلم جرا.
وهذا هو أحد مصاديق "التفسير بالرأي" المنهي عنه في الروايات، والذي يعني حمل القرآن الكريم على طبق الآراء التي تكونت للإنسان من خلال أهوائه وشهواته.
إن القضية تبدأ بهوى يسعى خلفه الإنسان، وعلى مر الزمن يتحول هذا الهوى إلى رأي ونظرية، ثم يحاول الإنسان تطويع الدين ليأتي مؤيداً بل ومشجعاً علي هذا الرأي. ومن هنا يأتي الحديث الشريف: "من فسر القرآن رأيه فليتبوأ مقعده من النار."
ثانيا: المسبقات الفكرية المترسبة في عقلية الفرد
فهنالك كثيرون يقرأون القرآن وأدمغتهم مشحونة بالأفكار والرؤى والمفاهيم المسبقة، لذلك فهم لا يرون القرآن إلا من خلال أفكارهم، ولا يجدون في القرآن إلا ما يؤيد هذه الأفكار. تماماً كالذي يضع على عينيه نظارة سوداء، إنه يرى الأشياء بلون نظارته. وكذلك هؤلاء، فهم يرون آيات القرآن بلون المفاهيم القابعة في عقولهم. إنهم يحاولن فهم القرآن كما تقتضي اتجاهاتهم وأفكارهم، بدل أن يكونوا تلامذة متواضعين بين يديه، إنهم يحاولون توجيه القرآن على حسب ما تقتضيه أفكارهم، بدل من أن يحاولوا تهذيب أفكارهم على حسب ما تقتضيه مفاهيم القرآن الرفيعة.
وهذا عين الخطأ، وهذا هو - أيضا - أحد مصاديق "التفسير بالرأي" المنهي عنه.
ونجد في التاريخ الغابر، كما في التاريخ المعاصر: أمثلة كثيرة على ذلك، وأول ما نجده في هذا المجال هو: تفسير القرآن الكريم على حسب الأفكار العقائدية المسبقة، كما نلمس في أصحاب مذاهب من أمثال "الأشاعرة" أو "الباطنية" أو "الكرامية" أو غيرهم. هذه الطوائف كانت تحمل آراء خاصة في الله و"صفاته الثبوتية" و"صفاته السلبية" وغير ذلك، وعندما اصطدمت عقائدها بالقرآن أخذت تفسر الآيات القرآنية على حسب آرائها السابقة10.
ونجد كذلك تفسير آيات القرآن حسب "الفكر الصوفي" و"الذوق العرفاني" - بشكله المنحرف - والذي جاء من أجل تدعيم أفكار هذين الاتجاهين، وإعطائهما صبغة شرعية. فمثلا، باعتبار أن مذهب بعض العرفاء هو "وحدة الوجود" لذلك فهم يفسرون قول هارون (عليه السلام) لأخيه موسى (عليه السلام): ((يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي))، يفسرونه بأن موسى (عليه السلام) بعد أن عاد من الطور، ورأى قومه قد عبدوا العجل، عاتب أخاه هارون (عليه السلام) قائلا له: "لماذا لا تدع الناس يعبدون العجل؟ ألا تعلم أن الله سبحانه يحب أن يعبد في أية صورة كان المعبود؟
وكذلك - أيضا - يفسر بعض العرفاء قوله تعالى: ((اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى)) بأن المقصود من "فرعون" ليس شخصاً معيناً، بل المقصود به "القلب القاسي"، وهذه الآية تشير إلى مجاهدة هذا القلب11.
وهنالك - أيضاً - تفسير القرآن الكريم حسب "الفكر المادي"، والذي حدث متأثراً بالفترة التي أخذت الحضارة الغربية تخطو فيها خطوات واسعة في المجالات العلمية والتكنولوجية، مما أبهر بريقها عيون بعض المسلمين. هؤلاء أخذوا يفسرون القرآن بطريقة خاصة ترك الاتجاه المادي بصماته واضحة عليها.
فالملائكة والجن والشياطين فسروها بـ" القوى الطبيعية" التي تسيّر الإنسان والكون، ومعاجز الأنبياء أخذت تعطي مدلولات جديدة، وتفسر بشكل جديد، وهكذا، وهلم جرا.
إن كل هذه الأنواع من التلاعب بمعاني القرآن الكريم، وتوجيه الآيات القرآنية على حسب الأفكار العقائدية المسبقة أو الأفكار الصوفية والعرفانية أو الاتجاهات المادية، كل هذه تعتبر من أنواع "التفسير بالرأي" المرفوض من قبل الدين - حسب الاحتمال الأول.
أما الاحتمال الثاني في معنى "التفسير بالرأي" فهو
(2)
التسرع في تفسير الآيات القرآنية على حسب ما يظهر للفرد في بادئ الرأي، ووفق ما توحي إليه ظنونه الأولية من دون الاستيقان ومن دون الرجوع إلى سائر الآيات والروايات الواردة في ذلك الموضوع.
ذلك لأن "الرأي" في اللغة العربية يعني: الظن والتخمين - كما تشير إليه بعض المصادر12. فالتفسير بالرأي - وفقا لهذا الاحتمال - يعني: أن يفسر القرآن بسبب بعض الظنون النيئة التي لم تنضج بعد، رغم ((إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا)) - كما يؤكده القرآن الكريم.
ومما يجدر ذكره في هذا المجال أن امرأة على عهد عمر بن الخطاب كانت تمارس الجنس مع مملوكها، وهذا بالطبع أمر محرم في نظر الإسلام، فذُكر ذلك لعمر، فأمر أن يُؤتي بها، ولما جاءت، سألها: "ما حملك على ذلك؟" فقالت: "تأولت آية من كتاب الله، وهي: ((وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُون إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُم))13." وفي بعض الروايات: "كنت أراه يحل لي بملك يمينين كما يحل للرجل المرأة بملك اليمين."14
ومن هذا القبيل أن يقرأ الإنسان قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَة)) فيبادر إلى القول: "إن فكرة الشفاعة هي فكرة خرافية، وأن القرآن قد نفاها من الأساس." أو يرى قوله تعالى: ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)) فيتصور الله جسما قد تربع على عرشه العظيم.
إن هذا الشكل من الفهم المتسرع للآيات القرآنية - على حسب ما يقتضيه الظن والتخمين، وبعض الاستحسانات العقلية - هو ما نهت عنه الروايات السابقة - حسب الاحتمال الثاني.
(3)
فهم آيات القرآن الكريم المرتبطة بالأحكام والآيات والمتشابهة والآيات المجملة وما شابه بعيداً عن روايات أهل البيت عليهم (الصلاة والسلام)، وبدون توفير قاعدة علمية رصينة تؤهل الإنسان للاستنباط، ذلك لأنه في عهد الرسالة كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الذي يشرح للمسلمين الآيات الغامضة المبهمة، وفي ذلك يقول الله سبحانه: ((وَأَنزَلْنَا إِلَيْك الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِم))15، ولكن، ماذا بعد رحيل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
لقد خلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بعده كتاب الله والعترة، وقد قرن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) القرآن بالعترة في أحاديث كثيرة16، من هنا فإن أية محاولة للفصل بينهما هي محاولة خاطئة، ويؤيد ذلك أن كثيراً من الروايات التي ورد فيها النهي عن "التفسير بالرأي" جاءت ردا على أولئك الذين كانوا يحاولون فهم القرآن بعيدا عن أهل البيت (عليهم السلام)، بل ونقيضا لهم - في بعض الأحيان - كقتادة وغيره.
كما جاءت مجموعة من الروايات في هذا الصدد منها: ما روي عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): "إنما هلك الناس في المتشابه، لأنهم لم يقفوا على معناه، ولم يعرفوا حقيقته، فوضعوا له تأويلا من عند أنفسهم بآرائهم، واستغنوا عن مسألة الأوصياء فيعرِّفونهم." ومنها ما روي عنه - أيضا: "إنهم /أي المخالفين/ ضربوا القرآن بعضه ببعض، واحتجوا بالمنسوخ، وهم يظنون أنه الناسخ، واحتجوا بالخاص، وهم يظنون أنه العام، واحتجوا بأول الآية، وتركوا السنة في تأويلها، ولم ينظروا إلى ما يفتح به الكلام وإلى ما يختمه، ولم يعرفوا موارده ومصادره، إذ لم يأخذوه عن أهله، فضلوا وأضلوا."17
وهكذا، نجد أن فهم القرآن - في طوائف من الآيات - بشكل مستقل وبعيدا عن أهل البيت أو بدون توفر القاعدة العلمية الكافية (والمتمثلة في الوصول إلى درجة "الاجتهاد") يعتبر تفسيرا بالرأي - حسب الاحتمال الثالث.
والسؤال - الآن - هو: لقد برزت أمامنا حتى الآن ثلاثة احتمالات في معنى "من فسر القرآن برأيه" وهي:
1 - فسر القرآن بآرائه الشخصية، وذلك بقسْمَيْه: فسر القرآن بهواه، وفسر القرآن بمسبقاته الفكرية.
2 - فسر القرآن بظنه.
3 - فسر القرآن بفهمه المستقل عن أهل البيت (عليهم السلام)، أو بدون توفر القاعدة العلمية الكافية.
فأي واحد منه هذه المعاني هو المقصود؟
الجواب: يمكننا أن نستفيد من إضافة كلمة "رأي" إلى "الهاء" في قول الإمام "برأيه" معنى عاما يشمل هذه المعاني، وذلك المعنى هو: "تفسير القرآن بالرأي الشخصي النابع من الذات لا من الواقع." وهذا المعنى العام يشمل القسم الأول من المعنى الأول، لأنه تفسير للقرآن بالهوى وليس الواقع، والقسم الثاني من المعنى الأول لأنه تفسير للقرآن بالتعصب والأفكار المسبقة وليس بالواقع. والمعنى الثاني لأنه تفسير للقرآن بظنه الشخصي الذي لا يغني من الحق شيئا وليس بالواقع. والمعنى الثالث لأنه تفسير للقرآن بالأفكار الشخصية وليس بالواقع - الذي مقياسه هو أهل البيت (عليهم السلام)، والذي تكشف عنه القاعدة العلمية المشار إليها)، فتأمل.
وهكذا، نجد أن الروايات التي تنهى عن "التفسير بالرأي" لا تقصد بذلك النهي عن التدبر في القرآن الكريم، وإنما تنهى عن "تفسير القرآن بالرأي الشخصي النابع من الذات لا من الواقع،" بمختلف صوره وأشكاله
__________________
رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي

