بسم الله الرحمن الرحيم
الحب الأصيل
لا يختلف اثنان علي إدراك الإنسان لحواسه ومعرفته بخفايا ذاته ويعلم جيدا أن نفسه تواقة للحب الخالي من الرياء والنفاق والمصلحة الحب الطاهر العفيف الذي ينبع من القلب والروح - وقد نجد في الحب معاني سامية من فطرة الله للإنسان .
وفي تقديري فإن الحب متنوع بطبعه يختلف بين نوع ونوع – فالحب الارادى الذي يكتنز في داخلنا هو نور من قبس الله – نحب الخير – ونحب الوالدين ونحب الطبيعة ونحب الحياة ونحب المال ونحب أشياء كثيرة تتفاوت في درجتها ومقدار حبنا لها – ولكن الحب الذي يتناوله العديد من المحبين هو حب الإنسان للإنسان فهذا يتحول من مرتبة إلي أخرى – حب – وعشق – وهوى - فيتنقل من مراحله هذه إلي مراحل ارقي واسمي – وبذلك عندما يكون حبا يكون مخلوطا بنزوة وعندما يكون عشقا يكون مصحوبا بلهفة وعندما يكون هوى يختلط بالروح .
ولا زال البحث جاريا لمعرفة مكان هذا الحب أو مصدر إشعاعه فينسبه البعض إلي القلب والبعض الأخر إلي الروح والأخر إلي العقل – وهكذا ولكن الحقيقة فإن سر وجوده سر أبدى مثله تماما مثل الروح واعتقد انه موجود في المواقع جميعها حتى الأحاسيس والمشاعر لا تخلو من هذا الحب – والحب لو جاز لنا أن نعتبره كائن حي موجود في داخلنا فإن تعاملنا معه لا يمكن أن يخضع للسيطرة من جوانب الإنسان نفسه فتارة يكون نعمة من الله وتارة يكون نقمة من الذات .
وفي تقديري فانه قبس من روح البشر في داخل البشر – ولعل الحب المقصود هو ذلك الإحساس الغريب الذي ينتاب الإنسان للوهلة الأولي والخالي من الرغبة الشهوانية أو من المصلحة المصطنعة التي تنتهي بانتهاء الحصول عليها .
وهذا هو الحب النقي يكون صادقا في كل الأشياء نابع من ألا وعي وألا إدراك ولا يمكن السيطرة عليه - وهذا حال المحبين العاشقين من السابقين الأولين - غير أن جماله في معاناته ولذته في استمراره – وقد دأب الكثير من الناس الخلط بين منوعات الحب المشار إليها فيعتبر كل إحساس أو شعور حب وهذا خطاء جسيم .فالإحساس قد يكون لحظه وقد يكون دهرا . فالعشق الذي أتوجه لليه هو الدهر وهو الاستمرار في المعاناة وهو إن العاشق أو المحب لا يعرف كيف يتصرف تجاه محبوبه ويمتلك أحيانا شعورا غريبا بالرغبة في محبوبة لدرجة لا يعرف ماذا يريد منه . وهذه الحيرة المتواصلة هي نعمة الحب الحقيقي . غير أن المحب تارة يغار علي محبوبه والغيرة هي اصل الحب والود والحرص فمتي اشتملت كل العوامل في هذا الحب صار حبا فاعلا حقيقيا – تلك العوامل المحيرة والتي لا يعرف صاحبها حاجته من محبوبه – ويسمي بالعامية غلا - وهنا لابد من الوصول إلي حقيقة دامغة لنعرف بها الحب الحقيقي من الحب الكاذب – الحب الحقيقي هو ما تعارفنا عليه بأنه مشاعر وأحاسيس مرهفه تجعل صاحبها لا يستطيع التمييز بين محبوبه وماجته إليه – وينتج عنه الكثير من السلوكيات السوية كالغيرة والسيطرة الفكرية إذ كلما فكر وجد محبوبه في تفكيره فصار مثلا لكل شيء في أمثاله . وربما يصل إلي مرحلة أن يكون محبوبه هاجس نفسه الوحيد – يراه في مواطن الخير ومواطن الشر أيضا – وهذا هو تملك المحبوب لروح المحب والسيطرة عليه .
هكذا هو العشق والحب النقي – ولعل وجود هذا الحب يجعل الإنسان المحب أو العاشق في دوامة أبديه لا يعرف كيف الخلاص منها – ولا يعرف كيف التواصل معها فالحيرة هنا هي مصدر الحب الدافق من الداخل .
وقد يصاب هذا الحب بنكسات مستمرة فقد يكون حبا من جانب واحد وتلك طامة – وقد يكون مختلف بين الطرفين وتلك ارمه وقد يكون متفقا بينهما فتلك الكارثة .
إذا في جميع الأحوال الحب من هذا النوع إما طامة وإما أزمة وإما كارثة – وهذه هي لذة الحب الحقيقي – والذي غالبا ما ينتهي بمعاناة طويلة وبأمل لا ينقطع أيضا .
فهل في عالمنا من يقدر هذه الأمور - ؟؟
إن الحب الذي يتبادله الناس اليوم ليس حبا حقيقيا بل هو حب من نوع النزوات واللحظات لقضاء بعض الأغراض والحاجات فيجب ألا نطلق عليه حبا أبدا بل يكون دائما لعبة من باب التسلية ينتهي بانتهاء الغاية التي بررت وجوده وتحقيق منفعة لذلك نراه غالبا ما يكون مبتادلا مع عامة الناس فلا وجود للتمييز او التخصيص – مثلما نشاهد الفلم العاطفي أو الكلاسيكي فنعيش معه لحظات بمشاعر ثم تنطفي هذه المشاعر بانتهاء الفلم لتبدأ نفس المشاعر مع فلم جديد وهكذا دواليك .
فارحموا الحب من الغش والخيانة والخداع والمهانة – وحافظوا عليه صافيا نقيا بكل المعاني التي خلق لها الحب .. فهو اكبر من وردة تهدى أو كلمة تقال . انه شيء لايمكن وصفه ولا التعبير عنه فهو روح ملائكية تدخل النفوس فتنشر فيها ضوء ينير الدروب ويحفظ الوجود .
فهل أجد من يحب بهذا القدر من الحب ؟ وهل هناك حب بهذا المستوى ؟ في اعتقادي انه نادر جدا .
فيا صاحبي ويا من عشقت طوال سنوات العمر ألا تقدر هذه المشاعر وتجعلها في نفسك نبراسا وتعذرني إن أفرطت في حبك وأصبحت لا اعرف ماذا أريد منك فكنت الروح والقدر – ولتعلم أن قدرنا يختارنا دائما - وللحديث بقيه .
15-04-07, 06:51 PM
العرض العادي
المواضيع المتشابهه
