ما قام به الإمام الحسين (ع) حالة فوق مرتبة الإصلاح ألا وهي مرتبة الولاية

[نور الوجود]

اللهم صلي على محمد وآلِ محمد...

السلام عليك ياصريع الدمعة الساكبة،، السلامة عليك ياصاحب المصيبة اراتبه

بقلم الشيخ// عبد المحسن النمر

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين خالق الخلق أجمعين باعث النبيين والمرسلين والصلاة والسلام على سيدهم وخاتمهم أبو القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين الهداة الميامين ولعن الله ظالميهم ومعاديهم ومن حاربهم ومن أزالهم عن مراتبهم التي رتبهم الله فيها لعناً دائماً أبدياً إلى قيام يوم الدين.
قال تعالى: ﴿ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ﴾.
لا يوم كيومك يا أبا عبد الله. نعزي سيدنا ومولانا صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف ومراجعنا العظام وعلمائنا الأعلام وسائر الأمة الإسلامية في ذكرى ما جرى على أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين في مثل هذه الأيام.
هذه الذكرى وهذه القضية حقيقة حية لا الزمان ينسيها ولا الأيام تلغيها ولا كذب الكاذبين وادعاءات المغرضين تمس بجلالها ونصاعتها. ما هي علاقة الولاية التي نتحدث عنها خلال هذه السلسة من الدروس وبين عاشوراء. عاشوراء حركة قام بها الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه لأهداف وأغراض وأصبحت اليوم قضية عاشوراء حدثاً تاريخياً بعينه، نفس الذكرى أصبح عاملاً مؤثراً في النفوس، عاملاً مؤثراً في الشعوب ومسيرتها.
نحن نعلم أن هناك شعوب تغيرت مسيرتها التاريخية بسبب هذه الحادثة ولعل هذه الكلمة المشهورة عند الإمام العظيم الراحل، حيث قام بما قام به وغير مجرى التاريخ ليس فقط في إيران وفي الجمهورية الإسلامية وليس فقط في المنطقة بل في أنحاء العالم كله، يقول "كل ما لدينا من عاشوراء" يعني كل هذه الأحداث التي جرت والتي تتلو.. نحن اليوم نعرف بأن اتجاهات العالم اليوم تتفاعل مع ما جرى في سنة 61 للهجرة في يوم عاشوراء، عجيبة هذه الحركة، يالتأثرها المتواصل.. لبيان جزء ولو بسيط من الربط بين الولاية وبين عاشوراء نشير إلى طبيعة الإصلاح والمصلحين.

ما قام به الإمام الحسين حالة فوق مرتبة الإصلاح ألا وهي مرتبة الولاية

لاشك أن الإمام الحسين بنى حركته ووضح أهدافها كتغيير يريد أن يجريه الإمام الحسين على مسيرة الأمة يقول (خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله ) لكن ما أريد أن ألفت النظر له أن مصلحين هذا العالم على مختلف توجهاتهم الدينية منها وذات الطابع الإنساني، ذات الطابع الاجتماعي، ذات الطابع الفكري.. هؤلاء المصلحين قاموا بحركة ذات مدى محدود أياً كانت توجهاتهم باستثناء طائفة واحدة قامت بتغيير وحركة لم يحدها الزمان إلى يومنا الحاضر. راجعوا المصلحين في العالم، هؤلاء هم الأنبياء وأوصياؤهم صلوات الله عليهم أجمعين وأنا أخص هذه النقطة بالخصوص: الإمام الحسين لم يقدم نفسه كسائر المصلحين، قد نقبل ونفهم أن إنساناً رجلاً يضحي بنفسه.. لكن الإمام الحسين قام بالتضحية بصفوة البشر، صفوة الإنسانية وبهذا الأسلوب هذا ليس إصلاحاً فقط، المسألة تتجاوز معنى الإصلاح ولعل رجوعنا إلى أصل الولاية ومنطلقها وإعلانها في يوم الغدير يجعلنا نعيد النظر إلى حركة الإمام الحسين على أنها إصلاحية، طبعاً بلا شك أنها تتوفر فيها كل شرائط الإصلاح وهي حركة إصلاحية ولكن الحركة الإصلاحية لها درجة معينه، مستوى معين، لها عطاء معين تبتني على أسباب وشرائط وظروف ومتغيرات.. الإنسان لا يصلح وهو عالم بأن مقدرته وإمكاناته لها طابع معين والمحيطين به لهم إمكانيات..