الزهراء عشقي غير متصل  

قديم 11-09-11, 06:20 AM   #3

الزهراء عشقي
...(عضو شرف)...

 
الصورة الرمزية الزهراء عشقي  







فرحانة

رد: التدبر في القرآن - السيد محمد رضا الشيرازي


الشبهة الثانية: كيف نعرف العام والخاص
والمطلق والمقيد والناسخ والمنسوخ؟

إن في القرآن عاما وخاصا ومطلقا ومقيدا وناسخا ومنسوخا، وهل يعرف ذلك إلا الراسخون في العلم؟ والجواب: إن العلم الإجمالي ينحَلُّ بالعثور على القدر المتيقن من موارد النسخ والتقييد والتخصيص، فتُحكّم في سائر الآيات "أصالة الظهور" التي تقضي بأن ظواهر الكلام حجة إذا لم تقم قرينة على الخلاف، وحيث تنتفي تلك القرينة بالفحص، يكون الظهور حجة بلا إشكال.
وينبغي هنا أن نذكر ملاحظتين:
إن الآيات التي طرأ عليها التخصيص أو التقييد أو النسخ هي آيات محدودة، ولا يمكن أن نسحب الحكم المنطبق على بعض الآيات على القرآن الكريم ككل1.



إن أغلب أو كل الآيات التي طرأ عليها التخصيص أو التقييد أو النسخ هي الآيات التي تتناول "الأحكام الشرعية" - كأحكام القتال والطلاق والزنا والعدة وما أشبه، ومن الطبيعي أن الاستنباط من آيات الأحكام ونحوها يختص بالفقهاء والمجتهدين، ولا يحق للرجل العادي أن يستنبط منها. وحديثنا هنا في التدبر في الآيات الأخرى - تلك الآيات التي تتناول القضايا الخلقية والاجتماعية والثقافية - وما أشبه - مما لا يترتب عليه حكم شرعي وليس في آيات الأحكام، فتأمل.


الشبهة الثالثة: الذين أخطأوا في فهم القرآن
لقد أخطأ الكثيرون في فهم الآيات القرآنية، وانحرفوا بذلك عن سواء السبيل، فمن يضمن لنا: عدم الوقوع في الخطأ كما وقعوا هم؟ أليس من الأفضل أن ندفن رؤوسنا في الرمال، ولا ندور حول مواضع الزلل؟
الجواب: لقد وضحنا - بشكل ضمني - فيما سبق أن خطأ البعض في فهم القرآن يعود إلى أحد عوامله التالية:
تحكيم الأهواء الشخصية في تفسير القرآن.



التعصب للمسبقات الفكرية المغروسة في أعماق الفرد، وبالتالي تطويع القرآن لهذه الآراء، بدلا من تطويع هذه الآراء للقرآن. ومما يدخل ضمن هذا الإطار: التعصب للأفكار المذهبية الخاطئة، ومحاولة تفسير الآيات القرآنية بشكل يؤيد هذه الأفكار.


التسرع في اعتناق الأفكار التي تظهر للإنسان في بادئ الرأي، وهدم التدقيق في صحة هذه الأفكار أو سقمها.


عدم الرجوع إلى روايات أهل البيت (عليهم السلام) في الآيات المجملة أو الآيات المتشابهة - وما شابه، وعدم توفر القاعدة العلمية اللازمة فيما يتوقف على ذلك.


أما عندما يكون الفرد تلميذ القرآن المتواضع، ويكيف أهواءه وأفكاره وفق قيم القرآن ومبادئه وليس العكس، ويتأنى في تقبل ما يخطر على باله من أفكار، ويعود إلى أهل البيت (عليهم السلام) فيما تشابه عليه، ويوفر في ذاته القاعدة العلمية الرصينة فيما يتوقف فهمه على وجود مثل تلك القاعدة، عندئذ تقل نسبة الخطأ في فهم القرآن إلى حدود كبيرة، ويمكن أن تنعدم بالتالي2.
الشبهة الرابعة: القرآن كتاب غامض، فكيف نفهمه؟
يقولون: "القرآن يكتنفه الإبهام والغموض، ففيه غموض في الكلمة، وغموض في المغزى، فكيف نستطيع بعد بذلك أن نفهمه؟ لقد نزل القرآن قبل ألف وأربعمائة عام، وخاطب جيلا قد مات منذ أمد سحيق، فهل تستطيع أجيالنا أن تفهم القرآن الآن؟"
الجواب:
إن أغلب الآيات القرآنية هي آيات واضحة في الكلمات والمعاني والأهداف، كما قال سبحانه: ((وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِر))، وبإمكان أي فرد أن يتصفح القرآن الكريم ليجد هذه الحقيقة ماثلة أمام عينيه.



ولكن تظل هنالك مجموعة من الآيات غامضة ومبهمة، وذلك يعود إلى ابتعاد أمتنا عن اللغة العربية الأصيلة وليس إلى القرآن ذاته3.


والسؤال الآن هو: كيف نفهم هذه الآيات الغامضة؟
والجواب: هنالك ثلاث طرق:
أ - الرجوع إلى معاجم اللغة، واستخراج معاني الألفاظ منها.
ب - التدبر في السياق العام للآية، واستنباط معنى الكلمة أو الآية من خلال ذلك. ورغم أن السياق ليس عاملا نهائيا وحاسما في فهم الآيات القرآنية، إلا أنه يعيننا كثيرا في هذا المجال (إذا كان بحيث يشكّل ظهورا عرفيا للكلمة أو الجملة)، مثلا: إذا أردنا اكتشاف معنى "حول" في قوله تعالى ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلا خَالِدِين فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا))4 فما علينا إلا أن ننظر إلى سياق الآية الكريمة لكي نكشف أن معنى "حول" هو "التحول" و "الانتقال". أو إذا أردنا فهم "الإملاق" في قوله تعالى: ((وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّن إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُم))5 فما علينا إلا أن ننظر إلى الجو العام المحيط بالآية لنعرف أن معناه هو "الفقر" و "الحاجة"، وهكذا.
ج - التفسير: إن لمعرفة الإطار التاريخي الذي هبط فيه الوحي، والمورد الذي نزلت فيه الآية الكريمة الأثر الكبير في فهم معاني الآيات القرآنية والأهداف التي نزلت من أجل تكريسها هذه الآيات، وذلك لأن القرآن نزل بشكل تدريجي، وأكب في الأحداث التي واجهها المسلمون في عهد الرسالة، ولم ينزل على الناس مرة واحدة، ولذلك كان من الطبيعي أن تحمل الآيات طابع الظروف التي هبطت فيها.
وكتب التفسير هي التي تسلط الأضواء على هذه الظروف، وتعطي - بالتالي - الأبعاد الحقيقية للآية الكريمة (بالإضافة إلى الفوائد الأخرى الهامة الأخرى التي تمنحنا إياها كتب التفسير).
هذه كانت أهم الشبهات التي يُتمسك بها للتدليل على عدم جواز - وحتى عدم إمكان - التدبر في الآيات القرآنية، ولقد عرفنا من خلال هذا المبحث إمكان و مشروعية التدبر في القرآن الكريم، ويبقى أن نشرح ضرورة التدبر في القرآن، وهذا ما يتكفل به الفصل القادم - بإذن الله.



