كتب ومجلات متخصصة والمضمون يراعي الأمزجة
حسين محمود*
أهم مكان للقراءة حظي في السنوات الأخيرة باهتمام خاص هو القراءة في الحمام، وأهم إشارة إليه كانت في جويس والبرت كوهين. كل هذه الأماكن التي تمارس فيها نوعية معينة من القراءة تضاف إلى مكان القراءة الأول والفريد، وهي المكتبات العامة، والمكتبات المتخصصة، ومكتبات دور البحث والجامعات.
الحمامات الحديثة انقلبت فيها المقاييس
العرب يستحسنون القراءة في مكان نظيف مختار ولهذا استحب جماعة من العلماء القراءة في المسجد لكونه جامعا للنظافة وشرف البقعة ومحصلا لفضيلة أخرى وهي الاعتكاف. وأما القراءة في الحمام فقد اختلف السلف في كراهيتها، وقال البعض بوجوب الامتناع عنها في ما أجازها آخرون. لكن حمامات اليوم هي غير حمامات الأمس. لقد تطورت الحمامات كثيرا، ونحن نقرأ في التراث العربي أن الخلاء هو المكان الذي كان المرء يقضي فيه حاجته، ولكن الآن انعدمت هذه العادة، واستبدلت بالقواعد الصحية المتعارف عليها دوليا، والتي أصبحت بديهية في العالم المتحضر، والذي أصبح العرب جزءا منه في العصر الحديث، بعد التطور الاجتماعي والاقتصادي الهائل الذي شهدته هذه البقعة من العالم. وأصبح الحمام الآن، أو المفروض أن يكون، من أنظف الأماكن في البيوت وأكثرها استحقاقا بالعناية والنظافة، وخاصة في الشقق الصغيرة الضيقة التي لو لم يكن فيها الحمام نظيفا لانقلب حال الشقة وأصبحت رائحتها لا تطاق.
وهناك بحث نشر مؤخرا قام به العالم البيولوجي «تشك جيربا» من جامعة أريزونا الأميركية، وذكرته فيروز مصطفى في مقال طريف منشور لها ومقتبس منه على نطاق واسع في شبكة الإنترنت، وقد توصل البحث لنتيجة مهمة وهي أن الحمام مكان يتمتع بنظافة أكثر من المكتب الذي يوجد بالعمل. كما أنه صحي للقراءة أكثر من المكتب الذي أصبح ملجأ لأنواع مختلفة من البكتيريا والجراثيم التي تتوطن في جهاز التلفون ولوحة مفاتيح جهاز الكومبيوتر وغيرها. كما أن المكتب يعد مرتعا لمثل هذه الجراثيم للذين يتناولون طعامهم عليه. وعن الصورة التي سيكون عليها الحمام في المستقبل فقد تنبأ مخترعون سويديون بأنه ستكون هناك ماكينة لطبع ورق حمام، يكون عليه أحدث وآخر الأخبار السياسية والرياضية وأحوال الطقس، ليقرأها الفرد ثم يلقي بها. كما سيزود حمام المستقبل بشاشة كومبيوتر وفأرة ولوحة مفاتيح للتجول عبر الإنترنت، بعد أن دخلت الحمامات التلفونات اللاسلكية وأجهزة الكاسيت والتلفزيونات.
شكّل الحمام كمكان للقراءة، أهمية كبيرة لكثير من الأدباء، وكثير منهم عبر عن هذا في كتاباته أو في مذكراته. وفي إحدى الدراسات اتضح أن خُمس المعلومات التي يحصل عليها الإنسان في حياته إنما يحصل عليها وهو في الحمام. ومن المفارقات اللطيفة أن المصريين يسمون الحمام بمحل الأدب، ولهذا ليس غريبا أن يتم تعاطي الأدب بداخله، رغم الفارق البديهي بين معنى الأدب في السياقين.
وفي إيطاليا فإن الاتجاه العام في ديكور البيوت، الآن يخصص في كل حمام مكانا للكتب، بعد أن أصبحت عادة القراءة في الحمام، ظاهرة عامة لا تقتصر على طبقة اجتماعية بعينها.
