متاجرة بالمصالح بأسم الدين ..
الكلية مهددة بالوقوع في قبضة المتطرفين الإسلاميين
حملات تحريض وأحقاد داخل كلية الطب بجامعة الملك سعود
ممدوح المهيني من الرياض: يعمل عميد كلية الطب بجامعة الملك سعود العريقة د.مساعد السلمان أكثر من 12 ساعة، وتوصف شخصيته بأنها مسالمة، وهو يفضل مراقبة ممرات الكلية بحثًا عن إضاءة معطلة ليطلب من مسؤولي الكهرباء إصلاحها عن الدخول في صدامات وخلافات علنية. ولكنه الآن عالق بأكبر الأزمات التي تمر بها كلية الطب منذ تأسيسها قبل 40 عامًا. فقد قام 14من الأطباء الذين يعملون تحت إدارته بما يشبه العصيان الداخلي عندما قاموا بالضغط عليه لفرض سياسة تعليمية جديدة وغريبة تقضي بإرغام طلاب وطالبات الكلية ومستشفى الملك خالد الجامعي بالمعالجة والتدرّب على المرضى الذين ينتمون فقط للجنس نفسه، ومنعهم بشكل كامل من الكشف على الجنس الآخر.
ويهدف مثل هذا الإجراء الجديد إلى 'المحافظة على جو تعليمي منفصل بين الذكور والإناث، وذلك بمنع كشف الطلاب على المريضات، وكذلك منع تدريب الطالبات على المرضى الرجال ، طاعة لله ورسوله وحفظًا لمحارم مرضى المسلمين، وحفظًا لدين الطلاب والطالبات من الفتن' كما جاء في خطابهم الذي سلموه لعميد الكلية. في أكثر الأوقات تشددًا التي مر بها المجتمع السعودي لم تخرج مثل هذه الأفكار المنفعلة وغير المنطقية، وهي غير مربحة أيضًا حتى على المستوى التكتيكي الحركي للإسلاميين المعتدلين أنفسهم. قد يكون الفصل بين الجنسين الذي يحدث في الأسواق والحدائق في السعودية ناجحًا لأنه قابل للتطبيق، لكن الفصل بين الأطباء والطبيبات والمريضات والمرضى وعدم اختلاطهم حتى في ممرات المستشفى يبدو أنه مطلب مثالي جدًا وغير معقول حتى عند أكثر العقول راديكالية.
إلا ان عميد كلية الطب الذي يردد دائمًا مقولة 'دع القضية تموت من تلقاء نفسها' تجاهل هذه المطالب، رغم أن الخطابات الخاصة تخرج من مكتبه إلى مواقع الانترنت في سياق الحملة التي لم تأكل نفسها رغم مرور عام على بدئها، والتي تستهدفه شخصيًا، إلا أنه فضل الصمت. ولكن يبدو أن هذه المطالب الغريبة والمفتعلة جرّت وراءها الكثير من اللغط والشقاق الحقيقيين والمؤلمين.
من الواضح الآن أن السكوت لم يكن الحل المناسب - مازال العميد والفريق المقرب منه مُصرين على الصمت - فقد تعرضت سمعة كلية الطب بجامعة الملك سعود إلى ضرر بالغ، والأطباء شعروا بالإهانة. يبدو أن سمعة كلية الطب، ومستوى طلابها، يتراجع بسبب السياسات التقليدية القديمة التي تتبعها إدارة الكلية والجامعة معًا. فقبل عامين تقريبًا انتشرت قضية تحرش جنسي مشينة لفتيات سعوديات في أحد شوارع الرياض الشهيرة. وظهر بعدها بأيام أحد الأطباء في كلية الطب والمستشفى الجامعي التابع له ليقول بشكل صريح، وفي أحد المواقع الإلكترونية، بأن ما يحدث في كلية الطب بين الذكور والإناث أكثر شناعة من عملية التحرش تلك. وقد وصلت للكلية والمستشفى أعداد كبيرة من الاتصالات والفاكسات الغاضبة على هذا التهتك والانحلال الأخلاقي.
وشعرت مجموعة من الأطباء بأن شرفهم المهني قد تم غمسه بالوحول، فوقع 37 شخصًا منهم ورقة تطالب إدارة الجامعة بإجراء تحقيق موسّع من أجل الدفاع عن أنفسهم ومؤسستهم ومهنتهم. غير أن هذا الطلب تم رفضه بكل بساطة. يقول أحد الأطباء ' رفض جميع الأطباء والطلاب في هذا التقرير الكشف عن أنفسهم بسبب حساسية الموضوع'، واضاف' أقل ما كان يجب أن تقوم به إدارة الجامعة أو إدارة الكلية إجراء مؤتمر صحافي للدفاع عن نفسها وأطبائها من هذه الافتراءات التي تدمر سمعة الطبيب وتتهمه في أخلاقياته. سكوت الجامعة أمر غير معقول، تخيل أن تقوم شركة طيران بالصمت حيال اتهام شخص أو جهة بأن طياريها يقودون الطائرات وهم مخمورين تماما'.
