عرض مشاركة واحدة
قديم 06-06-13, 12:34 AM   #2

ياوديعة علي
عضو قدير جداً

 
الصورة الرمزية ياوديعة علي  







عاشقة

رد: الاسراء والمعراج بضوء علمي بحث وروايات اهل البيت عليهم السلام


وقد مر تفسير الآية الثانية في باب عصمته (صلى الله عليه وآله).
قوله تعالى: " علمه شديد القوى " قال البيضاوي: أي ملك شديد قواه، وهو جبرئيل (عليه السلام) " وذو مرة " حصافة في عقله ورأيه " فاستوى " فاستقام على صورته الحقيقية التي خلقه الله عليها، وقيل: استولى بقوته على ما جعل له من الامر " وهو " أي جبرئيل " بالأفق الاعلى " أفق السماء " ثم دنا " من النبي " فتدلى " فتعلق به، وهو تمثيل لعروجه بالرسول (صلى الله عليه وآله)، وقيل: ثم تدلى من الأفق الاعلى فدنا من الرسول، فيكون إشعارا بأنه عرج به غير منفصل عن محله، وتقريرا لشدة قوته، فإن التدلي استرسال مع تعلق " فكان " جبرئيل من محمد (صلى الله عليه وآله) " قاب قوسين " مقدارهما " أو أدنى " على تقدير كم، كقوله: أو يزيدون (1) " والمقصود تمثيل ملكة الاتصال وتحقيق استماعه لما أوحى إليه بنفي البعد الملبس " فأوحى " جبرئيل " إلى عبده " أي عبد الله وإضماره قبل الذكر لكونه معلوما " ما أوحى " جبرئيل وفيه تفخيم للوحي به أو الله إليه، وقيل الضمائر كلها لله تعالى وهو المعني بشديد القوى، كما في قوله: " هو الرزاق ذو القوة المتين (2) " ودنوه منه برفع مكانته، وتدليه: جذبه بشراشره إلى جناب القدس " ما كذب الفؤاد ما رأى " أي ببصره من صورة جبرئيل، أو الله، أي ما كذب الفؤاد بصره بما حكاه له، فإن الأمور القدسية تدرك أولا بالقلب، ثم ينتقل منه إلى البصر، أو ما قال فؤاده لما رآه: لم أعرفك، ولو قال ذلك كان كاذبا، لأنه عرفه بقلبه كما رآه ببصره، وقيل:
ما رآه بقلبه، والمعنى لم يكن تخيلا كاذبا، ويدل عليه أنه سئل (صلى الله عليه وآله) هل رأيت ربك؟
فقال: رأيته بفؤادي " أفتمارونه على ما يرى " أفتجادلونه عليه، من المراء وهو المجادلة " ولقد رآه نزلة أخرى " مرة أخرى، فعلة من النزول، وأقيمت مقام المرة ونصبت نصبها إشعارا بأن الرؤية في هذه المرة كانت أيضا بنزول ودنو، والكلام في المرئي والدنو ما سبق، وقيل: تقديره ولقد رآه نازلا نزلة أخرى، ونصبها على المصدر، والمراد به نفي الريبة عن المرة الأخيرة " عند سدرة المنتهى " التي ينتهي إليها علم الخلائق وأعمالهم، أوما ينزل من فوقها ويصعد من تحتها إليها ولعلها شبهت بالسدرة، وهي شجرة النبق "، لأنهم يجتمعون في ظلها، وروي مرفوعا أنها في السماء السابعة " عندها جنة المأوى " الجنة التي يأوي إليها المتقون، أو أرواح الشهداء " إذ يغشى السدرة ما يغشى " تعظيم وتكثير لما يغشاها بحيث لا يكتنهها نعت ولا يحصيها عدد، وقيل يغشاها الجم الغفير من الملائكة يعبدون الله عندها " ما زاع البصر " ما مال بصر رسول الله عما رآه " وما طغى " وما تجاوزه، بل أثبته إثباتا صحيحا مستيقنا، أو ما عدل عن رؤية العجائب التي امر برؤيتها وما جاوزها " لقد رأى من آيات ربه الكبرى " أي والله لقد رأى الكبرى من آياته و عجائبه الملكية والملكوتية ليلة المعراج، وقد قيل: إنها المعنية بما رأى، ويجوز أن تكون الكبرى صفة للآيات، على أن المفعول محذوف، أي شيئا من آيات ربه، أو " من " مزيدة (1).
وقال الطبرسي - رضي الله عنه - في قوله تعالى: " ما كذب الفؤاد ما رأى " أي لم يكذب فؤاد محمد (صلى الله عليه وآله) ما رآه بعينه، قال ابن عباس: رأى محمد ربه بفؤاده، وروي ذلك عن محمد بن الحنفية، عن علي (عليه السلام)، أي علمه علما يقينا بما رآه من الآيات الباهرات، و قيل: إن الذي رآه هو جبرئيل على صورته التي خلقه الله عليها، وقيل: هو ما رآه من ملكوت الله وأجناس مقدوراته عن الحسن، قال: وعرج بروح محمد إلى السماء وجسده في الأرض، وقال الأكثرون وهو الظاهر من مذاهب أصحابنا والمشهور في أخبارهم: إن الله تعالى صعد بجسمه إلى السماء حيا سليما حتى رأى ما رأى من ملكوت السماوات بعينه ولم يكن ذلك في المنام، وعن أبي العالية قال: سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) هل رأيت ربك ليلة المعراج؟ قال: رأيت نهرا، ورأيت وراء النهر حجابا، ورأيت وراء الحجاب نورا، لم أر غير ذلك.
