مدينة القدس مدينة عربية إسلامية تمتد جذورها إلى عهد الكنعانيين العرب ومنهم اليبوسيون، وهم بناة المدينة الأوائل ومنشؤو فلسطين حوالي العام 3000 قبل الميلاد.
لقد حبا الله من القدسية والبركات ما لم يهبه لغيرها من المدن في العالم اجمع لقولة تعالى :"سبحان الذي أسرى بعبده من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله " (صدق الله العظيم) .
فالمدينة مباركة وكل ما حولها مبارك، فهي مسرى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وأولى القبلتين وفيها ثالث الحرمين الشريفين.
في هذه الأيام التي تجتاز فيها القدس محنتها الكبرى، محنة التهويد وطمس المعالم وتبديد الحقوق، ينبغي أن تظل القدس نصب الأعين وموضع الحديث لتبقى المدينة الرمز حية في الفكر والوجدان.
فعروبة القدس الشريف تتجاوز ذلك الحيز الزمني لدعوة الإسلام أنها تسبقها حقبة ضاربة في القدم. ولقد صمدت هذه المدينة المقدسة لنوائب الزمان فحوصرت مرارا ودمرت تكرارا بيد أنها على الرغم مما أصابها ظل اسمها شامخا في طليعة المدن.إن خير ما يروق لنا في هذه الظروف العصيبة التي تعيشها المدينة المقدسه هو الكتبة عن القدس تاريخا وارضا وتراثا وحضارة على مر العصور وتعاقب الأجيال التعرف على أسواق القدس المتعددة في البلدة القديمة وما تراثنا إلا رمز وجودنا وما قدسنا إلا شريان حياتنا. فما باب العامود وباب خان الزيت وسوق القطانين وسوق اللحامين وسوق العطارين والازقه المتعددة داخل البلدة القديمة إلا اكبر شاهد على حضارتنا وتراثنا في القدس الشريف.
لقد رأيت أن أتناول في هذا البحث عن القدس وأسواقها الثلاثة محاور رئيسيه بدءا بالكتابة عن تاريخ القدس مرورا بتراث بيت المقدس وانتهاء ببعض اللمحات التراثية عن أسواق القدس داخل البلدة القديمة وتحديدا سوق العطارين .
المحور الأول
بعض اللقطات من تاريخ بيت المقدس
·إن مدينة القدس هي مسكن الكنعانيين وأحفادهم الفلسطينيين منذ أقدم العصور.
·ورد اسم اليبوسيين العرب أهلا للقدس في مواضع عديدة من العهد القديم .
·كشفت حفريات مدرسة الآثار البريطانية في العام 1961 بان مدينة القدس شهدت منذ الألف الرابع ق.م استقرارا بشريا وعمرانيا وأطلق عليها اسم "اورسالم" أي مدينة سالم باللغة الكنعانية القدس.
·لقد وجد عالم الآثار برنارد من جامعة ويلز آثارا لقبائل عربية هاجرت إلى نواحي القدس حوالي 3000 سنة قبل الميلاد.
·تم استقرار الموجة السامية في فلسطين حوالي 1500 عام استنادا إلى الحفريات الأثرية عن بقايا أسوار القدس القديمة التي أقامها اليبوسيون.
·اتخاذ اليبوسيون من القدس "اويبوس" عاصمة لإدارة مملكة ذات كيان سياسي وديني.
·اليبوسيون كانوا أهلا للقدس لدلالتها الدينية المعروفة قبل نزوح بني إسرائيل عن مصر بستة قرون على الأقل.
·شهادة ميلاد القدس تؤكد أنها عربية الأصل من حيث النشأة والتكوين استنادا إلى أن يبوس فرع من قبيلة كنعان والكنعانيون عرب نزحوا من الجزيرة العربية.
·اعتبار مدينة القدس (يبوس) غريبة استنادا إلى قصة الغلام الإسرائيلي الذي قال لسيدة تعالي نميل إلى مدينة اليبوسيين هذه ونبيت فيها حيث ردت علية السيدة بأننا لا نميل إلى مدينة غريبة حيث ليس احد من بني إسرائيل هنا.
·عدم استطاعة الملك داوود فرض سيطرته على مدينة القدس بكاملها.
·بداية التاريخ لبني إسرائيل بخروجهم من مصر بقيادة سيدنا موسى عليه السلام ما بين 1240-1230 ق.م.
·حينما خرج بهم من مصر واستقر في سيناء يريد الأرض المقدسه وعصوا أمره قال الله تعالى في سورة المائدة :"يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على إدباركم فتنقلبوا خاسرين قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين، وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فان يخرجوا منها فانا داخلون " إلى قوله تعالى :"يا موسى إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون" (صدق الله العظيم).
·ارتجال اليهود إلى فلسطين على يد يشوع الذي خرج بهم من التيه بعد موت سيدنا موسى علية السلام ووقوع الصدام بينهم وبين الفلسطينيين الكنعانيين، أصحاب الأرض و كيف قاموا بحرق العديد من المدن ومنها مدينة أريحا وعادي قرب دير دبوان وغيرهما من المدن الكنعانية.
