عرض مشاركة واحدة
قديم 02-06-13, 10:02 AM   #32

أميري حسين
عضو نشيط  






رايق

وقفة عند أسرار الولاية 25


2ـ السعي لهداية الناس

ليس الهدف الرئيس في الحكومة الولائية هو تأمين أولى الاحتياجات البشرية، بل الهدف والغاية من تشكيل الحكومة الولائية هي إيصال الناس إلى الله عز وجل. طبعا لا شك أن تحقيق هذه الغاية القصوى سيوفّر الغايات والأهداف المتوسطة والابتدائية من باب الأولى.
فباعتبار أن الهدف الرئيس للولاية هو إيصال الناس إلى الله، فلهذا لن تسمح لنفسها في هذا المسار أن تستعمل أدوات القوة على نطاق واسع وبلا حدود. لابدّ للناس أن يصلوا إلى الله باختيارهم وبإرادتهم. بعبارة أخرى لن يفرض الوليّ شيئا على الناس في سبيل هدايتهم ولن يستعمل أدواته بشكل غير محدود.
النقطة المهمة التي لابدّ من الالتفات إليها هو أنه أيّة حكومة لا تهدف إلى إيصال الناس إلى الله فهي حكومة ظالمة. أية حكومة وقوّة تتبلور في المجتمع وكان هدفها غير إيصال الناس إلى الله فمآلها الحتمي هو الظلم. بعبارة أخرى لا يمكن أن يترأس حاكم غير إلهيّ على حكومة ثم نتوقّع منه أن يراعي كرامة الناس.
لا سبيل لحياة الإنسان إلى الطمأنينة والاستقرار إلا أن يكون اتجاهها ومنحاها إلى الله. فإن لم يكن اتجاهها إلى الله، لعلها تعيش في فترة أو في مكان ما يسمّى بحالة الراحة والاستقرار، بيد أنها وفي آخر مطافها ستنتهي إلى الظلم. ليس لأحد سوى عبّاد الله أن يوفّر للناس الكرامة والحريّة والرفاه والعدل. ومتى وصل الناس إلى هذه النتيجة عندها ينبغي أن نترقب ظهور المنقذ (عج). إن دأب عبّاد الله الحقيقيين هو أن يهدوا الناس إلى السعادة والهدى باختيارهم وإرادتهم، فلا يدفعون في هذا المسار أحدا رغما على إرادته.
لقد أشارت الزهراء سلام الله عليها إلى هذه الحقيقة عندما زارتها نسوة المدينة. فقالت لهم في مطلع حديثها: «ما الذي نقموا من أبي الحسن». ثم بدأت تبيّن لهم هذا المعنى وهو أنه صحيح أن عليّا قد شدّد على نفسه ولزم الحياة الصعبة في سبيله الذي يمضيه إلى الله، بيد أنه لن يلزمكم ما ألزم به نفسه. إنه سيأخذ بأيديكم إلى شاطئ الهدى ويدلّيكم على عين المعارف الإلهية من دون أن يضيّق عليكم أو ينغّض حياتكم. سوف يعاملكم برفق وتسامح حتى تختاروا درب الهدى باختياركم وإرادتكم؛ «وما نقموا والله منه الا نكير سيفه ونكال وقعته وشدة وطأته وقلة مبالاته بحتفه وتنمره في ذات الله و تالله لو تكافوا عن زمام نبذه إليه رسول الله و مالوا عن المحجّة اللائحة و زالوا عن قبول الحجّة الواضحة لردهم إليها و حملهم عليها و لسار بهم سيرا سجحا لا يكلم خشاشه و لا يكل سائره و لا يمل راكبه و لأوردهم منهلا نميرا صافيا رويّا فضفاضا تطفح ضفتاه ولا يترنق جانباه...».[1]
محصل الكلام: من هذا المنطلق لابدّ للقوة المركزية (الولاية) أن تضيّق نطاق استخدامها لأدوات القوة وذلك لسببين: الأول هو الحفاظ على كرامة الناس وهو أمر مرتبط بالأسلوب والمنهج؛ والثاني هو السعي لهداية الناس، وهو مرتبط بالهدف والغاية. وبالمناسبة، إن الالتزام بهذين المعيارين، له علاقة مباشرة بحبّ الناس ومعنويتهم. فعندما نرى مدى اهتمام الأولياء الربانيين بكرامة الناس، تمتلئ قلوبنا حبّا ومودة لهم، وعندما يلتزم هؤلاء الأولياء بالهدف الرئيس وهو إيصال الناس إلى الله، تتبلور وتزدهر المعنوية في القلوب.
عندما يتشرف الإنسان في حرم الإمام الرضا (عليه السلام) ويزور أهل البيت (عليهم السلام)، تتصف هذه الزيارة والعلاقة بجانبين؛ فإنها علاقة حبّية ومعنوية في وقت واحد. هناك يتصل الإنسان بالله اتصالا معنويا، لماذا؟ لأن أساس الإمامة والولاية هي حركة تسوق الإنسان إلى الله. ومن جانب آخر، يعيش الإنسان في حرم الإمام الرضا (عليه السلام) علاقة الحبّ والمودّة مع الإمام. وسبب هذا الحبّ هو أن الإمام يحترم الإنسان ويهتمّ بكرامته.

استقلال الناس تحت لواء الولاية

كما مرّ سابقا، إن الولاية بمعنى القيمومة على الناس وإدارتهم. وهذا التعريف الصحيح قد وجّه لها تهمة كبيرة على مرّ الزمان وهي أن مقتضى دورها هو سلب استقلال الناس. إن الله قد خلقنا أحرارا مستقلّين، بيد أن الولاية بصدد المسك بزمام أمورنا والقيمومة علينا، ومعنى ذلك هو سلب استقلالنا. فمن جانب يودّ الإنسان أن يتكئ على نفسه ومن جانب آخر تشيرون عليه أن يكون تبعا للولاية متكلا عليها.
بالرغم من أنّ الولاية تقود الناس وترأسهم مع حفظ كرامتهم وهذا ما قد سبب مظلوميتها على مرّ التاريخ، ولكن مع ذلك تتعرض دائما لتهمة أنها تلقي بظلالها على استقلال الناس. فانطلاقا من أهمية هذا الموضوع، حريّ بنا أن نقف عنده في بعض النقاط بشأن علاقة الولاية مع استقلال الناس.

يتبع إن شاء الله...

[1] «مَا الَّذِي نَقَمُوا مِنْ أَبِي الْحَسَنِ...» الاحتجاج علی اهل اللجاج، ج1، ص108

أميري حسين غير متصل