عرض مشاركة واحدة
قديم 01-06-13, 07:20 AM   #6

أميري حسين
عضو نشيط  






رايق

الأبعاد الثلاثة للعلاقة الزوجية 5


ثانيا : الزواج نعمة إلهية و حادث بسيط غير معقد


النحو الثاني من التوسع الذي نريد الوصول عن طريقه من المقدمة إلى البحث (الحياة المشتركة و الزواج) هو أن الدنيا مليئة بالنعم الوافرة الكثيرة. و نحن لايسعنا إلا توطيد العلاقة فيما بيننا و بين هذه النعم. و سنصل في أثناء البحث إلى الكلام عن ماهية هذه العلاقة الجميلة، لكن المهم الآن أن علاقتنا مع النعم الإلهية يجب أن تكون بنحو لاتزاحم روحنا، بل تكون مؤثرة في حصولنا على الاستيعابية اللازمة للقاء الله سبحانه.
نحن و في مسير الحصول على الاستيعابية اللازمة للقاء الله ستصل إلينا بعض اللذائذ و النعم التي لابد أن ننالها و نتقبلها بكل وجودنا. و بطبيعة الحال لابد أن تصل إلينا بعض المشاكل و النقم، وهذه أيضا لابد أن نتقبلها بكل وجودنا حتى تتحقق عملية الحصول على الاستيعابية بشكل جيد.
لذلك فلو اعتبرنا الزواج أحد النعم و اللذائذ الإلهية، لابد أن نتساءل عن كيفية التمتّع بهذه اللذائذ؟ لابدّ أن نتمتع بها بنحو لا تزاحم وجودنا؛ لا أن ننظر إليها كمغنم كبير بحيث تأخذ مأخذا من وجودنا وحياتنا. كلا، إن الزواج حدث بسيط جدا. كل الحيوانات والبهائم يتزاوجون فيما بينهم، إنه ليس بحدث معقد.


