عرض مشاركة واحدة
قديم 23-08-02, 01:40 AM   #1

العفريت
عضو مشارك  







رايق

الأحداث قبل ولادة النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم وفي نشأته الكريمة


قال الواقدي: أول ما افتتح به عقيل بن أبي وقاص حين خطب آمنة لعبد الله بن عبد المطلب أن قال:

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي جعلنا من نسل إبراهيم ومن شجرة إسماعيل من غصن نزار ومن ثمرة عبد مناف.

ثم أثنى على الله تعالى ثناء بليغا وقال فيه جميلا. وأثنى على اللات والعزى ومناة وذكرهم بالجميل، وقال: لا يستغنى عنكم مع هذا كله وعقد النكاح. ونظر إلى وهب وقال: يا أبا الوداج زوجت كريمتك آمنة من ابن سيدنا عبد المطلب على صداق أربعة آلاف درهم بيض هجرية جياد وخمسمائة مثقال ذهب أحمر.

قال: نعم.

ثم قال: يا عبد الله قبلت بهذا الصداق يا أيها السيد الخاطب.

قال: نعم.

ثم دعا لهما بالخير والكرامة ثم أمر وهب أن تقدم المائدة فقدمت مائدة خضرة فأتي من الطعام الحار والبارد والحلو والحامض فأكلوا وشربوا.

قال: ونثر عبد المطلب على ولده قيمة ألف درهم من النثار وكان متخذا من مسك بنادق ومن عنبر ومن سكر ومن كافور ونثر ذهباً بقيمة ألف درهم عنبر وفرح الخلق بذلك شديدا.

قال الواقدي: فلما فرغوا من ذلك نظر عبد المطلب إلى وهب وقال: ورب السماء إني لا أفارق هذا السقف أو أؤلف بين ولدي عبد الله وحليلته.

فقال وهب: بهذا السرعة لا يكون فقال عبد المطلب لا بد من ذلك.

فقام وهب ودخل على امرأته برة وقال: لها اعلمي أن عبد المطلب قد حلف برب السماء أنه لا يفارق هذا السقف أو يؤلف بين ولده عبد الله وبين زوجته آمنة.

فقامت المرأة من وقتها ودعت بعشرة من المشاطات وأمرتهن أن يؤخذ في زينة آمنة فقعدن حول آمنة فواحدة منهن تنقش يديها وواحدة تخضب رجليها وواحدة تسرح ذوائبها وواحدة تمسحها بالملاء فلما كان عند غروب الشمس وفرغن من زينتها نصبوا سريرا من الخيزران وقد فرشوا عليه من ألوان الديباج والوشي وأقعدت الجارية على السرير وعقدن على رأسها تاجا وعلى جبينها إكليلا وعلى عنقها مخانق الدر والجواهر وتختمت بأنواع الخواتيم وجاء وهب وقال لعبد المطلب يا سيدي قم إلى العروس فقام عبد المطلب إلى العروس وهي كأنها فلقة قمر من حسنها وتقدم عبد المطلب إلى السرير وقبله وقبل عين العروس.

فقال عبد المطلب لولده عبد الله: اجلس يا ولدي معها على السرير وافرح برؤيتها.

قال فرفع عبد الله قدمه وصعد إلى السرير وقعد إلى جنب العروس وفرح عبد الله وكان من عبد الله إلى أهله ما يكون من الرجال إلى النساء فواقعها فحملت بسيد المرسلين وخاتم النبيين وقام من عندها إلى عند أبيه فنظر إليه أبوه وإذا النور قد فارق من بين عينيه وبقي عليه من أثر النور كالدرهم الصحيح وذهب النور إلى ثدي آمنة.

فقام عبد المطلب إلى عند آمنة ونظر إلى وجهها فلم يكن النور كما كان في عبد الله بل أنور فذهب عبد المطلب إلى عند حبيب الراهب فسأله عن ذلك.

فقال حبيب: اعلم أن هذا النور هو صاحب النور بعينه وصار في بطن أمه.