ما قام به الإمام الحسين عليه السلام حالة فوق مرتبة الإصلاح ألا وهي مرتبة الولاية. الولاية درجة من درجات التغيير لها شرائط ومواصفات أعلى من درجة الإصلاح والمصلحين، ولعلنا نشير إلى مثالين ذكرهما القرآن الكريم الأول إبراهيم الذي ساق ابنه إسماعيل إلى المذبح. هذه الدرجة لا تتوافر فيها لا إصلاح اجتماعي كيف نفسرها؟ بل إننا نجد هذه القضية تتكرر مثلاً في قصة موسى والعبد الصالح حيث قتل ابنا لم يبلغ سن الرشد. لماذا يقوم بهذا العمل إبراهيم عليه السلام؟
هناك حالة اسمها الولاية هي فوق مسؤوليات المصلح وفوق وظائف وصلاحيات الإنسان المصلح ولا تفسير لها إلا ما قاله رسول الله في يوم غدير خم. رسول الله عندما أراد أن يعلن ولاية أمير المؤمنين قال كلمة مهيئة وموطدة لحدود ومعنى هذه الولاية (ألست أولى منكم بأنفسكم) هذه قضية نحتاج إلى ان نتبصر في معنى الولاية التي –كما ذكرت- درجة أعلى من درجة الإصلاح المتعارف، أعلى من درجة أي نوع من أنواع التغيير الذي يعرفه الناس. لعلنا إن شاء الله في يوم من الأيام في الخطبة القادمة وما بعدها نتعرف إلى طبيعة الولاية وعلاقة الولي بالموالي ودرجة هذه العلاقة.