__________________
رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي

الزهراء عشقي غير متصل  

قديم 11-09-11, 06:21 AM   #4

الزهراء عشقي
...(عضو شرف)...

 
الصورة الرمزية الزهراء عشقي  







فرحانة

رد: التدبر في القرآن - السيد محمد رضا الشيرازي


لماذا التدبر في القرآن؟ هكذا يتساءل البعض، ويضيفون: إننا نقرأ القرآن، ونستمع إلى تلاوته كل صباح ومساء، أفلا يكفينا هذا؟ والجواب:
1. التدبر في القرآن هو الطريق للاستفادة من آياته والتأثر بها.
إن القراءة الميتة للقرآن لا تعني أكثر من كلمات يرددها اللسان دون أن تؤثر في واقع الفرد التأثير المطلوب، أما "التلاوة الواعية" فهي تتجاوز اللسان لكي تنفذ إلى القلب، فتهزه، وتأثر فيه.
لقد كان أولياء الله العارفون يتلون القرآن بوعي، فكانت جلودهم تقشعر، وقلوبهم ترتجف حين يقرأون آية، بل ربما كانوا يصعقون لعظم وقع الآية في نفوسهم. لقد تلا الإمام الصادق (عليه السلام) آية في صلاته ورددها عدة مرات، فصعق صعقة، ووقع مغشيا عليه، ولما أفاق سئل عن ذلك، فقال: "لقد كررتها حتى كأني سمعتها من المتكلم بها، فلم يثبت لها جسمي، لمعاينة قدرته." وكانت الآية ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإَيَّاكَ نَسْتَعِينُ)).
بل إن التدبر لحظاتٌ في القرآن الكريم كان منعطفا تغييراً كبيراً في حياة الكثيرين، فهذا الفضيل بن عياض كان في بداية حياته مجرماً خطيراً، وكان ذكر اسمه كافياً لإثارة الرعب في القلوب. لقد كان يقطع الطريق على القوافل، ويسلب المسافرين ما يملكون.
وذات يوم وقعت نظراته على فتاة جميلة، فصمم في نفسه أمراً، وفي نفس تلك الليلة كان يتسلق جدار ذلك البيت الذي تسكن فيه الفتاة، وهو ينوي الاعتداء عليها واغتصابها، وفي هذه الأثناء، تناهى إلى مسامعه صوت يتلو هذه الآية الكريمة: ((أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّه))، فأخذ يفكر في الآية بضع ثوان، وأخذ يردد مع نفسه: "يا رب، بلى قد آن."1 ثم هبط من الجدار، وتولى بوجهه شطر المسجد الحرام، فاعتكف فيه إلى أن مات.
إن تدبر هذا الرجل في آية واحدة حوّله من مجرم متمرس بالجريمة إلى معتكف في محراب العبادة، فكيف إذا تدبر الإنسان في كل القرآن؟
2. التدبر في القرآن هو الطريق لفهم قيم القرآن وأفكاره ومبادئه كما أنزلها الله سبحانه.
إن هناك خيارات صعبة وعديدة تطرح أمام الفرد وأمام الأمة كل يوم، ولاختيار الطريق السليم بين الخيارات لابد من الرجوع إلى القرآن، والتدبر في آياته. ومن هنا يقول الله سبحانه: ((إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَم))2، ومن هنا - أيضا - أطلق القرآن على نفسه اسم "الفرقان"، ذلك لأنه يفصل ويفرق بين الحق والباطل والهدى والضلال، ولكن لمن؟ الجواب: لمن يفهم آياته، ويتدبر فيها.
3. هنالك مشاكل كثيرة يصطدم بها الإنسان في حياته - سواء المشاكل الفردية التي لا تتعدى إطار ذاته أو المشاكل الاجتماعية التي تصيب الجميع، والقراءة الواعية للقرآن الكريم، والتدبر في آياته يقومان بدور مزدوج في هذا المجال، فهما يقومان - من جانب - بتطهير ما علق في نفس الإنسان من سلبيات - ومن هنا يقول الله سبحانه:
((قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَة مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُور))3
((وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ))4
ويقومان - من جانب آخر - بوضع البرامج السليمة للخروج بحل ناجع لهذه المشاكل.
4. وأخيراً، فإن التدبر في القرآن هو الطريق للعمل بما جاء فيه، وذلك لأن العمل بالقرآن يتوقف على فهمه، وفهم القرآن لا يمكن إلا بالتدبر في آياته. ومن هنا فإن الذين لا يتدبرون القرآن ربما يفوتهم تطبيق الكثير من مبادئ الدين في حياتهم العملية وهم لا يشعرون.
منهج التدبر في القرآن
قبل الحديث عن منهج التدبر في القرآن لابد أن نعترف أن استعراضنا لهذا المنهج - هنا - هو استعراض ناقص، ويعود ذلك إلى عاملين:
أحدهما: صعوبة الإحاطة بالمنهج بشكله المتكامل، فالقرآن بحر عميق، لا يدرك غوره، ولا تفنى عجائبه - كما يقول الإمام عليه (عليه السلام)، ومن هنا فإن الإحاطة أمر صعب، إن لم يكن أمراً مستحيلاً.
وثانيهما: أن بعض هذه المناهج قد تكون عسيرة الهضم على البعض، ذلك لأن فهمها يرتبط باستيعاب علوم معينة، ومن هنا تركنا التعرض إلى تلك المناهج في هذا البحث.
وبعد معرفة هذه الحقيقة، ينتصب السؤال التالي: ما هو منهج التدبر في القرآن؟ والجواب: إن المنهج يعتمد على طرح مختلف التساؤلات حول "الظواهر القرآنية"، فكل آية من القرآن الكريم مجال خصب لطرح تساؤلات عديدة، وعلى الفرد الذي يحاول التدبر أن يثير عقله في هذا التساؤلات، ومن ثم يحاول الإجابة عليها.
__________________
رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي

الزهراء عشقي غير متصل  

قديم 11-09-11, 06:22 AM   #5

الزهراء عشقي
...(عضو شرف)...

 
الصورة الرمزية الزهراء عشقي  







فرحانة

رد: التدبر في القرآن - السيد محمد رضا الشيرازي


كيف تفهم أجيالنا المعاصرة القرآن الكريم؟

قبل أن نجيب على هذا السؤال لابد من أن نطرح سؤلاً آخر هو:

- كيف فهم الطلائع المسلمون الذين عاشوا في عصور الرسالة الأولى هذا الكتاب المجيد؟
الجواب: لقد فهموا القرآن "كتابً للحياة" و"برنامجاً للتحرك" و"خريطة للسلوك". كان الواحد منهم يقرأ القرآن وكأنه هو المخاطب بآياته، وكان يستنبط من آيات القرآن بصائر واضحة يستعين بها في مسيرة الحياة الطويلة، وعندما كانت تعترض الواحد منهم مشكلة أو يجد نفسه على مفترق طريق لا يدري أين تؤدي به كان يلتجئ إلى القرآن، يقلب صفحاته، ويتأمل في آياته حتى يعثر على حل لمشكلته، ويجد الضوء الذي يكشف من أمامه الظلمات.
وجاءت من بعدهم أجيال أساءت الفهم، وضلت الطريق. هذه الأجيال تصورت القرآن "كتاب موت" بدل أن يكون "كتاب حياة"، فالقرآن لا يعني بالنسبة إلى حياة هؤلاء شيئاً، وأنه مجموعة من القضايا الميتافيزيقية والقصص التاريخية والطقوس العبادية، وأي ربط لهذه الأمور بالحياة؟
إذن، فمن الطبيعي بعدئذ أن يبحثوا عن قيم الحياة ومناهج الحياة وتعاليم الحياة في أي مكان آخر غير القرآن - بالطبع. وقد نتج هذا الفصل - الفصل بين القرآن وبين الحياة المعاشة - من عدة عوامل منها:
1. الهوى والشهوات، ذلك لأن الفهم الحيوي والواقعي للقرآن يعني:
أ) تحديد شهوات الإنسان وأهواؤه - كما سيتضح ذلك فيما بعد.
ب) التنازل عن كثير من الارتباطات والعلاقات الاجتماعية، بل ومقاومة الكثير من "مراكز القوى" التي تربط مصالح الإنسان المادية بالخضوع لها والتعاون معها، ولكن أهواء الإنسان لا ترضى بذلك. "إذن، لنفهم القرآن ككتاب ميت، وعندئذ ننطق في حياتنا كما نشتهي ونريد."
2. الفهم الخاطئ للدين، ذلك لأن الدين الذي:
أ) يأمر أتباعه بالعزلة والانزواء عن المجتمع،
ب) ويهتم بالآخرة، ولا يعير الدنيا أي اهتمام،
ج) ويرفض التدخل في السياسة حتى لو كانت نزيهة في أهدافها ووسائلها، (لأنها خبث وكذب ونفاق).
هذا الدين لا يرتبط بالحياة - بالطبع، وقرآن هذا الدين هو كذلك، إنه كتاب يدعو الإنسان إلى الزهد في الدنيا وصرف كل جهوده في الآخرة، فما هي قيمة الدنيا؟ إنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة! بل هي أساساً سميت "دنيا" لأنها دنيئة وهابطة. إذن، ما لنا ولها؟ دع الدنيا للآخرين، دعها للكافرين يتمتعوا بها، ويتقلدوا زمامها، أما أنت فاعبد الله حتى يأتيك اليقين، لتكن دنياك خربة ومتهاوية، ليس ذلك مهماً، المهم أن تكون آخرتك معمورة.
إن هذا المنطق هو بالضبط منطق عبد الله بن عمر حينما مات معاوية وقام على الأمر بالسيف يزيد، لقد رفض عبد الله بن عمر أن يأخذ أي موقف رافض، واكتفى بالقول: "أما أنا فعلي بقراءة القرآن ولزوم المحراب."
وهكذا يجني الفهم الخاطئ للدين على الفهم الحيوي أو الواقعي للقرآن.
3. اعتبار القرآن كتاباً متعالياً عن الإدراك البشري، فالذين يعتبرون القرآن مجموعة من الألغاز والأحاجي والرموز الغامضة - هؤلاء بالطبع - لا يستطيعون أن يفهموا القرآن، وحتى لو فهموه فإنهم لن يسمحوا لعقولهم أن تقوم بـ"الفهم الواقعي والحيوي"، بل إن ذلك - في نظر بعضهم - هو الانحراف الصريح.1
والسؤال الآن هو: ما هي النتائج التي ترتبت على هذا الفصل - الفصل بين القرآن وبين الواقع القائم؟
والجواب:
1. أصبح القرآن - بذلك - كتاباً ميتاً، لا يستطيع الدفع والتحريك بعد أن كان - وعلى امتداد فترة طويلة من الزمن - المحرك الأساسي للأمة المسلمة على طريق النمو والتقدم.
لقد وعت الأمة بفضل القرآن، وتحركت بفضل القرآن، وتصاعدت بفضل القرآن، واندفعت تنشر النور في أقطار الأرض، وتحطم عروش الطغاة في كل مكان بفضل القرآن، وأنجزت كل شيء بفضل القرآن. هذا ما كان في السابق، وحين كانت الأمة تنظر إلى القرآن كتاباً للحياة ومنهجاً للتحرك وخريطة للمسير.
أما اليوم - وحين انفصل القرآن من الحياة - ولم يبق منه إلا الرسوم - كما يقول الإمام علي (عليه السلام) - فقد انتهت فاعليته، وأصبح لا يحرك فرداً، ولا يبني كياناً، ولا يرهب عدواً.
2. انفصل القرآن - بذلك - عن أجيالنا الصاعدة، ذلك لأن هذه الأجيال تبحث عن القضايا المتحركة التي ترتبط بواقعها القائم، أما القضايا الجامدة والقصص الميتة فهي لا تستثيرها، ولا تستقطب اهتماماتها، ولأن هذه الأجيال فهمت القرآن كتاباً عتيقاً ميتاً لا يرتبط بالواقع القائم - لذلك - ألقت بالقرآن وراء ظهرها، وانطلقت تبحث عن أيديولوجية أخرى تعالج مشاكلها الحاضرة.
ولو كان هؤلاء قد فهموا القرآن فهماً حيوياً وواقعياً لما كانوا قد انفصلوا عنه، ونحن واثقون بأن هؤلاء سوف يعودون يوماً ما إلى القرآن وإلى الأيديولوجية الإسلامية - بعد أن يفهموها بشكلهما الواقعي الحي .
3. ظلت بالفصل بين القرآن وبين "الفهم الواقعي" له المفاهيم الخاطئة مكرسة في نفسية الأمة، بينما كان بإمكان "الفهم الحيوي" و"الواقعي" للقرآن الكريم أن يعالج الكثير من هذه المفاهيم، وسنضرب فيما بعد بعض الأمثلة على ذلك.
هذه كانت - بإيجاز - النتائج الخطيرة التي ترتبت على "الفهم الميت" لآيات القرآن الكريم وينتصب هنا سؤال ليقول: ما هي مظاهر "الفهم غير الواقعي" للقرآن؟ والجواب هنالك ثلاث مظاهر:
الفهم الجريدي.

الفهم التاريخي.

عدم إعطاء الكلمة مدلولها الحقيقي.
__________________
رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي

الزهراء عشقي غير متصل  

قديم 11-09-11, 06:23 AM   #6

الزهراء عشقي
...(عضو شرف)...

 
الصورة الرمزية الزهراء عشقي  







فرحانة

رد: التدبر في القرآن - السيد محمد رضا الشيرازي


أولا: الفهم التجريدي
يرتكز "الفهم التجريدي" للقرآن الكريم على عنصرين:
الأول: ربط المفاهيم القرآنية بعالم الغيب.
الثاني: فصل هذه المفاهيم عن الواقع القائم.
إذن فللقضية جانبان: جانب إيجابي يتمثل في العنصر الأول وجانب سلبي يتمثل في العنصر الثاني. ونحن وإن كنا نرتضي الجانب الإيجابي من القضية لأنه صحيح ومؤكد، إلا أننا نرفض الجانب السلبي لأنه يعتبر تجزيئاً للدين، وفيما يلي بعض الأمثلة السريعة على "الفهم التجريدي" للقرآن:
(1)
يقول القرآن الكريم: ((وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ))1
كيف يفهم التجريديون هذه الآية والتي تكررت بصيغ مختلفة في أماكن مختلفة من القرآن الكريم؟
الجواب: "إن لله سبحانه ميزة من أهم ميزاته هذه الميزة تجعل الله متفرداً عن كافة الكائنات وهي أنه واحد أحد فرد صمد لا شبيه يعادله ولا شريك له يشاكله،" ويستطرد التجريديون قائلين: "إن النظام الكوني هو خير دليل على وحدانية الله، ذلك لأنه لو كان هنالك إلهان لتنازع أحدهما مع الآخر، ولاختل نظام الكون وتهاوت الحياة." إذن، فالقضية لا ترتبط بالواقع البشري من قريب ولا من بعيد، بل إنها مجرد قضية اعتقادية ترتبط بعالم الغيب والميتافيزيقيا.
ولكن الحقيقة أن كلمة "لا إله إلا الله" هي منهج كامل للحياة بكل ما للحياة من ظلال وأبعاد، فهي تعني:
1. أن العبادة مختصة بالله، وكما يقول القرآن الكريم: ((قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ))2
2. إن الحاكمية مختصة بالله، وفي هذا المجال يقول القرآن:
- ((أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ))3
- ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ))
- ((فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا))4
- ((اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ))5
3. إن الطاعة مختصة بالله، وفي هذا المجال يقول القرآن:
- ((أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ))6
- ((أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ))7
- ((يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ))
وهكذا نجد أن الذين يخضعون لمن دون الله أو يرجعون في حياتهم إلى حكم غير الله سواء في المجال التشريعي كالأحبار أو في المجال التنفيذي كالطواغيت أو يسيرون وراء أهواءهم وشهواتهم، كل هؤلاء ليسوا بموحدين حقيقيين لله.
وبهذا الفهم المتحرك يصبح شعار "لا إله إلا الله" شعاراً واقعياً، بل أهم من ذلك شعار مرتبط بالواقع على الإطلاق، ومن ثم يكتسب حيوية وفاعلية وحرارة.
(2)
يقول القرآن الكريم: ((وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ))8
ما هو مفهوم الآية الكريمة ومثيلاتها في نظر التجريديين؟
"إن الآية تتناول مسألة ’العدل الإلهي‘، ويعتبر هذا من أهم صفات الله تعالى، وهو يعني أن الجزاء الإلهي للبشر يوم القيامة سيجري بشكل دقيق وعادل، حيث تنصب الموازين الدقيقة التي تزن كل شيء سواء كان كبيراً أو صغيراً ((فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ))." ويضيف هؤلاء: "إن عدالة الله نابعة من غناه المطلق وعلمه التام، فهو ليس محتاجاً، وليس جاهلاً، ولذلك فهو لا يظلم الناس."
والحقيقة أن العدالة الإلهية ليست خاصة بـ"الماورائيات"، بل هي تشتمل كذلك مختلف جوانب الحياة الكونية والبشرية، ذلك لأن العدالة تنقسم إلى:
العدالة الكونية، حيث نجد الكون بكل ما فيه بدءاً من الذرة وانتهاءاً إلى المجرة ومروراً بكل الكائنات - نجده - قائماً على أسس حكيمة وعادلة.