فقام عبد المطلب وخرج مع الرجل وبقي عبد الله عند أهله إلى أن ذهبت الصفرة من يديه وذلك أن العرب كانوا إذا دخلوا بأهلهم يخضبون أيديهم بالحناء ولا يخرجون من عندهم وعلى أيديهم أثر من الحناء، فبقي عبد الله أربعين يوما وخرج ونظر أهل مكة إلى عبد الله والنور قد فارق موضعه. فرجع عبد المطلب من عند حبيب وقد أتى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شهر واحد في بطن أمه ونادت الجبال بعضها بعضا والأشجار بعضها بعضا والسماوات بعضها يستبشرون ويقولون ألا إن محمدا قد وقع في رحم أمه آمنة وقد أتى عليه شهر ففرحت بذلك الجبال والبحار والسماوات والأرضون فرحا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ثم إن الله تعالى أراد قضاءه على فاطمة بنت عبد المطلب فورد عليه كتاب من يثرب بموت فاطمة وكان في الكتاب أنها ورثت مالا كثيرا خطيرا فأخرج إلى عندهم بأسرع ما تقدر عليه.

قال عبد المطلب لولده عبد الله يا ولدي لا بد لك أن تجي‏ء معي إلى المدينة فسافر مع أبيه ودخلا مدينة يثرب وقبض عبد المطلب المال ولما انتهيا من دخولهما المدينة بعشرة أيام اعتل عبد الله علة شديدة وبقي خمسة عشر يوما فلما كان يوم السادس عشر مات عبد الله فبكى عليه أبوه عبد المطلب بكاء شديدا وشق سقف البيت لأجله في دار فاطمة بنت عبد المطلب وإذا بهاتف يهتف ويقول قد مات من كان في صلبه خاتم النبيين وأي نفس لا تموت فقام عبد المطلب فغسله وكفنه في سكة يقال لها شين وبنى على قبره قبة عظيمة من جص وآجر وأحكمه.

ورجع إلى مكة واستقبله رؤساء قريش وبنو هاشم واتصل الخبر إلى آمنة بوفاة زوجها فبكت ونفشت شعرها وخدشت وجهها ومزقت جيبها ودعت بالنائحات ينحن على عبد الله.

فجاء بعد ذلك عبد المطلب إلى دار آمنة وطيب قلبها ووهب لها في ذلك الوقت ألف درهم بيض وتاجين قد اتخذها عبد مناف لبعض بناته وقال لها يا آمنة لا تحزني فإنك عندي جليلة لأجل من في بطنك فلا يهمك أمرك فسكتت وطيب قلبها.

قال الواقدي: فلما أتى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بطن أمه شهران أمر الله تعالى مناديا في سماواته وأرضه ينادي في السماوات والأرض والملائكة أن استغفروا لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وأمته كل هذا ببركة النبي صلّى الله عليه وآله وسلم.

قال الواقدي: فلما أتى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بطن أمه ثلاثة أشهر كان أبو قحافة راجعا من الشام فلما بلغ قريبا من مكة وضعت ناقته جمجمتها على الأرض ساجدة.

وكان بيد أبي قحافة قضيب فضربها بأوجع ضرب فلم ترفع رأسها فقال أبو قحافة فما أرى ناقة تركت صاحبها وإذا بهاتف يهتف ويقول: لا تضرب يا أبا قحافة من لا يطيعك ألا ترى أن الجبال والبحار والأشجار سوى الآدميين سجدوا لله فقال أبو قحافة: يا هاتف وما السبب في ذلك قال اعلم أن النبي الأمي قد أتى عليه في بطن أمه ثلاثة أشهر قال أبو قحافة: ومتى يكون خروجه قال سترى يا أبا قحافة إن شاء الله تعالى فالويل كل الويل لعبدة الأصنام من سيفه وسيف أصحابه.

قال أبو قحافة فوقفت ساعة حتى رفعت الناقة رأسها فركبتها وجئت إلى عبد المطلب.

قال الواقدي: فلما أتى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربعة أشهر كان زاهد على الطريق من الطائف وكان له صومعة بمكة على مرحلة قال فخرج الزاهد وكان اسمه حبيبا فجاء إلى بعض أصدقائه بمكة فلما بلغ أرض الموقف وإذا بصبي قد وضع جبينه على الأرض وقد سجد على جبهته، قال حبيب: فدنوت منه فأخذته وإذا بهاتف يهتف ويقول خل عنه يا حبيب ألا ترى إلى الخلائق من البر والبحر والسهل والجبل قد سجدوا لله شكرا لما أتى على النبي الزكي الرضي المرضي في بطن أمه خمسة أشهر وهذا الصبي قد سجد لله شكرا قال حبيب فتركت الصبي ودخلت مكة وبينت ذلك لعبد المطلب وعبد المطلب يقول اكتم هذا الاسم فإن لهذا الاسم أعداء قال وذهب حبيب إلى صومعته فإذا الصومعة تهتز ولا تستقر وإذا على محرابه مكتوب وعلى محراب كل راهب مكتوب يا أهل البيع والصوامع آمنوا بالله وبرسوله محمد بن عبد الله فقد آن خروجه فطوبى ثم طوبى لمن آمن به والويل كل الويل لمن كفر به ورد عليه حرفا مما يأتي به من عند ربه قال حبيب فقلت السمع والطاعة إني لمؤمن وطائع غير منكر.

