عرض مشاركة واحدة
قديم 27-05-12, 05:32 PM   #2

المنهال
مشرف الأسلامي

 
الصورة الرمزية المنهال  






رايق

رد: أسئلة حول القضاء والقدر


حياكم الله مولاي العزيز واخي الفاضل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ابعث لكم التحية والدعاء وانا بالقرب من قبر رسول الله والصديقة الشهيدة وأئمة البقيع وأهل البيت عليهم السلام
الجواب مختصرا يقع في نقاط استفيدها من بحث للشيخ الفلسفي عليه الرحمة وانقله بتصرف وهو كالتالي :

النقطة الاولى - تعريف القضاء ومعناه :
قال تعالى : ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾
أخي الكريم إن أصغر الذرات الأرضية و أكبر الأجرام السماوية قد خلقت كلها على أساس مقياس دقيق و تقدير صحيح ، كل قد انتظم في مكانه الخاص به ... و هذا هو معنى القدر ,, فذلك الكون ومافيه كله يسير طبق القوانين والسنن الالهية وكلها مظاهر لقضاء الله و قدره . إذن فالعالم يسير بموجب القضاء و القدر و كل يجري إلى مصيره المعين له بحسب التقدير الإلهي

النقطة الثانية - هل يدخل الجبر و التفويض في حركات الانسان ام لا ,,وهل هو على قسم واحد :
الإنسان ترتبط كل قواه و أفعاله وجميع حركاته و سكناته بالقضاء و القدر الإلهيين فدقات القلب و دوران الدم و الاحساس في العصب و الهضم في المعدة و التصفية في الكبد و الإبصار بواسطة العين ، و السماع بواسطة الأذن ... كل أولئك يسير حسب قضاء الله و قدره ، و لكن النقطة المهمة في البحث هي أن القضاء و القدر ينقسم بالنسبة إلى الانسان إلى قسمين :
فقسم منه يتسم بطابع الحتمية و الجبرية حيث يجري من غير إرادة الإنسان و اختياره ، و قسم آخر جعله الله تعالى طوع إرادتنا و خاضعاً لاختيارنا .
و لنأخذ مثلاً على ذلك : اللسان ، فهو عضو من أعضائنا و جزء من بدننا و له مقدرات كثيرة . فأحد تلك المقدرات جريان الدم في عروقه . و منها أيضاً تكلمه . أما جريان الدم في عروق اللسان فهو خارج عن إرادتنا و إختيارنا ، فالدم يجري في الأوعية الدموية الموجودة في اللسان سواء شئنا أم أبينا . و هنا ( في دوران الدم في اللسان ) قضاءان : الأول جريان الدم في عروق اللسان بالتقدير الإلهي . و الثاني جبرية هذا الدوران وحتمية في اللسان بالتقدير الإلهي أيضاً حيث لا مجال لإرادتنا و اختيارنا فيه .
هذا هو أحد المقدرات بالنسبة إلى اللسان ، و قد عرفنا التقدير الإلهي فيه .
و أما المقدر الآخر فهو صدور التكلم منه . و لكن الواضح أن التكلم نفسه خاضع لإرادتنا ، فبإمكاننا أن نتكلم ، و بإمكاننا أن نسكت . كما أننا نستطيع أن نصدق في كلامنا ، و نستطيع أن نكذب . فهنا أيضاً ( في تكلم اللسان ) قضاءان : الأول صدور التكلم من اللسان بالتقدير الإلهي . و الثاني اختيارية التكلم ، و إراديته أيضاً بالتقدير الإلهي .
و من هنا يتضح جلياً أن القضاء و القدر قد يجريان بصورة جبرية .
و أحياناً يقع القضاء الحتمي بواسطة قدر اختياري لنا . فمثلاً نجد أن الموت أمر مسلم و حتمي على جميع البشر بحكم القضاء الإلهي ، و هو صريح قوله تعالى : ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ ... ﴾ .
و لكن هذا القضاء الحتمي قد يتم بنحو الموت الطبيعي و انقطاع النشاط الحيوي . كما يمكن أن يتم بإرادة و اختيار من قبل شاب يملك من القوة و سلامة البدن ما تجعل باستطاعته أن يعيش سنين طوالاً فيقدم على الانتحار .
و هكذا فالشيخ الذي عمر مائة سنة حتى مات حتف أنفه ، و الشاب الذي لم يعش أكثر من عشرين سنة حتى انتحر بإرادته و اختياره متساويان في أنهما ماتا بقضاء الله و قدره ، مع فارق واحد و هو أنه في الصورة الأولى كان القضاء و القدر حتميين غير اختياريين ، بينما في الصورة الثانية إستغل الشاب حرية الاختيار بالنسبة إلى القضاء و القدر و أنهى بذلك حياته .
و على هذا يجب أن لا نستغرب من قول الراوي عن الرضا ( عليه السلام ) حيث يقول : « سمعت الرضا عليه السلام يقول : كان علي بن الحسين ( عليه السلام ) إذا ناجى ربه قال : أللهم إني قويت على معاصيك بنعمك » و معنى هذه الرواية أن الذي يقدم على المعصية إنما يستغل نعمة الحرية و الاختيار التي وهبها الله له بالقضاء و القدر استغلالاً سيئاً ، فيصاب بالانحراف .
