ظلام بهيم يجتاح غرفتي ، تسري في جسدي ليونة لم أعهدها من قبل. أتمدد على سريري فيلتف بعضي على بعضي.. يبرز رأسي من بين جسدي فأبدو ككوبرا تتربص بفريستها. أن أتحكم في جسدي بهذه الطريقة شيء مثير...
أحدِّق في الظلام ولا شيء سوى هذا الطنين المزعج، الذي يعصفني عصفا.
(هل أمتلكه؟)
اللعنة..! ما هذا الذي يحدث؟ أشعر بالجوع .... الطنين يشتد، يجرني الفراغ لأحدق فيه وأتناسى الجوع والألم. أركّز.. ينبثق ضوء المدينة، يبهرني ما أرى: لوحات إعلانية: ماكدونالدز، ويلمرات، البيك، عبده هت، باسكن روبنز تقف أمامه حُسانة شقراء في يدها طبق من البنانا سبليت، يخرج لسانها ليتبختر فوق الطبق. آه... آه.. ما أروعها. يتلَّون لسانها بلون ما تبختر فوقه، البنيّ الفاتح. أعمل نظري عليها، تتنبه لوجودي، تبتسم، تشجعني ابتسامتها، اقترب منها:
- ممكن طلب ?!
- آه، تفضل.
- خايف تفهميني غلط.
- لا، ولو. تفضل.
وتمدّ بالطبق إلي فاتجه نحو نوعي المفضَّل. تبتسم، وجمال العالم يكسو محياها. أقترب.. تقترب. خاتم ذهبي يزداد بهاءً بموقعه في طرف سرَّتها الأعلى. أخرج لساني لموضع القِبلة. لسعة حارَّة تكويني، اللعنة. أبصق.
عبد يغوث يطلُّ متأبطاً سيفه، عيناه تقدح شرراً.
(وتضحك منِّي شيخة عبشمية).
أغلق عينيَّ كإشارة مرور معطَّلة ملَّت الانتظار. أتألم. أتأوه (كأن لم تر قبلي أسيراً يمانياً).
الطنين يشتد. سائل لزج برائحة نتنة يسيل بخيلاء على الجانب الأيمن من خدِّي متتبِّعاً التضاريس التي خلفتها عوامل التعرية متحدة مع الزمن. الطنين يشتد. أصرخ. لا أحد يكترث. افتح عينيَّ اللعينتان. الدكتور خيرو يقف أمامي:
- خير، شو مالك تصرخ ؟!
- أذني يادكتور. الطنين. الطبول. القبائل الأفريقية. عبد يغوث. ابن عباد (قربا مربط النعامة منِّي). الشعراء. اقطعها. ألقها للكلاب. يؤذيني ما توصله لي: (الشرق الأوسط الكبير، شارون، المهرجين، ابن لادن، أبو مصعب، منقاش). آه ياخيرو، كفاية.
- لازمك عملية سريعة.
هكذا قال، وهو يطلب فريق التخدير.
يصل الفريق، الشقراء في المقدِّمة. أبتسم. تحمل في يدها المخدِّر. أضحك، تبدأ في حقني. أتجه لمخدِّر آخر. ماء دافئ يندلق. يتسبب في برودة أطرافي.
- أوه.
دماء، جنس، انفجارات، آر بي جي، آيس كريم.
أفيق، أبحث عن ساعةٍ بدون توقيت.
ينبجسُ ضوء ميكرفونات. وكالات أنباء. أسواق مالية. وول ستريت.
خيرو يتصبَّب عرقاً... يقترب.
- خير.
يجيبني.
- كلَّك خير يابيك. اكتشاف هائل في أذنك.
قالها وعيناه تشع سعادة.
- ما هذه الماسورة يادكتور، لا أستطيع التحرُّك.
- أنبوب بترول ياشاطر، أذنك تمتلك نصف احتياطي العالم من البترول الخفيف.
- معقولة؟!
- طبعاً معقولة، وأفكر بالتنقيب في مكان آخر.
- لاااا، هنا، لااااا.
قلتها، وأنا أضع يدي على مؤخرتي.
- وقِّع هذه الأوراق لو سمحت.
- على ماذا أوقع يادكتور؟!
- عقود تصدير مع شركات بترول عالمية، بعنا البرميل بمائتي دولار.
- وهذه الورقة الصفراء؟
- هذا طلب من منظَّمة أوبك للانضمام لعضويتها.
- موافق يا خيرو، هات الورقة.
- موافق كيف يازلمة؟!، تمتلك نصف احتياطي العالم وتوافق؟ أنت منظمة بحالها، وراح أسميك "خيرو بك".
ترتفع أصوات مندوبي الوكالات والفضائيات. وينهي خيرو المؤتمر الصحفي متجاهلاً مندوب الفضائية اليمنية، الذي كان يصرخ.
- نشتي نشتري تيه الجنّي. ونبزه لكوكبان.
رجال أمن يقتحمون المكان. أسلحة رشاشة تشهر في وجه الدكتور خيرو، يلقون القبض عليه بحجَّة عدم امتلاكه امتياز للتنقيب عن النفط. توضع الكلبشات في يديه ويقاد خارجاً. أطلب من رجل الأمن ساندوتش كباب ، يرفض طلبي بغباء. يقررون تشكيل لجنة طبية للاعتناء بي باعتباري ثروة قومية. أنقل إلى موقع قريب من موانئ التصدير. تصدر اللجنة الطبية قرارات خاصة بي.
أولاً: يجب أن يكون طعامي مكوناً من أحياء مجهرية بحرية
Marine micro- organisms.
ثانياً: التبرع بالأعضاء غير المفيدة في الاقتصاد الوطني، لذا يتم التبرع بلساني لزعيم قبيلة الزولو الأبكم.
- آه، آه.
أعيش تحت الأرض قريباً من الموانئ، أذني تزداد احمراراً ومؤخرتي تتَّسع، وأنا أحلم بساندوتش كباب.
عمَّان
6/4/2005م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قراءة ممتعة على ضفاف الخيال ..
متنقلةً من ألم الجوع إلى ألمِ الإشتهاء إلى طمعِ الثروات النفطية
تتجلى فيها أبهى من يملكُ أبهة أنبوب نفط مليء بالحمم الشيطانية ..
وماحوله من الحشائش تمسكُ من أذنها لتقتلع ..
نص باذخ مليء بالمصلحات المتداولة اقتصاديا ..
لآذانكم ومخيلتكم التحليق ..