قال الواقدي: فلما أتى على رسول الله في بطن أمه ستة أشهر خرج أهل المدينة واليمن إلى العيد وكان رسمهم أنهم كانوا يجعلون في كل سنة ستة أعياد وكانوا يذهبون عند شجرة عظيمة يقال لها ذات أنواط وهي التي سماها الله في كتابه ومَناةَ الثَّالِثَةَ الأُخرى فذهبوا في ذلك العيد وأكلوا وشربوا وفرحوا وتقاربوا من الشجرة وإذا بصيحة عظيمة من وسط الشجرة وهو هاتف يقول: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وآمِنُوا بِرَسُولِهِ) الآية. وقال يا أهل اليمن ويا أهل اليمامة ويا أهل البحرين ويا من عبد الأصنام ويا من سجد للأوثان جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا يا قوم قد جاءكم الهلاك قد جاءكم التلف قد جاءكم الوبيل والثبور قال ففزعوا من ذلك وانهزموا راجعين إلى منازلهم متحيرين متعجبين من ذلك.

قال الواقدي: فلما أتى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بطن أمه سبعة أشهر جاء سواد بن قارب إلى عبد المطلب فقال له: اعلم يا أبا الحارث أني كنت البارحة بين النوم واليقظة فرأيت أبواب السماء مفتحة ورأيت الملائكة ينزلون إلى الأرض معهم ألوان الثياب يقولون زينوا الأرض فقد قرب خروج من اسمه محمد وهو نافلة عبد المطلب رسول الله إلى الأرض وإلى الأسود والأحمر والأصغر وإلى الصغير والكبير والذكر والأنثى صاحب السيف القاطع والسهم النافذ فقلت لبعض الملائكة من هذا الذي تزعمون. فقال: ويحك هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف فهذا ما رأيت فقال له عبد المطلب اكتم الرؤيا ولا تخبر بها أحدا لننظر ما يكون.

قال الواقدي: فلما أتى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بطن أمه ثمانية أشهر كان في بحر الهوى حوت يقال لها طينوسا وهي سيدة الحيتان فتحركت الحيتان وتحركت الحوت واستوت على ذنبها وارتفعت وارتفع الموج عنها فقالت الملائكة إلهنا وسيدنا ترى ما تفعل طينوسا ولا تطيعنا وليس لنا بها قوة. قال فصاح إستحيائيل الملك صيحة عظيمة وقال لها قري يا طينوسا. ألا تعرفين من تحتك فقالت طينوسا يا إستحيائيل أمر ربي يوم خلقني أن إذا ولد محمد بن عبد الله استغفري له ولأمته والآن سمعت الملائكة يبشر بعضهم بعضا فلذلك قمت وتحركت فناداها إستحيائيل قري واستغفري فإن محمدا قد ولد فلذلك انبطحت في البحر وأخذت في التسبيح والتهليل والتكبير والثناء على ربّ العالمين.

قال الواقدي: فلما أتى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بطن أمه تسعة أشهر أوحى الله إلى الملائكة في كل سماء أن اهبطوا إلى الأرض فهبط عشرة آلاف ملك بيد كل ملك قنديل يشتعل بالنور بلا دهن مكتوب على كل قنديل لا إله إلا الله محمد رسول الله يقرؤه كل عربي كاتب ووقفوا حول مكة في المفاوز وإذا بهاتف يهتف ويقول نور محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال فأورد الخبر إلى عبد المطلب فأمر بكتمانه إلى أن يكون.

قال الواقدي: فلما كملت تسعة أشهر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صار لا يستقر كوكب في السماء إلا ينتقل من موضع إلى موضع يبشرون بعضهم بعضا والناس ينظرون إلى الكواكب في السماء سائرات لايستقرن فأقام ذلك ثلاثين يوما.