النظرة الصحيحة للزواج و تجنب الأوهام


لاتهوّلوا أمر الزواج في أعينكم بالأوهام. فقد يتصور البعض بأن الزواج لابد أن يتبعه أمرا مهما، لكننا لانجد لهذا الأمر من أثر؛ فليلة الزواج ليلة عادية جداً. ولايحصل فيها أي أمر مهم إلا هذه المحبة التي تعمر قلب الزوجين. قال لي عريس يوما: إن حفلة عقدي بعد أيام، ولكن لدي مشكلة واحدة؛ و هي أنني لا أشعر بأي شعور خاص. فقلت له: أتحب زوجتك؟ قال: نعم. قلت له: فماذا تريد أكثر من هذا؟ ثم سألته عدة أسئلة فرأيته رجلا معقولا و عاديا جدا. فقلت له: أنت إنسان متعادل جدا؛ فما هي مشكلتك؟ فقال: مشكلتي هي أنني لا أشعر بشعور خاص و لا أحس باضطراب خاص. فقلت له: أتعلم من المتعادل؟ هو أنت و من يحمل فكرك، و غير المتعادل من يرى في الزواج أمرا مهما، فهؤلاء إما يشكون من نقص عاطفي أو من عقد نفسية. فلا تفكر كثيرا بأنه سيحصل أمرا ما. أما يوم العقد فاعتبره يوما جميلا من أيام الله الجميلة باختلاف يسير.
لا ينبغي أن نتوقع من الزواج توقّعات خاصة، فلربما لم نصل إليها أبدا. والذي ينظر إلى الزواج بهذه الرؤية سوف لا يرى في أي متقدم من يشفي غليله. فقد ترفض البنت حتى مثل يوسف (عليه السلام) لأنه ليس فتى أحلامها، ولا ينطبق على ما صاغته في خيالها.
و الشاب في المقابل إن كان مما يطلق عنان فكره و خياله، سوف يرفض كل بنت مقترحة حتى لو كانت بنت الملوك و حتى لو كانت بجمال سندرلا، ويقول إنها ليست بضالّتي. و نتيجة أمثال هذه الأوهام هي التنفر من الطرف المقابل و الحقد عليه بلاشك.
نحن لا نريد من لذة الزواج إلا تأهيل أرواحنا و إصلاحها لتتمكن من التقرب إلى الله تعالى. أما لو أطلقنا لأنفسنا العنان في مخيلاتها و أوهامها عن لذة الزواج و سكينته لا نصل إلى أية نتيجة؛ أو حتى إذا حصلنا على نتيجة ما، نزعم أنّا لم نصل إلى شيء ما يؤدي إلى الشعور بالخيبة والكآبة.
ليس المراد من كلامي غض الطرف عن هذه النعمة الإلهية العظمى و المرّ عليها مرور الكرام؛ فليس هذا مرادي من ضرورة عدّ الزواج أمرا سهلا. بل قصدي هو أن نعتبر الزواج نعمة كبيرة يجب أن نتعاطى معها بشكل جميل لكي تشكّل لنا معبرا ننتهي به إلى مقصدنا السامي.
ترجع ابتداءً مسألة الزواج إلى نظرتنا للهدف منه؛ و إلى فاعليته في الحياة البشرية. و بعد إصلاح رؤيتنا عن الزواج يتحتم علينا الاهتمام بماهية الزواج و في المرحلة الثالثة بالآداب، التي يجب مراعاتها في الزواج. أما لو لم نعلم ما أثر الزواج علينا و ما هدف الله من جعل الزواج سنة الحياة و آية من آياته الكبرى، سنقع في مشكلة عدم التعاطي معه بشكل جيد.
طبعا لابد من القول بأن فهم الزواج بشكل دقيق و معرفة الهدف منه ليس بالأمر الهيّن. فحتى أهل السير و السلوك ليس بوسعهم درك الهدف من العلاقة فيما بينهم و بين الله سبحانه، فضلا عن أن نتوقع من باقي الناس أن يدركوا الهدف الصحيح من العلاقة بين المرأة و الرجل.
فلو لم نشخص الهدف من الزواج لا نعلم ما سيؤول بنا الأمر بعده؟ فهل سألنا أنفسنا أو أحدا عن الهدف من الزواج؟ فلعل أفضل جواب له هو نريد منه أن يوصلنا إلى الراحة النفسية. طيب، لكن حري بنا أن نتبع هذا الجواب بسؤال آخر، وهو أن: ماذا سنفعل بالراحة النفسية التي حصلنا عليها؟ ألا نريد منها أن توصلنا إلى غاية ما؟ و هل أن درجات التكامل تنتهي بالراحة النفسية؟ وقد يجاب على هذا السؤال بأننا بحاجة إلى الراحة لغرض التحرك المتزايد. طيب؛ و ماذا بعد الحركة و ما هي نهايتها؟ فهل تريد أن تكون عاملا فنّيا؟ هل تريد من الزواج أن تكون طالبا مثابرا؟ ثم ماذا بعد الدرس؟ علينا وضع هذه التساؤلات و أمثالها نصب أعيننا دائما، و مع الأسف، نجد كثيرا من الناس لا يتعدى تفكيرهم مسألة المسكن و الملبس و المأكل. فإذا سألته ما يهمك؟ يجيبك على الفور؛ ليس عندي منزل. طيب؛ و ماذا تريد من المنزل؟ يجيب: لأنعم فيه بالراحة. و ماذا تريد من الراحة؟ فقد يرجع إلى نفسه إذ يواجه هذا السؤال لأول مرة في حياته.
و لو كان الهدف النهائي هو الراحة، ماذا لو أعطانا الله إياها بمعزل عن المنزل، هل يكفي ذلك؟ سيكون الجواب لا، لأني أريد منزلا. لماذا؟ لأني لاأريد أن أبقى مستأجرا. و ماذا لو أعطانا منزلا لا نشعر فيه بالراحة؟
يبقى بعض الكبار كالأطفال الذي يتحججون على آبائهم و يلحّون عليهم في شراء لعبة معينة، و عندما يسأله الأب عن السبب، يجيب لألعب بها. فإذا أراد الأب أن يشتري له لعبة أجمل و أكثر متانة من التي طلبها و بإمكانها أن تسليه أكثر، يصر الطفل على اللعبة التي يريدها هو. فإذا سأله الأب عن السبب، يسكت و لايجد جوابا إذ لايسعه القول: لأني وجدتها في يد جارنا.
صدقوني بأن طلبات كثير من الناس - حتى من قرّب على التسعين - هي عين طلبات الأطفال الصغار. بل حتى نظرتهم للزواج لا تتعدي هذا المنطق. يجب أن نعرف السبب الذي يفرض علينا السعي وراء الزواج. نحن ابتداء يتحتم علينا معرفة الهدف من خلقنا ثم الهدف من حياتنا ثم الهدف من الزواج.


يتبع إن شاء الله ...

أميري حسين غير متصل