عرض مشاركة واحدة
قديم 06-07-13, 12:32 PM   #39

أميري حسين
عضو نشيط  






رايق

وقفة عند أسرار الولاية 30


إن مشاهد وصور مظلومية نبينا الأعظم(صلى الله عليه وآله) في أوائل أيام بعثته وحتى في أوائل سنيّ هجرته من الكثرة والشهرة بمكان بحيث قد لا نحتاج إلى ذكرها. ولكنه كان لم يزل يتلقى الظلم حتى في آخر عمره الشريف وبعدما شكل حكومة إسلامية قوية وكان على رأس هرم القوة في المجتمع. فعلى سبيل المثال في السنة السادسة بعد الهجرة التي خرج فيها النبيّ من المدينة بقصد أداء العمرة، لم يتيسّر له الذهاب واضطرّ إلى إمضاء معاهدة «صلح الحديبية» مع مشركي قريش، فاعترض بعض الأصحاب على النبيّ ما أدى إلى تشكيك بعضهم في رسالته(صلى الله عليه وآله) كما ورد في التاريخ.[1] أفلم يعلموا أن بعد ما يأمر النبي(صلى الله عليه وآله) بأمر، ليس لمؤمن ومؤمنة أيّ سبيل بعد إلا التسليم وامتثال أمره.[2] أيّة ظلامة أكبر من أن يخالف البعض أمر النبي(صلى الله عليه وآله) بل يشكّك في رسالته مع أن الله قد أمر صريحا بطاعته.
كما يمكننا أن نستشهد بمحاولة اغتيال النبيّ(صلى الله عليه وآله) التي أشرنا إليها في الأبحاث السابقة. أليست من المظلومية أن يحاول بعض من انتحل عنوان صحابة النبيّ لاغتياله وقتله، ولكنه لم يستطع أن يصرّح باسمهم ويفضحهم أمام الناس مراعاة لكرامتهم؟ مع الأسف إن أمثال هذه الأحداث كثيرة في تاريخ الإسلام و التي اضطر النبي(صلى الله عليه وآله) فيها إلى تحمّل المظلومية في سبيل رشد الناس وتكاملهم. ولعلّ ظلامات النبي(صلى الله عليه وآله) أكثر إيلاما من ظلامات أمير المؤمنين(عليه السلام).

دور الخواص في تقليل مظلومية الولاية

إذا أرادت الولاية أن تراعي كرامة الناس ومع هذا تستقيم دعائم حكومتها، لابدّ لخواص المجتمع وأصحابها المقرّبين أن يتلقوا مظلومية الولاية بأنفسهم. يعني أن لخواص ومقربي الولاية في الحكومة الولائية دورا مهمّا جدا في الحفاظ على كيان الحكومة وازدياد قوتها.
هذا هو السبب الذي جعل كثيرا من المسلمين في زمن الرسول(صلى الله عليه وآله) يحقدون على علي(عليه السلام).[3] كان ذنب علي(عليه السلام) هو أنه أدّى وظيفته كجندي بأحسن وجه. فأي طعنة أرادوا أن يوجّهونها للنبي(صلى الله عليه وآله) كانوا يوجهونها لعليّ(عليه السلام) وكان عليّ يستقبلها برحابة صدر. كان ذنب علي(عليه السلام) هو أنه كان ينفّذ حديث النبي(صلى الله عليه وآله) ببالغ الدقّة حيث كان يهدّد سلوكه هذا سمعة باقي الأصحاب الذين لم يمتثلوا كلام الرسول(صلى الله عليه وآله) بهذا الشكل.
ففي سبيل نفض غبار المظلومية عن وجه وليّ الله، يتعيّن على أنصاره ومقربيه أي خواصّ المجتمع أن يجعلوا نفسهم كبش الفداء تجاه الولاية. في أوائل الثورة الإسلامية في إيران كان الشهيد بهشتي يتلقّى بنفسه كل ما كان يتوجّه للإمام من مظلومية وغربة. كانت مظلومية الشهيد بهشتي من الشدة بمكان بحيث كان يهتف بشعار «الموت لبهشتي» حتى بعض أنصار الثورة ومقلّدي الإمام(ره). ولهذا قال الإمام(ره) في حقه بعد استشهاده: «إن سبب لوعتي على هذا الرجل شيء يهون عنده استشهاده، وهو مظلوميته في هذا البلد».[4]
لابدّ لخواصّ المجتمع أن يتقوّون على تحمّل المظلومية. لابدّ لهم أيضا أن يتحمّلوا المظلومية بالرغم من قدرتهم وقوتهم. ويعني هذا أن لا ينبغي لهؤلاء أن يستخدموا أدواة القوة بلا حدود. وأحد أسباب لوعة مظلومية خواص المجتمع هو أنهم قادرون على ردع الظلم عن أنفسهم عبر الأساليب التي في متناولهم، بيد أنهم يدعونها ولا يستخدمونها حفاظا على كرامة الناس.
فعلى سبيل المثال كان المنازع السياسي الرئيس للشهيد بهشتي، رئيس الجمهورية الحين يعني السيد بني صدر. ولكن لم يكن يسمح لأحد في الجلسات أن يغتاب بني صدر، حتى كان يشجع الآخرين بصراحة أن يشيروا إلى إيجابيات رئيس الجمهورية ولا يعدلوا عن الإنصاف في نقده.[5] فبعدما قرّر بني صدر على الهروب من إيران وكان متواريا في ملجأ، وبينا أن كان يبحث قوات الثورة عن بني صدر، ألقوا القبض على زوجه فبشّروا الشهيد بهشتي بأنا ألقينا القبض عليها وهذا ما سيضطرّ بني صدر إلى التسليم. فبالرغم من كل التهم الذي افتراها بني صدر على الشهيد بهشتي، ارتعد الشهيد غضبا وقال: «لا یحقّ لنا أن نلقي القبض على امرأة بريئة وليس لها ذنب سوى أنها زوج بني صدر وزوجها ملاحق بسبب خيانته للبلد». فأمر بإطلاق سراحها فورا.[6]

يتبع إن شاء الله...


[1]سیرة الحلبية، باب صلح الحديبية، ج2، ص706.

[2]«وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبيناً»(احزاب،36)

[3] قال الإمام الحسن(عليه السلام) في حضور معاوية وجمع من أتباعه عبر ذكر مناقب أمير المؤمنين(عليه السلام): «أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ أَ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ(ص) فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ(ص) فَقَالَ عَلِيٌّ مَا يُبْكِيكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ يُبْكِينِي أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ لَكَ فِي قُلُوبِ رِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي ضَغَائِنَ لَا يُبْدُونَهَا لَكَ حَتَّى أَتَوَلَّى عَنْک؟» [احتجاج علی أهل اللجاج، ج1، ص273].

[4] صحیفه امام، ج14، ص519.
[5] «حزب الجمهورية الإسلامية، أقوال، حوارات ومقالات» الكتاب باللغة الفارسية تحت عنوان «حزب جمهوری اسلامی؛ گفتارها، گفتگوها، نوشتارها»، ص 112.
[6] مركز آثار وأفكار الشهيد الدكتور بهشتي، نقلا عن آية الله موسوي الأردبيلي: www.beheshti.org

أميري حسين غير متصل