قال الواقدي: فلما تم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تسعة أشهر نظرت أم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آمنة إلى أمها برة وقالت يا أماه إني أحب أن أدخل البيت فأبكي على زوجي ساعة وأقطر دمعي على شبابه وحسن وجهه فإذا دخلت البيت وحدي فلا يدخل علي أحد فقالت لها برة ادخلي يا آمنة وابكي فحق لك البكاء قال فدخلت آمنة البيت وحدها وقعدت وبكت وبين يديها شمع يشتعل وبيدها مغزل من آبنوس وعلى مغزلها فلقة من عقيق أحمر وآمنة تبكي وتنوح إذ أوجعت من طلقها فوثبت إلى الباب لتفتحه فلم ينفتح فرجعت إلى مكانها وقالت وا وحدتاه وأخذها الطلق والنفاس وما شعرت بشي‏ء حتى انشق السقف ونزلت من فوق أربع حوريات وأضاء البيت لنور وجوههن وقلن لآمنة لا بأس عليك ـ يا جارية ـ إنا جئناك لخدمتك فلا يهمك أمرك وقعدت الحوريات واحدة على يمينها وواحدة على شمالها وواحدة بين يديها وواحدة من ورائها فهومت عين آمنة وغفت غفوة.

قال ابن عباس: ما كان من أمر أم النبي إلا أنها كانت نائمة عند خروج ولدها من بطنها فانتبهت أم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحت ذيلها قد وضع جبينه على الأرض ساجدا لله ورفع سبابتيه مشيرا بهما (لا إله إلا الله).

قال الواقدي: ولد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم في ليلة الجمعة قبل طلوع الفجر في شهر ربيع الأول ليلة سبعة عشر منه في سنة تسعة آلاف وتسعمائة وأربعة أشهر وسبعة أيام من وفاة آدم عليه السلام.

قال الواقدي: ونظرت أمه آمنة وجه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فإذا هو مكحل العينين منقط الجبين والذقن وأشرق في وجنتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم نور ساطع في ظلمة الليل ومر في سقف البيت وشق السقف ورأت آمنة من نور وجهه صلى الله عليه وآله وسلم كل منظر حسن وقصر بالحرم وسقط في تلك الليلة أربع وعشرون شرفة من إيوان كسرى وأخمدت في تلك الليلة نيران فارس وأبرق في تلك الليلة برق ساطع في كل بيت وغرفة في الدنيا مما قد علم الله تعالى وسبق في علمه أنهم يؤمنون بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولم يطلع في بقاع الكفر بأمر الله تعالى وما بقي في مشارق الأرض ومغاربها صنم ولا وثن إلا وخرت على وجوهها ساقطة على جباهها خاشعة وذلك كله إجلالا للنبي صلّى الله عليه وآله وسلم.

قال الواقدي: فلما رأى إبليس لعنه الله تعالى وأخزاه ذلك وضع التراب على رأسه وجمع أولاده وقال لهم يا أولادي اعلموا أنني ما أصابني منذ خلقت مثل هذه المصيبة قالوا وما هذه المصيبة؟ قال اعلموا أنه قد ولد في هذه الليلة مولود اسمه محمد بن عبد الله صلّى الله عليه وآله وسلم يبطل عبادة الأوثان ويمنع السجود للأصنام ويدعو إلى عبادة الرحمن قال فنثروا التراب على رؤوسهم ودخل إبليس لعنه الله تعالى في البحر الرابع وقعد فيه للمصيبة هو وأولاده مكرهين أربعين يوما.