العدالة التشريعية، فلم يأت تشريع من تشريعات السماء من أجل العبث أو التضييق على الناس. إن كل "الأحكام الإلهية" نابعة من علم دقيق وحكمة تامة وعدل تام.

العدالة الاجتماعية، فالله سبحانه يفسح المجال للجميع لكي يعملوا، ويمد الجميع كذلك، وإذا ما تقدمت فئة معينة بسبب العمل، فإنه لن يتدخل لصالح فئة أخرى لا تعمل. حتى لو كانت تلك الفئة تعتنق مبادئه وتطبق أحكامه - أو بالأحرى بعض أحكامه.9 فليستيقض الكسالى الغارقون في الأحلام - النائمون على الحرير الأرمل الرقيق، وليعلموا أن الله لن يصبح "بديلا" عنهم، ولن يطهر الأرض من أدناس الجاهلية إلا بعد أن يعمل المؤمنون ويتحركوا!

العدالة الجزائية، حيث يلاقي - على أسس من هذه العدالة - المحسن جزاء إحسانه والمسيء جزاء إساءته، دون أن يظلموا مثقال ذرة، وكما يقول القرآن: ((إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ))10.

ولكن هذه العدالة ليست خاصة بالآخرة، بل إنها تشمل الدنيا - كذلك - فمن أحسن يجد الحسنى في الدنيا ومن بعدها الآخرة، ومن أساء يجد السوءى في الدنيا ثم يرد إلى عذاب النار وبئس المصير.
وهكذا نجد أن الفهم الواقعي للقرآن الكريم يجعله ينبض بالحياة وكأن آياته قد هبطت للتوى واللحظة، بينما "الفهم التجريدي" يحول المفاهيم القرآنية الحية إلى مفاهيم ميتة وباهتة - أو على الأقل يحصرها ضمن إطارات محددة
__________________
رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي

الزهراء عشقي غير متصل  

قديم 11-09-11, 06:25 AM   #7

الزهراء عشقي
...(عضو شرف)...

 
الصورة الرمزية الزهراء عشقي  







فرحانة

رد: التدبر في القرآن - السيد محمد رضا الشيرازي


ثانياً: الفهم التاريخي
الفهم التاريخي للقرآن الكريم يعني أحد أمرين:
الأول: تلقي قصص القرآن الكريم كمجرد قصص تاريخية الهدف منها ذاتها، من دون النفوذ إلى العبر الكامنة وراءها. هذا القسم يفهم التاريخ كأحداث مضت، ويفهم قصص القرآن كقصص أفراد غابرين، ويكتفي بهذا القدر من فهم التاريخ دون أن يمارس مع ذلك فهماً آخر هو "الفهم العبروي".
الثاني: تلقي القصص القرآنية كقصص مرتبطة بذوات خاصة وأفراد معينين، من دون اعتبار هذه القصص رمزاً ونموذجاً حياً يتكرر في كل زمان ومكان.
فالقرآن ذكر قصة الحاكم الطاغية "فرعون"،
والوزير المداهن "هامان"،
والعالم الذي كان في القمة، ثم هوى إلى الحضيض "بلعم بن باعوراء"،
والشجرة الطيبة "أهل البيت"،
والشجرة الخبيثة "بني أمية" ... و ...
كل ذلك مفهوم لدى هذا القسم، إنه يعرف التاريخ الذي مضى تماماً، ولكنه يجهل - أو يتجاهل - التطبيقات الحية الواقعية لهذه "الرموز". إنه لا يريد أن يعرف "فرعون" و"هامان" و"بلعم" الذين يعيشون في عصره، لأن ذلك يعني ضرب كثير من قيمه وعلاقاته الاجتماعية ومصالحه، ولذلك فهو يعوض عن جهله بحاضره بمعرفته بتاريخه الذي مضى وراح.
والدين يرفض كلا النوعين من "الفهم".
1. فالقرآن يؤكد أن ما ورد فيه من قصص هي "للعبرة" فيقول:
- ((هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ)) إلى أن يقول ((فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ))1.
- ((قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ))2.
- ((لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ /أي الرسل/ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ))3.
- ((فَأَخَذَهُ اللَّهُ /أي أخذ فرعون/ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى))4.
وماذا يعني الاعتبار؟ "إنه لغوياً يعني العبور من شيء إلى شيء آخر، ولهذا سمي الدمع بـ’العبرة‘ لأنه ينتقل من العين إلى الخد، وسمي الجسر 'معبراً' لأنه به تحصل المجاوزة، وسميت الألفاظ 'عبارات' لأنها تنقل المعاني من قلب المتكلم إلى عقل المستمع، ويقال: 'السعيد من اعتبر بغيره' لأنه ينتقل بعقله من حال ذلك الغير إلى حال نفسه."5
وفي هذه الآيات تعني "العبرة"، العبور من القصة إلى مغزاها وتجاوز سطور التاريخ لاستشفاف ما وراء هذه السطور.
2. وتؤكد الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) أن لقصص القرآن نماذج حية في كل زمان ومكان.
أ - فعن الفضيل بن يسار، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) (الإمام الصادق) عن هذه الرواية: "ما في القرآن آية إلا ولها ظهر وبطن". قال: "ظهره تنزيله، وبطنه تأويله. منه ما مضى، ومنه ما لم يجيء بعد، يجري كما تجري الشمس والقمر." وفي خبر آخر: "يكون على الأموات كما يكون على الأحياء." والإمام الصادق (عليه السلام) يعني بالظهر المصداق للآية قبل ألف وأربعمائة سنة. أما البطن فهو المصداق الباطني للآية، أي المصاديق المتكررة في كل زمان ومكان والتي ينطبق عليها مفهوم الآية، ولذلك جاء في الحديث: "إن لكل ظهر بطنا".
والسؤال - الآن: لماذا شبهت الرواية القرآن الكريم بالشمس والقمر؟
والجواب: إن الشمس والقمر يشرقان كل يوم على شيء جديد، وكذلك القرآن إنه ينطبق كل يوم على مصداق جديد ليس خاصاً لجيل دون آخر أو لزمان دون زمان أو مكان دون مكان، بل هو لكل زمان ولكل مكان. وكما أن الشمس والقمر يبددان الظلمات ويضيئان من حولنا الأشياء، كذلك القرآن إنه يضيء لنا طرق الحياة، ويكشف ما خفي علينا من الأمور.
ب - عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال لحمران: "ظهر القرآن الذي نزل فيهم، وبطنه الذين عملوا بمثل أعمالهم، يجري فيهم ما نزل في أولئك."
ج - عن أبي بصير، عن الصادق (عليه السلام): "ولو كانت إذا نزلت آية على رجل ثم مات ذلك الرجل ماتت الآية لمات الكتاب، ولكنه حي يجري فيمن بقي، كما جرى فيمن مضى."
د - عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام): "... ولو أن الآية إذا نزلت في قوم ثم مات أولئك ماتت الآية لما بقي من القرآن شيء، ولكن القرآن يجري أوله على آخره ما دامت السماوات والأرض."
هـ - عن أبي عبد الله (عليه السلام): "إن القرآن حي لم يمت، وإنه يجري كما يجري الليل والنهار وكما تجري الشمس والقمر، ويجري على آخرنا كما يجري على أولنا."6
إذن، فمن الخطأ "التسمر" في فهم القرآن على أفراد معينين أو على حقب معينة. من الخطأ أن ندفن آيات القرآن في قبو الماضي السحيق، بل يجب تطبيق القرآن تطبيقاً حياً على الواقع الذي نعيش وعلى الأفراد الذين نتعامل معهم ضمن هذا الواقع من الحاكم والتاجر والقوى الاجتماعية وسائر فئات الشعب.
وفيما يلي نستعرض بعض النماذج عن "الفهم الواقعي" مقابل "الفهم التاريخي" للقرآن الكريم:
(1)
يقول القرآن الكريم: ((وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ، يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ، قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ، قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ، قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ، قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ، قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ))7
كيف يفسر أصحاب "الفهم التاريخي" هذه المجموعة من الآيات؟
"إن هذه المجموعة من الآيات تكشف عن عناد اليهود وخبث طينتهم وتمردهم على قرارات قيادتهم الرشيدة، لقد دعاهم موسى (عليه السلام) إلى قتال 'العمالقة' واستخدم في سبيل ذلك كل عوامل الترغيب والترهيب إلا أنهم أبوا، وسخروا من موسى (عليه السلام) ومن ربه - كذلك."
ويستطردون قائلين: "قاتل الله اليهود، كم جرعوا نبيهم من الغصص، وكم أذاقوه من الآلام!"
هذا - إذاً - كل ما هو في الأمر، وينتهي - بعدئذ - كل شيء. هذه المجموعة من الآيات - وعشرات مثلها - لا تهدف إلا النيل من مجموعة بشرية معينة - هم اليهود - وتسجيل اللعنة عليهم على امتداد التاريخ.
ولكن لنتساءل: هل الأمر - فعلاً - هو كذلك؟ إن مشكلة هؤلاء هي أنهم نظروا إلى هذه "القصة القرآنية" كقصة مضت وانتهت، ولم يحاولوا أن يعرفوا الواقع القائم، ولم يسعوا من أجل تطبيق ما حدث في الماضي السحيق على الواقع القائم. بينما نجد أن الروايات الشريفة تؤكد على أن الأمة الإسلامية سوف تسير على خطى اليهود8: "حتى لو دخلوا حجر ضب لدخلتم معهم،" كما جاء في الحديث الشريف، وهذا يدفعنا إلى البحث عن المصاديق الجديدة للقصص التي نقلها القرآن عن اليهود.
والآن، لنلقي نظرة "واقعية" على هذه الآيات:
1. لقد أراد بنو إسرائيل الوصول إلى الأهداف الضخمة المرسومة لهم دون أن يبذلوا أي جهد أو تعب، عندما قالوا: ((وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ)). لقد أرادوا النصر عليهم من السماء على طبق من ذهب، وهم جالسون في أماكنهم دون أن يتحملوا مسؤولية أو يعملوا شيئاً، لقد أرادوا "المدينة المقدسة" لقمة سهلة باردة. ولكن سنن الله في الكون تأبى ذلك9، ومن هنا فإنهم ليس فقط لم يصلوا إلى الهدف، بل - وأيضاً - تلقوا عقاباً إليماً صارماً نتيجة الكسل والتقاعس.
أليس هذا الواقع ذاته يتكرر الآن عند مجموعة من المسلمين؟ أليس هؤلاء يقبعون في زوايا البيوت، وينتظرون الوصول إلى أهدافهم المنشودة من دون سعي أو عمل؟ والنتيجة؟
النتيجة هي - بالطبع - خيبة الأمل والسقوط - أيضاً - تماماً كما حدث لبني إسرائيل.
2. لقد استبدل بنو إسرائيل التواكل بالتوكل. فعندما طلب "الرجلان اللذان أنعم الله عليهما من بني إسرائيل" أن يقتحموا أسوار المدينة ويتوكلوا على الله - أن يجمعوا بين السعي والاعتماد القلبي على الله؛ بين الغيب والشهود - عندما طلبا منهم ذلك قالوا: "إذهب أنت يا موسى وربك فقاتلا، إنا هاهنا قاعدون،" وعندئذ، وبدل أن يتوكلوا على الله تواكلوا، بمعنى أنهم نفضوا أيديهم من المسؤولية، وألقوها على الله سبحانه.
والآن، لننتقل بقلوبنا من الماضي السحيق إلى الواقع القائم، ولنتساءل: كم يتكرر هذا المشهد في واقعنا كل يوم؟ أليس الكثيرون منا يستبدلون بالتوكل التواكل؟10 بل أليس الكثيرون يعتبرون التوكل هو التواكل؟ وهكذا سارت أمتنا على خطى بني إسرائيل حذو النعل بالنعل والقذة والقذة <بالقذة> كما تنبأ بذلك من قبل الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم).11
__________________
رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي

الزهراء عشقي غير متصل  

قديم 11-09-11, 06:26 AM   #8

الزهراء عشقي
...(عضو شرف)...

 
الصورة الرمزية الزهراء عشقي  







فرحانة

رد: التدبر في القرآن - السيد محمد رضا الشيرازي


يقول القرآن الكريم: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ))1.
جاء في التفاسير أن بعض المسلمين أثقلوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنزلت هذه الآية الكريمة، وفي الحديث: "وكان الرجل إذا أراد أن يكلمه تصدق بدرهم، ثم كلمه /الرسول/ بما يريد، فكف الناس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبخلوا أن يتصدقوا قبل كلامه، فتصدق علي (عليه السلام) بدينار كان له فباعه بعشرة دراهم في عشر كلمات سألهن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يفعل ذلك أحد من المسلمين غيره، وبخل أهل الميسرة أن يفعلوا ذلك."2 ثم نسخ هذا الحكم بالآية التي تليها.
والسؤال - الآن - هو: ما هي العبرة الحية والواقعية التي نستفيدها من هذه الآية الكريمة ( بالإضافة إلى كونها "فضيلة" تفرد بها الإمام علي عليه السلام)
والجواب: إن هذه القصة - التي تضمنتها الآية الكريمة - تكشف لنا عن نوعين من "الإيمان":
أحدهما: إيمان تضحية.
وثانيهما: إيمان المصالح.
في "إيمان التضحية" يكون الفرد المؤمن "جندياً تحت الطلب" أي أنه يستعد لتنفيذ كل القرارات، والتضحية بكل ما يملك من مال وأهل ونفس في سبيل الله والقيم والمبادئ. أما صاحب "الإيمان المصلحي" فهو يسير في ركاب الدين ما دام هذا الدين لا يضر بمصالحه ولا يكلفه شيئاً، أما عندما يكلفه الدين مصالحه الشخصية فهو يترك الدين، ويضرب به عرض الحائط.3
وقد تجلى "إيمان المصالح" في أولئك الأغنياء الذين التفوا حول الرسول (عليه السلام) وكانوا يكثرون من مناجاته والتحدث إليه، فما أن وصل الأمر إلى الإنفاق والبذل حتى انقطعوا عن الرسول، وتركوه وحيداً في داره.4
(3)
يقول القرآن الكريم: ((وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ))5
في البداية ينبغي أن نلقي نظرة على شأن نزول هذه الآية الكريمة، ففي تفسير القمي:
لقي رسول الله (عليه السلام) الجد بن قيس، فقال له: "يا أبا وهب ألا تنفر معنا في هذه الغزوة؟ /غزوة تبوك/"
فقال: "يا رسول الله، والله إن قومي ليعلمون أنه ليس فيهم أحد أشد عجباً بالنساء، وإني أخاف إن خرجت معك أن لا أصبر إذا رأيت بنات الأصفر /أي بنات الروم/، فلا تفتني وأذن لي أن أقيم."
وقال لجماعة من قومه: "لا تخرجوا في الحر."
فأنزل الله على رسوله في ذلك هذه الآية6
إن هذا المشهد التاريخي يمثل لنا التبرير بأجلى صوره وأشكاله. إنه ليس مجرد تبرير عادي (كالتبرير بالحر والبرد وما أشبه) بل إنه تبرير ديني بمعنى أنه يتخذ من الدين ستاراً لتبرير الهروب من المسؤلية "ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني." وهو - أيضاً - لم يرد بصيغة عادية، بل صاحبته مختلف عوامل التأكيد (من القسم و"ان" و"اللام" التأكيدين وغير ذلك) كما نلاحظ في الحديث الشريف.
ولكن هذا المنطق التبريري ليس خاصاً على رجل تاريخي اسمه الجد بن قيس وكنيته "أو <أبو> وهب"، وليس خاصاً بحقبة معينة اندثرت في طيات الماضي العتيق. إنه نموذج يتكرر في كل زمان ومكان، ولكن بأنماط وصور مختلفة.
فالذين يعتذرون عن تحمل مسؤولياتهم الدينية، ويقضون أعمارهم في زوايا البيوت بحجة أنهم يخافون على أنفسهم من الانزلاق أو الكبرياء أو الضلال أو ما شابه، والذين يرفضون الانتماء إلى جبهة الحق بحجة أن هذا الانتماء قد يعرضهم لمطاردة السلطات والقبض عليهم وربما انهيارهم وانحرافهم، كل هؤلاء - وآخرون غيرهم - يمكن اعتبارهم نماذج جديدة تكرر موقفاً مشابهاً لموقف الجد بن القيس، وهم - مثله تماماً - يرددون تبريرات كثيراً ما تلبس بغطاء ديني.
ولكن ليسمعوا كلام الله: ((أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ))7.
هذه كانت بعض النماذج السريعة حول الفهم الواقعي للقصص القرآنية، وهنالك نماذج أخرى كثيرة (مثلاً قصة آدم عليه السلام؛ قصة موسى عليه السلام وفرعون؛ قصة يوسف عليه السلام؛ قصة مؤمن آل فرعون؛ قصة صاحب الجنتين؛ قصة أصحاب الكهف...)، وبإمكان القراء الكرام أن يقوموا بـ"الفهم الواقعي" لها. مستعينين في ذلك بروايات الأئمة الطاهرين (عليهم الصلاة والسلام)، وبالتفكير المنطقي السليم.
__________________
رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي

الزهراء عشقي غير متصل  

قديم 11-09-11, 06:27 AM   #9

الزهراء عشقي
...(عضو شرف)...