شعر الأطباء بالخذلان، وأنهم بلا دعم من مؤسستهم ، كما شعروا بأنهم حتى غير قادرين على التذمر والشكوى في غرفهم الخاصة دون أن يظهر ذلك إلى العلن. فقد كان حدثًا مفاجئًا لهم أن يظهر الخطاب السري الذي وقعوا عليه وسلموه لإدارة الجامعة في مواقع الانترنت، ويتعرضون لهجوم شخصي عنيف يوصفون فيه بأنهم يريدون التكتم على هذه الأفعال 'الشيطانية' المستشرية في المستشفى الجامعي. يقول أحد الأطباء الذين تعرضوا للهجوم' لم نعد نريد أن يدافع عنا أحد ، أصبحنا نريد فقط ألا تذاع أسرارنا'!
ولكن الهجوم على إدارة كلية الطب وعميدها ظل مستعرًا، وتحوّل إلى حملة منظمة، بلغت ذروتها مع المطالبات الجديدة بمنع الرجال والنساء من معالجة المرضى من ذوي جنسهم. ثم اتخذت القضية بعدًا أكبر عندما تدخلت مجموعة من كبار علماء الدين في السعودية وقامت بإصدار فتوى تؤيد المطالب المعترضة. من الواضح أن جر هيئة كبار العلماء في السعودية إلى القضية كانت محاولة لتصوير عميد كلية الطب السلمان بأنه ضد الدين - في حملات التحريض المستمرة على السلمان تردد دائمًا فكرة أنه لم يمتثل لمثل هذه الفتوى ولم يأبه بها وإنه، ومن معه، يصرّون على أفكارهم 'الليبرالية' وممارساتهم التحررية التي يفرضونها داخل الكلية ولكن الذين يعرفون العميد السلمان يقولون إن وصفه بـ 'الليبرالي' أشبه بدعابة مضحكة فعلاً.
وكان قد فرض العميد السلمان ذو اللحية، والذي لا يترك صلاة تفلت منه، حتى أن أعدادَ المصلين داخل الكلية تزايدت مع بدء عمدته استجابة لتوجهه الديني الواضح، فرض نظامًا إسلاميًا على الطلاب داخل الكلية يتمثل في اللباس الأخضر المخصص للعمليات وعلى الطالبات تنورة سوداء طويلة وقميص أبيض. الا ان العمداء السابقون لم يتدخلوا في مثل هذه القضايا أبدًا، ويقول أحد الأطباء الذي تخرج قبل أكثر من عشرة أعوام' كنا نصرف نصف رواتبنا على ربطات العنق الملونة'.
أصبح النشاط الديني أكثر بروزًا داخل الكلية، والأطباء أصحاب الأفكار الليبرالية تم تهميشهم تمامًا، ومن الصعب أن يعبّروا عن أفكارهم. ويحاول بعضهم كما يقول أحد الطلاب أن يظهروا تعابير تقية على وجوههم حتى لا يتم إقصاؤهم خارج النطاق الفكري والروحي الإيماني الذي يسيطر على الكلية والمستشفى؛ ويواصل قائلاً ' يقوم أحد أطبائنا المعروفين بلبراليتهم بترديد الأحاديث النبوية ويقدم لنا النصائح الدينية. ولكنه يريد أن يضحك على من؟!'.
في السابق كان هناك جناح ذكوري وجناح نسائي ولكن هذا لم يكن مريحًا أبدًا للهواجس 'الطهورية' المعذبة، والتي لا تستطيع أن تتحمل مثل هذا الوضع الآثم الذي قد يسبب اختلاط بين المرضى والأطباء، ولذا تم فصلهم بأدوار منعزلة. اما في غالبية المستشفيات السعودية الأخرى فالأدوار مختلطة بين الرجال والنساء. وأما بالنسبة لمعالجة الأطباء والطبيبات المتدربين على الجنس الآخر التي تثار حولهم كل هذه المشاكل، فهي موجودة في حدود ضيقة جدًا.الأشخاص الذين يرغبون المعالجة في المستشفى الجامعي عليهم أن يوقعوا ورقة تسمح لطلاب الطب المتدربين بالكشف عليهم والتعرف على مشاكلهم الصحية. ولكن هؤلاء المرضى غالبًا ما لا يلتزمون بهذا الاتفاق. يقول أحد الطلاب' لا أفهم حقيقة هذه المطالب فهي موجودة أصلاً. غالبًا ما نواجه الرفض من قبل المرضى ولا يمكن أن نجبرهم على ذلك. وعندما يحدث ذلك يتم في حدود ضيقة وأساليب خجولة وجو مكهرب. ترتدي المرأة كبيرة السن النقاب غالبا، ولا نكشف إلا على مناطق بسيطة، وبشكل سريع، وفي غاية الحذر'.
