عرض مشاركة واحدة
قديم 27-08-13, 07:33 AM   #45

أميري حسين
عضو نشيط  






رايق

وقفة عند أسرار الولاية 34


إن الله سبحانه وتعالى نور محض: (اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْض)[1]. وكلّ ما يرتبط بالله فهو من جنس النّور. ولهذا لابدّ من عدّ «المعنویّة» و «الولاية» من نمط واحد بهذه النظرة. فإذا قلّت المعنوية، قلّ النور في الواقع، أو بالأحرى تأتي «الظلمة» مکان النور. وليس هناك أية علاقة بين الظلمة والنور بلا ريب. فبطبيعة الحال كلّما ابتعد الإنسان عن المعنوية، سوف يكره كلّ ما هو من نور، ولا سيما الولاية.

لماذا سوف لا يكون الإمام الحجة(عج) مظلوما؟

كما مرّ سابقا، إن الولاية وبسبب مراعاتها لكرامة الناس تتعرض للظلم بطبيعة الحال. وهذا ما تؤيده تجربة التاريخ، فقد تعرض أولياء الله على مرّ التاريخ لأقسى وأشدّ حالات الظلم. هنا قد يتبادر سؤال وهو أنّه: لماذا سوف لا يتعرض الإمام الحجة(عج) للظلم مع أنه سوف يلتزم بقواعد الحكومة الولائية؟
من خلال استقراء أسباب مظلوميّة الولاية التي سبق ذكرها في هذا الفصل، يتضح سبب عدم مظلومية صاحب العصر(عج) مع أنه سوف يشكّل حكومة ولائية على نطاق واسع عالميّ. ولكن حري بنا أن نشير هنا إلى بعض الرؤى غير الصائبة تجاه حكومة المهديّ والتي تؤدي إلى تبلور رؤية خاطئة إلى القضية المهدويّة بشكل عام.
يتصور بعض الناس أن إمام العصر(عج) سوف يصلح كل الناس بين ليلة وضحاها بنَفَسه القدسي والرحماني. بعبارة أخرى إن إحدى الرؤى الخاطئة تجاه القضية المهدوية هي أن نتصور أن الإمام سوف يُصلح الجميع بالإعجاز وبمسح يده على رؤوس الناس. فلو كان المفترض هو أن يصلح الناس بنَفَسه القدسي لكان النبي الأعظم(صلى الله عليه وآله) أنسب منه بهذا الدور. فلماذا لم يستخدم النبي(صلى الله عليه وآله) هذا الأسلوب في سبيل إصلاح الناس في ذاك الزمان؟
وأساسا لو كان القرار هو أن يهدي إمام الزمان(عج) جميع الناس بالإعجاز، لورد إشكال جادّ في المقام. لو كان القرار أن تعالج جميع القضايا بعد الظهور بالإعجاز، لوجدنا غدا بعض الناس الذين يدّعون اليوم أن تعاليم الإسلام لا تنطبق مع الواقع وأنها غير كفوءة في ظروفنا الراهنة يقولون: «ألم نقل أن تعاليم الإسلام غير قابلة للتنفيذ، فحتى أن الله قد اضطر إلى معالجة القضايا عن طريق الإعجاز، فلو كانت أحكام الإسلام عمليّة وكانت قد فتحت طريقا لسعادة البشر، لما اقتضت الضرورة أن يستخدم الله الإعجاز». ولكان هذا الإشكال في محلّه.
بالتأكيد إن القضيّة المهدوية قد مٌزِجت بالإعجاز إلى حدّ كبير. فعلى سبيل المثال إن طول عمر الإمام هو بنفسه إعجاز. وبالإضافة إلى ذلك ستظهر على يده معاجز كثيرة بعد الظهور، ولكن ليس قرار الإمام هو أن يصلح بالإعجاز كل شيء. إذ يأبى الله أن يجري الأمور بغير أسبابها الطبيعيّة: «أَبَى اللَّهُ أَنْ يُجْرِيَ الْأَشْيَاءَ إِلَّا بِالْأَسْبَابِ».[2]إن البرنامج الذي أعدّته الولاية للمجتمع قائم على أساس رشد الناس ومراعاة إدراكهم وإحساسهم. إذن صحيح أن الإمام الحجة(عج) صاحب نَفَس قدسي، ولكن إن لم يحصل الرشد وارتقاء البصيرة لدى عامة الناس، لن تؤثر أنفاسه، كما لم تؤثر أنفاس أمير المؤمنين(عليه السلام) على أمثال ابن ملجم.
وهناك من يتصور أن الإمام الحجة(عج) سوف يدير العالم بمعونة أنصاره الأوفياء الثلاثمئة والثلاثة عشر بمنهج دكتاتوري. يعني أنه سوف يحكم بالقوّة والدكتاتورية بين الناس قبل أن يبلغوا مستوى من النضج الفكري وقبل أن تتوفر له شروط معينة على الصعيد الدولي. يعني أنه سوف يأمرهم أن لا يتنفسوا ولا ينطقوا بكلام، ويقول لهم إنا نعرف كيف نديركم وكيف نُسعدكم!
وقد يتصوّر البعض أن منهج حكومة صاحب العصر والزمان(عج) وأخلاقه في التعامل مع الناس سوف تختلف عما كان عليه النبي الأعظم(صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين(عليه السلام). بمعنى أنهما كانا يصبران ويتنازلان في كثير من الأحيان، بيد أن إمام العصر(عج) سوف لن يصبر ولن يتنازل. نعم، صحيح أن الإمام سوف يتخذ مواقفه بقاطعية فريدة، وسوف يشهر سيفه في مواقف كثيرة، ولكن إشهار السيف يقتضي شروطا لو كانت متوفرة في زمن أمير المؤمنين(عليه السلام) لشهر سيفه وما تنازل عن مواقفه.
على أي حال، ونظرا إلى أسباب المظلوميّة التي أحصيناها، لابدّ أن نعتبر الدليل الرئيس في عدم مظلومية الإمام الحجة(عج) في الدرجة الأولى هو حضور الخواصّ الفدائيين والخلّص إلى جانبه، والذين هو يعملون بوظيفتهم بشكل جيّد، وفي الدرجة الثانية، تطور عامة الناس وازدياد بصيرتهم، وفي نهاية الأمر، العامل الآخر الذي يزيل أرضية مظلومية الإمام إلى جانب العاملين السابقين، هو ازدياد المعنوية في المجتمع.

والحمد لله رب العالمين على تسديدي وتوفيقي لإكمال الترجمة والسلام عليكم ورحمة الله.

[1].نور، 35.
[2]. بصائر الدرجات في فضائل آل محمد(ص)، ج‏1، ص6.

أميري حسين غير متصل