 
الصورة الرمزية الزهراء عشقي  







فرحانة

رد: التدبر في القرآن - السيد محمد رضا الشيرازي


ثالثاً: فهم الأبعاد الحقيقة
ونستعرض فيما يلي نموذجين لـ"عدم فهم الأبعاد الحقيقة" للآيات القرآنية.
(1)
يقول القرآن الكريم: ((ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى، وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي، اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي، اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى، فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى، قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى، قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى، فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى))8.
ما الذي تدل عليه هذه الآيات الكريمة؟
1. إن هناك حاكماً طغى وتجبر وتعدى كل الحدود، هذا الحاكم كان يعيش مع فئة معينة في القمة، بينما كانت طبقات الشعب من بني إسرائيل تعيش في الحضيض، وليس ذلك فقط، بل إن هذا الحاكم صادر - كذلك - حرية هذا الشعب، وجعله يرزح تحت سياط التعذيب.
2. وفي مثل هذا الواقع الخانق أرسل الله - من قبله - رسولاً هو موسى (عليه السلام)، فماذا كانت مهمة هذا الرسول؟
القرآن الكريم يؤكد أن "العمل السياسي" من أجل تحرير الجماهير المستضعفة كان في طليعة المهمات التي ألقيت على عاتق هذا الرسول، ومن هنا فإن الخطاب الأول من قبل موسى (عليه السلام) لفرعون كان دعوة صريحة إلى إطلاق حريات الشعب الإسرائيلي، ورفع أغلال الكبت والإرهاب عنهم: ((فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ))، وهل "العمل السياسي" غير هذا؟
فما بال البعض يقولون بأن الدين لا شأن له بالسياسة؟ (بصورتها النزيهة - بالطبع). ما بالهم يرددون بأن على رجل الدين أن ينتقل بين البيت والمسجد، وإذا تجاوز هذا النطاق فإنما ينبغي أن يكون ذلك لعيادة مريض أو تشييع جنازة وليس أكثر من ذلك. ما بالهم يقولون أن مهمة رجل الدين تنحصر في صلاة الجماعة وبيان بعض مسائل الطهارة والنجاسة ونحو ذلك، أما السياسة فهي كفر وشر ونفاق، وأن على رجل الدين أن لا يلوث نفسه باعتابها الدنسة.
ألم يكن موسى (عليه السلام) رجل دين؟ أم <ألم> تكن أول كلمة قالها دعوة تحرير سياسية؟
(2)
يقول القرآن الكريم: ((وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً))9
قال في "الميزان": "والقبلة في الأصل بناء نوع من المصدر كجلسة، أي الحالة التي يحصل بها التقابل بين الشيء وغيره، فهو مصدر بمعنى الفاعل، أي اجعلوا بيوتكم متقابلة يقابل بعضها بعضاً وفي جهة واحدة."10
وعلى هذا فإننا نستفيد من هذه الآية الكريمة درساً عظيماً في أسلوب العمل وهو أن على الفئة الرسالية أن تزيد من التلاحم الداخلي فيما بين أعضائها حتى لا تتسرب إليها سلبيات المجتمع الجاهلي الكبير، وحتى تستطيع أن تبني نفسها بشكل قوي ورصين، تماماً كما تنغلق البذرة على ذاتها في التربة، وتمتص كل الأملاح والعناصر الضرورية للحياة، وبعدئذ تخرج من التربة عالية الرأس؛ جميلة القوام، وهذا هو ما مارسته الحركات الناجحة على امتداد التاريخ البشري، وهذا هو أيضاً ما مارسه بنو إسرائيل - بأمر من موسى (عليه السلام) - في خلال مراحل نموهم الأولى11 كما يبدوا لنا من خلال هذه الآية الكريمة.
__________________
رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي

الزهراء عشقي غير متصل  

قديم 11-09-11, 06:28 AM   #10

الزهراء عشقي
...(عضو شرف)...

 
الصورة الرمزية الزهراء عشقي  







فرحانة

رد: التدبر في القرآن - السيد محمد رضا الشيرازي


هل البسملة آية قرآنية؟ وهل تقرأ في الصلاة؟
اختلفت الآراء في ذلك 1. "فذهب مالك والأوزاعي إلى أنها ليست من القرآن، ومنعا من قراءتها في الفرائض مطلقاً، نعم، أجازا قراءتها في النافلة"2. أما أبو حنيفة والثوري وأتباعهم فقرأوها في افتتاح "الحمد" ولكن أوجبوا إخفاتها. والشافعي قرأها في الجهريات جهراً وفي الإخفاتيات إخفاتاً، وعدها آية من "الفاتحة"، وهذا هو قول أحمد بن حنبل أيضاً، واختلف المنقول عن الشافعي في أنها آية من كل سورة أم أنها ليست باَية في غير "الفاتحة"3. أما الشيعة الإمامية فقد اتفقوا - تبعاً لأئمة الهدى (عليهم السّلام) - على أنها آية تامة في جميع سور القرآن الكريم (عدا سورة براءة).
والنصوص في ذلك من أئمة أهل البيت (عليهم السّلام) متواترة، أما عن طريق العامة فهنالك روايات كثيرة تدل على ذلك:
1. عن ابن جريح عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: ((وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي))، قال:" فاتحة الكتاب ((بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ))" - وقرأ السورة، قال ابن جريح: "فقلت لأبي: لقد أخبرك سعيد عن ابن عباس أنه قال: ((بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)) آية؟" قال:"نعم"4.
2. ما صحَّ عن ابن عباس أيضاً قال:"إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا جاءه جبرائيل فقرأ ((بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ))، علم أنها سورة"5.
3. ما صح عن ابن عباس أيضاً قال: "كان النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يعلم ختم السورة حتى تنزل ((بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ))"6.
4. ما صح عنه أيضاً قال: "كان المسلمون لا يعلمون انقضاء السورة حتى تنزل ((بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ))، فإذا نزلت ((بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)) علموا أن السورة قد انقضت."7.
5. ما صح عن أم سلمة قالت: "كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقرأ ((بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ..)) إلى آخرها - يقطعها حرفاً حرفاً."8
وعن أم سلمة من طريق آخر إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قرأ في الصلاة ((بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)) وعدها آية، ((الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) آيتين، ((الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)) ثلاث آيات..." الحديث9
6. ما صح عن نعيم المجمر قال: "كنت وراء أبي هريرة فقرأ ((بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)) ثم قرأ بأم الكتاب حتى بلغ ((وَلاَ الضَّالِّينَ))، قال: 'آمين'، فقال الناس: 'آمين'، فلما سلم قال: 'والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)."10
وعن أبي هريرة أيضاً، قال: "كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يجهر في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم."11
7. ما صح عن أنس بن مالك قال: "صلى معاوية بالمدينة فجهر فيها بالقراءة، فقرأ فيها ((بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)) لأم القرآن، ولم يقرأ ((بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)) للسورة التي بعدها حتى قضى تلك القراءة، فلما سلم ناداه من سمع ذلك من المهاجرين والأنصار من كل مكان: 'يا معاوية، أسرقت الصلاة أم نسيت؟' فلما صلى بعد ذلك قرأ ((بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)) للسورة التي بعد أم القرآن." أخرج هذا الحديث الحاكم في المستدرك وصححه على شرط مسلم12، وأخرجه غير واحد من أصحاب المسانيد كالشافعي في مسنده.13 وعلق على ذلك بقوله: "إن معاوية كان سلطاناً عظيم القوة شديد الشوكة فلولا أن الجهر بالبسملة كان كالأمر المقرر عند كل الصحابة من المهاجرين والأنصار لما قدروا على إظهار الإنكار عليه بسبب ترك التسمية."14
8. ما صح - أيضاً - عن أنس بن، قال: "سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يجهر في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم."15
9. ما صح عن محمد بن السري العسقلاني، قال: "صليت خلف المعتمر بن سليمان ما لا أحصي صلاة الصبح والمغرب، فكان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم قبل فاتحة الكتاب وبعدها للسورة. وسمعت المعتمر يقول: 'ما آلوا أن أقتدي بصلاة أبي، وقال أبي: ما آلوا أن أقتدي بصلاة أنس بن مالك.' وقال أنس بن مالك: 'ما آلو أن أقتدي بصلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)"16
وعن قتادة قال: "سئل أنس بن مالك كيف كانت قراءة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال: 'كانت مداً ثم قرأ ((بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)) يمد الرحمن ويمد الرحيم،"17
وعن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: "صليت خلف النبي وخلف أبي بكر وخلف عمر وخلف عثمان وخلف علي، فكلهم كانوا يجهرون بقراءة ((بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ))"18
10. وقد ذكر الرازي أن البيهقي روى الجهر بالبسملة في سننه عن عمر بن الخطاب وابن عمر وابن الزبير ثم قال الرازي: "وأما علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) كان يجهر بالبسملة فقد ثبت بالتواتر ومن اقتدى في دينه بعلي بن أبي طالب فقد اهتدى، والدليل عليه قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): 'اللهم أدر الحق مع علي حيث دار.'"19
وهنالك حجة أخرى على أن البسملة آية في كل سورة وهي أن الصحابة كافة ومن بعدهم إلى يومنا هذا أجمعوا إجماعاً عملياً على كتابة البسملة في بداية كل سورة عدا سورة براءة، كما كتبوا سائر الآيات بلا ميزة مع أنهم مطبقون على أن لا يكتبوا شيئاً من غير القرآن إلا بميزة عنه حرصاً منهم على أن لا يختلط فيه شيء من غيره، وقلَّ أن تجتمع الأمة على أمر كاجتماعها على ذلك، وهذا دليل على أن البسملة أية مستقلة في بداية كل سورة.
دليل آخر: من المشهور المأثور عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع20 أو أبتر أو أجذم."21 فهل يمكن أن يكون القرآن وهو أفضل ما أوحاه الله إلى أنبيائه أقطع؟ وهل يمكن أن تكون الصلاة وهي خير العمل بتراء جذماء؟
أما المخالفون فقد احتجوا بحجج لا تصمد أما النقد العلمي، وقد فندها شرف الدين (قدس سره) في كتابه22.
تتمة:
ذكر السيوطي في "الدر المنثور" روايات تدل على أن البسملة آية من القرآن ندر منها:
أخرج بن الضريس عن ابن العباس قال: "((بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)) آية."