مشهد الصراع بين القوى الليبرالية والقوى الإسلامية داخل كلية الطب والذي يتم ترويجه في المساجد والمنتديات والمجالس هو في الحقيقة صراع غير حقيقي. العميد السلمان لا تفوح منه أي رائحة ليبرالية، ويقول بعض الأطباء أن الصراع في الحقيقة هو صراع إسلامي إسلامي. ولكن يبدو أن المسألة أكثر تعقيدًا وتختلط فيها الأفكار بالأحقاد بتضارب الرؤى الإدارية. ويقول أحد الأطباء ' ليست المسألة أبدا صراع بين الليبرالية والإسلامية. سأفهم ذلك لو كانت القضية أثيرت في وقت كان يرأس الكلية عمداء يجاهرون بلبراليتهم. ومن الغريب حقًا أن يسكت هؤلاء الأطباء طوال تلك الفترة، ويثيرون الأمر مع عميد ملتزم، يسبقهم إلى الصلاة، ولا يختلف كثيرًا عنهم في قناعاته الدينية. أعتقد أن التسمية الصحيحة للصراع هو صراع مصالحي وإداري، تم تغليفه بقضية دينية وأخلاقية حساسة من أجل الإثارة فقط'. هناك بعض الأطباء يعمل في الكلية منذ أكثر من عشرين عامًا، ومن الغريب حقًا أن يثيروا مثل هذه القضية الآن. بعض الأطباء المشاركين في هذه الحملات لم يعرفوا أبدًا بأي توجهات إسلامية، ومع ذلك أظهروا حماسة كبيرة للمشاركة في الحملة ضد العميد.
ويبدو أن المشكلة في جوهرها إدارية، وخلاف في الرؤية بين عميد الكلية وهؤلاء الأطباء. وهذه القضية هي التي وحدتهم في فريق ضد السلمان الإداري وليس الليبرالي. العميد السلمان رجل نزيه كما يؤكد الذين يعرفوه جيدًا والذين عملوا معه، كما يمكن أن تضبط ساعتك على مواعيده، وهو محاضر رائع (بشهادة غالبية الطلاب الذين التقتهم إيلاف وكذلك كان رأيهم بغالبية الأطباء الآخرين)، ولكنه قائد إداري غير جيد فهو متصلب إداريًا، ولا يتراجع عن قراراته، ويتعامل مع الأطباء الآخرين بطريقة سلطوية أبوية، وهي الطريقة التي قد تنجح مع طلاب الثانوية وليس مع أطباء تشكل الاستقلالية جزءا رئيسياً من عقيدتهم المهنية. يقول أحد الأطباء' لا يجب على أي مدير أن يعبث مع القضاة أو الأطباء. إنهم عَصيّون على السيطرة، وبمجرد شعورهم أن هناك محاولة للتحكم بهم فإنهم سينتفضون وسيخلقون المشاكل ويشعلون الحرائق، وهذا ما حدث بالفعل داخل كلية الطب'.
ولكن العميد السلمان مدير بيروقراطي، عنيد، ولا يأبه كثيرًا بالعواطف، لذا فإنه يتخذ بعض الخطوات الجافة والمستفزة . ولكن بالنسبة إلى موقفه المتصلب بمنع الطلاب من الكشف على المريضات، ومهما كانت دوافع خصومه، فإن الكثيرين يعتبرون أنه يقوم بدور بطولي مشرّف على الرغم من تخلي إدارة الجامعة عنه، والتي كانت في غاية السلبية، ولم تقم بحماية عميد أحد أهم الكليات لديها. وترددت أخبار مؤخرًا أن الإدارة ستتخذ إجراء سريعاً في هذه القضية ولكن إدارة الجامعة تتحدث عن هذا الأجراء السريع منذ أكثر من عام!). يقول أحد الأطباء' قد يكون السلمان مديرًا غير جيد، وقد تكون هذه القضية أضرت حتى بمستقبله بعد الكلية، ولكن سيذكر التاريخ أنه وقف موقفًا مشرفًا، وتحمل كل الأذى الشخصي و الإرهاب الفكري الموجه ضده، ورفض أن يتم العبث بالمنهجية التعليمية في كلية الطب. من المرجح كثيرًا لو كان شخصًا آخر مكانه لقدّم تنازلات فورية لن يعلم عنها أحد، ووافق على العبث بمستقبل الطب في السعودية من أجل أن يجعل اسمه بعيدًا عن التشويش حتى يضمن أن يصبح وزيرًا أو عضوًا في مجلس الشورى في المستقبل'.