معهد لتشجيع القراءة في الحمام
وهناك معهد أقيم بمبادرة فردية خاصة، باسم «معهد نشر القراءة في الحمام»، يهدف إلى تسهيل القراءة في هذا المكان من البيت. وصدر مؤخرا كتاب يحمل اسم «مشغول! القراءة على عرش المعرفة»، يستهدف إشباع الحاجة إلى القراءة في هذا المكان بالذات. وهو كتاب يقدم الطرائف والمعلومات سهلة الهضم بما يساعد القارئ على الاستغراق فيه، وبالتالي يشرد تفكيره عن أي شيء آخر يقوم به، وتسترخي أعصابه، ويسهل أمره. وبالطبع هذه ليست وصفة طبية، ولكن الأطباء أحيانا ما يصفونها لبعض المصابين بمشاكل معوية معينة. هذا الكتاب المخصص للقراءة في الحمام، مقسم إلى أبواب وفصول، متفاوتة الطول، ويمكن قراءته من أي موضع، فيمكنك أن تقرأه من بدايته أو من آخره أو من منتصفه، لا يهم! وتستطيع أن تختار منه الموضوع الذي يروق لك القراءة فيه في اللحظة التي تكون فيها داخل الحمام، وحسب مزاجك النفسي ساعتها. وتستطيع أيضا أن تنتقي الفصل الذي تدوم قراءته بالتقريب الوقت الذي تستغرقه هناك.
وللكاتب الإيطالي الشهير أومبرتو إيكو تعليق على أهمية الكتاب يذكر فيه أن الكتاب ما يزال الوسيلة الأكثر عملية ومرونة في نقل المعلومات، ويمكن قراءته في الفراش وفي الحمام، حتى وإن كان حماما مليئا بالرغاوي. ويقرر دانييال بينيك أنه قرأ معظم أعمال جوجول في الحمامات. ويرى فيلوزي أن الحمام هو أكثر الأماكن حرية، سواء حرية جسدية أو روحية، ولهذا فهو المكان الأنسب للقراءة. وقال أحد الأدباء إنه لا يقرأ كثيرا لأنه أصبح يدخل الحمام قليلا.
وأما العالمة البريطانية «ريتا وينكلر» فكما تقول فيروز مصطفى اتخذت من غرفة الحمام مادة للفحص والبحث والتقصي لأكثر من 13 عاما. وترى أن الحمام له خصوصية شديدة في حياة الأفراد، لا تقتصر على إراحة أجسادهم فقط بل إنه يريح عقولهم أيضا؛ وذلك لأن الحمام يعد المكان الذي يمدهم بصفاء البال والهدوء، كما أنه بمثابة الملجأ الأخير لهم من الضوضاء التي يعيشون فيها الآن؛ خاصة في ظل التكنولوجيا الحديثة والمتطورة التي جعلت العالم مفتوحا، ويمكن لأي شخص اقتحام خصوصيات الآخرين في أي وقت. ومن هنا فإن الحمام ما يزال المكان المغلق الذي يعطي الفرد حالة فريدة من الهدوء والخصوصية. وتقول: إن القراءة في الحمام تشعر القارئ بالهدوء والمتعة مثل متعة وهدوء القراءة على متن الطائرة. وتشير فيروز مصطفى إلى أن هناك بعض الأفراد الذين يخجلون من الإفصاح عن إدمانهم لمثل هذه العادة داخل الحمام، حتى أنهم أحيانا ما يقومون بإخفاء الجرائد أو المجلات داخل ملابسهم وهم في طريقهم للحمام حتى لا يراهم أحد من المحيطين بهم وكأنهم مجرمون مقدمون على ارتكاب جريمة، وذلك بسبب سخرية المحيطين بهم، أو للدهشة الشديدة التي يرونها في أعين من حولهم.
وتصنف ريتا وينكلر الشعوب، وفق علاقتها بظاهرة القراءة في الحمام! فترى أن على رأس الشعوب التي تدمن القراءة في الحمام الشعب الأميركي، يليه الشعب الألماني، ثم الفرنسي فالشعب البريطاني... ثم عدد من شعوب الدول النامية.
--------------------------------------------------
أقتطعت هذا الجزء فقط من المقال كي لا يمل الأعضاء من قراءة المقال ..لكن تستطيعون أن تجدوا المقال كاملاً هنا
هناك من يجد أن في القراءة متعة لا تدرك خصوصاً عندما تكون متكئاً على وسادة السرير أو كرسي هزاز أو صوفاية لينة تحتضنه .. لكن أن تظهر كتب ومكاتب خاصة بالحمامات فهذا شيء جديد بالنسبة لي على الأقل .. كل الذي أعرفه أو الذي شاهدته هو الدخول الى الحمام - اجلكم الله - بابسطها وهي المجلات وإن كان صعباً بسبب وجود لفظ الجلالة - واللذي لا يخلو من كتاب على الأقل - ..
ما رأيكم !!