قال الواقدي: فعند ذلك أخذت الحوريات محمدا صلّى الله عليه وآله وسلم ولففنه في منديل رومي ووضعنه بين يدي آمنة ورجعن إلى الجنة يبشرن الملائكة في السماوات ولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونزل جبرئيل وميكائيل عليهما السلام ودخلا البيت على صورة آدميين وهما شابان ومع جبرئيل طشت من ذهب ومع ميكائيل إبريق من عقيق أحمر فأخذ جبرئيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وغسله وميكائيل يصب الماء عليه فغسلاه وآمنة في زاوية البيت قاعدة فزعة مبهوتة، فقال لها جبرئيل يا آمنة لا تغسليه من النجاسة فإنه لم يكن نجسا ولكن غسلناه من ظلمات بطنك وفرغا من غسله وكحلا عينيه ونقطا جبينه بزرقة كانت معهم ومسك عنبر وكافور مسحوق بعضه ببعض فذرا فوق رأسه صلى الله عليه وآله وسلم، قالت آمنة: وسمعت جلبة وكلاما على الباب فذهب جبرئيل إلى عند الباب فنظر ورجع إلى البيت وقال ملائكة سبع سماوات على الباب يريدون السلام على النبي صلّى الله عليه وآله وسلم فاتسع البيت مد النظر ودخلوا عليه موكبا بعد موكب وسلموا عليه وقالوا السلام عليك يا محمد السلام عليك يا محمود السلام عليك يا أحمد السلام عليك يا حامد.

قال الواقدي: فلما دخل من الليل ثلثه أمر الله تعالى جبرئيل عليه السلام يحمل من الجنة أربعة أعلام فحمل جبرئيل الأعلام ونزل إلى الدنيا ونصب علما أخضر على جبل قاف مكتوبا عليه بالبياض سطران (لا إله إلا الله محمد رسول الله) صلّى الله عليه وآله وسلم ونصب علما آخر على جبل أبي قبيس له ذؤابتان مكتوب على واحد منهما شهادة (أن لا إله إلا الله) وفي الثانية (لا دين إلا دين محمد بن عبد الله) ونصب علما آخر على سطح بيت الله الحرام له ذؤابتان مكتوب على واحدة منهما (طوبى لمن آمن بالله وبمحمد والويل لمن كفر به وردّ عليه حرفا مما يأتي به من عند ربه). ونصب علما آخر على ضريح بيت الله المقدس وهو أبيض عليه خطان مكتوبان بالسواد (لا غالب إلا الله) والثاني (النصر لله ولمحمد) صلّى الله عليه وآله وسلم.

قال الواقدي: وذهب إستحيائيل ووقف على ركن جبل أبي قبيس ونادى بأعلى صوته يا أهل مكة آمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا وأمر الله تعالى غمامة أن ترفع فوق بيت الله الحرام وتنثر على البيت ريش الزعفران والمسك والعنبر فارتفعت الغمامة وأمطرت على ذلك البيت فلما أصبحوا رأوا ريش الزعفران والمسك والعنبر يمطر على البيت وخرجت الأصنام من بيت الله الحرام وجاءوا إلى عند الحجر وانكبوا على وجوههم وجاء جبرئيل بقنديل أحمر له سلسلة من جزع أصفر وهو يشتعل بلا دهن بقدرة الله تعالى.

قال الواقدي: وأبرق من وجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم برق وذهب في الهواء حتى التزق بعنان السماء وما بقي بمكة دار ولا منظر إلا ودخله ذلك النور ممن سبق في قدرة الله تعالى وعلمه أنه يؤمن بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم وما بقي في تلك الليلة كتاب من التوراة والإنجيل والزبور ومما كان فيه اسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم أو نعته إلا وقطر تحت اسمه قطرة دم قال لأن الله تعالى بعثه بالسيف وما بقي في تلك الليلة دير ولا صومعة إلا وكتب على محاريبها اسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم فبقيت الكتابة إلى الصباح حتى قرأها الرهبانية والديرانية وعلموا أن النبي الأمي قد ولد.

قال الواقدي: فعندها قامت آمنة وفتحت الباب وصاحت صيحة وغشي عليها ثم دعت بأمها برة وأبيها وهب وقالت ويحكما أين أنتما أ ما رأيتما ما جرى علي إني وضعت ولدي وكان كذا وكذا تصف لهما ما رأته.

قال: فقام وهب ودعا بغلام وقال اذهب إلى عبد المطلب وبشره وأهل مكة على المنابر وقد صعدوا الصروح ينظرون إلى الذي رأوا من العجائب ولا يدرون ما الخبر وكذلك عبد المطلب قد صعد مع أولاده فما شعروا بشي‏ء حتى قرع الغلام الباب ودخل على عبد المطلب وقال: (يا سيدنا أبشر فإن آمنة وضعت ذكرا) فاستبشر بذلك وقال قد علمت أن هذه براهين ودلائل لمولودي فذهب عبد المطلب إلى آمنة مع أولاده ونظروا إلى وجه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ووجهه كالقمر ليلة البدر يسبح ويكبر في نفسه فتعجب منه عبد المطلب.