·حدوث زلزال 1927م في أريحا أدى إلى تدمير الكثير من المباني وظهور أنقاض مدينة أريحا القديمة من الأدوات الفخارية التي يعود تاريخها إلى عهد الكنعانيين.
·نزول اليهود بقوة السلاح على الأرض الفلسطينية وعلى مساحة لا تتجاوز 10-15% من مساحتها الكلية وبقيادة داود وسليمان لم يدم أكثر من ثمانين عاما.
·الأساس القديم لبيت المقدس وضعتة الملائكة بعد وضع أساس المسجد الحرام ويقال أيضا أن سيدنا إبراهيم علية السلام هو الذي وضع أساسه بعد الفراغ من بناء الكعبة بأربعين سنة.
·انتهاء مملكة بني إسرائيل عام 721 ق.م على يد ملك بابل (مملكة الشمال) وعاصمتها السامرة ومملكة يهودا و عاصمتها القدس التي انتهت عام 586 ق.م حيث حصل تدمير الهيكل على يد نبوخذ نصر بعد عمله بقتل اليهود لنبيهم يحيى ابن زكريا.
·انتهاء التاريخ السياسي لبني إسرائيل في القدس و فلسطين قبل الميلاد بستة قرون.
المحور الثاني:
تراث بيت المقدس
إن الوجود العربي و الإسلامي في القدس منذ الفتح الإسلامي لها وحتى الآن هو وجود مستمر دون انقطاع وكذالك وجود حضاري راسخ والى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فأينما ذهبت و حيثما نظرت في القدس تجد هذا التراث الحضاري في البنايات و الشوارع و الأسوار و الأسواق وكذلك إذا حفرت في الأرض تجد أيضا هذه الحضارة متراكمة بعضها فوق بعض. إن هذا الوجود الحضاري الإسلامي مهما كان الأساليب و الادعاءات. فالحقائق التاريخية واضحة المعالم و شامخة الشموخ وخاناتها و زواياها وتكاياها و مقابرها. هذه المظاهر الحضارية العربية الإسلامية الممتدة منذ الفتح الإسلامي سنة 15ه مرورا بالعصر الأموي و العباسي الأول و الثاني و كذالك العصور الأخرى الأيوبية و المملوكية والعثمانية تتحدى أولئك الذين يتعامون عنها و يحاولون إنكارها ويغوصون في أعماق التراث المقدسي مفتشين عن بعض آثارهم و مهددين هذا التراث الحضاري بالانهيار. إنهم يحاولون عبثا العثور على شيء يخصهم ولكن دون جدوى، إن وجود اليهودي في القدس هو وجود عابر و قصير جدا ولم يترك شيئا يذكر فيقف هؤلاء موقفا صغيرا ومحتقرا أمام هذا الوجود الحضاري الإسلامي وقد صدق ه.ج.ولز عندما قال "كانت حياة العبرانيين (في فلسطين)تشبة حالة رجل يصر على الإقامة وسط طريق مزدحم فتدوسة الحافلات و الشاحنات باستمرار ....ومن البدء حتى النهاية لم تكن ممتلكاتهم سوى حادث طارئ في تاريخ مصر وسوريا وأشور وفينيقيا ذلك التاريخ الذي هو اكبر و أعظم من تاريخهم".
إن التراث الإسلامي في القدس بدءا بالعهد الأموي حيث اهتم الخلفاء الأمويون كثيرا بالقدس فزارها معظم خلفاء بني أمية وقد توج هذا الاهتمام ببناء قبة الصخرة سنة 619م والمسجد الأقصى سنة 708. وكذالك من مآثر الأمويين في القدس إنشاء دار للسكة وضرب نقود تحمل اسم "ايلياء"، كذالك توجد كثير من الحمامات تعود إلى هذا العصر. من ناحية أخرى اهتم الأمويون بالمكانة العلمية لبيت المقدس فشجعوا العلماء من قراء قرآن ومحدثين ومفسرين و فقهاء للمكوث في المسجد الأقصى و تعليم الناس ومن أجل التأليف وغيرها.
أما العصر العباسي و على الرغم من الخلافات السياسية و نقل مقر الحكم إلى بغداد فقد حفل هو الآخر بالتركيز على البيت المقدس وايلاءه مكانة خاصة. فقد عمرت قبة الصخرة مرارا و خاصة في عهد الخليفة المأمون وضربت فيها العملة التي تحمل اسم" القدس" كذلك كانت القدس موئلا للعلماء ومكانا للتعليم. وهذا الازدهار العلمي كان مواكبا للتقدم العلمي خلال الفترة العباسية الأولى ولم تقل القدس مكانة عن بقية مراكز الدولة المرموقة الأخرى. وكثر خلال هذه الفترة المتصوفون الذين جاءوا إلى القدس للتقرب إلى الله و أصبحت مركزا صوفيا مشهورا. ومن هؤلاء المتصوفون رابعة العدوية، بشر بن الحارث، ذو النون المصري وإبراهيم بن ادم وغيرهم الكثير. وبناء علية كثرت الزوايا و الخوانق و الروابط في الفترات اللاحقة.