ظاهرة الفساد في المنطقة

اليوم أتعرض إلى موضوع ربما يفرض نفسه وربما يكون مناسباً للاستهلال بسنة جديدة. خلال هذه السنوات التي مضت وكلما اقتربت الأيام كلما ظهرت هذه الظاهرة أوضح وأجلى وهي ظاهرة الجريمة والفساد والتعدي على الناس وممتلكاتهم وأموالهم. خلال السنوات التي مضت -بإمكانكم إذا تراجعون- تجدون كأنما نحن في خط متصاعد في هذا الأمر. المجتمع الصحيح، المجتمع العاقل هو الذي يتهيأ للأمور قبل أن تصل إلى حد تعم وتنتشر. هناك ظواهر عديدة بإمكانكم أن ترونها ملفتة للنظر وربما لها تأثير كبير في هذا النوع من الأحداث الانفتاح غير العقلائي في التمثل بالحضارة الغربية والتشبه بها أصبحنا نستورد من مجريات أحداث الغرب أحياناً نسمع بقضية جريمة في بلد الفساد تتعجب كيف بلغ الإنسان هذه الدرجة؟ وإذا لا يطول الزمان إلا وقد سرى إليك وإلى بلدك مثل هذه الظاهرة. أدوات الجرائم أصبحت اليوم أقوى، أصبح المجرمون يمتلكون وسائل قوية جداً في إدارة جرائمهم وفي التهيئة لها وفي المتابعة.. أساليب تهييج الشاب أو الفتاة أوالإنسان ممكن مجرد جوال يحوي سيل من الأفلام والصور المهيجة وغيرها. ازدياد عدد هذه الجرائم كماً ونوعاً، كنا في الزمن السابق نسمع مثلاً بجريمة مثل حادثة القفز على منزل أو سرقة أو غيرها ويكون ذلك على فترات زمنية متباعدة سنة مثلاً وفي أماكن مختلفة..الآن أسبابها ووسائلها والحديث عنها طويل جداً لكن أريد أن أقول كيف نبني حصوناً لأنفسنا؟ كيف نواجه هذه الحالة؟ كيف نخطو خطوات عملية في هذه الجهة؟
أولاً:أن نحذر وننبه الأطفال والمراهقين قبل تعرضهم للمشكلة، لا تنتظر ابنك إلى أن يذهب للمدرسة ويقول لك ماذا حدث له. الطفل عادة أول دخوله إلى سني البلوغ والمراهقة ما قبلها لا يعرف أنواع الجرائم وأشكالها ما لم تعطه تهيئة مسبقة، ما لم تلفت نظره وتحذره وتعلمه عن هذه الوسائل فمعناه أنك تعرضه للوقوع في هذه المشكلة، ربما أحياناً يقول لك بعد أن تقع المشكلة أو أحياناً يصمت لا يعرف كيف يذكر أو يفصل ما تعرض له. الطفل الصغير أحياناً لا يفرق بين الصداقة السليمة الصحيحة وبين النيات الفاسدة والمقاصد الدنيئة.
ثانياً: تعرف على وضع ابنك: علاقاته، ارتباطاته، رسائل الجوال، مدرسيه وأساتذته وأسلوب حديثهم معه.. ابنك وابنتك وبالأخص ابنتك. أحياناً نتعجب عندما نرى مراسلات بين أطفال صغار أو مراهقين فيها عبارات حميمة، غير طبيعية، ليست علاقات صديق بصديق. هذه الأمور توطئة وتهيئة يجب أن يلتفت لها الوالدين. تعرف عليها، ابحث عنها، حاور ابنك فيها، اسأله هل سمع هذه الأمور وحذره من أخطارها.
ثالثاً: احصر علاقات أبنائك. طبعاً كل هذه الأمور اعرف أن الإنسان إلى درجة ما بحاجة لها لا يمكن للإنسان مثلاً أن لا يذهب للمدرسة أولا يكون له أصدقاء، لكن عليه أن يحد من أن تنزنق إلى المخاطر. احصر هذه العلاقات في نطاق الفئة المضمونة الصالحة التي أنت تأمنها، وحتى هذه الفئة المضمونة الصالحة يجب عليك أن تراقبها فليس كل شيء أصبح مضموناً وصالحاً.
رابعاً: انتهى زمان البساطة. ربما كنا نعيش سنين -كما نتذكر- كنا في الحارة الفلانية ونحن والجيران والمجتمع طيبون والمدرسة كذلك. هذا الزمان قد ولى، يقول أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه يحذرنا (إذا استولى الفساد على الزمان فإن الرجل إذا احسن الظن برجل فقد غرر) غرر يعني وقع في المخاطرة. أحياناً بعض الأزمنة تنتشر فيها أنواع من الجرائم من الظواهر من الاتجاهات الخاطئة، في هذا المجال كن على حذر. أصبحت وسائل إغراء الشباب تجعل الإنسان يخاف حتى من مجرد علاقة يبدو عليها الصلاح.
خامساً: التلاين واللين وبالأخص من المرأة أو من الفتاة أو من الصبي في بداية سن البلوغ مع الآخرين هو أحياناً يعطي إشارة خاطئة. القرآن الكريم يخاطب نساء النبي يقول ﴿ فلا تخضعن في القول فيطمع الذي في قلبه مرض ﴾ قد يكون الإنسان بطبيعته لطيف طيب ولد شاب أو فتاة بطبيعتها ذات لسان.. ترقيق الصوت بالنسبة للمرأة أو التحدث بأسلوب رقيق للفتاة مثلاً. قد يكون هذا أسلوب حديثها لكن الآن ما عدنا في زمان يصلح فيه للفتاة أن تتحدث مع رجل أجنبي بأسلوب مؤدب ولا أقصد غير مؤدب فيه شتم أو سب لكن يجب أن تتعامل مع الأجنبي بأسلوب الصرامة والمحدودية والكلمة التي تؤدي الغرض فقط. لا تستغني المرأة من أن تكلم رجلاً مثلاً، المرأة تحتاج إلى الذهاب إلى السوق للتبضع في بعض الأمور التي مثلاً لا يستطيع عليها الرجل، فلتقتصر في كلماتها مع البائع بأقل قدر ممكن. الكلمات التي تؤدي الغرض أما الحديث عن الأشكال والأنواع والأسعار و.. ثم ينجر مثلاً إلى بيان ايجابيات وسلبيات هذه البضاعة.. قد تفهم المرأة على أن هذا غرض عادي هي تحتاج إلى هذه الأمور لكن هذا البائع ماذا يفهمها؟ ﴿ فيطمع الذي في قلبه مرض ﴾.
ثم أن التردد على الأسواق إلا للأغراض الضرورية يعني هناك مقدار من الأغراض ومن الوسائل لا مفر منها، لكن أن يكون هذا طابع ونوعاً ما جدول في كل المناسبات.. وهناك مشكلة ذات تأثير كبير في هذه الأمور خاصة في أمور الزواج ليتنا نستطيع أن ندبر طريقة نتخلص منها من تهيئة وإعدادات أمور الزواج، الذي لابد أن تذهب الفتاة إلى السوق مع أمها وأخواتها إلى عدة أسواق وإلى عدة محلات وينظرون إلى مختلف الأشكال والألوان لشراء الملابس والثياب والإعدادات.. وفي غير الزواج أيضا. يفترض أن تقتصر المرأة على ما تحتاج إليه. ثم لا تعطي المرأة رقم هاتف المنزل ولا الجوال لأحد لأي سبب من الأسباب.
أحياناً كما ينقل لي البعض أن البائع هو يتسبب في طلب هاتف المرأة بغرض الإخبار عن البضاعة الجديدة أو جائزة مثلاً. الخلاصة التي أريد أن أقولها في هذا البحث وفي هذا المضمون الآن زماننا زمان النوايا السيئة وزمان البناء على أن الآخرين سيئو النية. أي أحد تتعامل معه أيها الشاب الصغير، أيها الطالب في المدرسة، أيتها البنت في مدرستك، أيها الأم التي تريدين أن تديرين وضع بيتك، أي شخص لا تأمنين له، أي شخص لم يسبق بينك وبينه معرفة أي شخص ليس ثقة تامة، ابنوا على أن له نية سيئة. هو في علم الله قد يكون صالحا، انتم لا تعتدوا عليه لا تشتمونه بغير سبب لا تتعدوا عليه.. السائق العاملة أو الخادمة في البيت وأنا ذكرت مرة الخادمة عاملوها بالاحترام والتقدير ولا يجوز التعدي عليها ولكن ابنوا دائماً على أن هؤلاء جاؤوا من مجتمع آخر.
اليوم الزمان يقول لنا ابنوا على أن نوايا الناس نوايا غير سليمة احذروا من أن تقدموا حسن الظن في التعامل مع الآخرين. هذه البساطة التي نحن نتصرف فيها، يجب أن نعيد النظر فيها. نحن متعودون المرأة تخرج إلى بيت عمها أو خالها وأن كلنا جيران والمنطقة مأمونة.. لم تعد هذه الأمور موجودة، لا المنطقة مأمونة ولا الطريق مأمون.