قال الواقدي: فأصبح أهل مكة في اليوم الثاني صبيحة يوم السبت ونظروا إلى القنديل والسلسلة وإلى ريش الزعفران والعنبر ينزل من الغمامة وينظرون إلى الأصنام وقد خرجت من مراكزها مكبات على وجوهها وبقي الخلق على ذلك وجاء إبليس أخزاه الله على صورة شيخ زاهد وقال يا أهل مكة لا يهمنكم أمر هذا فإنما أخرج الأصنام بهذا الميل العفاريت والمردة وسجدوا لهن فلا يهمنكم، وأمر إبليس لعنه الله تعالى أن ترد الأصنام إلى جوف بيت الله الحرام ففعلوا ذلك وإذا بهاتف يهتف ويقول (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا).

قال الواقدي: فأرسل الله تعالى إلى البيت حللا من الديباج الأبيض مكتوبا عليها بخط أسود (بسم الله الرحمن الرحيم يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً ومُبَشِّراً ونَذِيراً وداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وسِراجاً مُنِيراً).

قال الواقدي: فتعجب الناس من ذلك فبقيت الحلل على البيت أربعين يوما فذهب رجل من آل إدريس كان بالثعلبان وأتى وكانت يده دسمة فتمسح بتلك الحلل والتحف بها فارتفعت الحلل من ليلتها ولو لم يلتحف بها لبقيت على بيت الله الحرام هي والديباج إلى يوم القيامة.

قال الواقدي: فاجتمع رؤساء بني هاشم وذهبوا إلى حبيب الراهب وقالوا: يا حبيب بين لنا خبر هذه الحلل وخروج الأصنام من جوف بيت الله الحرام والكواكب السائرات والبرق الذي أبرق في هذه الليلة والجلبات التي سمعنا فما هي؟ فقال حبيب: أنتم تعلمون أن ديني ليس دينكم وأنا أقول الحق إن شئتم فاقبلوا وإن شئتم لا تقبلوا، ما هذه العلامات إلا علامات نبي مرسل في زمانكم هذا ونحن وجدنا في التوراة ذكر وصفه وفي الإنجيل نعته وفي الزبور اسمه واسمه، في الصحف وهو الذي يبطل عبادة الأوثان والأصنام ويدعو إلى عبادة الرحمن ويكون على العالم قاطع السيف طاعن الرمح نافذ السهم تخضع له ملوك الدنيا وجبابرتها فالويل كل الويل لأهل الكفر والطغيان وعبدة الأوثان من سيفه ورمحه وسهمه فمن آمن نجا ومن كفر هلك فقام الخلق من عنده مغمومين مكروبين ورجعوا إلى مكة محزونين.

قال الواقدي: وأصبح عبد المطلب في اليوم الثاني ودعا بآمنة وقال هاتي ولدي وقرة عيني وثمرة فؤادي فجاءت آمنة ومحمد صلّى الله عليه وآله وسلم على ساعدها فقال عبد المطلب اكتميه يا آمنة ولا تبديه لأحد فإن قريشا وبني أمية يرصدون في أمره قالت له آمنة السمع والطاعة فجاء عبد المطلب ومحمد صلّى الله عليه وآله وسلم على ساعده وأتى به إلى بيت الله الحرام وأراد أن يمسح بدنه باللات والعزى لتسكن دمدمة قريش وبني هاشم ودخل عبد المطلب بيت الله الحرام، لما وضع رجله في البيت سمع النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وهو يقول (بسم الله وبالله) وإذا البيت يقول (السلام عليك يا محمد ورحمة الله وبركاته وإذا بهاتف يهتف ويقول جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) فتعجب عبد المطلب من صغر سنه وكلامه ومما قال له البيت فتقدم عبد المطلب لخزنة البيت وأمرهم أن يكتموا ما سمعوا من البيت ومحمد صلّى الله عليه وآله وسلم.

قال الواقدي: فتقدم عبد المطلب إلى اللات والعزى وأراد أن يمسح بدن النبي صلى الله عليه وآله وسلم باللات والعزى فجذب من ورائه فالتفت إلى ورائه فلم ير أحدا فتقدم ثانيا فجذبه من ورائه الجاذب فنظر إلى ورائه فلم يرَ أحدا، ثم تقدم ثالثا فجذبه الجاذب جذبة شديدة حتى أقعده على عجزه. وقال: مه يا أبا الحارث أ تمسح بدنا طاهرا ببدن نجس.

