عرض مشاركة واحدة
قديم 18-09-13, 12:15 PM   #4

أميري حسين
عضو نشيط  






رايق

المثلث الذهبي للمحبة 4


بإمكاننا تزايد المحبة والسيطرة عليها

النكتة الجميلة والمهمة جدا في باب المحبة هي أننا يمكننا زيادة المحبة. ويمكننا الرفع من مستوى "استيعابنا" للمحبة. وبإمكاننا تجربة أنواع من الحب يفوق مستوى استيعاب الفرد العادي. بالإضافة إلى إمكاننا السيطرة على أنواع الحب حتى يسعنا إدخال من نشاء إلى قلوبنا ومنع البعض الآخر. أي بإمكاننا توجيه القلب وتلقينه بأن يحب هذا ويبغض ذاك؛ وبعبارة أخرى بإمكاننا اختيار محبوبنا بأنفسنا.
فعلى هذه، من الممكن جعل القلب تحت سيطرتنا وإرادتنا وتوجيهه إلى حيث نريد، خصوصا في باب المحبة، لكن مع العلم بأن السيطرة على القلب، عمل شاق جدا. فعن الإمام الصادق(عليه السلام): "إزالة الجبال أهون من إزالة قلب عن موضعه".[1]
مر رسول الله(صلى الله عليه و آله) في المدينة يوما على جمع من الشباب يتسابقون فيما بينهم ليروا الأقوى فيهم الذي باستطاعته رفع حجر ثقيل من مكانه ونقله إلى مكان آخر، فقال لهم: "إن الشديد ليس من غلب الناس ولكن الشديد من غلب على نفسه"[2]
ولم يرد رسول الله(صلى الله عليه و آله) بهذه الجملة أن يزعجهم، بل أراد أن يعلمهم شيئا مهما وهو، إن أثقل شيء عند الإنسان، فيما لو تحرك حصل المرء بتحركه على أكبر لذة، هو "القلب".

الحياة المشتركة، ميدان التمرين على المحبة وتقارن القلوب

لقد خطط الله سبحانه للحياة الزوجية المشتركة بحيث تبدأ بالمحبة الجميلة. وسر منشأ هذه المحبة بين الزوجين هو الله تعالى حيث يقول في كتابه العزيز: "وجعل بينكم مودة ورحمة".[3] فقد أهدي الله سبحتنه "المودة" و"الرحمة" للزوجين الشابين في بداية حياتهما المشتركة. أما استدامة هذه المحبة وبقاؤها في امتداد عيشها لايكون إلا بعهدتهما. وهذا مثل الإحساس المعنوي الجميل الذي يهبه الله سبحانه للإنسان في بداية حياته المعنوية ثم يترك الباقي بعهدته، إن شاء عززه وأنماه وإن شاء قلله. أو مثل الطاقة الجسدية عند الشباب أو أي طاقة أخرى يهبها الله سبحانه للانسان، وهو بدوره يمكنه حفظ هذه الطاقة وتعزيزها، كما يمكنه تركها حتى تضعف وتزول.
وبالطبع، إن المثال الأخير سيق لتقريب المعنى في الذهن، وإلا فنحن على علم بأن الأمور المادية تسير نحو الأفول والتضاؤل ثم الزوال، وليس إلا الأمور المعنوية التي يمكن أن تنمو وتتطور بمرور الزمان.
على كل حال، فإرادة المحبة بيدنا وعهدتنا لا غير.

التثاقل في أمر المحبة وآثاره

على رغم أن الحياة المشتركة تبتدأ بالمحبة بيد أن "البعض" يتثاقلون ويتكاسلون في وادي المحبة. ومما يدعو للأسف أن هذا "البعض" يعني اليوم "كل العالم". فالثقافة الغالبة اليوم ينطبق عليها هذا المثل القائل: " " فغدى الناس اليوم لايعملون شيئا لأجل الحصول على المحبة، ولا يملكون أي سيطرة على قلوبهم، فهم كالمتفرج على كل محبة واردة أو صادرة على أو من قلبه. وبعبارة أخرى، هم اليوم أذلاء للمحبة. نحن بحاجة إلى محبة نرأسها في الوقت الذي تأسرنا، لكن لا بمعنى أن نذل لها.
فمن يعيش ذليلا للمحبة، لا قدرة له على ازديادها والإكثار منها. ولا قدرة له على السيطرة على كل محبة واردة كانت أم صادرة، ومن ثم لا يصل إلى الموفقية في حياته ويصاب بالإخفاق والفشل باستمرار.
فكما أن استعمال الأشعة الليزرية منوط بتركيز هذه الأشعة في نقطة واحدة والحيلولة دون تفرقها، كذلك المحبة فهي بحاجة إلى السيطرة عليها، وأن لاندع القلب يشرّق ويغرّب كيفما يشاء، عندئذ نكون أعزاء أمام قلوبنا لا أذلاء له.
ففلسفة الأوامر المكررة من قبل أولياء الله في الوقوف أمام هوى النفس، هي أن هوى النفس يدع الانسان ذليلا عاجزا أمام قلبه، فلو تمكننا من السيطرة على هوى النفس والحيلولة دون تمكنه منا صرنا من أصحاب القلوب شيئا فشيئا وعند ذلك تكون إدارة قلوبنا بأيدينا لا بيد غيرنا.
أما عن مقدار ازدياد حب زوجين شابين بعد مدة من زواجهما عما كان عليه في أوائل تشكيل حياتهما الزوجية، فهذا موكول إليهما. ففي بداية حياتهما المشتركة يحب بعضهما الآخر إلى حد الغرام، فينبغي عليهما الاهتمام أن لا يصاب هذا الحب بأي ضرر. لكن نجد أكثر الناس -وما يدعو للأسف- يكتفون بالحياة الحيوانية. وهذا يعني أنهم وفي بداية حياتهم المشتركة وعلى أساس -أن في كل جديد لذة- يشعرون بالحيوية والانتعاش، لكنهم بعد ذلك يحرمون وبسبب التثاقل والتكاسل من طعم المحبة العميقة والمستحكمة.

يتبع إن شاء الله...

[1].بحار الأنوار، ج75، ص240، الباب23، مواعظ الصادق جعفر بن محمد(ع)
[2].مستدرك وسائل الشيعة، ج11، ص139- مجموعة ورام، ج22، ص10
[3].الروم، 21

أميري حسين غير متصل