عرض مشاركة واحدة
قديم 08-12-11, 12:08 PM   #3

عاشق السماء
.: إداري :.

 
الصورة الرمزية عاشق السماء  







افكر

رد: الليلة السادسة للسيد منير الخباز : العبادة وظمأ الإحساس


المحور الثالث:
الليلة ليلة جمعة، ليلة العبادة، وأنا أريد أن أتحدث معك في معانٍ عباديةٍ عرفانيةٍ، أريد أن أتحدث معك عن درجة الانصعاق بنور الله تبارك وتعالى، العبادة والتوجه إلى الله لها ثلاث مراتب عند علماء العرفان:
1- مرتبة الصعق.
2- مرتبة المحو.
3- مرتبة المحق.
ما المقصود بهذه المراتب؟
المرتبة الأولى للعبادة: مرتبة الصعق، ما معنى الصعق؟
الصعق: استيلاء مرتبة حسية على الجسم بحيث يستسلم الجسم لها وينهار أمامها، يقول القرآن الكريم: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} ، يقول القرآن الكريم: {فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ} ، ويقول القرآن الكريم وهو يتحدث عن الانصعاق بنور الله: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} الصعق بنور الله.
المرتبة الثانية: المحو.
المقصود بالمحو: أن يستغرق الذهن في الله، فلا يفكر الإنسانُ إلا في الله، ولا يلتفت إلا لله، ولا يستأنس إلا بذكر الله، من استغرق في الله فقد حصل على مرتبة المحو، الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) يقول: "ما رأيتُ شيئًا إلا ورأيتُ الله قبله وبعدة وفوقه وتحته وفيه"، ويقول الإمام الحسين (عليه السلام): "ومتى كانت الآثار هي التي توصل إليك" فهو يشير إلى حالة الاستغراق في الله تبارك وتعالى.
المرتبة الثالثة: مرتبة المحق.
والمقصود بها ذوبان إنية العبد في ربه، فلا يرى العبدُ لنفسه شيئًا يسمّى (أنا)، ذابت إنيته في خالقه تبارك وتعالى، لم يبقَ بين العبد وخالقه إلا أن العبد مظهرٌ لجلال وجمال خالقه عز وجل، وهذه المرتبة التي وصل إليها الأوصياءُ والأولياءُ عبّرت عنها الزيارة زيارة أهل البيت: "لا فرق بينك وبينهم إلا أنهم عبادك " وصلوا إلى درجة أن لا حاجب بينك وبينهم – لا فرق بينك وبينهم – إلا أنهم عبادك، مظهر جلالك و جمالك، "السلام على محال معرفة الله، ومساكن بركة الله، ومعادن حكمة الله، وحفظة سر الله، وحملة كتاب الله".
نحن البشر العاديون يمكننا الوصول للمرتبة الأولى، وهي مرتبة الصعق، نحن نحتاج إلى الصعق، نحن نحتاج إلى أن ننصعق بذكر الله, نحن نحتاج إلى أن ننصعق بنور الله، نحن نحتاج هذه الليلة – ليلة الجمعة، ليلة العبادة، ليلة الارتباط بالله – نحتاج إلى الانصعاق بنور الله, الانصعاق يعني أن تستولي العبادة على أحاسيسنا, الانصعاق يعني أن نصل بالعبادة إلى درجة البكاء، إلى درجة النحيب، إلى درجة الضجيج، إذا وصل الإنسان في عبادته إلى مرحلة البكاء والنحيب و الضجيج من ذنوبه ومعاصيه فقد وصل إلى مرحلة الانصعاق بنور الله، نحن نحتاج فعلاً إلى أن نحسّس أنفسنا بلدغ جهنم ولسعة العذاب، إلى أن نحسّس أنفسنا بلسعة الذنوب حتى نصل إلى مرحلة الانصعاق بنور الله عز وجل, لماذا نحن نحتاج إلى الانصعاق؟
قلوبنا قاسية، قلوبنا مملوءة بالغفلة والسهو، ولأن قلوبنا مملوءة بالغفلة لذلك أعيينا جامدة لا تبكي خوفًا من الله، ولا تبكي خشية من الله، جمود العين يكشف عن قسوة القلب، ولذلك يحتاج الإنسان إلى الانصعاق بذكر الله حتى تفيض دموعه {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ}.