النقطة الثالثة - ما معنى إرادتنا و اختيارنا :
النقطة التي تزل عليها الأقدام ـ غالباً ـ هي أن الناس متى سمعوا إسم القضاء و القدر ظنوا أنه حتمي و جبري . في حين أن الحق ليس كذلك ، فقد يتمثل القضاء و القدر الإلهي في اختيار الناس وإرادتهم . و هناك حديث عن الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) يؤيد هذا الموضوع بوضوح :
« عن أمير المؤمنين أنه قال لرجل ـ سأله بعد انصرافه من الشام ـ فقال : يا أمير المؤمنين أخبرنا عن خروجنا إلى الشام أكان بقضاء و قدر ؟ قال عليه السلام : نعم يا شيخ ، ما علوتم تلعة و لا هبطتم وادياً إلا بقضاء الله و قدره ... فقال الشيخ : عند الله احتسب عنائي يا أمير المؤمنين ؟ » أي : فليس لأتعابنا التي تحملناها في سفرنا هذا من أجر عند الله ... ؟
فيجيب الامام ( عليه السلام ) :
« مه يا شيخ ، فان الله قد عظم أجركم في مسيركم وأنتم سائرون ، وفي مقامكم وأنتم مقيمون ، وفي انصرافكم وأنتم منصرفون ، ولم تكونوا في شيء من أموركم مكرهين ولا إليه مضطرين ، لعلك ظننت أنه قضاء حتم و قدر لازم ؟! لو كان ذلك لبطل الثواب و العقاب ، و لسقط الوعد و الوعيد »
فنجد الامام عليه السلام في هذا الحديث ينسب جميع الأفعال الارادية للبشر إلى القضاء والقدر الالهي . و لكنه مع ذلك يقول : إن هذا القضاء لم يكن حتمياً و القدر لم يكن لازماً . و بنفس المضمون ورد حديث آخر عن الامام الرضا عليه السلام يسأل فيه الراوي عن معنى الأمر بين الأمرين فيقول : « فما أمر بين أمرين ؟ فقال : وجود السبيل إلى إتيان ما أمروا و ترك ما نهوا عنه »
الأمر بين الأمرين :
و هنا يسأل الراوي : « فقلت له : فهل لله عز وجل مشية وإرادة في ذلك ؟ فقال : أما الطاعات فإرادة الله ومشيته فيها : الأمر بها ، و الرضا لها ، و المعاونة عليها ، و إرادته ومشيته في المعاصي النهي عنها ، و السخط لها ، و الخذلان عليها » فهذه الفقرة تبين إرادة الله في أعمال البشر و كيفية التأثير عليها ... « قلت : فلله عز و جل فيها القضاء ؟! قال : نعم ، ما من فعل يفعله العبد من خير و شر إلا و لله فيه قضاء . قلت : فما معنى هذا القضاء ؟! قال : الحكم عليهم بما يستحقونه على أفعالهم من الثواب و العقاب في الدنيا و الآخرة » .
فنجد أن الامام الرضا عليه السلام يسند جميع الأفعال الصالحة و الطالحة للبشر إلى القضاء الالهي بكل صراحة فإن قضاء الله في أعمال البشر هو حريتهم ... تلك الحرية ، و ذلك الاختيار اللذين يستحق بهما الثواب في الطاعة و العقاب في المعصية .
القضاء الالهي :
و لأجل أن يتضح الجواب بصورة واضحة وجلية نضرب مثالاً على الانتحار
فلو أن شخصاً رمى بنفسه من فوق سطح العمارة إلى الأرض المبلطة بالرخام ، و قال في نفسه : لو كان المقدر لي أن أموت فاني ألاقي حتفي و إن لم أرم بنفسي من فوق السطح ، و إن كان المقدر أن أبقى حياً فاني سأستمر على الحياة و إن رميت نفسي من على السطح ... ففي ذلك خطأ فظيع . لأن لله تعالى عدة مقدرات جبرية بهذا الشأن ، و مقدر اختياري واحد . أما المقدرات الجبرية فهي عبارة عن :
1 ـ إن القضاء والقدر الالهيين قد جعلا الرخام الذي يغطي ساحة هذه القاعة صلباً و قوياً .
2 ـ خلقت جمجمة الانسان بموجب القضاء و القدر من عظم دقيق قابل للتهشم .
3 ـ القضاء والقدر أكسب الأرض قوة الجاذبية ، حيث تجذب الأجسام التي في الفضاء ، إليها .
4 ـ إن القضاء و القدر الالهيين يحكمان بأن كل من يرمي بنفسه من مكان شاهق إلى أرض صلبة تتكسر جمجمته و يتلاشي مخه .
5 ـ القضاء و القدر الالهيين يقضيان بموت الانسان عند تلاشي مخه . هذه هي الأقدار الالهية الحتمية و الجبرية بالنسبة إلى حادثة الانتحار .
6 ـ القضاء و القدر الالهيان يحكمان بأن للانسان الارادة و الاختيار الكاملين ، فله أن يرمي بنفسه من السطح ويموت أو يمتنع عن ذلك فينزل من السلم درجة درجة .
إذن ، يجب أن نقول لذلك الشخص الواقف على السطح لغرض إلقاء نفسه إلى الأرض : إن القضاء الالهي بالنسبة إلى موتك و حياتك يتبع إرادتك و اختيارك . فإن اخترت الالقاء بالنفس من السطح فالمقدر أن تموت . و إن اخترت الهبوط على السلم فالمقدر لك أن تبقى حياً . و على كلتا الصورتين تجري القضية بموجب القضاء و القدر .