إشاعة الفاحشة

وفي الختام أشير إلى نقطة لها ارتباط بهذه المسألة، القرآن نهانا عن إشاعة الفاحشة بمعنى نهانا عن الحديث والتجديد فيها ومع الأسف الشديد هذه الأيام هناك جهات إًعلامية سواء صحف سواء مجلات سواء مواقع انترنت تبحث عن أي سبب من أسباب القضية، الفضيحة أو مشكلة اجتماعية.. بعض هذه المواقع ربما يفرحون إذا وقعت حادثة ما لأنه بالنسبة لهم سبباً للحديث والنقل والتجديد ومع الأسف الشديد يقع في براثن هذه المواقع وهذه الأماكن الإعلامية بعض البسطاء والسذج، كلٌ يعبر عن رأيه وكلٌ يقول ما يعرف. أنا قبل فترة ألقيت نظرة على بعض المواقع التي نعتبرها محترمة وخرجت بنتيجة أنني احتمل احتمالاً جاداً أن الدخول فيها حرام، مجرد تفتحها وتطالع مواضيعها حرام لأنها لا تكاد تخلو مواضيعها من إثارة الفضائح والغيبة ونشر الفساد، قد يطرحون أمور كثيرة إيجابية ولكن علينا أن نحذر من الانسياق لهذا الأسلوب، أنّ كل ما نعرفه نكتب عنه ونعبر ونقول رأينا وأن هذه حرية رأي مثلاً.. وكل من يكتب يقول أنا أدري أنا أستقبل المعلومات من جهة صحيحة فيرد آخر بأن لا أنا رأيت وسمعت أصحاب الأمر يقولون، أنا نقل لي زيد عن عمرو.. علينا أن نكون على حذر وانتباه من هذه الأمور على الأقل في نطاق مواقعنا الشيعية التي نحترمها ونقدرها ونتمنى لها الخير والتطور.
نسأل الله عز وجل بحق المصطفى وآله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين بحق سيدنا ومولانا أبي عبد الله الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام أن يصلي على النبي وآله وأن يعجل لوليه الفرج والنصر والعافية وأن يحفظنا ويحفظ أهلينا وأعراضنا وأبناءنا من كل سوء ومن كل شر وأن يجعلنا وإياكم من الصادقين في ولاية محمد وآله الطاهرين والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

تحياتي// نور الوجود

[دلوعة الشرقية]

مشكورة اختي نور الوجود