لاحظوا هذا الدعاء الشريف يعلمنا كيف نحتاج إلى الانصعاق بنور الله: "إِلـهي اِلَيْكَ اَشْكُو نَفْساً بِالسُّوءِ اَمّارَةً، وَاِلَى الْخَطيئَةِ مُبادِرَةً، وَبِمَعاصيكَ مُولَعَةً، وَلِسَخَطِكَ مُتَعَرِّضَةً، تَسْلُكُ بي مَسالِكَ الْمَهالِكِ، وَتَجْعَلُني عِنْدَكَ اَهْوَنَ هالِك، كَثيرَةَ الْعِلَلِ، طَويلَةَ الأمَلِ، اِنْ مَسَّهَا الشَّرُّ تَجْزَعُ، وَاِنْ مَسَّهَا الْخَيْرُ تَمْنَعُ، تُسْرعُ بي اِلَى الْحَوْبَةِ، وَتُسَوِّفُني بِالتَّوْبَةِ. اِلـهي اِلَيْكَ اَشْكُو قَلْباً قاسِياً بالْوَسْواسِ مُتَقَلِّباً، وَبِالرَّيْنِ وَالطَّبْعِ مُتَلَبِّساً، وَعَيْناً (هذا المهم) وَعَيْناً عَنِ الْبُكاءِ مِنْ خَوْفِكَ جامِدَةً، وَإِلى مايَسُرُّها طامِحَةً"، أعيننا جامدة تحتاج إلى مَنْ يهزّها، تحتاج إلى ما يحرّكها، تحتاج إلى أن تنتقل إلى مرحلة الصعق كي تنصهر بالعبادة.
الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يتحدث عن المتقين الذين وصلوا إلى مرحلة الصعق، يقول: "أَمَّا اللَّيْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ، تَالِينَ لأجزاء الْقُرْآنِ يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلاً، يُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ (إذا قرأنا القرآن لابد أن نقرأه قراءة حزينة حتى ننصعق به) يُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ، وَيَسْتَثِيرُونَ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ، فَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَشْوِيقٌ رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعاً، وَتَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقاً، وَظَنُّوا أنَّهَا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ، وَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَخْوِيفٌ أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ، وَظَنُّوا أَنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وَشَهِيقَهَا فِي أُصُولِ آذَانِهِمْ" هؤلاء المنصعقون بذكر الله، بقراءة القرآن, كيف نصل إلى مرحلة الصعق؟!
هناك خطوات نعبرها:
الخطوة الأولى: آهة الندم.
عليّ أن أتذكر ذنوبي في هذه اللحظة، عليّ أن أتذكر المعاصي التي اقترفتها في هذه الليلة، عليّ أن أسترجع الشريط الأسود المملوء بالذنوب في هذا الوقت، إذا استرجعتُ ذنوبي أخذتني الآهة (آهة الندم، آهة الحسرة): "إلَهِي إِنْ كَانَ النَّدَمُ عَلَى الذَّنْبِ تَوْبَةً فَإِنِّي وَ عِزَّتِكَ مِنَ النَّادِمِينَ، وَإِنْ كَانَ الاسْتِغْفَارُ مِنَ الْخَطِيئَةِ حِطَّةً فَإِنِّي لَكَ مِنَ الْمُسْتَغْفِرِينَ، لَكَ الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى" آهة الندم أول خطوة من خطوات الانصعاق .
الخطو الثانية: القشعريرة.
الإنسان إذا اهتز بدنه عندما يتذكر ذنوبه فهذه القشعريرة هي قشعريرة التوبة، قشعريرة الإنابة التي يقول عنها القرآن الكريم: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّه} الاقشعرار خطوة ضرورية في الانصعاق بنور الوحي.
الخطوة الثالثة: خطوة البكاء وخطوة النحيب على ما اقترفنا وصنعنا، الدعاء – دعاء أبي حمزة الثمالي – يعلمنا كيف ننصعق بنور العبادة، يثير فينا هذه الخطوات التي نحتاج إليها، يتحدث الدعاء عن هذه المرحلة: "اِلهي الَّذِي لَمْ أَسْتَحْيِكَ فِي الخَلاءِ، وَلَمْ اُراقِبْكَ فِي المَلاءِ، أَنا صاحِبُ الدَّواهِي العُظْمى، أَنا الَّذِي عَلى سَيِّدِهِ اجْتّرى، أَنا الَّذِي عَصَيْتُ جَبَّارَ السَّماء" أنا، أنا، أنا صاحب الذنوب، أنا صاحب المعاصي أنا صاحب الجرائر.

