بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
إنّ الأعمال الصعبة والتضحيات الكبرى نهض بها الآباء والأجداد، فقد قطعت أيديهم وأرجلهم في سبيل سيد الشهداء وزيارته (صلوات الله وسلامه عليه) وتحمّلوا أنواع التعذيب والنفي من أجل أهل البيت (عليهم السلام) ولم يقصّروا.
أما الأعمال المنوطة بنا نحن اليوم، فهي في الغالب هيّنة ولا مؤونة كثيرة فيها؛ ومنها:
1- إقامة مجالس العزاء في البيوت
الأمر الأول الذي يحسن بنا أن نؤديه للإمام الحسين (عليه السلام) خاصة في شهر محرم الحرام، هو أن يقيم كل منا مجلس الحزن والعزاء على أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) في بيته، إن لم يكن هناك مانع يحول دون ذلك.
وهذا الأمر مهم جداً وأقدّم لبيان أهميته بمقدمة قصيرة وهي: أن علماء الاجتماع يقولون: كلما كان عدد أفراد المجتمع أكثر، وتطوره أكثر، وعلاقاته مع المجتمعات الأخرى أوسع وأكثر تشعباً، فإن مشكلاته واحتياجاته ستكون أكثر. ويضربون مثلاً لذلك في العائلة. فالأسرة المتكونة من زوج وزوجة توجد فيها علاقتان فقط هما: علاقة الزوج بزوجته، وعلاقة الزوجة بزوجها. ولكن ما إن يضاف للعائلة فرد ثالث بولادة مولود مثلاً حتى يرتفع عدد العلاقات إلى ستّ؛ هي بلغة الرموز: علاقتا (أ) مع كل من (ب) و (ج)، وعلاقتا (ب) مع كل من (أ) و (ج)، وعلاقتا (ج) مع كل من (أ) و (ب). وهكذا تتعقد علاقات المجتمع كلما أضيف إليها فرد جديد، أي كلما زاد عدد أفراده. وتزداد احتياجاته كلما زاد تطوره، وتتضاعف مشكلاته مع تطوره أيضاً. والسؤال المطروح هنا: كيف تحل هذه المشكلات وتلبّى هذه الحاجات؟وما هي الجهة التي يقع على عاتقها حلّ مشكلات المجتمع ومتابعة قضاياه. يقول علماء الاجتماع أيضاً: إن المؤسسات الاجتماعية، كلما كانت أكثر وأقوى كان المجتمع أكثر قوة وتماسكاً، وكانت علاقات أفراده أسلم وأمتن.
فلو قارنا بين مجتمعين من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية أو الدينية، للاحظنا أن مجتمع المؤسسات هو الأقوى في كل تلك النواحي.
ومن مؤسساتنا الاجتماعية المهمة - نحن الشيعة- مؤسسات سيد الشهداء وأبي الأحرار الإمام الحسين (عليه السلام). ولا تكمن أهميّتها في بعدها الديني فقط، بل هي مهمة في الأبعاد الأخرى أيضاً، كالبعد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي وغيرها. فلو أنك أقمت مجلس تعزية في بيتك وحضره أربعة أشخاص فقط، فإن ذلك - بحد ذاته- يعدّ مؤسسة اجتماعية تنهض بدور ثقافي، وديني، واجتماعي، واقتصادي وأعمال أخرى ذات أبعاد أخرى.
لكن الكثير منا غافلون مع الأسف عن أهمية هذه المجالس، لأنها أصبحت كالعادة بالنسبة لنا؛ فإن الذي يعيش إلى جنب النبع العذب قد لا يلتفت إلى دور الماء في حياته، لكن من يعيش في صحراء قاحلة يعرف أهميّة الماء بالنسبة للحياة.
قال القس المسيحي الذي التقي المرجع الديني المعروف آية الله المرعشي النجفي رحمة الله عليه - في قصة مفصلة- : أنتم الشيعة لديكم ثلاثة أمور مهمة، لكنكم لا تدركون أهميتها؛ منها: مزارات الأئمة وأولادهم وذراريهم.
ومنها سيد الشهداء الإمام الحسين صلوات الله عليه.
هذا ما عندنا، فماذا عند المسيحيين؟
هم يقولون - وسبحان الله عما يقولون - : إنّه كان لله ولد اسمه المسيح عيسى (على نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام)، صلبه اليهود وانتهى كل شيء.
فاستمع إلى الإذاعات وانظر إلى الشاشات وطالع الصحف والمجلات، لترى المسيحيين قد ملأوا الدنيا بقولهم إن ((المسيح افتدانا)) .
أما نحن فعندنا أئمة آل البيت عليهم السلام، وعندنا الحسين (عليه السلام) وقضاياه المشجية التي لا يملك المسيحيون معشار معشارها ولا دون ذلك، ولكننا مقصرون. فلنقم بما يمليه الواجب الشرعي والوجداني علينا تجاه سيد الشهداء في العالم الإمام الحسين (عليه السلام)، ولا نقصر في إقامة مراسم عزائه في بيوتنا؛ فلهذا الأمر أهمية بالغة، فكل برنامج يقام في أحد البيوت يعد مؤسسة تربوية وثقافية واجتماعية واقتصادية . . . بالكامل.
إن إحدى العائلات الشهيرة في الكويت تقيم المجلس الحسيني في بيوت أفرادها على مدار السنة بشكل دوري، أي كل ليلة من ليالي الأسبوع في بيت أحدهم، باستثناء شهر محرم وصفر حيث تقام المجالس العامة. كل الذين أعرفهم من أفراد هذه العائلة هم أفراد مؤمنون متدينون ومن المبادرين إلى الخيرات. فمن الطبيعي أن يمتاز الشخص المتربي في أجواء المنبر وذكر الحسين (عليه السلام) عن المتسكع في الشوارع أو المتربي في أجواء الفضائيات الهابطة.
بناءً على هذا، فإن إقامة المجالس الحسينية هي إحدى الواجبات الكفائية إن لم نقل العينية في حق بعض (بالقدر الذي يتوقف أداء الواجب عليها).
أقيموا المجالس الحسينية في بيوتكم، وسوف تلمسون بأنفسكم بركاتها وآثارها، ولا تتخلون عنها إن شاء الله بعد ذلك. أنا اعرف أشخاصاً شرعوا بهذا الأمر ومازالوا مستمرين عليه دون أن يندم أي منهم، لأنهم رأوا بأعينهم البركات الدنيوية والأخروية تنزل عليهم على أثر ذلك.