قال الواقدي: فعند ذلك وقف عبد المطلب على باب بيت الله الحرام والنبي صلى الله عليه وآله وسلم على ساعده وأنشأ يقول:


الحمد لله الذي أعطاني
هذا الغلام الطيب الأردان

قد ساد في المهد على الغلمان
أعيذه بالبيت ذي الاركان

حتى أراه مبلغ الفتيان
أعيذه من كل ذي شنآن

حتى يكون بلغه الغشيان
من حاسد ذي ناظر معيان



قال الواقدي: وخرج عبد المطلب متفكرا مما سمع ورد محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى أمه وقد وقعت الدمدمة بين قريش وبني هاشم بسبب محمد صلّى الله عليه وآله وسلم.

قال الواقدي: فلما كان اليوم الثالث اشترى عبد المطلب مهدا من خيزران أسود له شبكات من عاج مرصع بالذهب الأحمر وله بكرتان من فضة بيضاء ولونه من جزع أصفر وغشاه بجلال ديباج أبيض مكوكب بالذهب وبعث إليها من الدر واللؤلؤ الكبار الذي تلعب به الصبيان في المهد وبعث بألوان الفرش وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا انتبه من نومه يسبح الله تعالى بتلك الخرز.

قال الواقدي: فلما كان اليوم الرابع جاء سواد بن قارب إلى عبد المطلب وكان عبد المطلب قاعدا على باب بيت الله الحرام وقد حف به قريش وبنو هاشم فدنا سواد بن قارب وقال: يا أبا الحارث اعلم أني قد سمعت أنه ولد لعبد الله ذكر وأنهم يقولون فيه عجائب فأريد أن أنظر إلى وجهه هنيئة.

وكان سواد بن قارب رجلا إذا تكلم سمع وكان رجلا صدوقا فقام عبد المطلب وسواد بن قارب وجاء إلى دار آمنة (رض) ودخلا جميعا والنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان نائما فلما دخل القبة قال عبد المطلب اسكت يا سواد حتى ينتبه من نومه فسكت فدخلا قليلا قليلا حتى دخلا القبة ونظرا إلى وجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو في مهده نائم وعليه هيبة الأنبياء فلما كشف الغطاء عنه برق وجهه برقا شق السقف بنوره والتزق في عنان السماء فألقى عبد المطلب وسواد أكمامهما على وجههما من شدة الضوء فعندها انكب سواد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وقال لعبد المطلب: أشهدك على نفسي أني آمنت بهذا الغلام مما يأتي به من عند ربه، ثم قبَّل وجنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخرجا جميعا ورجع سواد إلى موضعه وبقي عبد المطلب فرحا نشيطا.

قال محمد بن عمر الواقدي: فلما أتى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم شهر كان إذا نظر إليه الناظر يتوهم أنه من أبناء سنة لوقارة جسمه وتمام فهمه صلى الله عليه وآله وسلم وكانوا يسمعون من التسبيح والتمجيد والثناء على الله تعالى.

قال الواقدي: فلما أتى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شهران مات وهب جده أبو أمه آمنة وجاء عبد المطلب وجماعة من قريش وبني هاشم وغسلوا وهبا وحنطوه وكفنوه ودفنوه على ذيل الصفا.

قال الواقدي: فلما أتى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربعة أشهر ماتت أمه آمنة رضي الله عنها فبقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلا أم ولا أب وهو من أبناء أربعة أشهر فبقي يتيما في حجر جده عبد المطلب أبي أبيه رض فاشتد على عبد المطلب موت آمنة ليتم محمد صلى الله عليه وآله وسلم فلم يأكل ولم يشرب ثلاثة أيام فبعث عبد المطلب إلى عند بناته عاتكة وصفية وقال لهما خذا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم والنبي لا يزداد إلا بكاء ولا يسكن وكانت عاتكة تلعق النبي صلى الله عليه وآله وسلم عسلا صافيا ولا يزداد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا تماديا في البكاء.

__________________
العقل كم بات با الأنشغال
والقلب كم با الوجدان هام

التعديل الأخير تم بواسطة العفريت ; 23-08-02 الساعة 06:38 PM.

العفريت غير متصل