ولكن السلمان يمثل دور القبطان النبيل الذين يحارب القراصنة في الوقت الذي تتعرض سفينته للغرق.هذه الحملة الأخيرة زرعت ثقافة ستالينية تشكيكية داخل جو المستشفى المسموم أصلاً. هذه الثقافة يمكن أن تلمحها بسهولة على وجوه الأطباء وطلابهم. لقد تحولوا إلى شخصيات مشبوهة على الرغم من السجل النظيف للمستشفى على مدار تاريخه الطويل. الابتسامة اللطيفة – مثلاً - التي نعرفها جميعا بين الطبيب والممرضة تأخذ الآن تفسيرات متعددة، ويجب أن تكون في غاية الحذر وأنت تتحدث لطبيبة، وعليك ألا تمسح على شعرك لأن حارس الأمن قد يعتبر تلك الحركة التي تنطلق من دون تفكير محاولة للإغراء الجنسي، ويبدأ بمراقبتك . يقول أحد الطلاب 'كل شيء مراقب. وطالب الطب مراقب كشخص شهواني، يبحث عن أي فرصة ليمارسه رغباته المهووسة. ولا يفكر أحد أبدًا أن يراقبك ليعرف إذا كنت تقوم بعمل جيد، وتطور من أدائك. لقد تحول الأداء فعليًا من المهارة الطبية إلى العذرية الجنسية. فكلما أخفضت نظرات عينيك كان أفضل'.
وعلى الرغم من كل القصص التي تُحاك حول العلاقات الغرامية داخل أروقة المستشفى والألم النفسي الذي تتحمله النساء بكشف الأطباء الرجال عليهن هناك رواية بعنوان' عائشة في غرفة التشريح' للكاتب محمد الحضيف استلهمت أحداثها من هذه القصص إلا أنها في الحقيقة لا تعدو عن كونها ثرثرات أكثر منها وقائع حقيقية، وقد أبدى طلاب وطالبات كلية الطب التزام أخلاقيًا ومهنيًا كبيرًا، ولم تنتشر أي قصص عن عمليات تحرش أو انتهاكات جنسية داخل المستشفى. يقول أحد الأطباء'حتى لو حدثت حادثة أو اثنتين يُعد هذا أمر طبيعيا . هل من المعقول أن تغلق شركة ضخمة لأن أحد موظفيها إختلس؟' ويُضيف' كل الحديث عن الجنس والأطباء والمرضى كان أمرًا صادمًا لنا. لم يكن الموضوع يخطر على بال أحد، ولكن بمجرد أن أظهرته فأنت كمن أخرج المارد من القمقم. أعرف أعدادًا كبيرة من الأطباء، وعملت في مستشفيات متعددة، وأدرس لطلاب، ولم أشم أي رائحة جنسية'.
إن الأطباء السعوديين لديهم عقيدة مهنية قوية ومترسخة في أعماقهم، وهي تمثل رادع أخلاقي يمنعهم من التصرفات المعيبة. دعني أقول لك' إننا ننظر الى المرضى على انهم حالات وننسى تمامًا إذا كانوا رجال أو نساء'. ولكن هناك عدد من الطلاب داخل الكلية من أنصار حملة فصل الذكور عن الإناث تعليميًا وعمليًا. حيث اتصل أحد الطلاب بأحد البرامج التلفزيونية المباشرة حيث كانت تستضيف الدكتور السلمان وقام بنصحه ووعظه بسبب رفضه لهذا الفصل. طالب آخر تحدث مع إيلاف يقول إنه يرفض دخول ما يُسمى بغرفة المخاض وهي المكان الذي تولد فيه المرأة، وعند سؤاله عمّا سيفعله إذا ما واجه مستقبلاً حالة طارئة من هذا النوع قال ببساطة 'ليس عليّ أن أقوم بشيء. ليس على الطبيب أن يعرف كل شيء'!
