عرض مشاركة واحدة
قديم 08-06-13, 08:38 AM   #33

أميري حسين
عضو نشيط  






رايق

وقفة عند أسرار الولاية 26


الولاية تؤمّن استقلال الناس؛ لا تراعيها

يسأل البعض هل أنّ الولاية تراعي استقلاليتنا أم لا؟ أو كم هي تحترم حدود استقلالنا؟ فبدلا من الإجابة عن هذا السؤال نقول إن هذا السؤال خاطئ من أصله. إذ إن الولاية هي التي تؤمّن استقلال الناس؛ فلا يأتي الاستقلال من قِبَل مصدر آخر حتى نسأل الولاية هل أنّها تحترم هذا الاستقلال أم لا.
إن حكمة وجود الولاية هي أن تراقب هذا النظام التسخيري المضطرب كيلا يعتدي على الناس أحد. ومن أبرز مصاديق الاعتداء هو سحق استقلالية الناس. فلا تسمح الولاية لأحد أن يستغل مواهبه الإلهية ليسخّر الناس أكثر ممّا أذن الله له؛ أي يتعدى بذلك على استقلاليتهم. فمن هذا المنطلق لابدّ أن نقول أساسا إن الولاية جاءت لتكون ضمانا لاستقلاليّة الناس.
والمعنى الخاطئ الآخر الذي قد يستنبط من مفهوم الولاية هو أنه إذا كان ولي الله مولانا وقيّمنا، فلا داعي بعد لتفكيرنا، إذ إن الولاية سوف تفكّر وتتخذ القرار بدلا عنا، وليس شأننا عندئذ سوى أن نقول سمعا وطاعة وننفّذ ما صدر عن الولي من أوامر. نعم، من يخضع تحت لواء الولاية سوف يتولّاه الولي، ولكن ليس هذا بمعنى سلب مسؤولية التفكّر والتعقل من الناس.
مثله كمثل الأب المتمكّن الثريّ القادر على توفير كل ما يحتاج إليه ابنه، ولكن مع ذلك يرسل ابنه للسوق ويشير عليه بتعلّم مهنة ويقول له: «اذهب واختر عملك ومهنتك بنفسك، وأنا كذلك أدعمك وأحميك». فهذا الأب غير عاجز عن إعطاء رأس مال ضخم لابنه، ولكن يريد لابنه أن يعتمد على نفسه. ولعلّ الولد يخطأ في اختيار العمل، ولكن يراقبه الوالد من بعيد وبعد ما عرف الابن بخطأه قد يأخذ الأب بيده وينجّيه من ورطته. فهنا قد أعطى الوالد لابنه الفرصة للتفكير واتخاذ القرار واختيار العمل بنفسه. وكذلك الأمر في علاقتنا بالولاية فإنها تشبه هذه العلاقة. فمع أن الولاية تدعمنا وتحمينا ولكن ليس معنى هذا الدعم هو سلب استقلالنا والتفكير بدلا عنّا.
على أيّ حال إنّ تهمة «سلب استقلال الناس» الموجّهة للولاية بعيدة كل البعد عن الإنصاف. فهي تشبه في لؤمها ما إذا أخرجت نقودا من جيبك لتنفق بها على سائل فقير، ثم يتهمك الشرطي بأنك قد سرقت هذه النقود من الفقير! كم هي تهمة مؤلمة؟! هذه هي حكاية الولاية مع هذه التهمة. إن دور الولاية هي أن تراقب معادلات المجتمع وتحافظ على استقلال الناس، ثم يتهمها البعض بأنها تهدّد استقلالهم.

الولاية تؤمن ثلاثة أنواع من الاستقلال

إن سبب ظلامة أولياء الله هو اهتمامهم بتأمين استقلال الناس. فلأنهم قد صبّوا معظم اهتمامهم في سبيل الحفاظ على استقلال الناس قد تعرضوا لأشد التهم والافتراءات. فلم يكسبوا بمقاومتهم هذه في سبيل صيانة استقلال الناس إلا التعرّض لأنواع الظلامات. وما أشدّها من ظلامة على شخص صرف كلّ اهتمامه من أجل حفظ استقلال الناس، ثم يُتّهم بعدم مراعاتها. على أي حال إن الولاية تؤمّن ثلاثة أنواع من الاستقلال فنشير إليها تاليا:

1ـ الاستقلال العقلي

أهمّ أبعاد استقلال الإنسان هو استقلاله في الفكر والإدراك والعقل والإحساس. وكما سبق ذكره في الأبحاث السابقة، إن الولاية تؤمن هذا البعد من أبعاد الاستقلال بروعة بالغة. لماذا لم يأتنا الإمام المنتظر (عج) في منامنا ولم يرشدنا عند حيراتنا وترددنا في مفترقات الطرق؟ لماذا لم يرسل الله ملائكته ليرشدونا ويهدونا؟ لأنه لابدّ أن نعيش حالة الاستقلال العقلي. يجب أن نختار ونتخذ القرار بأنفسنا لنرتقي ونتطور ونرشد في سياق هذه القرارات. إن نتيجة هذا الاستقلال لصالحنا حتى وإن عثرنا وسط الطريق، إذ بهذه العثرات نحصل على التجربة والخبرة لتكملة المسير في هذا الدرب.
وليس هذا بمعنى أن الله لا يعين عباده قطّ وقد تركهم سدى فانشغل عنهم بشغل آخر! كلا، فقد جعل الله للناس رسلا ظاهرة وباطنة ليهتدوا بهم، ولكن بعد كل هذا، الشخص الذي يجب أن يتخذ قراره ويختار طريقه في آخر المطاف هو الإنسان نفسه. فعلى سبيل المثال أحد نماذج احترام الله لاستقلال الناس العقلي، هو عدم ذكر اسم أمير المؤمنين (عليه السلام) في القرآن. فإذا أراد الإنسان أن يتلو القرآن بعقله، يجد أن جميع آيات القرآن تشير إلى ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولكنه إذا أراد أن يتلوه بعينه وحسب، لا شكّ في أنه لن يعثر على اسم أمير المؤمنين (عليه السلام) في القرآن. وقد أراد الله منا أن نستخدم عقولنا. فلو كان المفترض هو أن لا تستخدم الناس عقولهم فما الفرق بينهم وبين البهائم؟
لا شكّ في أنّ منهج الولاية في اهتمامها بالاستقلال العقلي للناس مما يزيد من صعوبة التكليف وتعقيده. وذلك لأن الولاية قد لزمت على نفسها أن لا تصرح بكثير من الأوامر، فيتعين على أنفسنا أن ندركها ونعيها وحدنا، كما أنها لا تصارحنا بكثير من التفاصيل والجزئيات فلابدّ لنا أن نتوصل إليها وندركها.
تريد الولاية مطيعا تابعا، ولكن لا تابعا أعمى. فلو كانت الولاية بصدد تربية أتباع عُمْي لكانت قد عالجت جميع المشاكل لحد الآن. إنها ليست بصدد إدارة قطيع غنم، بل تريد أن تتولى مجموعة أناس مثقفين وفاهمين. تريد الولاية مجموعة من الأشخاص الذين يشخّصون تكليفهم من دون أن يوجّه الوليّ لهم أمرا.

يتبع إن شاء الله ...

أميري حسين غير متصل