ثم ننتقل إلى المرحلة الأخرى، يقول: "اِلهي مَا عَصَيْتُكَ إِذْ عَصَيْتُكَ وَاَنَا بِكَ شاكٌ، وَلاَ بِنَكَالِكَ جَاهِلٌ، وَلا لِعُقُوبَتِكَ مُتَعَرِّضٌّ، وَلكِنْ سَوَّلَتْ لي نَفْسي، وَاَعانَني عَلَيْها شِقْوَتي، وَغَرَّني سِتْرُكَ الْمُرْخى عَلَيَّ" أريد من قلبك تطلع هذه الكلمات، من قلبك، من داخل روحك: "فَأنا الاْنَ مِنْ عَذابِكَ مَنْ يَسْتَنْقِذُني ، وَبِحَبْلِ مَنْ أَتَّصِلُ إِنْ قَطَعْتَ حَبْلَكَ عَنِّي، فَواسَوْاَتاه غدًا من الوقوف بين يديك إِذَا قِيلَ لِلمْخُفِّينَ: جُوزُوا، ولِلْمُثْقِلِينَ: حُطُّوا، أَمَعَ المْخُفِّينَ أَجُوزُ اَمْ مَعَ الْمُثْقِلينَ اَحُطُّ؟!" دعنا نقولها من قلبنا: "وَيْحِي كُلَّما طالَ عُمْري كَثُرَتْ خَطَايَاي، أمَا آنَ لي أنْ أَسْتَحِيَ مِنْ رَبِي".
ننتقل إلى مرحلة النحيب والبكاء: "إلهي فَانْقُلْني اِلى دَرَجَةِ الَّتوْبَةِ اِلَيْكَ، وَاَعِنّي بِالْبُكاءِ عَلى نَفْسي، فَقَدْ أفنيتُ بِالتَّسْويفِ وَ الآمال عُمْري، فَمَنْ يَكُونُ اَسْوَأ حالاً مِنّي إذَا اَنَا نُقِلْتُ عَلى مِثْلِ حالي، اِلى قَبْر لَمْ اُمَهِّدْهُ لِرَقْدَتي، وَلَمْ اَفْرُشْهُ بِالْعَمَلِ الصّالِحِ لِضَجْعَتي، وَما لي لا اَبْكي وَلا اَدْري اِلى أَيْنَ مَصيري، وَقَدْ خَفَقَتْ عِنْدَ رَأسي اَجْنِحَةُ الْمَوْتِ، وما لي لا اَبْكي؟! اَبْكي لِخُروجِ نَفْسي, اَبْكي لِظُلْمَةِ قَبْري، اَبْكي لِضيقِ لَحَدي، اَبْكي لِسُؤالِ مُنْكَر وَنَكير اِيّايَ".
هذا الانصعاق بالعبادة هو الذي جذب الشهداء والأصحاب إلى الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) الذي انصعق بالعبادة، هو الذي جعل حبيب ابن مظاهر الأسدي يتعلق بالشهادة لأنه انصعق بعبادة علي (عليه السلام)...
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين


المصدر : شبكة المنير
__________________

عاشق السماء غير متصل