وروي عن أبي ذر وأبي سعيد الخدري أن النبي (صلى الله عليه وآله) سئل عن قوله: " ما كذب الفؤاد ما رأى " قال: رأيت نورا، وروي ذلك عن مجاهد وعكرمة " أفتمارونه على ما يرى ".
وذلك أنهم جادلوه حين أسري به، فقالوا: صف لنا بيت المقدس، وأخبرنا عن عيرنا في طريق الشام " ولقد رآه نزلة أخرى " أي جبرئيل في صورته نازلا (1) من السماء نزلة أخرى وذلك أنه رآه مرتين في صورته " عند سدرة المنتهى " أي رآه محمد وهو عند سدرة المنتهى، وهي شجرة عن يمين العرش فوق السماء السابعة، انتهى إليها علم كل ملك (2) وقيل: هي شجرة طوبى " إذ يغشى السدرة ما يغشى " قيل: يغشاها الملائكة أمثال الغربان حين يقعن على الشجرة، وروي أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: رأيت على كل ورقة من أوراقها ملكا قائما يسبح الله تعالى، وقيل: يغشاها من النور والبهاء والحسن والصفاء الذي يروق الابصار ما ليس لوصفه منتهى، وقيل: يغشاها فراش (2) من ذهب عن ابن عباس، وكأنها ملائكة على صورة الفراش يعبدون الله تعالى، والمعنى أنه رأى جبرئيل على صورته في الحال التي يغشى فيها السدرة، من أمر الله ومن العجائب المنبهة على كمال قدرة الله تعالى ما يغشاها.
" ما زاغ البصر وما طغى " لم يمل بصره يمينا وشمالا، وما جاوز القصد، ولا الحد الذي حد له " لقد رأى من آيات ربه الكبرى " مثل سدرة المنتهى، وصورة جبريل ورؤيته وله ستمائة جناح قد سد الأفق بأجنحته، وقيل: إنه رأى رفرفا أخضر من رفارف الجنة قد سد الأفق انتهى كلامه رفع الله مقامه (4).
وأقول: اعلم أن عروجه (صلى الله عليه وآله) إلى بيت المقدس ثم إلى السماء في ليلة واحدة بجسده الشريف مما دلت عليه الآيات والأخبار المتواترة من طرف الخاصة والعامة، وإنكار أمثال ذلك أو تأويلها بالعروج الروحاني أو بكونه في المنام ينشأ إما من قلة التتبع في آثار الأئمة الطاهرين، أو من قلة التدين وضعف اليقين، أو الانخداع بتسويلات المتفلسفين، والأخبار الواردة في هذا المطلب لا أظن مثلها ورد في شئ من أصول المذهب، فما أدري ما الباعث على قبول تلك الأصول وادعاء العلم فيها والتوقف في هذا المقصد الأقصى، فبالحري أن يقال لهم: أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض وأما اعتذارهم بعدم قبول الفلك للخرق والالتيام فلا يخفى على اولي الافهام أن ما تمسكوا به في ذلك ليس إلا من شبهات الأوهام، مع أن دليلهم على تقدير تمامه إنما يدل على عدم جواز الخرق في الفلك المحيط بجميع الأجسام، والمعراج لا يستلزمه، ولو كانت أمثال تلك الشكوك والشبهات مانعة من قبول ما ثبت بالمتواترات لجاز التوقف في جميع ما صار في الدين من الضروريات، وإني لأعجب من بعض متأخري أصحابنا كيف أصابهم الوهن في أمثال ذلك، مع أن مخالفيهم مع قلة أخبارهم وندرة آثارهم بالنظر إليهم عدم تدينهم لم يجوزوا ردها، ولم يرخصوا في تأويلها، وهم مع كونهم من أتباع الأئمة الأطهار (عليهم السلام) وعندهم أضعاف ما عند مخالفيهم من صحيح الآثار يقتصمون آثار شرذمة من سفهاء المخالفين، ويذكرون أقوالهم بين أقوال الشيعة المتدينين، أعاذنا الله وسائر المؤمنين من تسويلات المضلين.
واعلم أن قدماء أصحابنا وأهل التحقيق منهم لم يتوقفوا في ذلك:
قال شيخ الطائفة قدس الله روحه في التبيان: وعند أصحابنا وعند أكثر أهل التأويل وذكره الجبائي أيضا أنه عرج به في تلك الليلة إلى السماوات حتى بلغ سدرة المنتهى في السماء السابعة وأراه الله من آيات السماوات والأرض ما ازداد به معرفة ويقينا، وكان ذلك في يقظته دون منامه، والذي يشهد به القرآن الاسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، والثاني يعلم بالخبر انتهى (1). وقوله: عند أصحابنا يدل على اتفاقهم على ذلك فلا يعبأ بما أسند ابن شهرآشوب إلى أصحابنا من اقتصار الامامية على المعراج إلى بيت المقدس كما سيأتي.
وقال في المقاصد وشرحه: قد ثبت معراج النبي (صلى الله عليه وآله) بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، إلا أن الخلاف في أنه في المنام أو في اليقظة، وبالروح فقط أو الجسد، وإلى المسجد الأقصى فقط أو إلى السماء والحق أنه في اليقظة بالجسد إلى المسجد الأقصى بشهادة الكتاب، وإجماع القرن الثاني، ومن بعده إلى السماء بالأحاديث المشهورة، والمنكر مبتدع، ثم إلى الجنة والعرش، أو إلى طرف العالم على اختلاف الآراء بخبر الواحد، وقد اشتهر أنه نعت لقريش المسجد الأقصى على ما هو عليه، وأخبرهم بحال عيرهم فكان على ما أخبر، وبما رأى في السماء من العجائب، وبما شاهد من أحوال الأنبياء على ما هو مذكور في كتب الحديث.
لنا أنه أمر ممكن أخبر به الصادق، ودليل الامكان تماثل الأجسام، فيجوز الخرق على السماء كالأرض، وعروج الانسان، وأما عدم دليل الامتناع فإنه لا يلزم من فرض وقوعه محال، وأيضا لو كان دعوى النبي (صلى الله عليه وآله) المعراج في المنام أو بالروح لما أنكره الكفرة غاية الانكار، ولم يرتد من أسلم ترددا منه في صدق النبي (صلى الله عليه وآله).
تمسك المخالف بما روي عن عائشة أنها قالت: والله ما فقد جسد محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وعن معاوية أنها كانت رؤيا صالحة، وأنت خبير بأنه على تقدير صحته لا يصلح حجة في مقابلة ما ورد من الأحاديث وأقوال كبار الصحابة وإجماع القرون اللاحقة انتهى.
أقول: لو أردت استيفاء الأخبار الواردة في هذا الباب لصار مجلدا كبيرا، وإنما نورد ههنا بعض ما يتعلق بكيفية المعراج وحقيته، وسائر الأخبار متفرقة في سائر الأبواب.
1 - العقائد: اعتقادنا في الجنة والنار أنهما مخلوقتان، وأن النبي (صلى الله عليه وآله) قد دخل الجنة، ورأي النار حين عرج (1).
2 - أقول: روى في تفسير النعماني بإسناده الذي سيأتي في كتاب القرآن عن الصادق (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): وأما الرد على من أنكر المعراج فقوله تعالى " وهو بالأفق الاعلى * ثم دنا فتدلى * فكان قاب قوسين أو أدنى * فأوحى إلى عبده ما أوحى " إلى قوله: " عندها جنة المأوى " فسدرة المنتهى في السماء السابعة، ثم قال سبحانه: " واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمان آلهة يعبدون (1) " وإنما أمر تعالى رسوله أن يسأل الرسل في السماء، ومثله قوله: " فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فأسال الذين يقرؤون الكتاب من قبلك " يعني الأنبياء عليهم السلام، هذا كله في ليلة المعراج (2).
وأما الرد على من أنكر خلق الجنة والنار فقال الله تعالى: " عند سدرة المنتهى * عندها جنة المأوى (3) " وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): دخلت الجنة فرأيت فيها قصرا من ياقوت أحمر يرى داخله من خارجه وخارجه من داخله من نوره، فقلت: يا جبرئيل لمن هذا القصر؟
قال: لمن أطاب الكلام، وأدام الصيام، وأطعم الطعام، وتهجد بالليل والناس نيام الخبر (4).
وقال (صلى الله عليه وآله) (5): لما أسري بي إلى السماء، دخلت الجنة فرأيت فيها قيعان (6)، ورأيت فيها ملائكة يبنون لبنة من ذهب، ولبنة من فضة، وربما أمسكوا، فقلت لهم: ما بالكم قد أمسكتم (7)؟ فقالوا: حتى تجيئنا النفقة، فقلت: وما نفقتكم؟ قالوا: قول المؤمن:
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فإذا قال: بنينا، وإذا سكت أمسكنا.



يتبع .....



__________________
ساخت الارض بأهلها فمتى تعود ترانا ونراك (عج)
غريب ياقلبي كيف تعيش

ياوديعة علي غير متصل