استمر الاهتمام الإسلامي بالقدس و منشاتها خلال الفترة الفاطمية أيضا الأمر الذي ترك بصمات في علم الطب والصيدلة. كما انشأ الفاطميون مستشفى يعتبر من أوائل المستشفيات في القدس "دار العلم الفاطمية"لنشر الدعوة الشيعية. استمر التواصل الإسلامي الحضاري في القدس حتى مجيء الصليبيين "الفرنجة"في نهاية القرن الحادي عشر. وعلى الرغم من المحاولات الصليبين طمس هوية القدس العربية الإسلامية فقد عادت عربية إسلامية كما كانت بعد أن تمكن صلاح الدين الأيوبي من طرد الصليبيين اثر معركة حطين سنة 1187م فعادة الحياة العلمية والدينية إليها وأزيلت كل مظاهر التغيير التي ادخلها الصليبيون على هذه المدينة.
المحور الثالث:
أسواق القدس
وسوق العطارين بين الماضي و الحاضر.
في داخل المدينة القديمة أسواق وان كانت مرصوفة إلا أنها ضيقة و معوجة يزدحم الناس فيها بكثرة. و يزداد هذا الازدحام في الأعياد و المواسم. ويرى المرء إذا ما مر من هذه الأسواق الفلاحات حاملات على رؤؤسهن اسفاطا و أطباقا وجونا مملوءة فاكهة ولبنا أو بقولا وخضارا فتتنحى كل واحدة منهن جانبا من السوق فتجلس و تضع أمامها سلها لتبيع ما فيه إلى المارين. وان بعض هذه الأسواق إن لم نقل أكثرها وهي القديمة مقبوة مظلمة واليك أسماء بعضها:
1. سوق العطارين"وهي سوق تقع بين سوق اللحامين و سوق التجار وهي مسقوفة وفي سقفها نوافذ كثيرة لنفاذ أشعة الشمس وطول السوق 300م وعرضه متران ونصف ويوجد فيه مائه وستة حوانيت متعددة منها خمسة حوانيت متخصصة في بيع العطارة.
2. سوق اللحامين: وهي سوق تقع جنوب سوق النحاسين شرق سوق البازار.
3 . سوق باب القطانين: وهو سوق قديم العهد جدده السلطان الناصر محمد بن قلاوون سنة 727ه وهو يقع غربي الحرم القدسي وغرب باب القطانين طوله مائه متر و عرضة عدة أمتار وعلى جانبية دكاكين وقد كان في عهد المماليك أعظم سوق بالمدينة و أكثر اتساعا سمي فيما مضى نجان تنكز.
4 . سوق الحصر: وهو سوق تقع جنوب سوق اللحامين شرق سوق البازار.
5 . سوق البازار: وهو سوق تمتد من قلعة غربا حتى سوق اللحامين شرقا.
6 . سوق باب السلسلة: وهو سوق تقع غرب الحرم القدسي شمال البراق وهي تمتد حتى بداية سوق خان الزيت والى الجنوب منها يدخل المارة في الدرج يمتد إلى حارة اليهود وحائط البراق.
7 . سوق اليهود: وهو سوق طويلة تلتقي بالسوق الكبيرة من الشمال هجرها تجارها اليهود بعد أن ثار العرب عليهم في عام 1936م.
8 . "السوق الجديدة":وهي تقع إلى الشرق من قلعة القدس في باب الخليل.
9 . سوق باب الجديد: وهو سوق تقع قرب باب الجديد أحد الأبواب الشمالية للقدس.
10. سوق التجار: ومن أسمائها سوق الصياغ وهي تقع شرق سوق العطارين جنوب سوق الباشورة وهي مسقوفة وبسقفها تنفذ أشعة الشمس والهواء
11. سوق الكبيرة:ويسمونها سوق الخضرة تبدأ عند ملتقى سوق اليهود بسوق التجار غربا وتمتد حتى باب السلسلة شرقا وإذا ما سار المرء في اتجاه شرقي وجب عليه أن يهبط في درجات واسعة متتابعة بعض أقسامها مقبوة ولها نوافذ في سطحها وفي منتصفها إلى الشمال خان رحب يعرف بخان السلطان فيه بعض المطاحن و المعاصر.
12.سوق الباشورة:تجاه سوق العطارين من الجنوب كانت فيما مضى مقر الحكام المماليك.
13. سوق النحاسين:واقعة إلى الشمال من سوق اللحامين والى الجنوب من باب خان الزيت.
14. سويقة علون:تمتد من موقع الموقف الكائن تجاه القلعة من الغرب حتى الملتقى طريق البازار وحارة النصارى من الشرق يهبط المارة منها في درجات مرصوفة متتابعة.
النص الكامل
http://www.najah.edu/index.php?news_id=5472&page=3171&l=ar
18-03-10, 02:11 PM
العرض العادي