أخرج أبو عبيد الله وابن مردوية والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن العباس قال: "أغفل الناس آية من كتاب الله، لم تنزل على أحد سوى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، إلا أن يكون سليمان بن داود (عليه السلام): بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ))."

أخرج الواحدي عن ابن عمر قال: "نزلت ((بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)) في كل سورة."

أخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر أنه كان يقرأ في الصلاة ((بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ))، فإذا ختم السورة قرأها ويقول: 'ما كنت في المصحف إلا لتقرأ.'"

أخرج الثعلبي عن علي بن زيد بن جدعان أن العبادلة كانوا يستفتحون القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم، يجهرون بها: عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير."

أخرج الثعلبي عن أبي هريرة قال: "كنت مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في المسجد إذ دخل رجل يصلي فافتتح الصلاة وتعوذ ثم قال: '((الحمد لله رب العالمين))' فسمع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال له: 'يا رجل قطعت على نفسك الصلاة، أما علمت أن ((بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)) من الحمد فمن تركها فقد ترك آية، ومن ترك آية فقد أفسد عليه صلاته؟'"
__________________
رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي

الزهراء عشقي غير متصل  

قديم 11-09-11, 09:22 AM   #11

ناصر2002
عضو قدير جداً

 
الصورة الرمزية ناصر2002  






رايق

رد: التدبر في القرآن - السيد محمد رضا الشيرازي


بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صلي على محمد و آل محمد
و بارك على محمد و آل محمد
و ترحم على محمد و آل محمد
و تحنن على محمد و آل محمد
كأفضل ما صلية و ترحمة و تحننة على إبراهيم و آل إبراهيم
و رفع درجة و تقبل شقاعة
و جزه خير ما جزية نبين عن امته
و قضي حوئج اختنا الزهراء عشقي بحرمته
اللهم و كما زودتنا هي بالعلم النافع
اسألك بحق محمد و آل محمد
ان ترزقها علم نا فعاً
و قلباً خاشعا
و صلاتاً مقبوله
و دعاء مستجاب
و عافية تامه
و رضوانك و الجنه

حقاً يا اختي الزهراء عشقي تعجز اناملنا و لا نفي حقك
فجهدك المبدول و المتواصل قد لمسنه و ستفدنا منه
فبارك الله فيك و سدد للخير خطاك

موضوع اكثر من رائع و مميز بقيمته العلميه
كنا نبحث عن الفائده المتكامله و العبرة المستفاد منها
وقد وضعتي ما تمنينه بين يدينا
و لرجوع له متى شئنا و دون عنا
ارجو تثبيت الموضوع
__________________

اللهم صل على محمد و آل محمد

ناصر2002 غير متصل  

قديم 11-09-11, 09:45 AM   #12

ملاحيه قمر
كاتب ذهبي

 
الصورة الرمزية ملاحيه قمر  






حزين

رد: التدبر في القرآن - السيد محمد رضا الشيرازي


جزاك الله خير الجزاء
حفظ الله سيدنا محمد رضا الشيرازي وحفظك
يعطيك الف عافيه
طرح جميل
تقبل مروري



__________________
لبيك ياحسين

ملاحيه قمر غير متصل  

قديم 11-09-11, 09:52 AM   #13

صمت الجروح
مبتدئ  






رايق

رد: التدبر في القرآن - السيد محمد رضا الشيرازي


جزاك الله الف خير
ويعطيك الف عافية
مشكورة على الطرح خيتووو

صمت الجروح غير متصل  

قديم 11-09-11, 11:48 PM   #14

الزهراء عشقي
...(عضو شرف)...

 
الصورة الرمزية الزهراء عشقي  







فرحانة

رد: التدبر في القرآن - السيد محمد رضا الشيرازي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناصر2002
 
بسم الله الرحمن الرحيم


اللهم صلي على محمد و آل محمد
و بارك على محمد و آل محمد
و ترحم على محمد و آل محمد
و تحنن على محمد و آل محمد
كأفضل ما صلية و ترحمة و تحننة على إبراهيم و آل إبراهيم
و رفع درجة و تقبل شقاعة
و جزه خير ما جزية نبين عن امته
و قضي حوئج اختنا الزهراء عشقي بحرمته
اللهم و كما زودتنا هي بالعلم النافع
اسألك بحق محمد و آل محمد
ان ترزقها علم نا فعاً
و قلباً خاشعا
و صلاتاً مقبوله
و دعاء مستجاب
و عافية تامه
و رضوانك و الجنه

حقاً يا اختي الزهراء عشقي تعجز اناملنا و لا نفي حقك
فجهدك المبدول و المتواصل قد لمسنه و ستفدنا منه
فبارك الله فيك و سدد للخير خطاك

موضوع اكثر من رائع و مميز بقيمته العلميه
كنا نبحث عن الفائده المتكامله و العبرة المستفاد منها
وقد وضعتي ما تمنينه بين يدينا
و لرجوع له متى شئنا و دون عنا

ارجو تثبيت الموضوع
  

شرف لي ان يتواجد قلم بحجم قلمك الرائع
اسعدني تواجدك الممحمل بااريج الياسمين
وكلماتك المعطره بذكر الال
حماك ربي وقضى الله جميع حوائجك بحق محمد وال محمد
كن بالقرب دائما اخي الفاضل
في رعاية المولى
__________________
رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي

الزهراء عشقي غير متصل  

قديم 11-09-11, 11:49 PM   #15

الزهراء عشقي
...(عضو شرف)...

 
الصورة الرمزية الزهراء عشقي  







فرحانة

رد: التدبر في القرآن - السيد محمد رضا الشيرازي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ملاحيه قمر
 
جزاك الله خير الجزاء


حفظ الله سيدنا محمد رضا الشيرازي وحفظك
يعطيك الف عافيه
طرح جميل
تقبل مروري

  

الله يعطيك العافية ولا يحرمني ردودك العذبه بعذوبتك غاليتي
__________________
رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي

الزهراء عشقي غير متصل  

 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

قوانين وضوابط المنتدى
الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
سجل حضورك اليومي بذكر الصلاة على محمد وآل محمد دفتر حب منتدى الصلاة على محمد وآل محمد 1375 08-07-10 02:27 AM
سجل حظورك اليومي بدعاء 1000 صلوات أم فيصل منتدى الثقافة الإسلامية 12 25-12-09 01:11 PM

توثيق المعلومة ونسبتها إلى مصدرها أمر ضروري لحفظ حقوق الآخرين
المنتدى يستخدم برنامج الفريق الأمني للحماية
مدونة نضال التقنية نسخ أحتياطي يومي للمنتدى TESTED DAILY فحص يومي ضد الإختراق المنتدى الرسمي لسيارة Cx-9
.:: جميع الحقوق محفوظة 2023 م ::.
جميع تواقيت المنتدى بتوقيت جزيرة تاروت 06:38 PM.


المواضيع المطروحة في المنتدى لا تعبر بالضرورة عن الرأي الرسمي للمنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك
 


Powered by: vBulletin Version 3.8.11
Copyright © 2013-2019 www.tarout.info
Jelsoft Enterprises Limited