النقطة الرابعة - حرية الارادة وجريان القضاء والقدر :
لاشك أن الانسان يمتلك حرية الارادة بالرغم من جريان القضاء و القدر على جميع الأمور لأن للانسان تمام الاختيار في سلوك الطريق المؤدي إلى الخير أو الشر . فإن سلك أحدهما وصل إلى النتيجة بلا شك :
« عن ابن نباتة قال : أن أمير المؤمنين عدل من عند حائط مائل إلى حائط آخر . فقيل له يا أمير المؤمنين تفر من قضاء الله ؟ قال : أفر من قضاء الله إلى قدر الله عز وجل »

النقطة الخامسة - تقرير المصير :
إن جانباً من القضاء و القدر يرجع إلى إرادتنا و اختيارنا . و ان الرسالات السماوية تدور حول أفعالنا الارادية . و لهذا فان الثواب و العقاب من قبل الله نظير الجزاء و العقاب البشري في أنه يرجع إلى إرادة البشر و اختيارهم .
و هكذا فإن لكل منا أن يقرر مصيره بيده . و ما أكثر أولئك الذين يدفعهم الكسل و حب الذات إلى التقصير في إداء الواجبات الاجتماعية اللازمة ، ثم ينسبون الشقاء الذي يلاقونه إلى القضاء و القدر ، في حين أنهم كانوا يملكون الحرية الكاملة ، ولم يستغلوا هذه الحرية استغلالاً حسناً بل أساؤا التصرف إليها و جلبوا الشقاء لأنفسهم !!.
إن الله تعالى يقرر في القرآن الكريم أن الذين يرثون الأرض ولهم الحق في أن يقودوا بزمامها هم الرجال الصالحون فقط :
﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾
و العباد الصالحون هم الذين وصلوا إلى جميع مدارج الكمال المادي و المعنوي بفضل الايمان و العلم . و في ظل الفضائل الخلقية و الملكات الطاهرة و نتيجة الجهد و الجد ... وبذلك صاروا يستحقون إسم الانسان الحقيقي .
إن القضاء الحتمي والذي لا يقبل التخلف في هؤلاء الرجال الصالحين هو أن يرثوا حكومة الأرض و لكن الوصول إلى مقام الصلاح و استحقاق تلك الدرجة ( قدر ) إختياري يتعلق به ذلك القضاء الحتمي ... و هؤلاء هم الذين يتمكنون أن يتبعوا النبي ( صلى الله عليه و آله ) بإرادتهم و اختيارهم و يصلوا إلى المقام الذين يستحقون معه وراثة الأرض .

النقطة السادسة - نتيجة وخاتمة
نستنتج مما سبق أن العالم كله يدار بواسطة القضاء و القدر . أي أن السنن الآلهية هي التي تحكم في هذا الكون . و كذلك الأمور التي ترتبط بالإنسان . فانها خاضعة للقضاء و القدر ، غاية ما هناك أن جانباً من القضاء و القدر المتعلق بالبشر يكون مصيراً حتمياً لا أثر لاختيارنا و إرادتنا فيه كدقات القلب و دوران الدم ... وجانباً منه تابع لارادتنا و اختيارنا ، و لنا أن نستغله إما استغلالاً حسناً أو سيئاً .
نسألكم الدعاء كما لا ننساكم منه
مع رجاء قبول عذري فقد اختصرت البحث بما يتناسب مع السؤال
والله يرعاكم
__________________


ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال :
ليت السياط على رؤوس أصحابي حتى يتفقهوا في الحلال والحرام .
وقال عليه السلام : لو أتيت بشاب من شباب الشيعة لا يتفقه لأدبته .

المنهال غير متصل