هذه القضية التي أصبح فيها الجنس، وليس الصحة، مدار الاهتمام داخل الكلية والمستشفى، أضرّت تقريبًا بكل الأطراف. المرضى قد يفوّتون على أنفسهم بسبب هذه الأفكار التي بدؤوا يصدقونها فرصة أن يكتشف أحد الأطباء أحد الأمراض التي لم يتنبهوا لها، ويعالجها ويمنحهم فرصة أخرى للحياة. ويقول أحد الأطباء إنه كان يستعد لإجراء عملية في القناة الصفراوية لإحدى مريضاته، ولكنه لاحظ ورمًا بارزًا في صدرها تبين فيما بعد أنه ورم سرطانيٌّ، ويضيف' مرت هذه المريضة على خمسة أو ستة أطباء قبلي، ولكنهم لم يجرؤا على رفع بصرهم قليلاً ليكتشفوا مرضًا خطرًا يسرطن صدرها. كانوا خائفين، وعندما يكون الأطباء خائفين، فإن أعدادًا كبيرة من الناس ستموت'. أما بالنسبة إلى الطلاب فإن مثل الأحداث، ومع نقص الإمكانيات، وخوف المرضى منهم واهتزاز ثقتهم بأنفسهم جعلتهم في وضع لا يحسدون عليه مهنيًا! يقول أحد أساتذة الطب في الكلية، 'إن الطلاب يبذلون جهودًا كبيرة ليطوروا أدواتهم الطبية ولكنهم يتواجدون في ظرف غير صحي إطلاقًا. في هذا العام سيتخرج أكثر من 500 طبيب وطبيبة وإذا عثرنا على 30 منهم متميزين فسنكون محظوظين. إن مستوى الطب يتراجع في السعودية وكلنا جميعًا نخسر'.
وكتب الدكتور والكاتب السعودي عبدالعزيز السماري مقالاً جريئًا في جريدة الجزيرة السعودية يدافع فيه عن عميد الكلية د.مساعد السلمان من حملة منظمة – كما يقول - تعارض أبسط أبجديات التدريب في تاريخ الطب منذ القدم. يقول الدكتور السماري : (ما يحدث هو حملة أيديولوجية مضرة جدًا وستدخل المجتمع السعودي في متاهات كبيرة. في الطب المعايير العلمية هي التي تحكم وليس يجوز أو لا يجوز. هناك تيار متصاعد يدعم مثل هذا الطرح ومن المؤسف أن الناس العاديين لا يسمعون إلا الصوت العالي الذي يتحدث باسم الدين والأخلاق ). ويلمس السماري نقطة في غاية الأهمية عندما يُعبر عن إمكانية أن تتسبب مثل هذا القضايا بسحب الاعتراف العالمي بخريجي كلية الطب في جامعة الملك سعود. ويضيف (سنوات التدريب السريري تتزايد وهي التي يواجه فيها الطلاب مرضى حقيقيين وهذا ما سيرفع من كفاءتهم. أما المطالبات هنا فتريد أن تلغيها وتجعل التركيز فقط على الجانب النظري. لا يمكن أن تخرج أطباء أكفاء وأنت تدربهم على الدمى).
من الواضح أن كلية الطب في جامعة الملك سعود تعاني هذه الأيام أوضاعًا عصيبة جدًا، مشحونة بالضغائن والأحقاد والرغبات الجامحة لدفعها عن مسارها العملي. لسنوات طويلة كانت كلية الطب محمية من خطفات القبضة الأيديولوجية المتطرفة التي تريد التقاطها والسيطرة عليها، ولكنها مرشحة الآن لأن تقع فيها مثلما ما حدث مع الكليات الأخرى. وعلى الرغم من كل الأخطار التي نشعر فيها كسعوديين من هذا الثقافة المتطرفة التي تسيطر على المدارس والكليات، إلا أننا كنا نشعر بالأمان مع حياد الأطباء في ممارساتهم المهنية، وهي التي تعني سلامة أجسادنا، ومن السهولة أن نشرح مخاوفنا حول ذلك. فنحن في الغالب لن نموت إذا تخرج من كلية الأدب طالبا يلقي القصائد المتطرفة، ولكن ماذا ستفعل مع طبيب يرفض الكشف على زوجتك التي تواجه مشكلة انفجار في الزائدة الدودية – مثلاً - بحجة أنه يخاف من أن يشتهيها؟. ماذا ستفعل إلا أن تراها تموت أمام عينيك.
((منقول))
تحياتي
ينبوع
24-12-07, 12:56 AM
العرض العادي
